تواصل معنا

تفسير ابن كثير @@@@@@@@@ ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد : 11] وقوله : (...

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@@

( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد : 11]
وقوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا )
قال عمر بن الخطاب : هو الإنفاق في سبيل الله.
وقيل : هو النفقة على العيال.
والصحيح أنه أعم من ذلك ، فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة ، وعزيمة صادقة دخل في عموم هذه الآية ; ولهذا قال :
( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له )
كما قال في الآية الأخرى : ( أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) [ البقرة : 245 ]
أي : جزاء جميل ورزق باهر - وهو الجنة - يوم القيامة .

قال بن أبي حاتم:
حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود قال :
لما نزلت هذه الآية : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له )
قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله ، وإن الله ليريد منا القرض ؟ "
قال : " نعم ، يا أبا الدحداح " .
قال : أرني يدك يا رسول الله.
قال : فناوله يده ، قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي - وله حائط فيه ستمائة نخلة ، وأم الدحداح فيه وعيالها - قال :
فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح.
قالت : لبيك .
فقال : اخرجي ، فقد أقرضته ربي ، عز وجل -
وفي رواية : أنها قالت له : ربح بيعك يا أبا الدحداح .
ونقلت منه متاعها وصبيانها ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح " .
وفي لفظ : " رب نخلة مدلاة عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة " .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الحديد : 12]
يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين المتصدقين :
أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة ، بحسب أعمالهم ، كما قال عبد الله بن مسعود في قوله :
( يسعى نورهم بين أيديهم )
قال : على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم ، وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة ورواه بن أبي حاتم ، وابن جرير .

وقال قتادة :
ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول :
" من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء فدون ذلك ، حتى إن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه "

وقال سفيان الثوري ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن جنادة بن أمية قال :
إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم ، وسيماكم ، وحلاكم ، ونجواكم ، ومجالسكم ، فإذا كان يوم القيامة قيل : يا فلان ، هذا نورك . يا فلان ، لا نور لك . وقرأ : ( يسعى نورهم بين أيديهم )

وقال الضحاك :
ليس لأحد إلا يعطى نورا يوم القيامة ، فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ، فلما رأي ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طفئ نور المنافقين ، فقالوا :
ربنا ، أتمم لنا نورنا .

وقال الحسن [ في قوله ] ( يسعى نورهم بين أيديهم ) يعني : على الصراط .

وقد قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله :
حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، أخبرنا عمي ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سعيد بن مسعود : أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث :
أنه سمع أبا الدرداء ، وأبا ذر يخبران عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود ، وأول من يؤذن له برفع رأسه ، فأنظر من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، فأعرف أمتي من بين الأمم " .
فقال له رجل : يا نبي الله ، كيف تعرف أمتك من بين الأمم ، ما بين نوح إلى أمتك ؟
قال : " أعرفهم ، محجلون من أثر الوضوء ، ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم ، وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم وذريتهم

وقوله: ( وبأيمانهم ) قال الضحاك : أي وبأيمانهم كتبهم ، كما قال :
( فمن أوتي كتابه بيمينه ) [ الإسراء : 71 ] .

وقوله : ( بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي : يقال لهم : بشراكم اليوم جنات ، أي : لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار ، ( خالدين فيها ) أي : ماكثين فيها أبدا ( ذلك هو الفوز العظيم ) .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) [الحديد : 13]
وقوله : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ) وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة ، والزلازل العظيمة ، والأمور الفظيعة وإنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله ، وعمل بما أمر الله به ، وترك ما عنه زجر .

قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا صفوان بن عمرو ، حدثني سليم بن عامر قال :
خرجنا على جنازة في باب دمشق ، ومعنا أبو أمامة الباهلي ، فلما صلى على الجنازة ، وأخذوا في دفنها ، قال أبو أمامة :
أيها الناس ، إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر ، وهو هذا - يشير إلى القبر - بيت الوحدة ، وبيت الظلمة ، وبيت الدود ، وبيت الضيق ، إلا ما وسع الله ، تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة ، فإنكم في بعض تلك المواطن [ حتى ] يغشى الناس أمر من الله ، فتبيض وجوه وتسود وجوه ، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فتغشى الناس ظلمة شديدة ، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورا ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئا ، وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه ، قال:
( أو كظلمات في بحر لجي ) إلى قوله : ( فما له من نور ) [ النور : 40 ].
فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى بنور البصير ، ويقول المنافقون للذين آمنوا :
( انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقين حيث قال :
( يخادعون الله وهو خادعهم ) [ النساء : 142 ] .
فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور ، فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور له باب ، ( باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) الآية .
يقول سليم بن عامر : فما يزال المنافق مغترا حتى يقسم النور ، ويميز الله بين المؤمن والمنافق .

ثم قال :
حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا ابن حيوة ، حدثنا أرطأة بن المنذر ، حدثنا يوسف بن الحجاج ، عن أبي أمامة قال :
تبعث ظلمة يوم القيامة ، فما من مؤمن ، ولا كافر يرى كفه ، حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم ، فيتبعهم المنافقون فيقولون : ( انظرونا نقتبس من نوركم ) .

وقال العوفي ، والضحاك ، وغيرهما ، عن ابن عباس :
بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نورا فلما رأي المؤمنون النور توجهوا نحوه ، وكان النور دليلا من الله إلى الجنة ، فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم ، فأظلم الله على المنافقين ، فقالوا حينئذ : ( انظرونا نقتبس من نوركم ) فإنا كنا معكم في الدنيا .
قال المؤمنون : ( ارجعوا ) من حيث جئتم من الظلمة ، فالتمسوا هنالك النور .

وقال أبو القاسم الطبراني :
حدثنا الحسن بن علويه القطان ، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار ، حدثنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة ، حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترا منه على عباده ، وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نورا ، وكل منافق نورا ، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات ، فقال المنافقون :
( انظرونا نقتبس من نوركم )
وقال المؤمنون : ( ربنا أتمم لنا نورنا ) [ التحريم : 8 ] .
فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا ".
وقوله : ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب )
قال الحسن ، وقتادة : هو حائط بين الجنة النار .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هو الذي قال الله تعالى :
( وبينهما حجاب ) [ الأعراف : 46 ] .
وهكذا روي عن مجاهد ، رحمه الله ، وغير واحد ، وهو الصحيح .

( باطنه فيه الرحمة ) أي : الجنة وما فيها.
( وظاهره من قبله العذاب ) أي : النار . قاله قتادة ، وابن زيد ، وغيرهما .

قال ابن جرير :
وقد قيل : إن ذلك السور سور بيت المقدس عند وادي جهنم . ثم قال :
حدثنا ابن البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن عطية بن قيس ، عن أبي العوام - مؤذن بيت المقدس - قال :
سمعت عبد الله بن عمرو يقول : إن السور الذي ذكر الله في القرآن : ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) هو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه ، وظاهره وادي جهنم .

ثم روي عن عبادة بن الصامت ، وكعب الأحبار ، وعلي بن الحسين زين العابدين ، نحو ذلك . وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالا لذلك ، لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين ، ونفس المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم ; فإن الجنة في السماوات في أعلى عليين ، والنار في الدركات أسفل سافلين .
وقول كعب الأحبار :
إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد ، فهذا من إسرائيلياته وترهاته . وإنما المراد بذلك : سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين ، فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه ، فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب ، كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [الحديد : 14]
( ينادونهم ألم نكن معكم ) أي : ينادي المنافقون المؤمنين :
أما كنا معكم في الدار الدنيا ، نشهد معكم الجمعات ، ونصلي معكم الجماعات ، ونقف معكم بعرفات ، ونحضر معكم الغزوات ، ونؤدي معكم سائر الواجبات ؟
( قالوا بلى ) أي : فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين :
بلى ، قد كنتم معنا ، ( ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني )
قال بعض السلف : أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات.
( وتربصتم ) أي : أخرتم التوبة من وقت إلى وقت .

وقال قتادة : ( وتربصتم ) بالحق وأهله
( وارتبتم ) أي : بالبعث بعد الموت
( وغرتكم الأماني ) أي : قلتم : سيغفر لنا .
وقيل : غرتكم الدنيا ( حتى جاء أمر الله ) أي : ما زلتم في هذا حتى جاء الموت
( وغركم بالله الغرور ) أي : الشيطان .

قال قتادة :
كانوا على خدعة من الشيطان ، والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار .

ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين : إنكم كنتم معنا [ أي ] بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها ، وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تراءون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلا .

قال مجاهد :
كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ، ويغشونهم ، ويعاشرونهم ، وكانوا معهم أمواتا ، ويعطون النور جميعا يوم القيامة ، ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور ، ويماز بينهم حينئذ .

وهذا القول من المؤمنين لا ينافي قولهم الذي أخبر الله به عنهم ، حيث يقول - وهو أصدق القائلين - :
( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) [ المدثر : 38 - 47 ] ، فهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ .
ثم قال تعالى : ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) [ المدثر : 48 ] ،

@@@@@@@

( فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الحديد : 15]
كما قال تعالى ها هنا : ( فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ) أي : لو جاء أحدكم اليوم بملء الأرض ذهبا ومثله معه ليفتدي به من عذاب الله ، ما قبل منه .

وقوله : ( مأواكم النار ) أي : هي مصيركم وإليها منقلبكم .

وقوله : ( هي مولاكم ) أي : هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم ، وبئس المصير .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد : 16]
يقول الله تعالى :
أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ، أي : تلين عند الذكر ، والموعظة ، وسماع القرآن ، فتفهمه ، وتنقاد له ، وتسمع له ، وتطيعه .

قال عبد الله بن المبارك :
حدثنا صالح المري ، عن قتادة ، عن ابن عباس أنه قال :
إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن ، فقال : ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) الآية.
رواه ابن أبي حاتم ، عن الحسن بن محمد بن الصباح ، عن حسين المروزي ، عن ابن المبارك به .

ثم قال هو ومسلم :
حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال - يعني الليث - عن عون بن عبد الله ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال :
ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) [ الآية ] إلا أربع سنين
كذا رواه مسلم في آخر الكتاب .
وأخرجه النسائي عند تفسير هذه الآية ، عن هارون بن سعيد الأيلي ، عن ابن وهب ، به ، وقد رواه ابن ماجه من حديث موسى بن يعقوب الزمعي ، عن أبي حزم ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، مثله ، فجعله من مسند بن الزبير . لكن رواه البزار في مسنده من طريق موسى بن يعقوب ، عن أبي حازم ، عن عامر ، عن ابن الزبير ، عن ابن مسعود ، فذكره

وقال سفيان الثوري ، عن المسعودي ، عن القاسم قال :
مل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملة ، فقالوا : حدثنا يا رسول الله . فأنزل الله تعالى : ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) [ يوسف : 3 ] قال : ثم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله ، فأنزل الله تعالى : ( الله نزل أحسن الحديث ) [ الزمر : 23 ] . ثم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله . فأنزل الله : ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله )

وقال قتادة : ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) ذكر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أول ما يرفع من الناس الخشوع "

وقوله : ( ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ) نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب قبلهم من اليهود والنصارى ، لما تطاول عليهم الأمد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم واشتروا به ثمنا قليلا ونبذوه وراء ظهورهم ، وأقبلوا على الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة ، وقلدوا الرجال في دين الله ، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، فعند ذلك قست قلوبهم ، فلا يقبلون موعظة ، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد .

( وكثير منهم فاسقون ) أي : في الأعمال ، فقلوبهم فاسدة ، وأعمالهم باطلة .
كما قال : ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ) [ المائدة : 13 ] ، أي : فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه ، وتركوا الأعمال التي أمروا بها ، وارتكبوا ما نهوا عنه ; ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية .

وقد قال بن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا شهاب بن خراش ، حدثنا حجاج بن دينار ، عن منصور بن المعتمر ، عن الربيع بن أبي عميلة الفزاري قال : حدثنا عبد الله بن مسعود حديثا ما سمعت أعجب إلي منه ، إلا شيئا من كتاب الله ، أو شيئا قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم ، استهوته قلوبهم ، واستحلته ألسنتهم ، واستلذته ، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم فقالوا :
تعالوا ندع بني إسرائيل إلى كتابنا هذا ، فمن تابعنا عليه تركناه ، ومن كره أن يتابعنا قتلناه . ففعلوا ذلك ، وكان فيهم رجل فقيه ، فلما رأى ما يصنعون عمد إلى ما يعرف من كتاب الله فكتبه في شيء لطيف ، ثم أدرجه ، فجعله في قرن ، ثم علق ذلك القرن في عنقه ، فلما أكثروا القتل قال بعضهم لبعض :
يا هؤلاء ، إنكم قد أفشيتم القتل في بني إسرائيل ، فادعوا فلانا فاعرضوا عليه كتابكم ، فإنه إن تابعكم فسيتابعكم بقية الناس ، وإن أبى فاقتلوه . فدعوا فلانا ذلك الفقيه فقالوا : تؤمن بما في كتابنا ؟
قال : وما فيه ؟ اعرضوه علي .
فعرضوه عليه إلى آخره ، ثم قالوا : أتؤمن بهذا ؟
قال : نعم ، آمنت بما في هذا وأشار بيده إلى القرن - فتركوه ، فلما مات نبشوه فوجدوه متعلقا ذلك القرن ، فوجدوا فيه ما يعرف من كتاب الله ، فقال بعضهم لبعض :
يا هؤلاء ، ما كنا نسمع هذا أصابه فتنة . فافترقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين ملة ، وخير مللهم ملة أصحاب ذي القرن " .

قال ابن مسعود : [ وإنكم ] أوشك بكم إن بقيتم - أو : بقي من بقي منكم - أن تروا أمورا تنكرونها ، لا تستطيعون لها غيرا ، فبحسب المرء منكم أن يعلم الله من قلبه أنه لها كاره .

وقال أبو جعفر الطبري :
حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم قال :
جاء عتريس بن عرقوب إلى ابن مسعود فقال : يا أبا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر .
فقال عبد الله : هلك من لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر قلبه منكرا ; إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم ، اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم ، استهوته قلوبهم ، واستحلته ألسنتهم.
وقالوا : نعرض على بني إسرائيل هذا الكتاب فمن آمن به تركناه ، ومن كفر به قتلناه . قال : فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن ، ثم جعل القرن بين ثندوتيه فلما قيل له : أتؤمن بهذا ؟
قال آمنت به - ويومئ إلى القرن بين ثندوتيه - ومالي لا أؤمن بهذا الكتاب ؟
فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الحديد : 17]
وقوله : ( اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) فيه إشارة إلى أنه ، تعالى ، يلين القلوب بعد قسوتها ، ويهدي الحيارى بعد ضلتها ، ويفرج الكروب بعد شدتها ، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان [ الوابل ] كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل ، ويولج إليها النور بعد ما كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل ، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الإضلال ، والمضل لمن أراد بعد الكمال ، الذي هو لما يشاء فعال ، وهو الحكم العدل في جميع الفعال ، اللطيف الخبير الكبير المتعال .

@@@@@@@@@

( إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد : 18]
يخبر تعالى عما يثيب به المصدقين والمصدقات بأموالهم على أهل الحاجة والفقر والمسكنة ، ( وأقرضوا الله قرضا حسنا ) أي : دفعوه بنية خالصة ابتغاء وجه الله ، لا يريدون جزاء ممن أعطوه ولا شكورا ; ولهذا قال :
( يضاعف لهم ) أي : يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها ، ويزداد على ذلك إلى سبعمائة ضعف وفوق ذلك.
( ولهم أجر كريم ) أي : ثواب جزيل حسن ، ومرجع صالح ومآب ( كريم ).
 
Comment

أطياف

نجوم المنتدي
إنضم
8 سبتمبر 2023
المشاركات
5,057
مستوى التفاعل
3,056
مجموع اﻻوسمة
3
تفسير ابن كثير ( متجدد )
الله يجعلها في ميزان حسناتك
اخي جاروط @جاروط
 
1 Comment
جاروط
جاروط commented
و إياكم يارب
أكرمك الله ♥
 

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [الحديد : 19]
وقوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) هذا تمام لجملة وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون .

قال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) هذه مفصولة ( والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ) .

وقال أبو الضحى : ( أولئك هم الصديقون ) ثم استأنف الكلام فقال : ( والشهداء عند ربهم ) وهكذا قال مسروق ، والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم .

وقال الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله في قوله :
( أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ) قال : هم ثلاثة أصناف : يعني المصدقين ، والصديقين ، والشهداء ، كما قال [ الله ] تعالى :
( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) [ النساء : 69 ]
ففرق بين الصديقين والشهداء ، فدل على أنهما صنفان .
ولا شك أن الصديق أعلى مقاما من الشهيد ، كما رواه الإمام مالك بن أنس ، رحمه الله ، في كتابه الموطإ ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب ، لتفاضل ما بينهم " .
قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟
قال : " بلى والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " .
اتفق البخاري ، ومسلم على إخراجه من حديث مالك به

وقال آخرون : بل المراد من قوله : ( أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ) فأخبر عن المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون وشهداء . حكاه ابن جرير ، عن مجاهد ، ثم قال ابن جرير :

حدثني صالح بن حرب أبو معمر ، حدثنا إسماعيل بن يحيى ، حدثنا ابن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن البراء بن عازب قال :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" مؤمنو أمتي شهداء " .
قال : ثم تلا - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم )
هذا حديث غريب

وقال أبو إسحاق ، عن عمرو بن ميمون في قوله :
( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ) قال :
يجيئون يوم القيامة معا كالإصبعين .

وقوله : ( والشهداء عند ربهم ) أي : في جنات النعيم ، كما جاء في الصحيحين :
" إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال : ماذا تريدون ؟
فقالوا : نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنقتل كما قتلنا أول مرة .
فقال: إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون "

وقوله : ( لهم أجرهم ونورهم ) أي : لهم عند ربهم أجر جزيل ونور عظيم يسعى بين أيديهم ، وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا من الأعمال ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن أبي يزيد الخولاني قال : سمعت فضالة بن عبيد يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" الشهداء أربعة : رجل مؤمن جيد الإيمان ، لقي العدو فصدق الله فقتل ، فذلك الذي ينظر الناس إليه هكذا - ورفع رأسه حتى سقطت قلنسوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قلنسوة عمر ، والثاني مؤمن لقي العدو فكأنما يضرب ظهره بشوك الطلح ، جاءه سهم غرب فقتله ، فذاك في الدرجة الثانية ، والثالث رجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذاك في الدرجة الثالثة ، والرابع رجل مؤمن أسرف على نفسه إسرافا كثيرا ، لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذاك في الدرجة الرابعة " .
وهكذا رواه علي بن المديني ، عن أبي داود الطيالسي ، عن ابن المبارك عن ابن لهيعة ، وقال : هذا إسناد مصري صالح . ورواه الترمذي من حديث ابن لهيعة وقال : حسن غريب

وقوله : ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ) لما ذكر السعداء ومآلهم ، عطف بذكر الأشقياء وبين حالهم .
 
Comment

عـٓـذار

جبل أحد
نجوم المنتدي
إنضم
16 أغسطس 2023
المشاركات
2,257
مستوى التفاعل
9,829
مجموع اﻻوسمة
2
تفسير ابن كثير ( متجدد )
حبيبنا جاروط @جاروط
جزاك المنان فردوس الجنان
 
1 Comment
جاروط
جاروط commented
و إياكم يارب 😍
أكرمك الله ♥
 

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@@

( سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد : 21]
فقال تعالى : ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ) والمراد جنس السماء والأرض ، كما قال في الآية الأخرى :
( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) [ آل عمران : 133 ] .
وقال ها هنا : ( أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) أي : هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم ، كما قدمنا في الصحيح :
أن فقراء المهاجرين قالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم .
قال : " وما ذاك ؟ " .
قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق .
قال : " أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم : تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين " .
قال : فرجعوا فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا ، ففعلوا مثله !
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ".
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد : 20]

قول تعالى موهنا أمر الحياة الدنيا ومحقرا لها : ( أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ) أي : إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا ، كما قال :
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) [ آل عمران : 14 ]

ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال : ( كمثل غيث ) وهو : المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس ، كما قال :
( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته ) [ الشورى : 28 ]

وقوله : ( أعجب الكفار نباته ) أي : يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث ; وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار ، فإنهم أحرص شيء عليها ، وأميل الناس إليها.
( ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما ) أي : يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرا بعد ما كان خضرا نضرا ، ثم يكون بعد ذلك كله حطاما ، أي : يصير يبسا متحطما ، هكذا الحياة الدنيا تكون أولا شابة ، ثم تكتهل ، ثم تكون عجوزا شوهاء ، والإنسان كذلك في أول عمره وعنفوان شبابه غضا طريا لين الأعطاف ، بهي المنظر ، ثم إنه يشرع في الكهولة ، فتتغير طباعه وينفد بعض قواه ، ثم يكبر فيصير شيخا كبيرا ، ضعيف القوى ، قليل الحركة ، يعجزه الشيء اليسير ، كما قال تعالى :
( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) [ الروم : 54 ] .
ولما كان هذا المثل دالا على زوال الدنيا وانقضائها وفراغها لا محالة ، وأن الآخرة كائنة لا محالة ، حذر من أمرها ورغب فيما فيها من الخير ، فقال :
( وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) أي : وليس في الآخرة الآتية القريبة إلا إما هذا وإما هذا : إما عذاب شديد ، وإما مغفرة من الله ورضوان .

وقوله : ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) أي : هي متاع فان غار لمن ركن إليه فإنه يغتر بها وتعجبه حتى يعتقد أنه لا دار سواها ولا معاد وراءها ، وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى الدار الآخرة .

قال ابن جرير :
حدثنا علي ابن حرب الموصلي ، حدثنا المحاربي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها . اقرءوا : ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة والله أعلم .

وقال الإمام أحمد :
حدثنا ابن نمير ، ووكيع ، كلاهما عن الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" للجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك " .
انفرد بإخراجه البخاري في " الرقاق " ، من حديث الثوري ، عن الأعمش به

ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من الإنسان ، وإذا كان الأمر كذلك ; فلهذا حثه الله على المبادرة إلى الخيرات ، من فعل الطاعات ، وترك المحرمات ، التي تكفر عنه الذنوب والزلات ، وتحصل له الثواب والدرجات.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد : 22]
يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال :
( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم ) أي : في الآفاق وفي نفوسكم.
( إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) أي : من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة .

وقال بعضهم : ( من قبل أن نبرأها ) عائد على النفوس .
وقيل : عائد على المصيبة .
والأحسن عوده على الخليقة والبرية ; لدلالة الكلام عليها ، كما قال ابن جرير :
حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن منصور بن عبد الرحمن قال :
كنت جالسا مع الحسن ، فقال رجل : سله عن قوله : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) فسألته عنها ، فقال :
سبحان الله ! ومن يشك في هذا ؟
كل مصيبة بين السماء والأرض ، ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة

وقال قتادة : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ) قال : هي السنون . يعني : الجدب ،
( ولا في أنفسكم ) يقول : الأوجاع والأمراض .
قال : وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ، ولا خلجان عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر .

وهذه الآية الكريمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق - قبحهم الله - وقال الإمام أحمد :
حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، وابن لهيعة قالا حدثنا أبو هانئ الخولاني : أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة " .
ورواه مسلم في صحيحه ، من حديث عبد الله بن وهب ، وحيوة بن شريح ، ونافع بن يزيد ، وثلاثتهم عن أبي هانئ به . وزاد بن وهب : " وكان عرشه على الماء " . ورواه الترمذي وقال : حسن صحيح

وقوله : ( إن ذلك على الله يسير ) أي : أن علمه تعالى الأشياء قبل كونها ، وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله ، عز وجل ; لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.

@@@@@@@@

( لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد : 23]
وقوله : ( لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) أي : أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها ، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها ، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم ، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم ، فلا تأسوا على ما فاتكم ، فإنه لو قدر شيء لكان.
( ولا تفرحوا بما آتاكم ) أي : جاءكم ، ويقرأ : " آتاكم " أي : أعطاكم . وكلاهما متلازمان ، أي : لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم ، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم ، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم ، فلا تتخذوا نعم الله أشرا وبطرا ، تفخرون بها على الناس ; ولهذا قال :
( والله لا يحب كل مختال فخور ) أي : مختال في نفسه متكبر فخور ، أي : على غيره .

وقال عكرمة :
ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [الحديد : 24]
ثم قال : ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) أي : يفعلون المنكر ويحضون الناس عليه.
( ومن يتول ) أي : عن أمر الله وطاعته
( فإن الله هو الغني الحميد ) كما قال موسى عليه السلام :
( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ) [ إبراهيم : 8 ] .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد : 25]
يقول تعالى :
( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ) أي : بالمعجزات ، والحجج الباهرات ، والدلائل القاطعات.
( وأنزلنا معهم الكتاب ) وهو : النقل المصدق.
( والميزان ) وهو : العدل . قاله مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما .
وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة ، كما قال :
( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ) [ هود : 17 ].
وقال : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) [ الروم : 30 ].
وقال : ( والسماء رفعها ووضع الميزان ) [ الرحمن : 7 ] ; ولهذا قال في هذه الآية :
( ليقوم الناس بالقسط ) أي : بالحق والعدل وهو : اتباع الرسل فيما أخبروا به ، وطاعتهم فيما أمروا به ، فإن الذي جاءوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق ، كما قال :
( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) [ الأنعام : 115 ] أي : صدقا في الإخبار ، وعدلا في الأوامر والنواهي . ولهذا يقول المؤمنون إذا تبوءوا غرف الجنات ، والمنازل العاليات ، والسرر المصفوفات :
( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ) [ الأعراف : 43 ] .

وقوله : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) أي : وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه ; ولهذا أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية ، وكلها جدال مع المشركين ، وبيان وإيضاح للتوحيد ، وتبيان ودلائل ، فلما قامت الحجة على من خالف ، شرع الله الهجرة ، وأمرهم بالقتال بالسيوف ، وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده .

وقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن حسان بن عطية ، عن أبي المنيب الجرشي الشامي ، عن ابن عمر قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم "

ولهذا قال تعالى : ( فيه بأس شديد ) يعني : السلاح كالسيوف ، والحراب ، والسنان ، والنصال ، والدروع ، ونحوها .
( ومنافع للناس ) أي : في معايشهم كالسكة ، والفأس ، والقدوم ، والمنشار ، والإزميل ، والمجرفة ، والآلات التي يستعان بها في الحراثة ، والحياكة ، والطبخ ، والخبز ، وما لا قوام للناس بدونه ، وغير ذلك .

قال علباء بن أحمد ، عن عكرمة ، أن ابن عباس قال :
ثلاثة أشياء نزلت مع آدم : السندان ، والكلبتان ، والميقعة ، يعني المطرقة .
رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .

وقوله : ( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) أي : من نيته في حمل السلاح نصرة الله ورسله.
( إن الله قوي عزيز ) أي : هو قوي عزيز ، ينصر من نصره من غير احتياج منه إلى الناس ، وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@@@

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد : 26]
يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحا ، عليه السلام ، لم يرسل بعده رسولا ولا نبيا إلا من ذريته ، وكذلك إبراهيم ، عليه السلام ، خليل الرحمن ، لم ينزل من السماء كتابا ولا أرسل رسولا ولا أوحى إلى بشر من بعده ، إلا وهو من سلالته كما قال في الآية الأخرى :
( وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ) [ يعني ] حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بشر من بعده بمحمد ، صلوات الله وسلامه عليهما ; ولهذا قال تعالى :

( ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد : 27]
( ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل ) وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه.
( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه ) وهم الحواريون.
( رأفة ورحمة ) أي : رأفة وهي الخشية
( ورحمة ) بالخلق .

وقوله :
( ورهبانية ابتدعوها ) أي : ابتدعتها أمة النصارى.
( ما كتبناها عليهم ) أي : ما شرعناها لهم ، وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم .

وقوله : ( إلا ابتغاء رضوان الله ) فيه قولان ، أحدهما :
1- أنهم قصدوا بذلك رضوان الله ، قال سعيد بن جبير ، وقتادة .
2- والآخر : ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله .

وقوله : ( فما رعوها حق رعايتها ) أي : فما قاموا بما التزموه حق القيام .
وهذا ذم لهم من وجهين ، أحدهما :
في الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله .
والثاني : في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله ، عز وجل .

وقد قال ابن أبي حاتم :
حدثنا إسحاق بن أبي حمزة أبو يعقوب الرازي ، حدثنا السندي بن عبدويه ، حدثنا بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، عن جده ابن مسعود قال :
قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا ابن مسعود " .
قلت : لبيك يا رسول الله.
قال : " هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ؟
لم ينج منها إلا ثلاث فرق ، قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم ، فقاتلت الجبابرة فقتلت فصبرت ونجت ، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ، فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم ، فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران ، فصبرت ونجت . ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط ، فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت ، وهم الذين ذكرهم الله ، عز وجل : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم )
وقد رواه ابن جرير بلفظ آخر من طريق أخرى فقال :
حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا داود بن المحبر ، حدثنا الصعق بن حزن ، حدثنا عقيل الجعدي ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن سويد بن غفلة ، عن عبد الله بن مسعود قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" اختلف من كان قبلنا على ثلاث وسبعين فرقة ، نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم . . . " وذكر نحو ما تقدم ، وفيه :
" ( فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) هم الذين آمنوا بي وصدقوني.
( وكثير منهم فاسقون ) وهم الذين كذبوني وخالفوني "

ولا يقدح في هذه المتابعة لحال داود بن المحبر ، فإنه أحد الوضاعين للحديث ، ولكن قد أسنده أبو يعلى ، وسنده عن شيبان بن فروخ ، عن الصعق بن حزن به مثل ذلك فقوي الحديث من هذا الوجه .

وقال ابن جرير ، وأبو عبد الرحمن النسائي - واللفظ له - :
أخبرنا الحسين بن حريث ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان بن سعيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال :
كان ملوك بعد عيسى ، عليه السلام ، بدلت التوراة والإنجيل ، فكان منهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ، فقيل لملوكهم :
ما نجد شيئا أشد من شتم يشتمونا هؤلاء ، إنهم يقرءون :
( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) [ المائدة : 44 ] ، هذه الآيات ، مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم ، فادعهم فليقرءوا كما نقرأ ، وليؤمنوا كما آمنا . فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل ، إلا ما بدلوا منها.
فقالوا : ما تريدون إلى ذلك ؟ دعونا.
فقالت طائفة منهم : ابنوا لنا أسطوانة ، ثم ارفعونا إليها ، ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم .
وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش ، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا .
وقالت طائفة : ابنوا لنا دورا في الفيافي ، ونحتفر الآبار ، ونحترث البقول ، فلا نرد عليكم ولا نمر بكم .
وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ، ففعلوا ذلك فأنزل الله ، عز وجل : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها )
والآخرون قالوا : نتعبد كما تعبد فلان ، ونسيح كما ساح فلان ، ونتخذ دورا كما اتخذ فلان ، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق منهم إلا القليل ، انحط منهم رجل من صومعته ، وجاء سائح من سياحته ، وصاحب الدير من ديره ، فآمنوا به وصدقوه ، فقال الله ، عز وجل :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ) أجرين بإيمانهم بعيسى ابن مريم والتوراة والإنجيل ، وبإيمانهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وتصديقهم قال:
( ويجعل لكم نورا تمشون به ) [ الحديد : 28 ] : القرآن ، واتباعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( لئلا يعلم أهل الكتاب ) الذين يتشبهون بكم
( ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )
هذا السياق فيه غرابة ، وسيأتي تفسير هاتين الآيتين الأخريين على غير هذا ، والله أعلم .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي :
حدثنا أحمد بن عيسى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء : أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير ، وهو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها ، فلما سلم قال :
يرحمك الله ، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة ، أم شيء تنفلته ؟
قال : إنها المكتوبة ، وإنها صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول :
" لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم ، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات ، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " .
ثم غدوا من الغد فقالوا : نركب فننظر ونعتبر .
قال : نعم فركبوا جميعا ، فإذا هم بديار قفر قد باد أهلها وانقرضوا وفنوا ، خاوية على عروشها فقالوا : تعرف هذه الديار ؟
قال : ما أعرفني بها وبأهلها . هؤلاء أهل الديار ، أهلكهم البغي والحسد ، إن الحسد يطفئ نور الحسنات ، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه ، والعين تزني ، والكف ، والقدم ، والجسد ، واللسان ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.

وقال الإمام أحمد :
حدثنا يعمر ، حدثنا عبد الله ، أخبرنا سفيان ، عن زيد العمي ، عن أبي إياس ، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لكل نبي رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل "
ورواه الحافظ أبو يعلى ، عن عبد الله بن محمد بن أسماء ، عن عبد الله بن المبارك به ولفظه :
" لكل أمة رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله "

وقال الإمام أحمد :
حدثنا حسين - هو ابن محمد - حدثنا ابن عياش - يعني إسماعيل - عن الحجاج بن مروان الكلاعي ، وعقيل بن مدرك السلمي ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رجلا جاءه فقال : أوصني.
فقال : سألت عما سألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبلك ، أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس كل شيء ، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام ، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن ، فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض .
تفرد به أحمد.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الحديد : 28]
قد تقدم في رواية النسائي ، عن ابن عباس :
أنه حمل هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب ، وأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الآية التي في القصص وكما في حديث الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران ، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران ، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران " . أخرجاه في الصحيحين

ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك ، وعتبة بن أبي حكيم ، وغيرهما ، وهو اختيار ابن جرير .

وقال سعيد بن جبير :
لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله هذه الآية في حق هذه الأمة :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ) أي : ضعفين ، وزادهم :
( ويجعل لكم نورا تمشون به ) يعني : هدى يتبصر به من العمى والجهالة ، ويغفر لكم . فضلهم بالنور والمغفرة . ورواه ابن جرير عنه .

وهذه الآية كقوله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) [ الأنفال : 29 ] .

وقال سعيد بن عبد العزيز :
سأل عمر بن الخطاب حبرا من أحبار يهود : كم أفضل ما ضعفت لكم حسنة ؟
قال : كفل ثلاثمائة وخمسون حسنة .
قال : فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين . [ ثم ] ذكر سعيد قول الله ، عز وجل : ( يؤتكم كفلين من رحمته ) قال سعيد : والكفلان في الجمعة مثل ذلك . رواه ابن جرير

ومما يؤيد هذا القول ما رواه الإمام أحمد :
حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب عن نافع ، عن ابن عمر قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال : من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت اليهود . ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت النصارى . ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ ألا فأنتم الذي عملتم . فغضبت النصارى ، واليهود ، وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء . قال : هل ظلمتكم من أجركم شيئا ؟ قالوا : لا . قال : فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء "

قال أحمد : وحدثناه مؤمل ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، نحو حديث نافع ، عنه
انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه عن سليمان بن حرب ، عن حماد ، [ عن أيوب ، ] عن نافع به . ، وعن قتيبة ، عن الليث ، عن نافع ، بمثله

وقال البخاري :
حدثني محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" مثل المسلمين ، واليهود ، والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم ، فعملوا إلى نصف النهار فقالوا : لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا ، وما عملنا باطل . فقال لهم : لا تفعلوا ، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا ، واستأجر آخرين بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر ، فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا : ما عملنا باطل ، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه . فقال أكملوا بقية عملكم ; فإن ما بقي من النهار شيء يسير . فأبوا ، فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم ، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس ، فاستكملوا أجر الفريقين كليهما ، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور "
انفرد به البخاري.

@@@@@@@@

( لِّئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد : 29]
ولهذا قال تعالى :
( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله ) أي : ليتحققوا أنهم لا يقدرون على رد ما أعطاه الله ، ولا [ على ] إعطاء ما منع الله.
( وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )

قال ابن جرير :
( لئلا يعلم ) أي : ليعلم وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها : " لكي يعلم " .
وكذا حطان بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، قال ابن جرير :
لأن العرب تجعل " لا " صلة في كل كلام دخل في أوله وآخره جحد غير مصرح ، فالسابق كقوله : ( ما منعك ألا تسجد ) [ الأعراف : 12 ].
( وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) [ الأنعام : 109 ].
( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) [ الأنبياء : 95 ] .

آخر تفسير سورة الحديد ولله الحمد والمنة.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) [الواقعة : 1]
تفسير سورة الواقعة وهي مكية .

قال أبو إسحاق عن عكرمة ، عن ابن عباس قال :
قال أبو بكر : يا رسول الله ، قد شبت ؟
قال : " شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت " .
رواه الترمذي وقال : حسن غريب

وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن مسعود بسنده إلى عمرو بن الربيع بن طارق المصري :
حدثنا السري بن يحيى الشيباني ، عن أبي شجاع ، عن أبي ظبية قال :
مرض عبد الله مرضه الذي توفي فيه ، فعاده عثمان بن عفان فقال : ما تشتكي ؟
قال : ذنوبي .
قال : فما تشتهي ؟
قال : رحمة ربي .
قال: ألا آمر لك بطبيب ؟
قال : الطبيب أمرضني .
قال : ألا آمر لك بعطاء ؟
قال : لا حاجة لي فيه .
قال : يكون لبناتك من بعدك ؟
قال : أتخشى على بناتي الفقر ؟ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة ، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" من قرأ سورة الواقعة كل ليلة ، لم تصبه فاقة أبدا " . .

ثم قال ابن عساكر : كذا قال والصواب : عن " شجاع " ، كما رواه عبد الله بن وهب عن السري .
وقال عبد الله بن وهب :
أخبرني السري بن يحيى أن شجاعا حدثه ، عن أبي ظبية ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا " . فكان أبو ظبية لا يدعها .
وكذا رواه أبو يعلى ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن محمد بن منيب ، عن السري بن يحيى ، عن شجاع ، عن أبي ظبية ، عن ابن مسعود ، به . ثم رواه عن إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن محمد بن منيب العدني ، عن السري بن يحيى ، عن أبي ظبية ، عن ابن مسعود ;
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة ، لم تصبه فاقة أبدا " .
لم يذكر في سنده " شجاعا " .
قال : وقد أمرت بناتي أن يقرأنها كل ليلة .

وقد رواه ابن عساكر أيضا من حديث حجاج بن نصير وعثمان بن اليمان ، عن السري بن يحيى ، عن شجاع ، عن أبي فاطمة قال :
مرض عبد الله ، فأتاه عثمان بن عفان يعوده ، فذكر الحديث بطوله .
قال عثمان بن اليمان : كان أبو فاطمة هذا مولى لعلي بن أبي طالب .

وقال [ الإمام ] أحمد :
حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا إسرائيل ، ويحيى بن آدم ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ; أنه سمع جابر بن سمرة يقول :
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم ، ولكنه كان يخفف . كانت صلاته أخف من صلاتكم ، وكان يقرأ في الفجر " الواقعة " ونحوها من السور .

الواقعة : من أسماء يوم القيامة ، سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها ، كما قال :
( فيومئذ وقعت الواقعة ) [ الحاقة : 15 ].
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ) [الواقعة : 2]
وقوله :
( ليس لوقعتها كاذبة ) أي : ليس لوقوعها إذا أراد الله كونها صارف يصرفها ، ولا دافع يدفعها ، كما قال :
( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ) [ الشورى : 47 ].
وقال : ( سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ) [ المعارج : 1 ، 2 ].
وقال تعالى : ( ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ) [ الأنعام : 73 ] .

ومعنى ( كاذبة ) - كما قال محمد بن كعب - : لا بد أن تكون .
وقال قتادة : ليس فيها مثنوية ولا ارتداد ولا رجعة .

قال ابن جرير : والكاذبة : مصدر كالعاقبة والعافية .

@@@@@@@@

( خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ) [الواقعة : 3]
وقوله : ( خافضة رافعة ) أي : تحفض أقواما إلى أسفل سافلين إلى الجحيم ، وإن كانوا في الدنيا أعزاء . وترفع آخرين إلى أعلى عليين ، إلى النعيم المقيم ، وإن كانوا في الدنيا وضعاء .
وهكذا قال الحسن وقتادة ، وغيرهما .

وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا يزيد بن عبد الرحمن بن مصعب المعنى ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، عن أبيه ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس :
( خافضة رافعة ) تخفض أناسا وترفع آخرين .

وقال عبيد الله العتكي ، عن عثمان بن سراقة ، ابن خالة عمر بن الخطاب :
( خافضة رافعة ) [ قال ] : الساعة خفضت أعداء الله إلى النار ، ورفعت أولياء الله إلى الجنة .

وقال محمد بن كعب : تخفض رجالا كانوا في الدنيا مرتفعين ، وترفع رجالا كانوا في الدنيا مخفوضين .

وقال السدي : خفضت المتكبرين ، ورفعت المتواضعين .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( خافضة رافعة ) أسمعت القريب والبعيد .
وقال عكرمة : خفضت فأسمعت الأدنى ، ورفعت فأسمعت الأقصى .
وكذا قال الضحاك ، وقتادة .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@@

( إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) [الواقعة : 4]
وقوله : ( إذا رجت الأرض رجا ) أي : حركت تحريكا فاهتزت واضطربت بطولها وعرضها .
ولهذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغير واحد في قوله :
( إذا رجت الأرض رجا ) أي : زلزلت زلزالا [ شديدا ] .

وقال الربيع بن أنس : ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه .

وهذه كقوله تعالى : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) [ الزلزلة : 1 ].
وقال تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) [ الحج : 1 ] .

@@@@@@@@

( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا) [الواقعة : 5]
وقوله : ( وبست الجبال بسا ) أي : فتتت فتا . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، وغيرهم .

وقال ابن زيد : صارت الجبال كما قال [ الله ] تعالى : ( كثيبا مهيلا ) [ المزمل : 14 ] .

@@@@@@@@

( فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا) [الواقعة : 6]
وقوله : ( فكانت هباء منبثا ) ، قال أبو إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، رضي الله عنه : ( هباء منبثا ) كرهج الغبار يسطع ثم يذهب ، فلا يبقى منه شيء .

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله :
( فكانت هباء منبثا ) : الهباء الذي يطير من النار ، إذا اضطرمت يطير منه الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئا .

وقال عكرمة : المنبث : الذي ذرته الريح وبثته .
وقال قتادة : ( هباء منبثا ) كيبيس الشجر الذي تذروه الرياح .

وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة ، وذهابها وتسييرها ونسفها - أي قلعها - وصيرورتها كالعهن المنفوش .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير ابن كثير ( متجدد )
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) [الواقعة : 7]
وقوله :
( وكنتم أزواجا ثلاثة ) أي : ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف :
قوم عن يمين العرش ، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيمن ، ويؤتون كتبهم بأيمانهم ، ويؤخذ بهم ذات اليمين .
قال السدي : وهم جمهور أهل الجنة .
وآخرون عن يسار العرش ، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيسر ، ويؤتون كتبهم بشمائلهم ، ويؤخذ بهم ذات الشمال ، وهم عامة أهل النار - عياذا بالله من صنيعهم -
وطائفة سابقون بين يديه وهم أخص وأحظى وأقرب من أصحاب اليمين الذين هم سادتهم ، فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء ، وهم أقل عددا من أصحاب اليمين.
 
Comment

sitemap      sitemap

أعلى