-
- إنضم
- 6 يناير 2022
-
- المشاركات
- 14,809
-
- مستوى التفاعل
- 9,363
- مجموع اﻻوسمة
- 9
الكأس الأولى
الكاس الأولى
كان لي صديق أحبه وأحب منه سلامة قلبه وصفاء سريرته وصدقة ووفاءه في حالي بعده وقربه، وغضبه وحلمه، وسخطه ورضاه، ففرق الدهر بيني وبينه فراق حياة لا فراق ممات، فأنا اليوم أبكيه حيًّا أكثر مما كنت أبكيه لو كان ميتا، بل أنا لا أبكي إلا حياته، ولا أتمنى إلا مماته، فهل سمعت بأعجب من هذه الخلة الغريبة في طبائع النفوس.
علقت حبالي بحباله حقبة من الزمان عرفته فيها، وعرفني ثم سلك سبيلا غير سبيله، فأنكرته وأنكرني حتى ما أمر بباله؛ لأن الكأس التي علق بها لم تدع في قلبه فراغًا يسع غيرها وغير العالقين بها، وربما كان يدفعني عن مخيلته دفعًا إذا تراءيت فيها؛ لانه إذا ذكرني ذكر معي تلك الكلمات المرة التي كنت ألقاه بها في فتحة حياته الجديدة، وما كان له، وهو يهيم في فضاء سعادته التي يتخيلها أن يكدر على نفسه بمثل هذه الذكرى صفاء هذا الخيال، ثم لم أعد أعلم من أمره بعد ذلك شيئا جديدًا؛ لأن حياةالمدمنين حياة متشابهة متماثلة لا فرق بين صبحها ومسائها، وأمسها وغدها، ذهاب إلى الحانات فشراب، فخمار فنوم فذهاب، كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، والمنظر المتكرر لا يلفت النظر ولا يشغل الذهن حتى أن بعض من ينام على دورة الرحى يستيقظ عند سكونها، وكان أحرى أن يوقظه دورانها.
لذلك لم يشغل هذا المسكين محلا من قلبي إلا بعد أن سكنت دورته، وهدأت حركته، فلم أعد أراه معربدًا في الحانات، ولا مطرحًا في مدارج الطرق، ولا معتقلا في أيدي الشرط هنالك سألت عنه فقيل لي إنه مريض فلم أعجب من شيء كنت أعد له الأيام والأعوام كما يعد الفلكي الساعات والدقائق لكسوف الشمس، واصطدام الكواكب.
دخلت عليه أعوده فلم أجد عنده طبيبًا، ولا عائدًا لأنه فقير، والأطباء يظهرون الرحمة بالفقراء، ويبطنون
حب الصفراء والبيضاء، والأصدقاء يخافون عدوى المرض وعدوى الفقر، فلا يعودون المريض، ولا يزورون الفقير.
اسم الموضوع : الكأس الأولى
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء