تواصل معنا

تفسير سورة البقرة( آية الدين 282 ) هذا وينبغي للقاضي أن يسأل إحدى النساء عن الشهادة بحضور الأخرى، وأن يعتد بجزء الشهادة من إحداهما وبباقيها من الأخرى،...

Alexandera

الــــــدرة " فقيدة الغابة "
نجوم المنتدي
إنضم
12 مايو 2021
المشاركات
9,526
مستوى التفاعل
13,430
العمر
21
الإقامة
𝓟𝓐𝓛𝓔𝓢𝓣𝓘𝓝𝓘𝓐𝓝
مجموع اﻻوسمة
8
تدبر آية الدين ج ( 2 ) .. فعالية ملوك المواضيع " الفريق الأحمر "





تفسير سورة البقرة( آية الدين 282 )



هذا وينبغي للقاضي أن يسأل إحدى النساء عن الشهادة بحضور الأخرى، وأن يعتد بجزء الشهادة من إحداهما وبباقيها من الأخرى، فإن هذا هو الواجب وإن كان القضاة لا يعملونه لغفلتهم عن فحوى الآية وعلى ضرورة الواقع، وأما الرجال فلا يجوز للقاضي أن يعاملهم كذلك، بل يجب عليه أن يفرقهم، يعني يفرق بينهم، فإذا اختلفت شهادتهم لم يعتد بها، بل يعاملهم معاملة المزورين للشهادة، فيعزرهم التعزير الرادع القامع، ويدور بهم في الأسواق وينادي عليهم أنهم شهود زور، ليخزيهم بين الأمة حتى لا ينطلي أمرهم على أحد من القضاة والعامة، وليس له الحق أن يسمح لأحدهم بتذكير الآخر كالنساء.




هذا، وإن البينة في الشرع أعم من الشهادة كما حققه الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فكل ما يتبين به الحق كالقرائن القطعية، ويمكن أن يدل تدخل شهادة غير المسلم في البينة بهذا المعنى الذي استدلا عليه.



التاسع: من التأكيدات الإلهية في هذه الآية الكريمة قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾. وهذا أمر من الله سبحانه بتحمل الشهادة وأدائها اقتضاه ذلك النهي عن الامتناع عن تحملها وأدائها، لأن في الامتناع عن ذلك إضاعة للحقوق وعدم مبالاة بمهمات المسلمين، فهو من أعمال الجاهلية التي لا يرتضيها الإسلام، ولكن هل الوجوب فرض عين على كل أحد أو هو فرض كفاية. فالظاهر أنه من فروض الكفاية ويتعين إذا لم يوجد غيره يقوم به، فيكون تحمل الشهادة فرضاً معيناً عليه وكذلك أداؤها، لكن للعلماء كلاماً في كلفة أداء الشهادة إذا احتاجت إلى الأجرة، إما لبعد المكان الذي يجب أداؤها فيه، وإما لطول مكث الانتظار الذي يتضرر به الشاهد في تعطيل مصالحه أو توقيف عمله أو معيشة عياله، فأجازوا له أخذ مكافأة على أداء ما تحمله من الشهادة في هذه الأحوال كما فصله المحققون، ومنهم ابن تيميه في رسالته (السياسة الشرعية) وغيرها، وكأنهم نور الله قبورهم كما نور بصائرهم شاهدوا تضخم العواصم، وبعد المواصلات في هذا الزمان، ومواعيد المحاكم الجائرة التي تطلب حضور الشخص من أول المداومة، وقد لا يأتي دور خصمه إلا بعد الظهر، فانتظار الشاهد هذه المدة الطويلة وإهانته على أي حساب؟ فلولا أن الله حتم تحمل الشهادة وأدائها لضاعت الحقوق بهذه الحال، وليعلم أن فريضة الشهادة من الله على المسلمين تقتضي عدم منتهم على المشهود له أو المشهود عليه.



العاشر: من التأكيدات الإلهية في هذه الآية فيه زيادة تأكيد لضرورة الكتابة بكل حال، سواء قل الدين أو كثر، صغر العقد أو كبر، ففيه معالجة ما يخطر للنفس من تكلف الكتابة واستثقالها بحجة قلة الدين.



وفي هذا تربية من الله لعباده، لأن من لا يضبط القليل لا يضبط الكثير، ومن لا يولي القليل اهتمامه قد يؤدي به التهاون إلى عدم الاهتمام بالكثير، ولهذا يقول الله سبحانه في هذا التأكيد: ﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾ فقد علل تشديده في أمر الكتابة تعليلاً وجدانياً وتعليلاً عملياً، ومعنى ﴿ وَلَا تَسْأَمُوا ﴾ لا تملوا ولا تكسلوا ولا تضجروا، فإن السآمة تحتوي على هذه المعاني.



وفي هذا النهي معالجة لانفعالات النفس الإنسانية حين ترى أن تكليف الكتابة أعظم من قيمة المكتوب، فالله العليم الحكيم يوحي إليها إيحاء وجدانياً بأن الله يحب ضبطه بالكتابة ويفضله وإن كان قليلاً، فلهذا قال سبحانه: ﴿ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾. ثم يبين أنه أقوم للشهادة، يعني أقوم وأعون على إقامتها على وجهها، لأن الشهادة المكتوبة أقوم من الشهادة الشفوية لحصول النسيان أو بعضه.



وفي هذا دليل على أن للشاهد أن يطلب الكتابة ليتذكر ما شهد به، فعدم التساهل بالكتابة أقسط عند الله، يعني أعدل في حكمه وأحرى ثم أضبط للشهادة، ثم هو أبعد عن الريبة في صحة محتويات العقد، ولذا قال تعالى: ﴿ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾ يعني وأقرب إلى انتفاء ارتياب بعضكم من بعض، فإن سلوك الاحتياط بالكتابة للحقوق على وجه عادل مع إشهاد من ترضونه من الشهداء والتزام تقوى الله بالعدل في المعاملة وكتابتها هو أحرى بإقامة العدل ويمنع كل ريبة، كما يمنع ما يترتب على الريبة من الطمع والجنوح إلى الخصومة، وغير ذلك من أنواع المماطلة.



فما أعظم إرشادات الله لعباده في هذه الآية الكريمة، تلك الإرشادات التي لو جاء بها بعض فلاسفة (أوروبا) لأقام قومه الدنيا وأقعدوها ولكن الكبر الذي في صدورهم أعماهم عن إرشادات القرآن العظيمة.



الحادي عشر: من أحكام هذه الآية الكريمة وتوكيداتها هو استثناء التجارة الحاضرة من قيد الكتابة والاكتفاء فيها بشهادة الشهود أو الثقة المتبادلة بين الناس، وذلك تيسيراً للمعاملات التجارية التي يعرقلها التعقيد والتي من ضروراتها أن تتم بسرعة وتتكرر في أوقات قصيرة، فلذا قال سبحانه: ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ﴾. يعني تدار بين المتعاملين بالمعاطاة بأن يأخذ البائع الثمن ويقبض المشتري المبيع أو يجري استلام السلعة ودفع الثمن بالحساب حسب ثقة الأسواق وكسب العملاء، فإن مثل هذا لا تلزم فيه كتابة العقد لمواصلة دفع الثمن بالجملة أو التقسيط، فإن دين الله الإسلام هو دين الحضارة والحياة يراعي في تشريعاته جميع ملابسات الحياة ليريحها من كل تعقيد يعوق سيرها، فليست تشريعاته كالتحكمات القانونية التي لا تراعي المصلحة المستقبلة ولا تحمل هدفاً للمستقبل. وشتان بين وضع البشر ووضع خالق البشر جل وعلا.



وقد أشرت إلى غلط التقنين البشري وتعقيده في أول الكلام على الآية، وأن أكبر دولة من دول الحضارة والمدنية والقانون عقدت التجارة حتى اضطرت إلى الرجوع لمثل هذا الحكم الحادي عشر من هذه الآية الكريمة، وهي دولة (فرنسا) فالله سبحانه رفع الحرج في التجارة الحاضرة المدارة بين المتعاقدين والمتكررة تكراراً هائلاً، لأنه لا يترتب على ترك كتابة الوثيقة شيء من الارتياب الداعي إلى التخاصم، ولكن نفي الجناح في ذلك لا يمنع الاحتياط بكتابة المبيع وسعره والتوقيع على قبضه خوفاً من النسيان والغلط الموجب للشقاق والخصومة، وها نحن نراهم يفعلونه لأن المادة غلبت على الروح في هذا الزمان.



والحكم الثاني عشر: التوكيدي في هذه الآية قوله تعالى: ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾. والمقصود به في ظاهر الآية البيع الحاضر لا بيع الدين، لأن بيع الدين هو المقصود بلزوم الكتابة من أول الآية، فكان الإشهاد هذا على بيع الحاضر، وقد جرت السنة بعدم لزومه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى فرساً من أعرابي ولم يشهد عليه، وقصته مشهورة، فكان هذا الأمر للندب أو الإرشاد لا للوجوب، مع أن الأكثرين يقولون بذلك في جميع الآية، ولكن المستمر على الترك يعتبر عاصياً لتفريطه، ولورود النص بالنهي عن إضاعة المال.



والحكم الثالث عشر: التوكيدي يتضمن حماية الكاتب والشهود ورعايتهما بعدما قرر واجبهما، ليجري التوازن بين ما يجب عليهما وما يجب لهما من الحياطة والإكرام، إذ يقول سبحانه: ﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾ يعني لا يرهقان ولا يلزمان بترك أعمالهما الخاصة من أجل كتابة الدين أو تحمل الشهادة أو أدائها في زمان أو مكان يصعب عليهما ذلك. وفي هذا دليل على إباحة طلبهما العوض على ما يتحملانه من ذلك، وأن لا يجبرا بدون عوض يرضيهما ليس فيه عناد ولا إجحاف.



ومقتضى مذهب الشافعية جواز استعمال اللفظ المشترك في معنييه وفي حقيقته ومجازه.



فعلى هذا كلمة ﴿ يُضَارَّ ﴾ تستعمل لبناء الفاعل والمفعول، فتكون عامة تقتضي نهي الكتّاب والشهود أن يسلكوا مسلك الإضرار بالمتعاملين كما تقتضي بطريق الأولى نهي المتعاملين عن الإضرار بالكتاب والشهود بأي نوع من أنواع الإضرار، كما يعم هذا النهي كل سلطة تنفيذية في دولة الإسلام أن لا تنزل بهما أي ضرر أو إرهاق، وأن تراعي مصلحتهما الخاصة على كل شيء وأن لا تهدر كرامتهما بأي وجه من الوجوه، فلا تدخلهما في القفص المعدود في المحاكم العرفية لاستجواب المجرمين، لأن بكتابة الكاتب وشهادة الشهود يتضح الحق من الباطل، فكان إكرامهما من الواجبات وإهانتهما من المحرمات.



ولذا قال سبحانه وتعالى في (الحكم الرابع عشر) من أحكام هذه الآية الكريمة: ﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾ يعني خروج عن طاعة الله إلى معصيته، وفي قول الله سبحانه ﴿ وَإِنْ ﴾ إشارة إلى أن مثل هذا الفعل الذي يتحقق به الفسق لا يكاد يقع من المخاطبين في هذه الآية، وهم الذين آمنوا، لأن الإيمان يمنع من موجبات الفسق، وكذلك الله سبحانه بكلمة ﴿ يُضَارَّ ﴾ الدالة على المشاركة فيها الإشارة إلى أن ضر الإنسان لغيره ضر لنفسه.



(والتوكيد الخامس عشر) في هذه الآية هو قوله سبحانه: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. يختم الله هذه التوصيات الاقتصادية والاجتماعية بالوصية الكبرى التي توقظ ضمائر المؤمنين وتستجيش شعورهم، ليتقبلوا ما ورد عن الله برحابة صدر وانشراح خاطر، ويقوموا يتنفيذه باطمئنان وتشرف ألا وهي تقوى الله التي تجعل من ضمير المسلم المؤمن رقيباً باطنياً يراقبه في كل عمل ويخوفه من عقوبات الله العاجلة والآجلة كما أوضحنا ذلك في أول هذه السورة المباركة.



فقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ يعني راقبوا عظمته وإحاطته في تنفيذ جميع ما أمركم به ونهاكم عنه، وقوله سبحانه: ﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ يعني يعلمكم ما فيه قيام جميع مصالحكم في حياتكم ما المصلحة في فعله وما المصلحة في تركه من حفظ أموالكم وتقوية روابطكم وصيانة مجتمعكم من التصدع والشقاق، فهو المحيط علمه بذلك، ولسعة إحاطته شرع لكم ما يجلب المصالح ويدفع المفاسد ويبعدها، فالله بكل شيء عليم.



قال البيضاوي في سبب تكرير لفظ الجلالة ثلاث مرات:


أنه لاستقلالها فإن الأولى حث على التقوى، والثانية وعد بإنعامه، والثالثة تعظيم لشأنه، ولأنه أدخل في التعظيم من الكتابة، وقال غيره ما معناه: إن في هذا التكرار كمال التذكير وقوة التأثير.



واعلم أنه لا يلتفت إلى قول الصوفية وأشياعهم رحمهم الله من أن التقوى تكون سبباً للعلم، بل إن التقوى جالبة للعمل وحسن المراقبة لله وقوة الاستجابة لنداءاته في القرآن. أما العلم فلا يحصل إلا بالتعلم وبذل الجهد في الحفظ والبحث، ولكن مع حسن النية يسهل الله طريقه ويبارك في معلومات صاحبه. أما زعم الصوفية على العلم الإلهي بترويض النفس على العبادة السنية والمبتدعة وقراءة الأوراد والأحزاب، فهذا فيه فتح باب للدجل والشعوذة، والقول على الله بغير علم، وهو أشر من الشرك، ويستدلون على زعمهم بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29] والفرقان هنا ليس ما يريدونه وإنما النجاة والمخرج والتبصر كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2] وكما سمي يوم بدر يوم الفرقان ويتضمن نور البصيرة أيضاً.



وعلى كل حال لا يصح تفسير الآية بما زعمه الصوفية ومقلدوهم لا من جهة اللغة ولا من جهة المعنى.



أما اللغة فإن عطف ﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ ﴾ على قوله: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ينافي أن يكون جزاء له ومرتباً عليه، لأن العطف يقتضي المغايرة، ولو أراد الله هذا لجعل العطف بالفاء أو وصل الفعل بلام التعليل ولقال: (واتقوا الله ليعلمكم الله).



وأما المعنى فلا يصح قولهم بتاتاً، لأن قولهم عبارة عن جعل المسبب سبباً، والفرع أصلاً، والنتيجة مقدمة، وهذا قلب للأصول والمقدمات، فإن المعقول المعروف بالحس والوجدان أن العلم الصحيح الخالص لوجه الله هو الذي يثمر التقوى، فلا تقوى بلا علم ديني، فالعلم هو الأصل الأول وعليه المعول، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]. وكما قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19].



فتأثير العلم في الإرادة بتوجيهها إلى العمل الصالح وصرفها عن القبيح ناشئ من خشية الله التي هي التقوى، فأما إذا انحرف العالم لغلبة المادة على نفسه وضعف الروحانية فيه كان مذموماً هو وعلمه. ولذا شبه الله العالم الذي لم ينتفع بوحي الله بالحمار الذي يحمل الكتب. وشبه المتصرف عن وحي الله ودينه طمعاً في المادة ورغبة في أرض الوطن بالكلب ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾ [الأعراف: 176].



فالعلم الذي هو أصل التقوى لا يكون إلا بالتعلم والتلقي، كما ورد في الحديث: ((العلم بالتعلم))[3]. جزم به البخاري تعليقاً. وروي عن غير واحد من الصحابة، ورواه الدارقطني والخطيب في التاريخ من حديث أبي هريرة، والعسكري من حديث أنس، والطبراني في المعجم الكبير من حديث معاوية والبيهقي في المدخل ابن مسعود، والدارقطني من حديث أبي الدرداء، وحسنه الحافظ ابن حجر من حديث معاوية معضداً له بغيره.



هذا وإن ثمرة العلم العمل، فكلما ازداد عمل العالم بعلمه ازداد رشده وفهمه حتى يرسخ العلم في قلبه رسوخاً تتبين به الدقائق والخفايا، كما ورد في الحديث الذي رواه أبو الشيخ عن ابن عباس مرفوعاً: ((من تعلم فعمل علمه الله ما لم يعلم))[4]. والحديث الذي رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس: ((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم))[5]. فالعمل بالعلم من أسباب المزيد فيه وخروجه من ضيق الإبهام والإجمال إلى فضاء الجلاء والتفصيل.



وبحصول العمل عن إخلاص يزداد العلم وتتنور البصيرة لحصول التقوى في الإخلاص بالعمل، فإن تقوى الله في جميع الأمور تعطي صاحبها نوراً يعرف به بين دقائق الشبهات التي لا يعلمهن كثير من الناس فيستفيد علماً خاصاً لم يكن ليهتدي إليه لولا التقوى الصحيحة، وهذا هو الفرقان الذي يفرق به صاحبه بين الحق والباطل، فإن الفرقان في اللغة هو الصبح الذي يفرق به بين الليل والنهار، وبهذا تعلم أن أدعياء التصوف الجهلة ليس لهم حظ من ذلك العلم الأول الذي يزدرونه ويرفضونه، وليس لهم حظ من هذه التقوى التي هي أثره وثمرته، ولا من هذا العلم الأخير الذي هو أثر العلم والتقوى جميعاً فبينهم وبين العلم اللدني مرحلتان بعيدتان.



إحداهما: العلم الذي يؤخذ بالتلقي.



ثانيهما: تحقيق العمل به المثمر للتقوى، وليس عندهم سوى شطحات ومخرفات شيطانية، فإن العلم اللدني لا يحصل بالجهل ولا بالعبادة مع الجهل فكم من جاهل لاحت له أنوار العبادة فظنها أنوار الله، فاستغلت الشياطين جهله لتغويه وتغوي به، ولله در ابن القيم إذ يقول:


احذر تزل فتحت رجلك هوة


كم قد هوى فيها مدى الأزمانِ


من عابد بالجهل زلت رجله


فهوى إلى قعر الحضيض الداني


لاحت له آثار أنوار العبا


دة ظنها الأنوار للرحمنِ


فأتى بكل مصيبة وبلية


ما شئت من شطح ومن هذيانِ



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/73514/#ixzz7DtCdaU9L


.

.

.




تحياتي " Alexandera "

 

LioN KinG

ملك الغابة
المدير العام
إنضم
5 مايو 2021
المشاركات
4,560
مستوى التفاعل
5,448
الإقامة
الكويت
مجموع اﻻوسمة
3
تدبر آية الدين ج ( 2 ) .. فعالية ملوك المواضيع " الفريق الأحمر "




تفسير سورة البقرة( آية الدين 282 )



هذا وينبغي للقاضي أن يسأل إحدى النساء عن الشهادة بحضور الأخرى، وأن يعتد بجزء الشهادة من إحداهما وبباقيها من الأخرى، فإن هذا هو الواجب وإن كان القضاة لا يعملونه لغفلتهم عن فحوى الآية وعلى ضرورة الواقع، وأما الرجال فلا يجوز للقاضي أن يعاملهم كذلك، بل يجب عليه أن يفرقهم، يعني يفرق بينهم، فإذا اختلفت شهادتهم لم يعتد بها، بل يعاملهم معاملة المزورين للشهادة، فيعزرهم التعزير الرادع القامع، ويدور بهم في الأسواق وينادي عليهم أنهم شهود زور، ليخزيهم بين الأمة حتى لا ينطلي أمرهم على أحد من القضاة والعامة، وليس له الحق أن يسمح لأحدهم بتذكير الآخر كالنساء.




هذا، وإن البينة في الشرع أعم من الشهادة كما حققه الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فكل ما يتبين به الحق كالقرائن القطعية، ويمكن أن يدل تدخل شهادة غير المسلم في البينة بهذا المعنى الذي استدلا عليه.



التاسع: من التأكيدات الإلهية في هذه الآية الكريمة قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾. وهذا أمر من الله سبحانه بتحمل الشهادة وأدائها اقتضاه ذلك النهي عن الامتناع عن تحملها وأدائها، لأن في الامتناع عن ذلك إضاعة للحقوق وعدم مبالاة بمهمات المسلمين، فهو من أعمال الجاهلية التي لا يرتضيها الإسلام، ولكن هل الوجوب فرض عين على كل أحد أو هو فرض كفاية. فالظاهر أنه من فروض الكفاية ويتعين إذا لم يوجد غيره يقوم به، فيكون تحمل الشهادة فرضاً معيناً عليه وكذلك أداؤها، لكن للعلماء كلاماً في كلفة أداء الشهادة إذا احتاجت إلى الأجرة، إما لبعد المكان الذي يجب أداؤها فيه، وإما لطول مكث الانتظار الذي يتضرر به الشاهد في تعطيل مصالحه أو توقيف عمله أو معيشة عياله، فأجازوا له أخذ مكافأة على أداء ما تحمله من الشهادة في هذه الأحوال كما فصله المحققون، ومنهم ابن تيميه في رسالته (السياسة الشرعية) وغيرها، وكأنهم نور الله قبورهم كما نور بصائرهم شاهدوا تضخم العواصم، وبعد المواصلات في هذا الزمان، ومواعيد المحاكم الجائرة التي تطلب حضور الشخص من أول المداومة، وقد لا يأتي دور خصمه إلا بعد الظهر، فانتظار الشاهد هذه المدة الطويلة وإهانته على أي حساب؟ فلولا أن الله حتم تحمل الشهادة وأدائها لضاعت الحقوق بهذه الحال، وليعلم أن فريضة الشهادة من الله على المسلمين تقتضي عدم منتهم على المشهود له أو المشهود عليه.



العاشر: من التأكيدات الإلهية في هذه الآية فيه زيادة تأكيد لضرورة الكتابة بكل حال، سواء قل الدين أو كثر، صغر العقد أو كبر، ففيه معالجة ما يخطر للنفس من تكلف الكتابة واستثقالها بحجة قلة الدين.



وفي هذا تربية من الله لعباده، لأن من لا يضبط القليل لا يضبط الكثير، ومن لا يولي القليل اهتمامه قد يؤدي به التهاون إلى عدم الاهتمام بالكثير، ولهذا يقول الله سبحانه في هذا التأكيد: ﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾ فقد علل تشديده في أمر الكتابة تعليلاً وجدانياً وتعليلاً عملياً، ومعنى ﴿ وَلَا تَسْأَمُوا ﴾ لا تملوا ولا تكسلوا ولا تضجروا، فإن السآمة تحتوي على هذه المعاني.



وفي هذا النهي معالجة لانفعالات النفس الإنسانية حين ترى أن تكليف الكتابة أعظم من قيمة المكتوب، فالله العليم الحكيم يوحي إليها إيحاء وجدانياً بأن الله يحب ضبطه بالكتابة ويفضله وإن كان قليلاً، فلهذا قال سبحانه: ﴿ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾. ثم يبين أنه أقوم للشهادة، يعني أقوم وأعون على إقامتها على وجهها، لأن الشهادة المكتوبة أقوم من الشهادة الشفوية لحصول النسيان أو بعضه.



وفي هذا دليل على أن للشاهد أن يطلب الكتابة ليتذكر ما شهد به، فعدم التساهل بالكتابة أقسط عند الله، يعني أعدل في حكمه وأحرى ثم أضبط للشهادة، ثم هو أبعد عن الريبة في صحة محتويات العقد، ولذا قال تعالى: ﴿ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾ يعني وأقرب إلى انتفاء ارتياب بعضكم من بعض، فإن سلوك الاحتياط بالكتابة للحقوق على وجه عادل مع إشهاد من ترضونه من الشهداء والتزام تقوى الله بالعدل في المعاملة وكتابتها هو أحرى بإقامة العدل ويمنع كل ريبة، كما يمنع ما يترتب على الريبة من الطمع والجنوح إلى الخصومة، وغير ذلك من أنواع المماطلة.



فما أعظم إرشادات الله لعباده في هذه الآية الكريمة، تلك الإرشادات التي لو جاء بها بعض فلاسفة (أوروبا) لأقام قومه الدنيا وأقعدوها ولكن الكبر الذي في صدورهم أعماهم عن إرشادات القرآن العظيمة.



الحادي عشر: من أحكام هذه الآية الكريمة وتوكيداتها هو استثناء التجارة الحاضرة من قيد الكتابة والاكتفاء فيها بشهادة الشهود أو الثقة المتبادلة بين الناس، وذلك تيسيراً للمعاملات التجارية التي يعرقلها التعقيد والتي من ضروراتها أن تتم بسرعة وتتكرر في أوقات قصيرة، فلذا قال سبحانه: ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ﴾. يعني تدار بين المتعاملين بالمعاطاة بأن يأخذ البائع الثمن ويقبض المشتري المبيع أو يجري استلام السلعة ودفع الثمن بالحساب حسب ثقة الأسواق وكسب العملاء، فإن مثل هذا لا تلزم فيه كتابة العقد لمواصلة دفع الثمن بالجملة أو التقسيط، فإن دين الله الإسلام هو دين الحضارة والحياة يراعي في تشريعاته جميع ملابسات الحياة ليريحها من كل تعقيد يعوق سيرها، فليست تشريعاته كالتحكمات القانونية التي لا تراعي المصلحة المستقبلة ولا تحمل هدفاً للمستقبل. وشتان بين وضع البشر ووضع خالق البشر جل وعلا.



وقد أشرت إلى غلط التقنين البشري وتعقيده في أول الكلام على الآية، وأن أكبر دولة من دول الحضارة والمدنية والقانون عقدت التجارة حتى اضطرت إلى الرجوع لمثل هذا الحكم الحادي عشر من هذه الآية الكريمة، وهي دولة (فرنسا) فالله سبحانه رفع الحرج في التجارة الحاضرة المدارة بين المتعاقدين والمتكررة تكراراً هائلاً، لأنه لا يترتب على ترك كتابة الوثيقة شيء من الارتياب الداعي إلى التخاصم، ولكن نفي الجناح في ذلك لا يمنع الاحتياط بكتابة المبيع وسعره والتوقيع على قبضه خوفاً من النسيان والغلط الموجب للشقاق والخصومة، وها نحن نراهم يفعلونه لأن المادة غلبت على الروح في هذا الزمان.



والحكم الثاني عشر: التوكيدي في هذه الآية قوله تعالى: ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾. والمقصود به في ظاهر الآية البيع الحاضر لا بيع الدين، لأن بيع الدين هو المقصود بلزوم الكتابة من أول الآية، فكان الإشهاد هذا على بيع الحاضر، وقد جرت السنة بعدم لزومه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى فرساً من أعرابي ولم يشهد عليه، وقصته مشهورة، فكان هذا الأمر للندب أو الإرشاد لا للوجوب، مع أن الأكثرين يقولون بذلك في جميع الآية، ولكن المستمر على الترك يعتبر عاصياً لتفريطه، ولورود النص بالنهي عن إضاعة المال.



والحكم الثالث عشر: التوكيدي يتضمن حماية الكاتب والشهود ورعايتهما بعدما قرر واجبهما، ليجري التوازن بين ما يجب عليهما وما يجب لهما من الحياطة والإكرام، إذ يقول سبحانه: ﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾ يعني لا يرهقان ولا يلزمان بترك أعمالهما الخاصة من أجل كتابة الدين أو تحمل الشهادة أو أدائها في زمان أو مكان يصعب عليهما ذلك. وفي هذا دليل على إباحة طلبهما العوض على ما يتحملانه من ذلك، وأن لا يجبرا بدون عوض يرضيهما ليس فيه عناد ولا إجحاف.



ومقتضى مذهب الشافعية جواز استعمال اللفظ المشترك في معنييه وفي حقيقته ومجازه.



فعلى هذا كلمة ﴿ يُضَارَّ ﴾ تستعمل لبناء الفاعل والمفعول، فتكون عامة تقتضي نهي الكتّاب والشهود أن يسلكوا مسلك الإضرار بالمتعاملين كما تقتضي بطريق الأولى نهي المتعاملين عن الإضرار بالكتاب والشهود بأي نوع من أنواع الإضرار، كما يعم هذا النهي كل سلطة تنفيذية في دولة الإسلام أن لا تنزل بهما أي ضرر أو إرهاق، وأن تراعي مصلحتهما الخاصة على كل شيء وأن لا تهدر كرامتهما بأي وجه من الوجوه، فلا تدخلهما في القفص المعدود في المحاكم العرفية لاستجواب المجرمين، لأن بكتابة الكاتب وشهادة الشهود يتضح الحق من الباطل، فكان إكرامهما من الواجبات وإهانتهما من المحرمات.



ولذا قال سبحانه وتعالى في (الحكم الرابع عشر) من أحكام هذه الآية الكريمة: ﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾ يعني خروج عن طاعة الله إلى معصيته، وفي قول الله سبحانه ﴿ وَإِنْ ﴾ إشارة إلى أن مثل هذا الفعل الذي يتحقق به الفسق لا يكاد يقع من المخاطبين في هذه الآية، وهم الذين آمنوا، لأن الإيمان يمنع من موجبات الفسق، وكذلك الله سبحانه بكلمة ﴿ يُضَارَّ ﴾ الدالة على المشاركة فيها الإشارة إلى أن ضر الإنسان لغيره ضر لنفسه.



(والتوكيد الخامس عشر) في هذه الآية هو قوله سبحانه: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. يختم الله هذه التوصيات الاقتصادية والاجتماعية بالوصية الكبرى التي توقظ ضمائر المؤمنين وتستجيش شعورهم، ليتقبلوا ما ورد عن الله برحابة صدر وانشراح خاطر، ويقوموا يتنفيذه باطمئنان وتشرف ألا وهي تقوى الله التي تجعل من ضمير المسلم المؤمن رقيباً باطنياً يراقبه في كل عمل ويخوفه من عقوبات الله العاجلة والآجلة كما أوضحنا ذلك في أول هذه السورة المباركة.



فقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ يعني راقبوا عظمته وإحاطته في تنفيذ جميع ما أمركم به ونهاكم عنه، وقوله سبحانه: ﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ يعني يعلمكم ما فيه قيام جميع مصالحكم في حياتكم ما المصلحة في فعله وما المصلحة في تركه من حفظ أموالكم وتقوية روابطكم وصيانة مجتمعكم من التصدع والشقاق، فهو المحيط علمه بذلك، ولسعة إحاطته شرع لكم ما يجلب المصالح ويدفع المفاسد ويبعدها، فالله بكل شيء عليم.



قال البيضاوي في سبب تكرير لفظ الجلالة ثلاث مرات:


أنه لاستقلالها فإن الأولى حث على التقوى، والثانية وعد بإنعامه، والثالثة تعظيم لشأنه، ولأنه أدخل في التعظيم من الكتابة، وقال غيره ما معناه: إن في هذا التكرار كمال التذكير وقوة التأثير.



واعلم أنه لا يلتفت إلى قول الصوفية وأشياعهم رحمهم الله من أن التقوى تكون سبباً للعلم، بل إن التقوى جالبة للعمل وحسن المراقبة لله وقوة الاستجابة لنداءاته في القرآن. أما العلم فلا يحصل إلا بالتعلم وبذل الجهد في الحفظ والبحث، ولكن مع حسن النية يسهل الله طريقه ويبارك في معلومات صاحبه. أما زعم الصوفية على العلم الإلهي بترويض النفس على العبادة السنية والمبتدعة وقراءة الأوراد والأحزاب، فهذا فيه فتح باب للدجل والشعوذة، والقول على الله بغير علم، وهو أشر من الشرك، ويستدلون على زعمهم بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29] والفرقان هنا ليس ما يريدونه وإنما النجاة والمخرج والتبصر كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2] وكما سمي يوم بدر يوم الفرقان ويتضمن نور البصيرة أيضاً.



وعلى كل حال لا يصح تفسير الآية بما زعمه الصوفية ومقلدوهم لا من جهة اللغة ولا من جهة المعنى.



أما اللغة فإن عطف ﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ ﴾ على قوله: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ينافي أن يكون جزاء له ومرتباً عليه، لأن العطف يقتضي المغايرة، ولو أراد الله هذا لجعل العطف بالفاء أو وصل الفعل بلام التعليل ولقال: (واتقوا الله ليعلمكم الله).



وأما المعنى فلا يصح قولهم بتاتاً، لأن قولهم عبارة عن جعل المسبب سبباً، والفرع أصلاً، والنتيجة مقدمة، وهذا قلب للأصول والمقدمات، فإن المعقول المعروف بالحس والوجدان أن العلم الصحيح الخالص لوجه الله هو الذي يثمر التقوى، فلا تقوى بلا علم ديني، فالعلم هو الأصل الأول وعليه المعول، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]. وكما قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19].



فتأثير العلم في الإرادة بتوجيهها إلى العمل الصالح وصرفها عن القبيح ناشئ من خشية الله التي هي التقوى، فأما إذا انحرف العالم لغلبة المادة على نفسه وضعف الروحانية فيه كان مذموماً هو وعلمه. ولذا شبه الله العالم الذي لم ينتفع بوحي الله بالحمار الذي يحمل الكتب. وشبه المتصرف عن وحي الله ودينه طمعاً في المادة ورغبة في أرض الوطن بالكلب ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾ [الأعراف: 176].



فالعلم الذي هو أصل التقوى لا يكون إلا بالتعلم والتلقي، كما ورد في الحديث: ((العلم بالتعلم))[3]. جزم به البخاري تعليقاً. وروي عن غير واحد من الصحابة، ورواه الدارقطني والخطيب في التاريخ من حديث أبي هريرة، والعسكري من حديث أنس، والطبراني في المعجم الكبير من حديث معاوية والبيهقي في المدخل ابن مسعود، والدارقطني من حديث أبي الدرداء، وحسنه الحافظ ابن حجر من حديث معاوية معضداً له بغيره.



هذا وإن ثمرة العلم العمل، فكلما ازداد عمل العالم بعلمه ازداد رشده وفهمه حتى يرسخ العلم في قلبه رسوخاً تتبين به الدقائق والخفايا، كما ورد في الحديث الذي رواه أبو الشيخ عن ابن عباس مرفوعاً: ((من تعلم فعمل علمه الله ما لم يعلم))[4]. والحديث الذي رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس: ((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم))[5]. فالعمل بالعلم من أسباب المزيد فيه وخروجه من ضيق الإبهام والإجمال إلى فضاء الجلاء والتفصيل.



وبحصول العمل عن إخلاص يزداد العلم وتتنور البصيرة لحصول التقوى في الإخلاص بالعمل، فإن تقوى الله في جميع الأمور تعطي صاحبها نوراً يعرف به بين دقائق الشبهات التي لا يعلمهن كثير من الناس فيستفيد علماً خاصاً لم يكن ليهتدي إليه لولا التقوى الصحيحة، وهذا هو الفرقان الذي يفرق به صاحبه بين الحق والباطل، فإن الفرقان في اللغة هو الصبح الذي يفرق به بين الليل والنهار، وبهذا تعلم أن أدعياء التصوف الجهلة ليس لهم حظ من ذلك العلم الأول الذي يزدرونه ويرفضونه، وليس لهم حظ من هذه التقوى التي هي أثره وثمرته، ولا من هذا العلم الأخير الذي هو أثر العلم والتقوى جميعاً فبينهم وبين العلم اللدني مرحلتان بعيدتان.



إحداهما: العلم الذي يؤخذ بالتلقي.



ثانيهما: تحقيق العمل به المثمر للتقوى، وليس عندهم سوى شطحات ومخرفات شيطانية، فإن العلم اللدني لا يحصل بالجهل ولا بالعبادة مع الجهل فكم من جاهل لاحت له أنوار العبادة فظنها أنوار الله، فاستغلت الشياطين جهله لتغويه وتغوي به، ولله در ابن القيم إذ يقول:


احذر تزل فتحت رجلك هوة


كم قد هوى فيها مدى الأزمانِ


من عابد بالجهل زلت رجله


فهوى إلى قعر الحضيض الداني


لاحت له آثار أنوار العبا


دة ظنها الأنوار للرحمنِ


فأتى بكل مصيبة وبلية


ما شئت من شطح ومن هذيانِ



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/73514/#ixzz7DtCdaU9L


.

.

.




تحياتي " Alexandera "

موضوع جميل وهو من أعظم إرشادات الله تعالي لعبادة ويرشدنا الي ان شهادة الزور من الكبائر فيجب توخي الحذر عند الشهادة وكتابة الدين
 
Comment

Alexandera

الــــــدرة " فقيدة الغابة "
نجوم المنتدي
إنضم
12 مايو 2021
المشاركات
9,526
مستوى التفاعل
13,430
العمر
21
الإقامة
𝓟𝓐𝓛𝓔𝓢𝓣𝓘𝓝𝓘𝓐𝓝
مجموع اﻻوسمة
8
تدبر آية الدين ج ( 2 ) .. فعالية ملوك المواضيع " الفريق الأحمر "
موضوع جميل وهو من أعظم إرشادات الله تعالي لعبادة ويرشدنا الي ان شهادة الزور من الكبائر فيجب توخي الحذر عند الشهادة وكتابة الدين
يسلمو أخي عهالمرور الراقي
منور 🌷
 
Comment
أعلى