من شِعْرُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَرْثِيَّتِهِ الرَّسُولَ [1]
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، …
فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ:
بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرَّسُولِ وَمَعْهَدُ … مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرَّسُومُ وَتَهْمُدُ
وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ … بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ
وَوَاضِحُ آثَارٍ وَبَاقِي مَعَالِمَ … وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلَّى وَمَسْجِدُ
بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا … مِنْ اللَّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ
مَعَارِفُ لَمْ تطمس على الْعَهْد آيها … أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدَّدُ
عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ وَعَهْدَهُ … وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مُلْحِدُ
ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فَأَسْعَدَتْ … عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا مِنْ الْجَفْنِ تُسْعَدُ
يُذَكِّرْنَ آلَاءَ الرَّسُولِ وَمَا أَرَى … لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلَّدُ
مُفَجَّعَةً قَدْ شَفَّهَا فَقْدُ أَحْمَدَ … فَظَلَّتْ لِآلَاءِ الرَّسُولِ تُعَدِّدُ
وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عَشِيرَهُ … وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدَ مَا قَدْ تَوَجَّدُ
أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنَ جُهْدَهَا … عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الَّذِي فِيهِ أَحْمَدُ
فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ … بِلَادٌ ثَوَى فِيهَا الرَّشِيدُ الْمُسَدَّدُ
وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمَّنَ طَيِّبًا … عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدُ
تَهِيلُ عَلَيْهِ التُّرَبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٍ … عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعَدُ
لَقَدْ غَيَّبُوا حُلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً … عَشِيَّةَ عَلَّوْهُ الثَّرَى لَا يُوَسَّدُ
وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيُّهُمْ … وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهُمْ ظُهُورٌ وَأَعْضُدُ
يُبَكُّونَ من تبكى السّماوات يَوْمَهُ … وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنَّاسُ أَكَمَدُ
وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ … رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ؟
تَقَطَّعُ فِيهِ مَنْزِلُ الْوَحْيِ عَنْهُمْ … وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنَجَّدُ
يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ … وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ
إمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمْ الْحَقَّ جَاهِدًا … مُعَلِّمُ صِدْقٍ إنْ يُطِيعُوهُ يُسْعَدُوا
عَفْوٌ عَنْ [9] الزَّلَّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ … وَإِنَّ يُحْسِنُوا فاللَّه بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ
وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ … فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يُتَشَدَّدُ
فَبَيْنَا هُمْ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ بَيْنَهُمْ … دَلِيلٌ بَهْ نَهْجُ الطَّرِيقَةِ يُقْصَدُ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنْ الْهُدَى … حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا
عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنَّى جُنَاحَهُ … إلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ وَيَمْهَدُ
فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ النُّورِ إذْ غَدَا … إلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنْ الْمَوْتِ مُقْصِدُ
فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إلَى اللَّهِ رَاجِعًا … يُبَكِّيهِ حَقُّ الْمُرْسَلَاتِ وَيُحْمَدُ
وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا … لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنْ الْوَحْيِ تُعْهَدُ
قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللَّحْدِ ضَافَهَا … فَقِيدٌ يُبَكِّينَهُ بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ
وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ … خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ
وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ … دِيَارٌ وَعَرَصَاتٌ وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ
فَبَكِّي رَسُولَ اللَّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً … وَلَا أَعْرِفَنَّكِ الدَّهْرَ دمعك يجمد
وَمَالك لَا تَبْكِينَ ذَا النِّعْمَةِ الَّتِي … عَلَى النَّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يُتَغَمَّدُ
فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدُّمُوعِ وَأَعْوِلِي … لِفَقْدِ الَّذِي لَا مِثْلُهُ الدَّهْرَ يُوجَدُ
وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ … وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ
أَعَفَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً بَعْدَ ذِمَّةٍ … وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا يُنَكَّدُ
وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطَّرِيفِ وَتَالِدٍ … إذَا ضَنَّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يُتْلَدُ
وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إذَا انْتَمَى … وَأَكْرَمَ جَدًّا أَبْطَحِيًّا يُسَوَّدُ
وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا … دَعَائِمَ عِزٍّ شَاهِقَاتٍ تُشَيَّدُ
وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبَتًا … وَعُودًا غَذَّاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ
رَبَّاهُ وَلِيدًا فَاسْتَتَمَّ تَمَامُهُ … عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبٌّ مُمَجَّدٌ
تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ … فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا الرَّأْيُ يُفْنَدُ
أَقُولُ وَلَا يُلْقَى لِقَوْلِي عَائِبٌ … مِنْ النَّاسِ إلَّا عَازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ
وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ … لَعَلِّي بِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ أَخْلَدُ
مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ … وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ
............
المرجع :https://www.alsirah.com/category/المرجع/السيرة-النبوية-لابن-هشام/?SourceCategoryId=107
تحياتي " Alexandera "
اسم الموضوع : من شِعْرُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَرْثِيَّتِهِ الرَّسُولَ [1]
|
المصدر : منتدى الشعر الفصيح