-
- إنضم
- 6 يناير 2022
-
- المشاركات
- 14,809
-
- مستوى التفاعل
- 9,368
- مجموع اﻻوسمة
- 9
مذكرات مرغريت للمنفلوطي
مُذَكِّرَات مَرْغِرِيت
أَرْمَان:
لَمْ تَكْتُب إِلَى وَلَمْ تَأْتِنِي كَأَنَّمَا ظَنَنْت أَنِّي أُرِيد أَنْ أَسْتَعِيد مَعَك عَهْد اَلْمَاضِي وَأَيْنَ أَنَا مِنْ ذَلِكَ اَلْعَهْد فَلَوْ رَأَيْتنِي لَرَأَيْت اِمْرَأَة ذَاهِبَة مُدَبِّرَة لَا تُصْلِح لِشَأْن مِنْ شُؤُون اَلْحَيَاة وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مِنْ صُورَتهَا اَلْمَاضِيَة إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ اَلزَّهْرَة اَلسَّاقِطَة عَنْ غُصْنهَا بَعْد مَا عَصَفَتْ اَلرِّيح بِأَوْرَاقِهَا وَكُلّ مَا كُنْت أُرِيدهُ مِنْك أَنَّ أَرَاك بِجَانِب فِرَاشِي فِي سَاعَتِي اَلْأَخِيرَة لِأَعْتَذِر لَك عَنْ ذَنْبِي اَلَّذِي أذنبته إِلَيْك ثُمَّ أنظر نَظْرَة وَدَاع أَغْمِضْ عَلَيْهَا جَفْنِي وَاذْهَبْ بِهَا إِلَيَّ قَبْرِي!
مَا أَنَا بِخَائِنَة يَا أَرْمَان وَلَا خَادِعَة فَإِنَّ اَلرِّسَالَة اَلَّتِي رَأَيْتهَا فِي يَدِي يَوْم عُدْت إِلَى مَنْ مُقَابِلَة أَبِيك لَيْسَتْ رِسَالَة المركيز كَمَا ظَنَنْت بَلْ رِسَالَة أَبِيك نَفْسه وَصَلَتْ مِنْهُ قَبْل وُصُولك إِلَى بوجيفال بِسَاعَة وَاحِدَة وَهَذَا نَصّهَا اَلَّذِي لَا يَزَال عَالِقًا بِذِهْنِي حَتَّى اَلسَّاعَة:
سَيِّدَتِي:
أُرِيد أَنْ أُقَابِلك غَدًا فِي مَنْزِلك فِي اَلسَّاعَة اَلْعَاشِرَة صَبَاحًا فِي شَأْن خَاصّ بِي وَبِك وَأُرِيد أَلَّا يَكُون أَرْمَان حَاضِرًا تِلْكَ اَلْمُقَابَلَة وَلَا عَالِمًا بِهَا وَلَا بِأَنِّي أَرْسَلْت هَذِهِ اَلرِّسَالَة إِلَيْك وَلِي مِنْ حُسْن اَلرَّأْي فِيك مَا يُطْمِعنِي فِي أَنْ يَكُون مَا سَأَلَتْك إِيَّاهُ سِرًّا بَيْنِي وَبَيْنك حَتَّى نَلْتَقِي وَالسَّلَام.
فَلَمَّا قَرَأَتْهَا عَلِمَتْ مَاذَا يُرِيد مِنْ تِلْكَ اَلْمُقَابَلَة وَشَعَرَتْ بِمَا وَرَاءَهَا بَلْ عَلِمَتْ بِمَا دَارَ بَيْنك وَبَيْنه مِنْ اَلْحَدِيث وَأَنَّك أمتنعت عَلَيْهِ حَتَّى يَئِسَ مِنْك فَحَاوَلَ أَنْ يُدْخِل عَلَيْك مِنْ بَابِي فَحَدَّثَتْنِي نَفْسِي أَنْ أَرْفُض مُقَابَلَته وَأَنْ أُكَاشِفك بِكُلّ شَيْء ثُمَّ اِسْتَحْيَيْت مِنْ نَفْسِي وَأَكْبَرْت اَلسِّرّ فَلَا يَجْحَدنِي عِنْد ظَنّه وَطَمِعَتْ فِي أَنْ أَنَال مِنْهُ عِنْد اَلْمُقَابَلَة مَا يَطْمَع أَنْ يَنَالهُ مِنِّي فَكَلَّمَتْك أَمْر اَلرِّسَالَة وَكَتَمَتْك مَا فِي نَفْسِي مِنْهَا وَلَمْ أَكُنْ كَاذِبَة فِي شَكَّاتِي وَأَلَمِي حِينَمَا قُلْت لَك فِي تِلْكَ اَللَّيْلَة إِنَّنِي لَا أَسْتَطِيع اَلْبَقَاء بِجَانِبِك وَسَأَلَتْك أَنْ تَقُودنِي إِلَى مَخْدَعِي فَقَدْ قَضَيْت فِي فِرَاشِي بَعْدَمَا فَارَقَتْك لَيْلَة لَمْ أَقْضِ مِثْلهَا فِي جَمِيع مَا مَرَّ بِي مِنْ لَيَالِي اَلْهُمُوم وَالْأَحْزَان حَتَّى اصبح الصباح فَأَلْحَحْت عَلَيْك أَنْ تَذْهَب لِمُقَابِلَة أَبِيك وَأَنَا أَعْلَم أَنَّك ذَهَبْت إِلَيْهِ لَا تَرَاهُ وَلَا تَنْتَفِع بِمُقَابَلَتِهِ إِنْ رَأَيْته وَلَكِنِّي خِفْت أَنْ يَزُورنِي فَيَرَاك عِنْدِي فَأَصْغَر فِي عَيْنَيْهِ وَلَا أَشَدّ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا هِيَ إِلَّا لَحَظَات قَلِيلَة حَتَّى وَصَلَ إِلَى بوجيفال فِي اَلْمَوْعِد اَلَّذِي ضَرَبَهُ فِي كِتَابه فَاسْتَأْذَنَ عَلَى فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ فَرَايْت فِي عَيْنَيْهِ جَمْرَة مِنْ اَلْغَضَب تَلْتَهِب اِلْتِهَابًا فَلَمْ أَحْفُل بِهَا وَدَعْوَته لِلْجُلُوسِ فَلَمْ يَفْعَل وَلَمْ يُحْيِنِي بِيَدِهِ وَلَا بِوَلَدِي أَيَّتُهَا اَلسَّيِّدَة وَظَلَّ نَاظِرًا إِلَى نَظَرًا جَامِدًا سَاكِنًا لَا وَلَهْجَته اَلْجَافَّة اَلْخَشِنَة وَامْتَعَضَتْ فِي نَفْسِي اِمْتِعَاضًا شَدِيدًا حَتَّى كِدْت أَقُول لَهُ وَلَا أَكْتُمك ذَلِكَ تَذْكُر يَا سَيِّدِي أَنَّك فِي مَنْزِلِي وَأَنَّنِي لَمْ أَدْعُك إِلَى زِيَارَتِي بَلْ أَنْتَ اَلَّذِي دَعَوْت نَفْسك بِنَفْسِك ثُمَّ ذَكَرَتْ مَكَانه مِنْك فَأَمْسَكَتْ عَنْ كُلّ شَيْء حَتَّى عَنَّ اَلْجَوَاب عَلَى سُؤَاله فَمَشَى يَضْرِب اَلْأَرْض بِعَصَاهُ وَبِقَدَمِهِ حَتَّى دَنَا مِنِّي وَأَلْقَى عَلَيَّ تِلْكَ اَلنَّظْرَة اَلَّتِي اِعْتَادَ اَلْأَشْرَاف اَلْمُتَرَفِّعُونَ أَنْ يُلْقُوهَا فِي طَرِيقهمْ عَلَى وُجُوه اَلنِّسَاء اَلْعَاهِرَات وَقَالَ:
لَقَدْ أَنْفَقَ وَلَدَيَّ عَلَيْك جَمِيع مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ اَلْمَال وَكَانَ فِي يَده اَلْكَثِير مِنْهُ ثُمَّ جَمِيع مَا أَرْسَلَتْهُ إِلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ وَقَدْ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ فَوْق طَاقَتِي فَلَمْ يَبْقَ فِي اِسْتِطَاعَته أَنْ يَمُدّك بِأَكْثَر مِمَّا أَمُدّك وَلَا فِي اِسْتِطَاعَتِي أَنْ استنزل لَهُ مِنْ اَلسَّمَاء ذَهَبًا يُمْطِرهُ عَلَيْك وَلَا فِي اِسْتِطَاعَتِي أَنْ أستنزل لَهُ مِنْ اَلسَّمَاء ذَهَبًا يُمْطِرهُ عَلَيْك فَدَعِيهِ وَشَأْنه فَالْبَلَد مَمْلُوء بِالْأَبْنَاءِ اَلَّذِينَ لَا يَحْتَاج آبَاؤُهُمْ إِلَيْهِمْ فَدَعِيهِ وَشَأْنه وَاَلَّذِينَ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْفُسهمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي فِي حَاجَة إِلَى وَلَدِي لِأَنِّي لَمْ أُرْزَق وَلَدًا سِوَاهُ وَمَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ هَذِهِ اَلثَّرْوَة مِنْ اَلْجِمَال اَلَّتِي تَمْلِكِينَهَا لَا يَضِيق بِهِ مَذْهَب مِنْ مَذَاهِب اَلْعَيْش وَلَا يَتَلَوَّى عَلَيْهِ مَأْرَب مِنْ مَآرِب اَلْحَيَاة.
فَسَرَّتْ كَلِمَاته فِي نَفْسَيْ سُرْيَان اَلْحُمَّى فِي عِظَام اَلْمَحْمُوم وَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّ هَذَا اَلْمَائِل أَمَامِيّ لَا يُحَدِّثنِي وَإِنَّمَا يجزعني اَلسُّمّ بِيَدِهِ تجريعا وَشَعَرَتْ بِذِلَّة لَمْ أَشْعُر بِمِثْلِهَا فِي يَوْم مِنْ أَيَّام حَيَاتِي إِلَّا أَنَّنِي تَجَلَّدَتْ وَاسْتَمْسَكَتْ وَرَدَّدَتْ نَفْسِيّ عَلَى بِالْإِغْوَاءِ وَقَلَّتْ لَهُ بِصَوْت هَادِئ سَاكِن لَا يمازجه غَضَب وَلَا نزق:
يَا سَيِّدِي نَعَمْ إِنَّنِي أَحَبّ وَلَدك وَلَكِنِّي لَا اطمع فِيهِ وَلَوْ كَانَ اَلَّذِي يَعْنِينَ مِنْهُ اَلطَّمَع فِي مَاله لفارقته مُنْذُ ثَلَاثَة شُهُور أَيْ مُنْذُ خَلَتْ يَده مِنْ اَلْمَال وَأَصْبَحَ لَا يَجِد اَلسَّبِيل إِلَيْهِ بِحَال مِنْ اَلْأَحْوَال بَلْ لفارقته قَبْل ذَلِكَ لِأَنَّ اَلَّذِينَ لَا يَزَالُونَ يُسَاوِمُونَنِي فِي نَفْسِي مِنْ أَشْرَاف هَذَا اَلْبَلَد وَنُبَلَائِهِ مُنْذُ اِتَّصَلَتْ بِهِ حتي اَلْيَوْم أَفْضَل مِنْهُ وَأَكْثَر رَغَدًا عَلَى أَنَّ وَلَدك لَمْ يُنْفِق عَلَيَّ مِنْ هَذَا اَلْمَال اَلَّذِي تُذَكِّرهُ إِلَّا اَلنَّزْر اَلْقَلِيل وَرُبَّمَا أَنْفَقَ باقيه عَلَى نَفْسه وَلَوْ اِسْتَطَعْت أَنْ أَرْفُض ذَلِكَ اَلْقَلِيل وَآبَاهُ لَفَعَلَتْ وَلَكِنِّي كُنْت أَضَنّ بِهِ أَنْ يُدَاخِل نَفْسه مَا يُرِيبهَا أَوْ يُؤْلِمهَا فَقَبِلَتْ مِنْهُ هَدَايَاهُ اَلصَّغِيرَة اَلَّتِي كَانَ يُقَدِّمهَا إِلَى مَنْ حِين إِلَى حِين إرعاء عَلَيْهِ وَإِبْقَاء عَلَى عِزَّة نَفْسه وَكَرَامَتهَا وَلَوْ أَنَّ مَا كَانَ بِيَدِهِ مَنْ الِمَال اِنْتَقَلَ إِلَى يَدِي كَمَا تَقُول لَأَصْبَحَتْ غَنِيَّة مَوْفُورَة لَا أَحْمِل هُمَا مِنْ هُمُوم اَلْعَيْش وَلَا أُعَانِي مِنْ بَأْسَاء اَلْحَيَاة وَضَرَّائِهَا مَا أُعَانِيه اَلْيَوْم فَإِنَّنِي لَوْ تَبَيَّنْت أَمْرِي اِمْرَأَة فَقِيرَة معوزة لَا أَمَلّك مِنْ مَتَاع اَلدُّنْيَا إِلَّا حَلَّايَ وَمَرْكَبَتِي وَأَثَاث بَيْتِيّ وَلَيْتَهَا كَانَتْ خَالِصَة لِي فَقَدْ اِمْتَدَّتْ يَد اَلضَّرُورَة إِلَيْهَا مُنْذُ عَهْد قَرِيب فَأَصْبَحَ اَلْكَثِير مِنْهَا سِلْعَة فِي يَد اَلْمُرَابِينَ وَلَا أُعَلِّم مَا يَأْتِي بِهِ اَلْغَد وَإِنْ أَبَيْت إِلَّا أَنْ أَتَعَرَّف ذَلِكَ بِنَفْسِك بِالْإِغْوَاءِ عَلَى مَا كَتَمَتْهُ عَنْ اَلنَّاس جَمِيعًا حَتَّى عَنَّ وَلَدك ثُمَّ قُمْت إِلَى خِزَانَة أَوْرَاقِي فَجِئْته مِنْهَا بِالصُّكُوكِ وَالْوَثَائِق اَلْمُشْتَمِلَة عَلَى بَيْع مَا بِعْت مِنْ جَوَاهِرِيّ وَخُيُولِي وَأَثَاث بَيْتِيّ وَرَهْن مَا رَهَنَتْ مِنْهَا فَظَلَّ يَقْبَلهَا بَيْن يَدَيْهِ سَاعَة وَيَتَأَمَّل فِي تَارِيخهَا طَوِيلًا ثُمَّ طَوَاهَا وَأَعَادَهَا إِلَى مُطْرِقًا صَامِتًا لَا يَقُول شَيْئًا وَمَدّ يَده إِلَى كُرْسِيّ بَيْن يَدَيْهِ فَاجْتَذَبَهُ إِلَيْهِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ مُعْتَمِدًا بِرَأْسِهِ عَلَى عَصَاهُ وَقَدْ هَدَّأَتْ فِي نَفْسه تِلْكَ اَلثَّوْرَة اَلَّتِي كَانَتْ تَضْطَرِم وَتَعْتَلِج مُنْذُ دُخُوله وَطَارَتْ عَنْ وَجْهه تِلْكَ اَلْغَيْرَة اَلسَّوْدَاء اَلَّتِي كَانَتْ تُظَلِّلهُ مِنْ قَبْل فَعُدْت إِلَى حَدِيثِي مَعَهُ أَقُول:
اسم الموضوع : مذكرات مرغريت للمنفلوطي
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء