تواصل معنا

( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : 5] قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من إياك وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر وهي قراءة شاذة...

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير

( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : 5]
قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من إياك وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر وهي قراءة شاذة مردودة ؛ لأن إيا ضوء الشمس .
وقرأ بعضهم :
أياك بفتح الهمزة وتشديد الياء.
وقرأ بعضهم :
هياك بالهاء بدل الهمزة ، كما قال الشاعر :

فهياك والأمر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره

و نستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم وقيس .
العبادة في اللغة من الذلة ، يقال :
طريق معبد ، وبعير معبد ، أي : مذلل ، وفي الشرع :
عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف .

وقدم المفعول وهو إياك ، وكرر ؛ للاهتمام والحصر ، أي :
لا نعبد إلا إياك ، ولا نتوكل إلا عليك ، وهذا هو كمال الطاعة .
والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين ، وهذا كما قال بعض السلف :
الفاتحة سر القرآن ، وسرها هذه الكلمة :
( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ]
فالأول تبرؤ من الشرك ، والثاني تبرؤ من الحول والقوة ، والتفويض إلى الله عز وجل .
وهذا المعنى في غير آية من القرآن ، كما قال تعالى :
( فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون ) [ هود : 123 ]
( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) [ الملك : 29 ]
( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ].
وكذلك هذه الآية الكريمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين).
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب ، وهو مناسبة ، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى ؛ فلهذا قال :
( إياك نعبد وإياك نستعين)
وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى ، وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ؛ ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك ، وهو قادر عليه ، كما جاء في الصحيحين ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
وفي صحيح مسلم ، من حديث العلاء بن عبد الرحمن ، مولى الحرقة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى :
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، إذا قال العبد :
( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ]
قال : حمدني عبدي ، وإذا قال :
( الرحمن الرحيم ) [ الفاتحة : 3 ] قال :
أثنى علي عبدي ، فإذا قال :
( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] قال الله :
مجدني عبدي ، وإذا قال :
( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] قال :
هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال :
اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [ الفاتحة : 6 ، 7 ] قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس :
إياك نعبد يعني : إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك وإياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها .

وقال قتادة :
إياك نعبد وإياك نستعين يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم .

وإنما قدم : ( إياك نعبد على وإياك نستعين لأن العبادة له هي المقصودة ، والاستعانة وسيلة إليها ، والاهتمام والحزم هو أن يقدم ما هو الأهم فالأهم ، والله أعلم .

فإن قيل :
فما معنى النون في قوله : ( إياك نعبد وإياك نستعين فإن كانت للجمع فالداعي واحد ، وإن كانت للتعظيم فلا تناسب هذا المقام ؟
وقد أجيب :
بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ، ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم ، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها ، وتوسط لهم بخير ، ومنهم من قال :
يجوز أن تكون للتعظيم ، كأن العبد قيل له :
إذا كنت في العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل :
( إياك نعبد وإياك نستعين) ، وإذا كنت خارج العبادة فلا تقل :
نحن ولا فعلنا ، ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لافتقار الجميع إلى الله عز وجل .
ومنهم من قال :
ألطف في التواضع من إياك أعبد ، لما في الثاني من تعظيمه نفسه من جعله نفسه وحده أهلا لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ، ولا يثني عليه كما يليق به ، والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى ، كما قال بعضهم :

لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي

وقد سمى الله رسوله بعبده في أشرف مقاماته [ فقال ]:
( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) [ الكهف : 1 ]
( وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) [ الجن : 19 ]
( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) [ الإسراء : 1 ]
فسماه عبدا عند إنزاله عليه وقيامه في الدعوة وإسرائه به ، وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين له ، حيث يقول :
( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر : 97 - 99 ] .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وقد حكى فخر الدين في تفسيره عن بعضهم :
أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة ؛ لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق والرسالة من الحق إلى الخلق ؛ قال :
ولأن الله متولي مصالح عبده ، والرسول متولي مصالح أمته وهذا القول خطأ ، والتوجيه أيضا ضعيف لا حاصل له ، ولم يتعرض له فخر الدين بتضعيف ولا رده .
وقال بعض الصوفية :
العبادة إما لتحصيل ثواب ورد عقاب ؛ قالوا :
وهذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده ، وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى ، وهذا - أيضا - عندهم ضعيف ، بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال.
قالوا :
ولهذا يقول المصلي :
أصلي لله ، ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العذاب لبطلت صلاته .
وقد رد ذلك عليهم آخرون وقالوا :
كون العبادة لله عز وجل ، لا ينافي أن يطلب معها ثوابا ، ولا أن يدفع عذابا ، كما قال ذلك الأعرابي :
أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
حولها ندندن .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير

( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : 6]

قراءة الجمهور بالصاد .
وقرئ : السراط وقرئ بالزاي ، قال الفراء :
وهي لغة بني عذرة وبلقين وبني كلب .

لما تقدم الثناء على المسئول ، تبارك وتعالى ، ناسب أن يعقب بالسؤال ؛ كما قال :
فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل وهذا أكمل أحوال السائل ، أن يمدح مسئوله ، ثم يسأل حاجته [ وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله : ( اهدنا ] ، لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة ، ولهذا أرشد الله تعالى إليه لأنه الأكمل ، وقد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل واحتياجه ، كما قال موسى عليه السلام :
( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) [ القصص : 24 ]
وقد يتقدمه مع ذلك وصف المسئول ، كقول ذي النون :
( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الأنبياء : 87 ]
وقد يكون بمجرد الثناء على المسئول ، كقول الشاعر :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
والهداية هاهنا :
الإرشاد والتوفيق ، وقد تعدى الهداية بنفسها كما هنا اهدنا الصراط المستقيم فتضمن معنى ألهمنا ، أو وفقنا ، أو ارزقنا ، أو اعطنا.
( وهديناه النجدين ) [ البلد : 10 ]
أي : بينا له الخير والشر.
وقد تعدى بإلى ، كقوله تعالى :
( اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ) [ النحل : 121 ]
( فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) [ الصافات : 23 ]
وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة ، وكذلك قوله تعالى :
( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) [ الشورى : 52 ]
وقد تعدى باللام ، كقول أهل الجنة :
( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) [ الأعراف : 43 ]

أي وفقنا لهذا وجعلنا له أهلا .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وأما الصراط المستقيم ، فقال الإمام أبو جعفر بن جرير :
أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه .

وكذلك ذلك في لغة جميع العرب ، فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي :

أمير المؤمنين على صراط
إذا اعوج الموارد مستقيم

قال :
والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر.
قال : ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج ، فتصف المستقيم باستقامته ، والمعوج باعوجاجه .

ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في تفسير الصراط ، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد ، وهو المتابعة لله وللرسول ؛ فروي أنه كتاب الله ، قال ابن أبي حاتم :
حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني يحيى بن يمان ، عن حمزة الزيات ، عن سعد ، وهو أبو المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث الأعور ، عن الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
الصراط المستقيم كتاب الله .

وكذلك رواه ابن جرير ، من حديث حمزة بن حبيب الزيات ، وقد [ تقدم في فضائل القرآن فيما ] رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث الأعور ، عن علي مرفوعا :
وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم .
وقد روي هذا موقوفا عن علي ، وهو أشبه ، والله أعلم .

وقال الثوري ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال :
الصراط المستقيم . كتاب الله.
وقيل : هو الإسلام .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد ، عليهما السلام :
قل : يا محمد ، اهدنا الصراط المستقيم .
يقول : اهدنا الطريق الهادي ، وهو دين الله الذي لا عوج فيه .

وقال ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، في قوله :
( اهدنا الصراط المستقيم)
قال : ذاك الإسلام .
وقال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :
( اهدنا الصراط المستقيم)

قالوا : هو الإسلام .
وقال عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر :
( اهدنا الصراط المستقيم)
قال : الإسلام ، قال :
هو أوسع مما بين السماء والأرض .
وقال ابن الحنفية في قوله تعالى :
( اهدنا الصراط المستقيم)
؛ قال: هو دين الله ، الذي لا يقبل من العباد غيره .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :
( اهدنا الصراط المستقيم) ، قال : هو الإسلام .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وفي [ معنى ] هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال :
حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء ، حدثنا ليث يعني ابن سعد ، عن معاوية بن صالح : أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، حدثه عن أبيه ، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول :
يا أيها الناس ، ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب ، قال :
ويحك ، لا تفتحه ؛ فإنك إن تفتحه تلجه .
فالصراط الإسلام.
والسوران حدود الله.
والأبواب المفتحة محارم الله.
وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله.
والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم .

وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير من حديث الليث بن سعد به . ورواه الترمذي والنسائي جميعا ، عن علي بن حجر عن بقية ، عن بجير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان ، به . وهو إسناد صحيح ، والله أعلم .

وقال مجاهد :
( اهدنا الصراط المستقيم)، قال : الحق . وهذا أشمل ، ولا منافاة بينه وبين ما تقدم .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وروى ابن أبي حاتم وابن جرير ، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم ؛ حدثنا حمزة بن المغيرة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية :
( اهدنا الصراط المستقيم)
قال : هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحباه من بعده.
قال عاصم : فذكرنا ذلك للحسن ، فقال : صدق أبو العالية ونصح .

وكل هذه الأقوال صحيحة ، وهي متلازمة ، فإن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم ، واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر ، فقد اتبع الحق ، ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام ، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن ، وهو كتاب الله وحبله المتين ، وصراطه المستقيم ، فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا ، ولله الحمد .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وقال الطبراني :
حدثنا محمد بن الفضل السقطي ، حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال :
الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله :
والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي - أعني ( اهدنا الصراط المستقيم) - أن يكون معنيا به :
وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك ، من قول وعمل ، وذلك هو الصراط المستقيم ؛ لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، فقد وفق للإسلام ، وتصديق الرسل ، والتمسك بالكتاب ، والعمل بما أمره الله به ، والانزجار عما زجره عنه ، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهاج الخلفاء الأربعة ، وكل عبد صالح ، وكل ذلك من الصراط المستقيم .

فإن قيل :
كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها ، وهو متصف بذلك ؟
فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا ؟

فالجواب :
أن لا ، ولولا احتياجه ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك ؛ فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ، ورسوخه فيها ، وتبصره ، وازدياده منها ، واستمراره عليها ، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق ، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله ؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار ، وقد قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل الآية [ النساء : 136 ]
فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان ، وليس في ذلك تحصيل الحاصل ؛ لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك ، والله أعلم .

وقال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا :
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).
وقد كان الصديق رضي الله عنه يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرا .
فمعنى قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم) استمر بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير

( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : 7]
قد تقدم الحديث فيما إذا قال العبد : ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخرها أن الله يقول :
هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .
وقوله :
( صراط الذين أنعمت عليهم ) مفسر للصراط المستقيم .
وهو بدل منه عند النحاة ، ويجوز أن يكون عطف بيان ، والله أعلم .

(و الذين أنعمت عليهم ) هم المذكورون في سورة النساء ، حيث قال :
( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) [ النساء : 69 ، 70 ] .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس :
صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك ، من ملائكتك ، وأنبيائك ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ؛ وذلك نظير ما قال ربنا تعالى :
( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ) الآية [ النساء : 69 ] .

 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
عن سَلمَان رضي الله عنه قال:
قَالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:
((لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِن طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ، إِلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى)).
رواه البخاري.

في هذا الحديث:
استحباب الغسل، والتنظيف والتطيب يوم الجمعة، واستحباب التبكير لئلا يتخطى رقاب الناس ولا يُفَرَّق بينهم.
واستحباب الصلاة قبل الجمعة.
ومشروعية الإنصات إذا خطب الإمام.

وفيه:
الوعد بالمغفرة لمن فعل ذلك.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وقال أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس :
( صراط الذين أنعمت عليهم ) قال : هم النبيون .
وقال ابن جريج ، عن ابن عباس : هم المؤمنون .
وكذا قال مجاهد . وقال وكيع : هم المسلمون .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه .

والتفسير المتقدم ، عن ابن عباس أعم ، وأشمل ، والله أعلم .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وقوله تعالى :
( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )
[ قرأ الجمهور :
غير بالجر على النعت ، قال الزمخشري :
وقرئ بالنصب على الحال ، وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب ، ورويت عن ابن كثير ، وذو الحال الضمير في ( عليهم ) والعامل : ( أنعمت ) والمعنى ]
اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم ونعتهم ، وهم أهل الهداية والاستقامة والطاعة لله ورسله ، وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره ، غير صراط المغضوب عليهم ، [ وهم ] الذين فسدت إرادتهم ، فعلموا الحق وعدلوا عنه ، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق ، وأكد الكلام ب " لا " ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين ، وهما طريقتا اليهود والنصارى .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وقد زعم بعض النحاة أن ( غير ) هاهنا استثنائية ، فيكون على هذا منقطعا لاستثنائهم من المنعم عليهم وليسوا منهم ، وما أوردناه أولى ، لقول الشاعر :
كأنك من جمال بني أقيش يقعقع عند رجليه بشن

أي : كأنك جمل من جمال بني أقيش ، فحذف الموصوف واكتفى بالصفة ، وهكذا ، غير المغضوب عليهم ) أي : غير صراط المغضوب عليهم .

اكتفى بالمضاف إليه عن ذكر المضاف ، وقد دل عليه سياق الكلام ، وهو قوله تعالى :
( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ).
ثم قال تعالى :
( غير المغضوب عليهم )
ومنهم من زعم أن ( لا ) في قوله : ( ولا الضالين ) زائدة ، وأن تقدير الكلام عنده : غير المغضوب عليهم والضالين ، واستشهد ببيت العجاج :

في بئر لا حور سرى وما شعر

أي في بئر حور .
والصحيح ما قدمناه .
ولهذا روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " فضائل القرآن " ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه :
أنه كان يقرأ :
غير المغضوب عليهم وغير الضالين .
وهذا إسناد صحيح ، [ وكذا حكي عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك ] وهو محمول على أنه صدر منه على وجه التفسير ، فيدل على ما قلناه من أنه إنما جيء بها لتأكيد النفي ، [ لئلا يتوهم أنه معطوف على الذين أنعمت عليهم ) ] ، وللفرق بين الطريقتين ، لتجتنب كل منهما ؛ فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به ، واليهود فقدوا العمل ، والنصارى فقدوا العلم ؛ ولهذا كان الغضب لليهود ، والضلال للنصارى ، لأن من علم وترك استحق الغضب ، بخلاف من لم يعلم . والنصارى لما كانوا قاصدين شيئا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه ؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه ، وهو اتباع الرسول الحق ، ضلوا ، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه ، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب [ كما قال فيهم :
( من لعنه الله وغضب عليه ) ] [ المائدة : 60 ]
وأخص أوصاف النصارى الضلال [ كما قال : ( قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل " ] ) [ المائدة : 77 ] ، وبهذا جاءت الأحاديث والآثار .
[ وذلك واضح بين ] . قال الإمام أحمد :
حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال :
سمعت سماك بن حرب ، يقول :
سمعت عباد بن حبيش ، يحدث عن عدي بن حاتم ، قال :
جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذوا عمتي وناسا ، فلما أتوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوا له ، فقالت :
يا رسول الله ، ناء الوافد وانقطع الولد ، وأنا عجوز كبيرة ، ما بي من خدمة ، فمن علي من الله عليك.
قال : من وافدك ؟
قالت : عدي بن حاتم.
قال : الذي فر من الله ورسوله !
قالت : فمن علي ، فلما رجع ، ورجل إلى جنبه ، ترى أنه علي ، قال : سليه حملانا ، فسألته ، فأمر لها ، قال : فأتتني.
فقالت : لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها ، فإنه قد أتاه فلان فأصاب منه ، وأتاه فلان فأصاب منه ، فأتيته فإذا عنده امرأة وصبيان أو صبي ، وذكر قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال : فعرفت أنه ليس بملك كسرى ولا قيصر.
فقال : يا عدي ، ما أفرك أن يقال لا إله إلا الله ؟
فهل من إله إلا الله ؟
قال : ما أفرك أن يقال : الله أكبر ، فهل شيء أكبر من الله عز وجل ؟ .
قال : فأسلمت ، فرأيت وجهه استبشر.
وقال : المغضوب عليهم اليهود ، وإن الضالين النصارى . وذكر الحديث ، ورواه الترمذي ، من حديث سماك بن حرب ، وقال : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه .
قلت : وقد رواه حماد بن سلمة ، عن سماك ، عن مري بن قطري ، عن عدي بن حاتم ، قال :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله : ( غير المغضوب عليهم )
قال : هم اليهود ( ولا الضالين ) قال : النصارى هم الضالون .
وهكذا رواه سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم به .
وقد روي حديث عدي هذا من طرق ، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها .

وقال عبد الرزاق :
أخبرنا معمر ، عن بديل العقيلي ، أخبرني عبد الله بن شقيق ، أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى ، وهو على فرسه ، وسأله رجل من بني القين ، فقال :
يا رسول الله ، من هؤلاء ؟
قال : المغضوب عليهم - وأشار إلى اليهود - والضالون هم النصارى .
وقد رواه الجريري وعروة ، وخالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، فأرسلوه ، ولم يذكروا من سمع النبي صلى الله عليه وسلم .
ووقع في رواية عروة تسمية عبد الله بن عمر ، فالله أعلم .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وقد روى ابن مردويه ، من حديث إبراهيم بن طهمان ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي ذر قال :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم قال : اليهود ، [ قال ]
قلت : الضالين
قال : النصارى .

وقال السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :
( غير المغضوب عليهم ) هم اليهود ،( ولا الضالين ) هم النصارى .

وقال الضحاك ، وابن جريج ، عن ابن عباس :
( غير المغضوب عليهم ) اليهود ،( ولا الضالين ) [ هم ] النصارى .

وكذلك قال الربيع بن أنس ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد ، وقال ابن أبي حاتم :
ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافا .

وشاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم ، والنصارى ضالون ، الحديث المتقدم ، وقوله تعالى في خطابه مع بني إسرائيل في سورة البقرة :
( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ) [ البقرة : 90 ].
وقال في المائدة:
( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ) [ المائدة : 60 ].
وقال تعالى :
( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة : 78 ، 79 ] .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل ؛ أنه لما خرج هو وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف ، قالت له اليهود:
إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله .
فقال : أنا من غضب الله أفر .
وقالت له النصارى : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله.
فقال : لا أستطيعه .
فاستمر على فطرته ، وجانب عبادة الأوثان ودين المشركين ، ولم يدخل مع أحد من اليهود ولا النصارى ، وأما أصحابه فتنصروا ودخلوا في دين النصرانية ؛ لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذاك ، وكان منهم ورقة بن نوفل ، حتى هداه الله بنبيه لما بعثه آمن بما وجد من الوحي ، رضي الله عنه .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
( مسألة ) :
والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما ؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة ، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم .

وأما حديث :
أنا أفصح من نطق بالضاد فلا أصل له والله أعلم .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير

"فصل"

اشتملت هذه السورة الكريمة وهي سبع آيات فضلها ، على حمد الله وتمجيده والثناء عليه ، بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا ، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين ، وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه ، والتبرؤ من حولهم وقوتهم ، وإلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية تبارك وتعالى ، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل ، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم ، وهو الدين القويم ، وتثبيتهم عليه حتى يفضي بهم ذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة ، المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين .

واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ، ليكونوا مع أهلها يوم القيامة ، والتحذير من مسالك الباطل ؛ لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة ، وهم المغضوب عليهم والضالون .
وما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى :
( صراط الذين أنعمت عليهم ).
وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى :
( غير المغضوب عليهم ) وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة ، كما قال تعالى :
( ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ) الآية [ المجادلة : 14 ].
وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به ، وإن كان هو الذي أضلهم بقدره ، كما قال تعالى :
( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) [ الكهف : 17 ] .
وقال :
( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ) [ الأعراف : 186 ] .
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال ، لا كما تقوله الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم ، من أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه ، ويحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن ، ويتركون ما يكون فيه صريح في الرد عليهم ، وهذا حال أهل الضلال والغي ، وقد ورد في الحديث الصحيح :
إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم .
يعني في قوله تعالى :
( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) [ آل عمران : 7 ] ، فليس - بحمد الله - لمبتدع في القرآن حجة صحيحة ؛ لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل مفرقا بين الهدى والضلال ، وليس فيه تناقض ولا اختلاف ؛ لأنه من عند الله تنزيل من حكيم حميد .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير

"فصل"

يستحب لمن قرأ الفاتحة أن يقول بعدها : آمين [ مثل : يس ].
ويقال : أمين . بالقصر أيضا [ مثل : يمين ].
ومعناه : اللهم استجب.
والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود ، والترمذي ، عن وائل بن حجر ، قال :
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ :
( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين ، مد بها صوته.
ولأبي داود : رفع بها صوته.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن . وروي عن علي ، وابن مسعود وغيرهم .

وعن أبي هريرة ، قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول.
رواه أبو داود ، وابن ماجه ، وزاد : يرتج بها المسجد ، والدارقطني وقال : هذا إسناد حسن .

وعن بلال أنه قال :
يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين . رواه أبو داود .
ونقل أبو نصر القشيري عن الحسن وجعفر الصادق أنهما شددا الميم من " آمين " مثل : ( آمين البيت الحرام ) [ المائدة : 2 ] .

قال أصحابنا وغيرهم :
ويستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة ، ويتأكد في حق المصلي ، وسواء كان منفردا أو إماما أو مأموما ، وفي جميع الأحوال ؛ لما جاء في الصحيحين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة ، غفر له ما تقدم من ذنبه.
ولمسلم :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إذا قال أحدكم في الصلاة : آمين ، والملائكة في السماء : آمين ، فوافقت إحداهما الأخرى ، غفر له ما تقدم من ذنبه .
[ قيل : بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزمان ، وقيل : في الإجابة ، وقيل : في صفة الإخلاص ] .
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى مرفوعا :
إذا قال ، يعني الإمام : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين . يجبكم الله .
وقال جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال :
قلت : يا رسول الله ، ما معنى آمين ؟
قال : رب افعل .
وقال الجوهري : معنى آمين : كذلك فليكن.
وقال الترمذي : معناه : لا تخيب رجاءنا.
وقال الأكثرون : معناه : اللهم استجب لنا.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,884
مستوى التفاعل
8,122
مجموع اﻻوسمة
6
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وحكى القرطبي عن مجاهد وجعفر الصادق وهلال بن كيسان :
أن آمين اسم من أسماء الله تعالى.
وروي عن ابن عباس مرفوعا ولا يصح ، قاله أبو بكر بن العربي المالكي .
وقال أصحاب مالك :
لا يؤمن الإمام ويؤمن المأموم ، لما رواه مالك عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
وإذا قال ، يعني الإمام : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين . الحديث .
واستأنسوا - أيضا - بحديث أبي موسى :
وإذا قرأ : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين .

وقد قدمنا في المتفق عليه :

إذا أمن الإمام فأمنوا وأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤمن إذا قرأ ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )
 
Comment
أعلى