تواصل معنا

كانت غزوة حنين في العاشر من شوال من العام الثامن للهجرة منصرفَ النبي - ^ - من مكة بعد أن منَّ الله عليه بفتحها، وقد انصرف رسول الله من مكة لست خلت من شوال،...

الاستاذ

عضو
نجوم المنتدي
إنضم
11 أغسطس 2021
المشاركات
3,245
مستوى التفاعل
2,652
الإقامة
مصر
مجموع اﻻوسمة
2
غزوة حنين


كانت غزوة حنين في العاشر من شوال من العام الثامن للهجرة منصرفَ النبي - ^ - من مكة بعد أن منَّ الله عليه بفتحها،
وقد انصرف رسول الله من مكة لست خلت من شوال، وكان وصوله إلى حنين في العاشر منه
غزوة حنين :
دارت هذه الغزوة في موضع يقال له حنين، وهو واد إلى جنب ذي المجاز بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات .
غزوة حنين :
كان سبب هذه الغزوة أن مالكاً بن عوف النضري جمع القبائل من هوازن ووافقه على ذلك الثقفيون، واجتمعت إليه مضر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال، وقصدوا محاربة المسلمين، فبلغ ذلك النبي - ^ - فخرج إليهم.
غزوة حنين :
إذا كانت وقعة بدر قررت للمسلمين أن القلة لا تضرهم شيئاً في جنب كثرة أعدائهم إذا كانوا صابرين متقين، فإن غزوة حنين قد قررت للمسلمين أن الكثرة أيضاً لا تفيدهم إذا لم يكونوا صابرين ومتقين)








دروس وعبر من غزوة حنين

1- القوة لله جميعا:
لا عبرة بالكثرة فالنصر من عند الله عز وجل، أكبر جيش جمعه الرسول ^ جيش حنين كانوا اثني عشر ألفا، فلما رآهم أبو بكر الكتيبة تتدفق بعد الكتيبة، قال: " لا نهزم اليوم من قلة " والمسلمون بشر أتاهم ضعف واتكلوا على قوتهم المادية, فأراد الله أن يلقنهم درس عقيدة لا ينسونه, وهو أن القوة من عند الله, وأن النصر من عند الواحد الأحد, فيقول الله عز وجل:
﴿ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ﴾ يقول: اذكروا كم نصركم الله في مواطن كثيرة.
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا
من كان يألفهم في الموطن الخشن
﴿ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ﴾ فهنا درس لكل إنسان ألا يغتر بقوته وألا يعتمد على حوله وذكائه وفطنته.
قال ابن القيم في كلام معناه: فوض الأمر إلى الله عز وجل, وأعلن عجزك, فإن أقرب العباد من الله الذين يعلنون الانكسار بين يديه.
فأقرب العباد إلى الله أشدهم انكساراً إليه، وأقربهم إلى النصر أشدهم تواضعاً لله, وكلما ذل العبد وتواضع لله رفعه الله, وكلما تكبر، قال الله: اخسأ فلن تعدو قدرك, وعزتي وجلالي لا أرفعك أبدا.
فكان هذا الدرس في العقيدة: أن القوة من عنده تبارك وتعالى, وأنه هو الذي يهدي وينصر, ويسدد فلا قوة تأتي من غيره مهما أجلبوا بخيل ورجل وقوى واتصلوا بأمور فإنها كبيت العنكبوت: ﴿ وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ﴾.

2- إرسال العيون لطلب أخبار العدو:
فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل ابن أبي حدرد وقال: اجلس بينهم وخذ أخبارهم وائتني بأعلامهم -هذا قبل المعركة- فجلس بينهم في الليل، فسمع مالك بن عوف النصري يقول: إذا أتينا غداً فصبحوهم واضربوهم ضربة رجل واحد، فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك ، فإرسال العين لصالح المسلمين لا بالإضرار بالمسلمين, لكن لتقصي الحقائق ولنصرة الإسلام, ولتأييد كتاب الله ولرفعة لا إله إلا الله لا بأس به.
3- أخذ السلاح من المشرك :
فالرسول عليه الصلاة السلام لما أراد حنيناً قال لـ صفوان بن أمية وقد كان طلب مهلة أربعة أشهر حتى يفكر في دخول الإسلام- قال: « يا أبا وهب : أتعيرنا مائة درع وسلاحها؟ قال: غصباً يا محمد، قال: بل عارية مضمونة » فأخذها ^ عارية مضمونة، فلا بأس باستعارة السلاح من المشرك, فلو قاتل المسلمين كافر فلا بأس أن يأخذوا من كافر آخر سلاحاً آخر يقاتلون به هذا الكافر, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام فعله سواءً بشراء, أو عارية, أو على مصالح مشتركة يتبادلها الفريقان فلا بأس بذلك.
هذا وقد وجدت للشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - كلاماً يفيد أنه لا يرى شراء السلاح من دول الكفر الآن؛ فإنه يقول في معرض دعوتـه للاهتمام بالتصفية والتربية وإنكاره على دعاة الجهاد في هذه الأيام: "لو أن هناك جهاداً قام بين المسلمين وبين الكفار، فهؤلاء المسلمون سوف لا يستطيعون أن يتابعوا إمداد جيوشهم بالأسلحة اللازمة لهم إلا بالشراء من أعدائهم، وهل يكون نصر وجهاد بشراء الأسلحة من أعداء المسلمين؟
، وكأنه - رحمه الله - يقول بأنه لا يجوز شراء السلاح من الكفار إلا بشروط لا تتوافر في عصرنا فقد سئل بعد ذلك عن الفرق بين شراء السلاح من الكفار الآن وبين استعارة النبي - ^ - السلاح من صفوان فقال: "الفرق كبير.. أولاً هو فرد، وثانياً هو مطمئن إليه، ثم رسول الله - ^ - حينما طلب كان هو أقوى منه، اليوم الأمر معكوس تماماً؛ فالمسلمون حكاماً، فضلاً عمن هم دونـهم هم أضعف من أعدائهم الذين يستوردون الأسلحة منهم، فشتان ما بين هذا وذاك"
غير أن من الشروط المهمة في هذا المجال أن لا يؤدي شراء السلاح من الكفار إلى تنازل المسلمين عن شيء من عقيدتـهم ودينـهم، فأمر العقيدة أعلى من كل اعتبار، وبكل حال فهذا الأمر هو من أمور السياسة الشرعية التي تخضع لقياس المصالح والمفاسد، ومعرفة الأنسب في كل حين، ونحن اليوم نرى أن أمم الكفر ليست بدرجة واحدة في عدائها للمسلمين فمنـهم من يعلن الحرب على المسلمين ومنهم من ليس كذلك، فلا بأس بالشراء من غير المحاربين لقتال المحاربين، ويمكن للمسلمين أن يستغلوا بعض التناقضات بين دول الكفر في شراء السلاح من بعضها لمحاربة البعض الآخر، بل على المسلمين أن يستغلوا ما قد يحدث في بعض بلاد الكفر من الأزمات المالية لمحاولة شراء السلاح بل وتقنيات تصنيعه منهم، كما هو حادث في روسيا الآن، وقد كان المجاهدون في الشيشان - وربما لا يزالون -يشترون السلاح من الجنود الروس بأسعار زهيدة ثم يقاتلونـهم به.
وهذا كله لا يعني رضانا بحال المسلمين وتخلفهم وعدم قدرتـهم على صنع ما يحتاجونه من السلاح، بل الواجب عليهم السعي الحثيث في امتلاك أدوات التصنيع والعمل على الاكتفاء الذاتي، وإلى أن يتحقق ذلك فليس هناك مانع من شرائهم السلاح من الكافرين والله - تعالى - أعلم.

4- ضمان العارية إذا تلفت:
فإن صفوان عندما طلب منه النبي ^ سلاحاً قال : غصباً يا محمد؟ قال: «إ بل عارية مضمونة » أي إذا تلفت هذه الدروع والسلاح نضمنها لك, فلما تلفت بعض السيوف وتكسرت في أيدي الأنصار ،فالصحابة تثلمت سيوفهم وثلموا سيوف صفوان بن أمية , فأتى يقلب السيوف وهي مثلمة فيقول: للرسول ^: أهذا سلاحي؟ فيقول ^: نضمنها لك، قال: لا لقد أسلمت والإسلام خير لي لا آخذ منها شيئا، فرزقه الله الإسلام, وهو خير من الدروع والسيوف، وقبل المعركة كان صفوان وراء الزبير بن العوام .
5- مشابهة هذه الأمة الأمم السابقة:
هذا الحديث علّق عليه ابن تيمية في الرسائل والمسائل يقول: لما نزل رسول الله ^ في حنين نزل الناس في الظهيرة ومعهم سيوفهم وسلاحهم -وهذا الحديث عند أبي داود من حديث أبي واقد الليثي - قالوا: يا رسول الله! إن للمشركين ذات أنواط -أي: ذات معاليق يعلقون فيها سلاحهم- فاجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «إ الله أكبر! إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ».
فيقول ابن تيمية : "سوف يقع في هذه الأمة ما وقع في اليهود والنصارى؛ فإن علماءنا إذا فسدوا كان فيهم شبه من اليهود -نعوذ بالله من ذلك- فإن اليهود تعلموا العلم ولم يعملوا به؛ فختم الله على قلوبهم ولعنهم وغضب عليهم، قال جل ذكره: ﴿ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ﴾ ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى؛ فإنهم يعبدون الله بلا علم, لا يتفقهون في الدين؛ فلهم صلاة وصيام وذكر لكن على ضلالة: ﴿ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ﴾ .
يقول ابن تيمية : وسوف يقع في هذه الأمة ما وقع بين اليهود والنصارى لهذا الحديث؛ ولقوله تعالى: ﴿ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ﴾ قال ابن تيمية : "سوف تأتي طوائف وأحزاب في هذه الأمة تقول: ليست الطائفة الأخرى على شيء ونحن على الحق، وتقول الأخرى: لستم على شيء ونحن على الحق فهي السنن".


6- التكبير عند التعجب والاستغراب:
فالرسول ^ لما قالوا: اجعل لنا ذات أنواط قال: الله أكبر! وهذه من أحسن الكلمات التي تقال في النوادي والمحافل, فنحن لا نعرف التصفيق وليس في ديننا تصفيق، ولا يصفق إلا اللاهون اللاغون إذا أعجبوا بمقولة أو كلمة.
فعلى المسلمين أن يكبروا, فإن التصفيق والمكاء والتصدية من علامات الجاهلية ومن شعائر الوثنية , والله ذكر المشركين وطوافهم بالبيت فقال: ﴿ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية ﴾ أي: صفيرا وتصفيقا, فذم التصفيق سبحانه وتعالى، وقال ابن مسعود : " كان أصحاب الرسول ^ إذا أعجبهم شيء كبروا " وربما كبر عليه الصلاة والسلام فكبروا خلفه, ولذلك يقول: « أترضون أن تكونوا ثلث الجنة؟ قالوا: بلى، قال: ألا ترضون أن تكونوا نصف الجنة؟ قالوا: بلى، قال: فإنكم ثلثا أهل الجنة، فكبروا جميعا ».
فالتكبير مطلوب عند التعجب والاستغراب، أو من حدث أو كلمة حماسية، أو من بيت أو قصة, فسنتنا أن نكبر وألا نتشبه بأهل الكتاب الذين أضلهم الله على علم وطبع على قلوبهم.

7- لا رجعة للوثنية:
خرج مع رسول الله ^ إلى حنين بعض حديثي العهد بالجاهلية, وكانت لبعض القبائل شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما، وبينما هم يسيرون مع رسول الله ^ إذ وقع بصرهم على الشجرة، فتحلبت أفواههم على أعياد الجاهلية التي هجروها، ومشاهدها التي طال عهدهم بها، فقالوا: يا رسول الله, اجعل لنا (ذات أنواط) كما لهم (ذات أنواط), فقال رسول الله ^: «الله أكبر! قلتم -والذي نفس محمد بيده- كما قال قوم موسى لموسى: ﴿ اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قال إنكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ لتركبن سنن من كان قبلكم»( ).
وهذا يعبر عن عدم وضوح تصورهم للتوحيد الخالص رغم إسلامهم،ولكن النبي ^ أوضح لهم ما في طلبهم من معاني الشرك, وحذرهم من ذلك, ولم يعاقبهم أو يعنفهم؛ لعلمه بحداثة عهدهم بالإسلام( )، وقد سمح لهم الرسول ^ بالمشاركة في الجهاد؛ لأنه لا يشترط فيمن يخرج للجهاد أن يكون قد صحح اعتقاده تماما من غبش الجاهلية، وإنما الجهاد عمل صالح يثاب عليه فاعله، وإن قصر في بعض أمور الدين الأخرى، بل الجهاد مدرسة تربوية تعليمية يتعلم فيه المجاهدون كثيرًا من العقائد والأحكام والأخلاق؛ وذلك لما يتضمنه من السفر وكثرة اللقاءات التي يحصل فيها تجاذب الأحاديث وتلاقح الأفكار( ).
8- الحراسة في الغزو:
إن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا كان في الأسفار أو الغزو جعل حارساً يحرس الناس، وما كان يعطيه راتباً عليه الصلاة والسلام، بل كان يعدهم بالجنة, جنة عرضها السماوات والأرض, فكانوا يتسارعون إلى هذا، كما فعل حذيفة في الليلة الظلماء عند أهل الأحزاب، وضمن له ^ الجنة.
وكما حرس بلال بن رباح المسلمين في غزوة من الغزوات فقال له ^: «يا بلال ! ارمق لنا فجر هذه الليلة»، فقام بلال فرمق من أول الليل, فلما قرب الفجر صلى الليل ما شاء الله، ثم جلس برمحه عند الناقة، فاعتمد عليها فنام، فلما نام جاء الفجر, ثم طلعت الشمس حتى أصاب الناس حر الشمس, فاستيقظ عمر  أول الناس، فاستحيا عمر أن يذهب إلى رسول الله ^ ويقول: قم صل، ومن عمر حتى يوقظ رسول الله ^؟! وله ذلك فإنها من المصالح والفوائد لكنه استحيا.
فأتى بجانب أذن الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: الله أكبر، الله أكبر، فاستيقظ عليه الصلاة والسلام وقد استيقظ أكثر الناس وأصابهم من الخوف ما الله به عليم, تذكروا أنهم ما صلوا, وأن الشمس قد طلعت وارتفعت, فقال ^: لا عليكم، ثم أمرهم أن يقوموا، وقال يا بلال : أين رمقك الفجر هذه الليلة، فقال بلال : أخذ بنفسي يا رسول الله ما أخذ بأنفسكم، فتبسم عليه الصلاة والسلام.
يقول: أنتم وقعتم فيما وقعت أنا فيه, فلماذا تعاتبونني على هذا؟ فصلى عليه الصلاة والسلام فصلوا، والشاهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجعل حارساً من الصحابة في الغزو وفي الأسفار لفوائد:
1- أن يوقظ المصلي والموتر في الليل.
2- أن يخبر الناس بهجوم طارئ على جيشهم وعلى متاعهم وعلى أهلهم.
3- تدريب الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه على هذا العمل الجهادي الشاق.
4- أن يجعل أجورا لأهل هذه الأعمال ليتباروا في عمل الآخرة وليتقدموا عند الله.
قال عمار بن ياسر : خرجنا مع رسول الله ^، قال: فلما أمسينا ذات ليلة، قال: من يحرسنا هذه الليلة؟ فسكتنا، فقال: ليقم رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، قال: فقمت، وقام عباد بن بشر  وعن عمار , الشاب الصادق الذي قتل يوم صفين ضرب على وجهه حتى سقط لحم وجهه من كثرة السيوف, ولما رآه الصحابة قالوا: نشهد أنك عند الله من الشهداء.
فبدأ عباد بالحراسة ثم قام يصلي, فبدأ يقرأ في سورة الكهف، فأخذ الأعداء ينظرون إليه وهو حارس يقرأ في الليل, وهم لا يعرفون الصلاة ولا القراءة فأخذوا يرمونه بالسهام, وما أراد أن يقطع القراءة، فأخذ كلما انغمس السهم في جسمه يخرجه وينزله في الأرض, ويستمر في القراءة، وكلما أتى السهم الآخر أخرجه ودماؤه تنصب من جسمه, وأتى السهم الآخر ويخرجه, فلما غلبته الدماء خفف في الصلاة, وقام وزحف إلى عمار ، وقال: والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أقتل فتفتح ثغرة على رسول الله ^ وعلى المسلمين ما ختمت هذه الصلاة حتى أتم سورة الكهف، فقال عمار : رحمك الله، ألا كنت أيقظتني؟! فأخبره، فقام عمار  وأدركوا هذا, فأيقظوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يوضح لنا كيفية حراسة الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام وللمسلمين.
وكان حارسه عليه الصلاة والسلام ربما حرسه عند باب بيته قبل أن ينزل الله تعالى: ﴿ والله يعصمك من الناس ﴾ يقول أنس : رجعنا مع رسول الله ^ من خيبر فلما اقتربنا من المدينة دخل ^ بيتا له -أي خيمة- قال: فسمعته بالليل يقول: « ليت رجلا صالحا يحرسنا هذه الليلة » قال: فأتى سعد بن أبي وقاص فسمع من بعض الناس أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: « ليت رجلا صالحا يحرسنا هذه الليلة » فتوضأ سعد بن أبي وقاص ولبس سلاحه وأخذ سيفه ووقف عند باب الخيمة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، فلما علم ^بـ سعد قال: « اللهم اغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » فكان من الحراس الصادقين.

9- التوكل لا ينافي العمل بالأسباب:
من دروس هذه الغزوة المباركة أن التوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب؛ فقد كان رسول الله - ^ - أعظم الخلق توكلاً على الله - تعالى -، ومع ذلك لم يكن يلقى عدوه إلا وقد جهز جيشه بكل ما يستطيع من آلة الحرب وعدة السلاح، حتى إنه استعار أدراعاً من صفوان بن أمية كما ذكرنا آنفا ، وكان يومئذ كافراً، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يعون تلك الحقيقة جيداً، فكانوا لا يألون جهداً في الأخذ بالأسباب ثم يتوكلون بعد ذلك على مسبب الأسباب، ولكن تطاول الإعصار، وغلبة الجهل بحقيقة الدين قد أدخل في أذهان كثير من مدعي التدين أن أخذهم بالأسباب ينافي حقيقة التوحيد لأنه يقدح في تمام توكلهم على الله، ولذا ذكر القرطبي رحمه عند حديثه عن قصة موسى مع الخضر أن من فوائدها اتخاذ الزاد في الأسفار، قال: "وهو رد على الصوفية الجهلة الأغمار، الذين يقتحمون المهامه والقفار، زعماً منهم أن ذلك هو التوكل على الله الواحد القهار، هذا موسى نبي الله وكليمه من أهل الأرض قد اتخذ الزاد مع معرفته بربه وتوكله على رب العباد، وفي صحيح البخاري: أن ناسا من أهل اليمن كانوا، يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا سألوا الناس، فأنزل الله تعالى : ﴿وتزودوا إن خير الزاد التقوى﴾
ومما يروي في سيرة الشيخ محمد مصطفى المراغي - شيخ الأزهر السابق- أنه رأى حين كان في السودان رجلاً يهم بدخول غابة مليئة بالوحوش المفترسة لقطع شجر أو نحوه، فلما سأله عن ما أعده من سلاح يواجه به وحوش الغاب، قال له: إن معي حرزاً فيه سورة ياسين، وهنا ضربه الشيخ بعصا كانت معه وقال له: إن الذي أنزلت عليه سورة ياسين لم يكن يدخل حرباً إلا وقد جهز نفسه بما يستطيع من أنواع السلاح، وأنت تريد أن تدخل على الوحوش بحرز فيه سورة ياسين؟!.

10- الالتفات في الصلاة للحاجة:
فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أرسل ابن أبي حدرد وقيل أنيس بن أبي مرثد أخذ ^ يصلي الفجر وهو يلتفت هكذا في الشعب لينظر هل يأتيه الخبر أو لا ويخفف الصلاة.
قال أهل العلم: للمسلم إذا كانت حاجة أن يلتفت ولكن لا يجعلها عادة, فالرسول عليه الصلاة والسلام فتح الباب وهو في الصلاة، وحمل أمامة بنت زينب في الصلاة، وتناول بعض الأمور وهو في الصلاة، والتفت هنا إلى طليعة القوم للحاجة, وهذا الحديث في سنن أبي داود بسند حسن عن سهل بن الحنظلية ، قال: أرسل ^ يوم حنين طليعة القوم، فأخذ يلتفت إليه في الصلاة وينظر إليه بين شقق الشعب.


11- الإعجاب بالكثرة يحجب نصر الله:
الإعجاب بالكثرة حجب عن المسلمين النصر في بداية المعركة, وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) .
وقد نبه إلى هذا رسول الله ^ حينما أوضح أنه لا حول ولا قوة إلا بالله فيقول: «اللهم بك أحول وبك أصول، وبك أقاتل»( ).
وهكذا أخذ الرسول ^ يراقب المسلمين ويقوِّم ما يظهر من انحرافات في التصور والسلوك, حتى في أخطر ظروف المواجهة مع خصومه العتاة( ).
وعلى الرغم من الهزيمة التي لحقت بالمسلمين في بداية غزوة حنين وفرار معظم المسلمين في ميدان المعركة؛ لأنهم فوجئوا بما لم يتوقعوه, فإن رسول الله ^ لم يعنف أحدا ممن فرَّ عنه, حتى حينما طالبه بعض المسلمين بأن يقتل الطلقاء لأنهم فروا, لم يوافق على هذا( ).
12- الغنائم وسيلة لتأليف القلوب:
رأى ^ أن يتألف الطلقاء والأعراب بالغنائم تأليفًا لقلوبهم لحداثة عهدهم بالإسلام, فأعطى لزعماء قريش وغطفان وتميم عطاء عظيمًا, إذ كانت عطية الواحد منهم مائة من الإبل, ومن هؤلاء: أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو, وحكيم بن حزام، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن الفزاري، والأقرع بن حابس، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان، وقيس ابن عدي( ). وكان الهدف من هذا العطاء المجزي هو تحويل قلوبهم من حب الدنيا إلى حب الإسلام, أو كما قال أنس بن مالك: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا, فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها( ). وعبر عن هذا صفوان بن أمية بقوله: لقد أعطاني رسول الله ^ ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ( ).
وقد تأثر حدثاء الأنصار من هذا العطاء بحكم طبيعتهم البشرية, وترددت بينهم مقالة, فراعى ^ هذا الاعتراض وعمل على إزالة التوتر, وبين لهم الحكمة في تقسيم الغنائم, وخاطب الأنصار خطابًا إيمانيًّا عقليًّا عاطفيًّا وجدانيًّا، ما يملك القارئ المسلم على مر الدهور وكر العصور وتوالي الزمان إلا البكاء عندما يمر بهذا الحدث العظيم, فعندما دخل سعد على رسول الله ^ فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء. قال: «فأين أنت من ذلك يا سعد؟» قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي، قال: «فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة؟» قال: فجاء رجال من المهاجرين، فتركهم، فدخلوا, وجاء آخرون فردَّهم، فلما اجتمعوا أتى سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله ^ ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «يا معشر الأنصار, ما قالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضُلاَّلا فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟» قالوا: الله ورسوله أمنُّ وأفضل، ثم قال: «ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟» قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله، لله ولرسوله المن والفضل. قال: «أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدَقْتم ولصُدِّقتُم: أتيتنا مكذَّبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلا فآسيناك. أوجدتم عليَّ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفتُ بها قومًا ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء( ) والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، ولولا الهجرة، لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبًا وواديًا، وسلكتْ الأنصار شعبًا وواديًا لسلكتُ شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار والناس دثار( ), اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار», قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله ^ قسمًا وحظًّا, ثم انصرف رسول الله وتفرقوا( ), وفي رواية: «إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض»( ).
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن هذه المقالة لم تصدر من الأنصار كلهم، وإنما قالها حديثو السن منهم؛ بدليل ما ورد في الصحيحين، عن أنس بن مالك  أن ناسًا من الأنصار قالوا يوم حنين: أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق
رسول الله ^ يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله! يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، قال أنس بن مالك: فحُدِّث رسول الله ^ من قولهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم, فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله ^ فقال: «ما حديث بلغني عنكم؟» فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسول الله! يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله ^ : «فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم»( ).
ويرى الإمام ابن القيم -استدلالاً بهذه الحادثة-: أنه قد يتعين على الإمام أن يتألف أعداءه لاستجلابهم إليه, ودفع شرهم عن المسلمين فيقول: الإمام نائب عن المسلمين يتصرف لمصالحهم وقيام الدين، فإن تعين ذلك -أي التأليف- للدفع عن الإسلام والذب عن حوزته واستجلاب رءوس أعدائه إليه ليأمن المسلمون شرهم، ساغ له ذلك، بل تعين عليه، فإنه وإن كان في الحرمان مفسدة، فالمفسدة المتوقعة من فوات تأليف هذا العدو أعظم، ومبنى الشريعة على دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصيل أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما، بل بناء مصالح الدنيا والدين على هذين الأصلين( ).

 

Alexandera

الــــــدرة " فقيدة الغابة "
نجوم المنتدي
إنضم
12 مايو 2021
المشاركات
9,526
مستوى التفاعل
13,430
العمر
21
الإقامة
𝓟𝓐𝓛𝓔𝓢𝓣𝓘𝓝𝓘𝓐𝓝
مجموع اﻻوسمة
8
غزوة حنين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير
جزاك المولى جناته
موضوع جميل

تقبل مروري " Alexandera "
 
Comment

الاستاذ

عضو
نجوم المنتدي
إنضم
11 أغسطس 2021
المشاركات
3,245
مستوى التفاعل
2,652
الإقامة
مصر
مجموع اﻻوسمة
2
غزوة حنين
رد عسل يا الكسندرا
 
Comment

امل مفقود

نجوم المنتدي
إنضم
5 مايو 2021
المشاركات
12,575
مستوى التفاعل
4,282
مجموع اﻻوسمة
2
غزوة حنين
1631863415381.png
 
Comment

Lamees

نجوم المنتدي
إنضم
28 أكتوبر 2021
المشاركات
1
مستوى التفاعل
0
غزوة حنين
جزاك الله خيرا لهذا الموضوع الرائع
 
Comment

همس الربيع

نجوم المنتدي
إنضم
9 يناير 2022
المشاركات
10
مستوى التفاعل
0
غزوة حنين
شَرَفَنِي المَرٌوُر فِي مُتَصَفِحِكْ العَ ـطِرْ ..~
دُمتِ بَحِفْظْ الرَحَمَــــن ـآ..
 
Comment
أعلى