تواصل معنا

تفسير ابن كثير ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق : 1] تفسير سورتي المعوذتين و هما مدنيتان . قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ،...

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,900
مستوى التفاعل
8,138
مجموع اﻻوسمة
6
سورة الفلق. تفسير ابن كثير


تفسير ابن كثير

( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق : 1]

تفسير سورتي المعوذتين و هما مدنيتان .

قال الإمام أحمد :
حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، قال : قلت لأبي بن كعب : إن ابن مسعود [ كان ] لا يكتب المعوذتين في مصحفه ؟
فقال : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرني أن جبريل عليه السلام ، قال له : " قل أعوذ برب الفلق " فقلتها ، قال : " قل أعوذ برب الناس " فقلتها . فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه و سلم .

و رواه أبو بكر الحميدي في مسنده ، عن سفيان بن عيينة ، حدثنا عبدة بن أبي لبابة و عاصم بن بهدلة ، أنهما سمعا زر بن حبيش قال : سألت أبي بن كعب عن المعوذتين ، فقلت : يا أبا المنذر ، إن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف . فقال : إني سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : " قيل لي : قل ، فقلت " . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم .

و قال أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر قال : سألت ابن مسعود عن المعوذتين فقال : سألت النبي عنهما فقال : " قيل لي ، فقلت لكم ، فقولوا " . قال أبي : فقال لنا النبي صلى الله عليه و سلم فنحن نقول .

و قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبدة بن أبي لبابة ، عن زر بن حبيش - و حدثنا عاصم ، عن زر - قال : سألت أبي بن كعب فقلت : أبا المنذر ، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا . فقال : إني سألت النبي صلى الله عليه و سلم فقال : " قيل لي ، فقلت " . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه ووسلم .

و رواه البخاري أيضا و النسائي ، عن قتيبة ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبدة و عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب به .

و قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الأزرق بن علي ، حدثنا حسان بن إبراهيم ، حدثنا الصلت بن بهرام ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : كان عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ، و يقول : إنما أمر رسول الله أن يتعوذ بهما ، و لم يكن عبد الله يقرأ بهما.

و رواه عبد الله بن أحمد من حديث الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ، و يقول : إنهما ليستا من كتاب الله - قال الأعمش : و حدثنا عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب قال : سألنا عنهما رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : " قيل لي ، فقلت " .

و هذا مشهور عند كثير من القراء و الفقهاء : أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ، فلعله لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه و سلم ، و لم يتواتر عنده ، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة ، فإن الصحابة ، م ، كتبوهما في المصاحف الأئمة ، و نفذوها إلى سائر الآفاق كذلك ، و لله الحمد و المنة .

و قد قال مسلم في صحيحه : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن بيان ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط : " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " .

و رواه أحمد ومسلم أيضا ، والترمذي و النسائي من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عقبة به . و قال الترمذي : حسن صحيح .

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن جابر ، عن القاسم أبي عبد الرحمن ، عن عقبة بن عامر قال : بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه و سلم في نقب من تلك النقاب ، إذ قال لي : " يا عقبة ، ألا تركب ؟ " . قال : [ فأجللت رسول الله أن أركب مركبه . ثم قال : " يا عقيب ، ألا تركب ؟ " . قال ] فأشفقت أن تكون معصية ، قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم و ركبت هنيهة ، ثم ركب ، ثم قال : " يا عقيب ، ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس ؟ " . قلت : بلى يا رسول الله . فأقرأني : " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ثم أقيمت الصلاة ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ بهما ، ثم مر بي فقال : " كيف رأيت يا عقيب ، اقرأ بهما كلما نمت و كلما قمت " .

و رواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم و عبد الله بن المبارك ، كلاهما عن ابن جابر به .

و رواه أبو داود والنسائي أيضا ، من حديث ابن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن عقبة به .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني يزيد بن عبد العزيز الرعيني و أبو مرحوم ، عن يزيد بن محمد القرشي ، عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة .

و رواه أبو داود و الترمذي و النسائي من طرق ، عن علي بن أبي رباح . و قال الترمذي : غريب .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : " اقرأ بالمعوذتين ، فإنك لن تقرأ بمثلهما " . تفرد به أحمد .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا بقية ، حدثنا بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن عقبة بن عامر أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهديت له بغلة شهباء ، فركبها فأخذ عقبة يقودها له ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اقرأ " قل أعوذ برب الفلق " . فأعادها له حتى قرأها ، فعرف أني لم أفرح بها جدا ، فقال : " لعلك تهاونت بها ؟ فما قمت تصلي بشيء مثلها " .

و رواه النسائي ، عن عمرو بن عثمان ، عن بقية به . و رواه النسائي أيضا من حديث الثوري ، عن معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المعوذتين ، فذكر نحوه .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر ، سمعت النعمان ، عن زياد أبي الأسد ، عن عقبة بن عامر ; أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إن الناس لم يتعوذوا بمثل هذين : " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن عقبة بن عامر قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " يا عقبة ، قل " . فقلت : ماذا أقول ؟ فسكت عني ، ثم قال : " قل " . قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ فسكت عني ، فقلت : اللهم اردده علي . فقال : " يا عقبة ، قل " . قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ فقال : " " قل أعوذ برب الفلق " ، فقرأتها حتى أتيت على آخرها ، ثم قال : " قل " . قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ قال : " " قل أعوذ برب الناس " ، فقرأتها حتى أتيت على آخرها ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك : " ما سأل سائل بمثلهما ، و لا استعاذ مستعيذ بمثلهما " .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا محمد بن يسار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا معاوية ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول ، عن عقبة بن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ بهما في صلاة الصبح .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي عمران أسلم ، عن عقبة بن عامر قال : اتبعت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو راكب ، فوضعت يدي على قدمه فقلت : أقرئني سورة هود أو سورة يوسف . فقال : " لن تقرأ شيئا أنفع عند الله من " قل أعوذ برب الفلق " .

حديث آخر : قال النسائي : أخبرنا محمود بن خالد ، حدثنا الوليد ، حدثنا أبو عمرو الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي عبد الله ، عن ابن عائش الجهني : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : " يا ابن عائش ، ألا أدلك - أو : ألا أخبرك - بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون ؟ " . قال : بلى ، يا رسول الله . قال : " " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " هاتان السورتان " .

فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه ، تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث .

و قد تقدم في رواية صدي بن عجلان و فروة بن مجاهد ، عنه : " ألا أعلمك ثلاث سور لم ينزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان مثلهن ؟ " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا الجريري ، عن أبي العلاء قال : قال رجل : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر ، و الناس يعتقبون ، و في الظهر قلة ، فحانت نزلة رسول الله صلى الله عليه و سلم ونزلتي ، فلحقني فضرب [ من بعدي ] منكبي ، فقال : " " قل أعوذ برب الفلق " ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه و سلم وقرأتها معه ، ثم قال : " " قل أعوذ برب الناس " ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قرأتها معه ، فقال : " إذا صليت فاقرأ بهما " .

الظاهر أن هذا الرجل هو عقبة بن عامر ، و الله أعلم .

و رواه النسائي ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن علية به .

حديث آخر : قال النسائي : أخبرنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن عبد الله بن سعيد ، حدثني يزيد بن رومان ، عن عقبة بن عامر ، عن عبد الله الأسلمي - هو ابن أنيس - : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وضع يده على صدره ثم قال : " قل " . فلم أدر ما أقول ، ثم قال لي : " قل " . قلت : " قل هو الله أحد " ثم قال لي : " قل " . قلت : " أعوذ برب الفلق من شر ما خلق " حتى فرغت منها ، ثم قال لي : " قل " . قلت : " قل أعوذ برب الناس " حتى فرغت منها . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " هكذا فتعوذ ، ما تعوذ المتعوذون بمثلهن قط " .

حديث آخر : قال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي أبو حفص ، حدثنا بدل ، حدثنا شداد بن سعيد أبو طلحة ، عن سعيد الجريري ، حدثنا أبو نضرة ، عن جابر بن عبد الله قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : " اقرأ يا جابر " . قلت : و ما أقرأ بأبي أنت و أمي ؟ قال : " اقرأ : " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " . فقرأتهما ، فقال : " اقرأ بهما ، و لن تقرأ بمثلهما " .

و تقدم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرأ بهن ، و ينفث في كفيه ، و يمسح بهما رأسه و وجهه ، و ما أقبل من جسده .

و قال الإمام مالك : عن ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين و ينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، و أمسح بيده عليه ، رجاء بركتها .

و رواه البخاري ، عن عبد الله بن يوسف . و مسلم ، عن يحيى بن يحيى . و أبو داود ، عن القعنبي . و النسائي ، عن قتيبة - و من حديث ابن القاسم و عيسى بن يونس - و ابن ماجه من حديث معن و بشر بن عمر ، ثمانيتهم عن مالك به .

و تقدم في آخر سورة : " ن " من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتعوذ من أعين الجان و عين الإنسان ، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما ، و ترك ما سواهما . رواه الترمذي و النسائي وابن ماجه ، و قال الترمذي : حديث حسن .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا حسن بن صالح ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال : الفلق : الصبح .

و قال العوفي عن ابن عباس : ( الفلق ) الصبح . و روي عن مجاهد ، و سعيد بن جبير ، و عبد الله بن محمد بن عقيل ، و الحسن ، و قتادة ، و محمد بن كعب القرظي ، و ابن زيد ، و مالك ، عن زيد بن أسلم ، مثل هذا .

قال القرظي و ابن زيد و ابن جرير : و هي كقوله تعالى : ( فالق الإصباح ) [ الأنعام : 96 ] .

و قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( الفلق ) الخلق . و كذا قال الضحاك : أمر الله نبيه أن يتعوذ من الخلق كله .

و قال كعب الأحبار : ( الفلق ) بيت في جهنم ، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره ، و رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال :
حدثنا أبي ، حدثنا سهيل بن عثمان ، عن رجل سماه ، عن السدي عن زيد بن علي ، عن آبائه أنهم قالوا : ( الفلق ) جب في قعر جهنم ، عليه غطاء ، فإذا كشف عنه خرجت منه نار تصيح منه جهنم ، من شدة حر ما يخرج منه .

و كذا روي عن عمرو بن عبسة و السدي و غيرهم . و قد ورد في ذلك حديث مرفوع منكر ، فقال ابن جرير :
حدثني إسحاق بن وهب الواسطي ، حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي ، حدثنا نصر بن خزيمة الخراساني ، عن شعيب بن صفوان ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " ( الفلق ) جب في جهنم مغطى " إسناده غريب و لا يصح رفعه .

و قال أبو عبد الرحمن الحبلي : ( الفلق ) من أسماء جهنم .

قال ابن جرير : و الصواب القول الأول ، أنه فلق الصبح . و هذا هو الصحيح ، و هو اختيار البخاري رحمه الله ، في صحيحه .
 

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,900
مستوى التفاعل
8,138
مجموع اﻻوسمة
6
سورة الفلق. تفسير ابن كثير
تفسير ابن كثير

( مِن شَرِّ مَا خَلَقَ) [الفلق : 2]

و قوله تعالى "من شر ما خلق" أي من شر جميع المخلوقات وقال ثابت البناني والحسن البصري جهنم و إبليس وذريته مما خلق.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,900
مستوى التفاعل
8,138
مجموع اﻻوسمة
6
سورة الفلق. تفسير ابن كثير
تفسير ابن كثير

( وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) [الفلق : 3]

( ومن شر غاسق إذا وقب ) قال مجاهد :
غاسق الليل إذا وقب : غروب الشمس .
حكاه البخاري عنه .
و رواه ابن أبي نجيح ، عنه .
و كذا قال ابن عباس ، و محمد بن كعب القرظي ، و الضحاك ، و خصيف ، و الحسن ، و قتادة : إنه الليل إذا أقبل بظلامه .

و قال الزهري : ( ومن شر غاسق إذا وقب ) الشمس إذا غربت .
و عن عطية و قتادة : إذا وقب الليل : إذا ذهب .
و قال أبو المهزم : عن أبي هريرة : ( ومن شر غاسق إذا وقب ) كوكب .
و قال ابن زيد : كانت العرب تقول : الغاسق : سقوط الثريا ، و كان الأسقام و الطواعين تكثر عند وقوعها ، و ترتفع عند طلوعها .

قال ابن جرير : و لهؤلاء من الأثر ما حدثني : نصر بن علي ، حدثني بكار بن عبد الله - ابن أخي همام - ، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم : " ( ومن شر غاسق إذا وقب ) قال : النجم الغاسق " .

قلت : و هذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم .

قال ابن جرير : و قال آخرون : هو القمر .

قلت : و عمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد :

حدثنا أبو داود الحفري ، عن ابن أبي ذئب ، عن الحارث ، عن أبي سلمة قال : قالت عائشة ا : أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي ، فأراني القمر حين يطلع ، و قال : " تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب " .

و رواه الترمذي و النسائي في كتابي التفسير من سننيهما ، من حديث محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب ، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن به . و قال الترمذي : حسن صحيح . و لفظه : " تعوذي بالله من شر هذا ، فإن هذا الغاسق إذا وقب " . و لفظ النسائي : " تعوذي بالله من شر هذا ، هذا الغاسق إذا وقب " .

قال أصحاب القول الأول و هو أنه الليل إذا ولج - : هذا لا ينافي قولنا ; لأن القمر آية الليل ، و لا يوجد له سلطان إلا فيه ، و كذلك النجوم لا تضيء ، إلا في الليل ، فهو يرجع إلى ما قلناه ، و الله أعلم .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,900
مستوى التفاعل
8,138
مجموع اﻻوسمة
6
سورة الفلق. تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير

( وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق : 4]

و قوله : ( ومن شر النفاثات في العقد )
قال مجاهد ، و عكرمة ، و الحسن ، و قتادة ، و الضحاك : يعني : السواحر - قال مجاهد : إذا رقين و نفثن في العقد .

و قال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : ما من شيء أقرب من الشرك من رقية الحية و المجانين .

و في الحديث الآخر : أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
اشتكيت يا محمد ؟
فقال : " نعم " .
فقال : بسم الله أرقيك ، من كل داء يؤذيك ، و من شر كل حاسد و عين ، الله يشفيك .

و لعل هذا كان من شكواه ، عليه السلام ، حين سحر ، ثم عافاه الله تعالى و شفاه ، و رد كيد السحرة الحساد من اليهود في رءوسهم ، و جعل تدميرهم في تدبيرهم ، و فضحهم ، و لكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما من الدهر ، بل كفى الله و شفى و عافى .

و قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن يزيد بن حيان ، عن زيد بن أرقم قال : سحر النبي صلى الله عليه و سلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما ، قال : فجاءه جبريل فقال : إن رجلا من اليهود سحرك ، عقد لك عقدا في بئر كذا و كذا ، فأرسل إليها من يجيء بها . فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم [ عليا رضي الله تعالى عنه ] فاستخرجها ، فجاء بها فحللها قال : فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم كأنما نشط من عقال ، فما ذكر ذلك لليهودي و لا رآه في وجهه [ قط ] حتى مات .

و رواه النسائي ، عن هناد ، عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير .

و قال البخاري في " كتاب الطب " من صحيحه : حدثنا عبد الله بن محمد قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : أول من حدثنا به ابن جريج ، يقول : حدثني آل عروة ، عن عروة فسألت هشاما عنه ، فحدثنا عن أبيه ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم سحر ، حتى كان يرى أنه يأتي النساء و لا يأتيهن - قال سفيان : و هذا أشد ما يكون من السحر ، إذا كان كذا - فقال : " يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ؟
أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي ، و الآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للآخر : ما بال الرجل ؟
قال : مطبوب . قال : و من طبه ؟
قال : لبيد بن أعصم - رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقا - و قال : و فيم ؟
قال : في مشط و مشاطة .
قال : وأين ؟
قال : في جف طلعة ذكر تحت رعوفة في بئر ذروان " .
قالت : فأتى [ النبي صلى الله عليه و سلم ] البئر حتى استخرجه فقال : " هذه البئر التي أريتها ، و كأن ماءها نقاعة الحناء ، و كأن نخلها رءوس الشياطين " .
قال : فاستخرج .
[ قالت ] . فقلت : أفلا ؟ أي : تنشرت ؟
فقال : " أما الله فقد شفاني ، و أكره أن أثير على أحد من الناس شرا " .

و أسنده من حديث عيسى بن يونس و أبي ضمرة أنس بن عياض و أبي أسامة و يحيى القطان و فيه : " قالت : حتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء و لم يفعله " . و عنده : " فأمر بالبئر فدفنت " . و ذكر أنه رواه عن هشام أيضا ابن أبي الزناد و الليث بن سعد .

و قد رواه مسلم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير . و رواه أحمد عن عفان ، عن وهيب ، عن هشام به .

و رواه الإمام أحمد أيضا عن إبراهيم بن خالد ، عن رباح ، عن معمر ، عن هشام عن أبيه ، عن عائشة قالت : لبث رسول الله صلى الله عليه و سلم ستة أشهر يرى أنه يأتي و لا يأتي ، فأتاه ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسه ، و الآخر عند رجليه ، فقال أحدهما للآخر : ما باله ؟
قال : مطبوب .
قال : ومن طبه ؟
قال : لبيد بن الأعصم و ذكر تمام الحديث .

و قال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره : قال ابن عباس و عائشة ما : كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه و سلم وعدة أسنان من مشطه ، فأعطاها اليهود فسحروه فيها . و كان الذي تولى ذلك رجل منهم - يقال له : [ لبيد ] بن أعصم - ثم دسها في بئر لبني زريق ، و يقال لها : ذروان ، فمرض رسول الله صلى الله عليه و سلم و انتثر شعر رأسه ، و لبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء و لا يأتيهن ، و جعل يذوب و لا يدري ما عراه . فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه و الآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : ما بال الرجل ؟
قال : طب .
قال : و ما طب ؟
قال : سحر .
قال : و من سحره ؟
قال : لبيد بن أعصم اليهودي .
قال : و بم طبه ؟
قال : بمشط و مشاطة .
قال : و أين هو ؟
قال : في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان - و الجف : قشر الطلع ، و الراعوفة : حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح - فانتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم مذعورا ، و قال : " يا عائشة ، أما شعرت أن الله أخبرني بدائي ؟ " .
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا و الزبير و عمار بن ياسر ، فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة ، و أخرجوا الجف ، فإذا فيه مشاطة رأسه و أسنان من مشطه ، و إذا فيه وتر معقود ، فيه اثنتا عشرة عقدة مغروزة بالإبر . فأنزل الله تعالى السورتين ، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، و وجد رسول الله صلى الله عليه و سلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة ، فقام كأنما نشط من عقال ، و جعل جبريل عليه السلام ، يقول : باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من حاسد و عين الله يشفيك .
فقالوا : يا رسول الله ، أفلا نأخذ الخبيث نقتله ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أما أنا فقد شفاني الله ، و أكره أن يثير على الناس شرا " .

هكذا أورده بلا إسناد ، و فيه غرابة ، و في بعضه نكارة شديدة ، و لبعضه شواهد مما تقدم ، و الله أعلم .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,900
مستوى التفاعل
8,138
مجموع اﻻوسمة
6
سورة الفلق. تفسير ابن كثير
وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق : 5]
تقدم شرح هذه الآية في الآية 4
والله ولي التوفيق و السداد
 
Comment

امل مفقود

نجوم المنتدي
إنضم
5 مايو 2021
المشاركات
12,575
مستوى التفاعل
4,281
مجموع اﻻوسمة
2
سورة الفلق. تفسير ابن كثير
جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..
جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا
وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا
جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآ عَطآئُگ
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
12,900
مستوى التفاعل
8,138
مجموع اﻻوسمة
6
سورة الفلق. تفسير ابن كثير
جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..
جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا
وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا
جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآ عَطآئُگ
و إياكم يارب 😍
🌺🌺🌺
أسعدك الله في الدارين
 
Comment
أعلى