تواصل معنا

مراتب الهداية في القرآن الكريم يَسبِق إلى أفهام كثيرٍ مِن النَّاس أنَّ الله سبحانه وتعالى اختَصَّ عبادَه بالهداية، وحرَم آخَرين حقًّا مِن حُقوقِهم، ولو...

ملاك الحب

ملاك الحب
عضو مميز
إنضم
18 ديسمبر 2021
المشاركات
17,478
مستوى التفاعل
10,013
الإقامة
المملكة العربية السعودية
مجموع اﻻوسمة
14
مراتب الهداية في القرآن الكريم

مراتب الهداية في القرآن الكريم​


يَسبِق إلى أفهام كثيرٍ مِن النَّاس أنَّ الله سبحانه وتعالى اختَصَّ عبادَه بالهداية، وحرَم آخَرين حقًّا مِن حُقوقِهم، ولو أراد اللهُ أنْ يهدِيَهم لَهَداهم، بل يحتَجُّون بالقَدَر لما يَصْدُر عنهم مِن كُفر أو معصية أو تقصير، زاعِمين أنَّ مَشِيئة الله نافذة وغالبة، بل يحتَجُّون على تَواكُلهم وتَقصِيرهم عن الواجب وتغييرِ ما بأنفسهم بآياتٍ مِن القرآن الكريم، يقطعونها مِن سِياقها، ولا يفهمون معناها؛ مِن ذلك قول الله تعالى: ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]، ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾ [السجدة: 13]، وهذا مَصْدرُ خطأٍ كبير في فَهْمِ مسألة سبْق القضاء بالهداية والضَّلَال، والقرآن يُوضِّح لنا ما في هذه القضيَّة مِن لَبْس حين نَعرِف أنَّ الهداية الوارِدَة في القرآن الكريم على أنواع.

وهذه المسألة - مسألة الهُدَى والضَّلال - هي قلْب أبواب القدَر ومسائله، فإنَّ أفضلَ ما يقدِّره الله للعبد هو الهُدَى؛ فهو مِن أعظمِ النِّعَم، وأعظمُ ما يبتَلِيه به ويقدِّره عليه هو الضَّلال، وقد اتَّفقَتْ رسُل الله جميعًا، وكذلك كُتُبه المنزلة على أن الله يُضِلُّ مَن يشاء، ويهدي مَن يشاء، فالهدَى والإضلال بيده، لا بيدِ العبد، أمَّا طلَب الهداية والسعي إليها مِن طلَب العبدِ وكسبه.

لذلك كان مِن الضروري ذكْر مَراتِب الهداية كما وردَتْ في القرآن الكريم، وتتلخَّص في أربع مَراتِب؛ هي:
1- الهداية العامَّة.
2- هداية الدلالة والبيان، والإرشاد والتعليم.
3- هداية التوفيق والمعونة.
4- الهداية إلى الجَنَّة والنَّار يوم القيامة.

المرتبة الأولى: الهداية العامَّة:
وهي هداية عامَّة لجميع الكائنات، فاللهُ قد هَدَى كلَّ نفس إلى ما يُصلِح شأنها ومعاشها، وفطَرَها على جلْب النافع، ودفْع الضارِّ عنها، وهذه أَعمُّ مَراتِب الهداية.

والله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [الأعلى: 1 - 3]، وفيها ذَكَرَ اللهُ أربعة أمور عامَّة وهي: الخلْق، والتسوِيَة، والتقدير، والهداية، وجعَلَ التسوِيَة مِن تَمام الخلْق، والهداية مِن تَمام التقدير، وبذلك تَكُون التسوِيَة والهداية كمالَيْن للخلق والتقدير؛ ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7].

فالخلق والتسوِيَة يشمَل الإنسان وغيره؛ ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]، ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ [الشمس: 7]، ومِن أمثلة ومعاني الهداية العامَّة الخاصَّة بالتسوِيَة والتقدير للمخلوقات عامَّة: الإنسان والحيوان، والطير والدوابُّ، فإنَّ الله قد خَلَقَ الذكر والأنثى، فهَدَى الذكر للأُنثَى كيف يأتِيها، واختِلاف ذُكران الحيوان لإناثه مُختَلِف لاختِلاف الصوَر والخلْق والهيئات، فلولا أنه سبحانه جعَلَ كلَّ ذكر على معرفة كيف يأتي أنثى جِنسِه لما اهتَدَى لذلك، أو هَداه لِمَعاشِه ومَرعَاه، وكذلك تقديره سبحانه للجَنِين في الرَّحِم، ثم هَداه للخُروج.

وأنواع الهداية كثيرةٌ لا يُحصِيها إلا الله؛ مثل: هداية النحل إلى سلوك السُّبُل التي فيها مَراعِيها على تبايُنِها واختلافها، ثم عَوْدها إلى بيوتها مِن الشجر والجبال وما يَعْرِشُ بنو آدم؛ ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ [النحل: 68]، وكذلك هدايته سبحانه للنملة كيف تخرج مِن بيتها وتطلُب قُوتَها مِن هنا وهناك، وكيف خاطبَتْ أصحابَها، وأَمَرَتْهم بأن يدخلوا مساكنهم؛ ﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 18].

وهذه الحقيقة الكُبرَى ماثِلَة في كلِّ شيء في هذا الوجود، يشهَد لها كلُّ شيء في الوجود مِن الكبير إلى الصغير، كلُّ شيء مُسَوًّى في صنعته، كامل في خلقته، مُعَدٌّ لأداء وظيفته، مُقَدَّر له غايتُه ووجودُه، وهو مُيَسَّر لتَحقِيق هذه الغايَة مِن أَيسَر طريق، وجميع الأشياء مُجتَمِعة كاملة التناسُق مُيَسَّرة لكي تُؤَدِّي في تجمُّعها دَورَها الجماعيَّ مثلما هي مُيَسَّرة فُرادَى لكي تُؤَدِّي دَورَها الفرديَّ، وهذا واضحٌ في الكون المشهود في الذَّرَّة المفردة، والمجموعة الشمسية، كذلك بين الخلية الواحدة، وأَعطَى الكائناتِ الحيَّةَ درجاتٍ مِن التنظيمات والتركيبات تدلُّ على الكمال الخلقي والتدبير والتقدير.

هذه الحقيقة العميقة الشاملة لكلِّ ما في الوجود يُدرِكها الإنسانُ ببَصَرِه وبَصِيرته، وبعِلمه وملاحَظتِه وتجربتِه، ويستَطِيع البشَر مِن خِلال العالَم المشهود أن يَتَعرَّف على تسوِيَة اللهِ وهدايتِه مِن خلال عالَم النبات والحشرات والطيور والحيوان: ﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾ [الملك: 3]، لكنْ إنْ وُجِدَ شيءٌ مِن التفاوُت، وعدم التسوِيَة، كالصَّمَم والعَمَى، والخرس والبكم، فهذا يَرجِع إلى عدم إرادة الخالق لهذه التسوِيَة؛ لأن التسوِيَة أمرٌ وجوديٌّ مخلوق يَرتَبِط بمشيئة الله وإرادته، مُتَعلِّق بالتأثير والإبداع.

ومِن هذه الآية يَتَّخِذ بعضُ المعتزلة كالقاضي عبد الجبار (ت: 415 هـ) دليلًا على أن الله لم يخلُق الباطلَ لأنه مُتفاوِت، وكذلك لم يخلُق الكفر والظلم؛ لأن هذا يَتَنافَى مع حُسْنِ الصنعة والإتقان، واللهُ تعالى يقول: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88].

وللإجابة عن هذا الفَهْمِ يتلخَّص في الآتي:
1- أنَّ القاضي عبد الجبار قد اقتَطَع الآية مِن سِياقها، وأخذ جزءًا منها لِيَستدلَّ بها على مذهبه، وغفل عن بقية الآية.
2- أنَّ الآيات التي استدلَّ بها مِن الواضِح أنها نزلَتْ في غير أفعال العِباد، وأنَّ المقصود نفْي التفاوُت عن خلْق السماوات السبع؛ ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴾ [الملك: 3]، وأن الآية الأخرى - آية النمل - إنما تتحدَّث عن إتقان الجبال، لا خلْق الأفعال.
3- أنَّ القاضي قد ترَك آياتٍ كثيرة صريحة ومُحكَمة تدلُّ على خِلاف مذهبه؛ مثل قوله: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96]، ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62].

ومِن أثرِ هذه الهداية الفطرية أنها قادَتْ كلَّ كائنٍ إلى الاعتِراف برَبِّه وذكْره؛ قال تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].

وهذا النوع مِن الهداية - العامَّة الفطريَّة - مُقتَرِنة بالخلْق في الدلالة على الربِّ تبارَك وتعالى، وأسمائه وصفاته وتوحيده؛ ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]، وهذا نظير قوله: ﴿ قَدَّرَ فَهَدَى ﴾، وهذا الخلْق وهذه الهداية مِن آيات الربوبية والوحدانية، ومِن المُلاحَظ أنَّ الجمع بين الخلْق والهداية العامَّة قد جاء في القرآن كثيرًا.

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]، ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4]، ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾ [البلد: 8 - 11]، ﴿ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 63].

فالخلْق إعطاءُ الوجود العيني الخارجي، والهُدَى إعطاء الوجود العلمي الذهني، فهذا خلَقَه وهذا هَدَاه وعلَّمه، وكلها عامَّة فيما خلَقَه الله.

المرتبة الثانية: هداية الدلالة والبيان والإرشاد:
وهذا النوع هو وظيفة الرسل والكتب المنزلة مِن السماء، وهو خاصٌّ بالمكلَّفين، وهذه الهداية هي التي أثبَتَها لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، كما أنَّ هذا النوع مِن الهداية أخصُّ مِن التي قبْلَها، فهي مصدر التكليف ومَناطُه، وبها تقوم حُجَّة الله على عِباده؛ فإن الله تعالى لا يُدخِل أحدًا النار إلا بعد إرسال الرسل الذين يُبيِّنون للناس طريق الغيِّ مِن الرشاد: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، ﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزمر: 57]، ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165]، يقول ابن كثير: (أي: إنه تعالى أنزَلَ كُتبَه، وأرسَلَ رسُلَه بالبشارة والنذارة، وبيَّن ما يحبُّه ويَرضاه ممَّا يكرهه ويأباه؛ لئلَّا يبقى لمُعتَذِر عذر؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾ [طه: 134].

وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضِي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((... لا أحد أحب إليه العُذر مِن الله؛ مِن أجْل ذلك بعَثَ النبيِّين مُبَشِّرين ومُنذِرين)).

والله تعالى لم يمنع أحدًا هذه الهداية، ولم يَحُلْ بين أحدٍ مِن خلْقه وبين هذه الهداية، بل خلَّى بينهم وبينها، ومَنَحَهم مِن الوَسائل والأدوات التي تُساعِدهم على تقبُّلها والاستِفادة بها؛ كالعقل والفطرة، وأقام لهم بذلك أسبابَ الهداية ظاهرةً وباطنةً، ومَن حَرَمَه مِن خلْقه بعضًا مِن هذه الأدوات والوسائل؛ كزوال العقل أو الصِّغَر أو المرض، فقد حطَّ عنه مِن التكاليف بحسب ما حرَمَه من ذلك؛ قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ [النور: 61]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((رُفِع القلمُ عن ثلاث: عن النائم حتى يستَيقِظ، وعن الصبيِّ حتى يَبلُغ، وعن المجنون حتى يفيق))، كما اتَّفق رِجالُ الأصول على أنه: (إذا أخَذَ ما وهب انقَطَع ما وجب).

وهذه الهداية لا تستَلزِم حُصُول التوفيق، واتِّباع الحقِّ مِن العِباد؛ بدليل أنَّ بعض الناس آمَن بدعوة الرسُل، وبعضهم كفَر بها، ولكنَّها سببٌ في حصول الاهتِداء، والسبب هنا قد اكتَمَل بإرسال الرسُل، ووصول دعوة وبلاغ الرسل إلى أُمَمِهم، فلا نقص إذًا في السبب، إنما النقص يرجع إلى العبد الذي لم يَقبَل، ولم يَنتَفِع بما جاءَتْ به الرسل بسب فساد الفطرة، وطغيان المادَّة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17]، ﴿ فَهَدَيْنَاهُمْ ﴾؛ أي: بَيَّنَّا لهم ودعوناهم، فاستحبُّوا العَمَى على الهدى؛ أي: بصَّرناهم وبيَّنَّا ووضَّحنا لهم الحقَّ على لسان نبيِّهم صالح، فخالَفُوه، وكذَّبُوه، وعَقَروا ناقة الله تعالى، التي هي بُرهان على صدْق نبيِّهم، فعَدَمُ الاهتِدَاء واقِعٌ بسبب القُصُور الحادِث في المحلِّ القابِل للأثر وهو الإنسان، وليس في قُصُور السبب، فكانت النتيجة أنْ أضلَّهم اللهُ عقوبةً على ترْك الاهتِداء، وعدم الاستِجابة لما جاءَتْ به الرسل.

وهذا شأنُ الله في كلِّ نعمة أنعَمَ بها على عباده إذا كفروا؛ فإنه يَسْلبها منهم بعد أن كانَتْ حظًّا لهم: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53]، والقرآن الكريم قد قصَّ علينا ما كان مِن الأُمَم التي أَرسَل اللهُ إليها رسُلًا فلم تستَفِد بهَديِهم؛ فقال يصِف حالهم في نار جهنم: ﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ﴾ [الملك: 8، 9]، فالذي حدَث مِن الله هو الهداية، وكان مِن العبد التكذيب والضلال، رغم أنه كان في مَقدُورِه أن يَتَّبِع الرسول، ويُؤمِن بما جاء به، وليس ذلك شيئًا خارجًا عن قُدرته أو فوق طاقته، ففي مثل هذه الحالة فإن الله يُخلِّي بين العبد ونفسِه، والنفس بطبعها أمَّارة بالسوء إلا ما رحمَ ربي، فإذا وُكِل الإنسان إلى نفسه قادَتْه إلى الهلاك، وهو بذلك يكُون قد قُطِع عنه تَوفِيقُه، ولم يُرِد اللهُ أن يُعِينَه على نفسه ليُقبِل العبدُ بقلبه إلى الله، وهو سبحانه إذا فعَل ذلك بأحدٍ مِن خلْقه فليس ظالمًا؛ لأنه لم يَسْلبه حقًّا له، ولم يمنعه مِن الدلالة أو البيان، وهذا في مَقدُور العبد فعْلُه، ولكنَّه حرَمَه التوفيق والسداد عدلًا منه في خلْقه.

المرتبة الثالثة: هداية التوفيق والإلهام والمعونة:
وهذه المرتبة أَخَصُّ مِن التي قبْلها، فهي هداية خاصَّة تأتي بعد هداية البيان؛ تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76]، فلا تكون لملَكٍ مُقرَّب، ولا نبيٍّ مُرسَل، إنما هي خاصَّة بالله وحدَه، فلا يَقْدِر عليها إلا هو، ولا يُعطِيها إلا لِمَن حقَّق شروطها واستَوفَى أسبابها.

﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].

وهذا النوع من الهداية هو الذي نَفَاه الله عن نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم : ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]، ﴿ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [النحل: 37].

وهذا النوع من الهداية يستَلزِم أمرَيْن:
أحدهما: فعْل الربِّ تعالى، وهو الهدى بخلْق الداعية إلى الفعْل والمشيئة له.
الثاني: فعْل العبد، وهو الاهتِداء، وهو نتيجة للفعل الأول "الهدى"؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 73]، ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]، ولا سبيل إلى وجود الأثر الذي هو الاهتِداء مِن العبد إلا بعد وُجود المؤثِّر الذي هو الهداية مِن الله، فإذا لم يحصُل فعْل الله لم يحصُل فعْل العبد، وهذا النَّوْعُ مِن الهداية لا يَقْدِر عليه أحدٌ إلا الله سبحانه، قال أهل الجنة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].

كما أنَّ هذا النوع مِن الهداية هو الذي نَفَاه القرآنُ عن الظالمين والفاسقين والكاذبين والمسرف المرتاب، وكلُّ آية في القرآن وردَتْ في نفي الهُدَى فيجب حمْلُها على هذا النوع؛ لأن هذا فضْلُه يختصُّ به مَن يشاء مِن عباده، ولا حرج في ذلك.

المرتبة الرابعة: مرتبة الهداية إلى الجَنَّة والنار يوم القيامة:
وهذه المرتبة، وهي آخِر مَراتِب الهداية، وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجَنَّة، وهو الصراط المُوصِل إليها، فمَن هُدِي في هذه الدار الدنيا إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسُله وأنزل به كُتبه، هُدِي يوم القيامة إلى الصراط المستقيم، المُوصِل إلى جَنَّته ودارِ ثوابه، وعلى قدْر ثُبُوت قدَم العبد، وسَيْرِه على هذا الصراط الذي نصَبَه الله لعباده في هذه الدار الدنيا، يكُون ثُبُوت قدَمه وسَيْره على الصراط المنصوب على متْن جهنم؛ قال تعالى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 22، 23]، ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [محمد: 4 - 6]، فهذه هداية بعد قتلهم؛ ﴿ سَيَهْدِيهِمْ ﴾؛ أي: إلى الجَنَّة، وذلك يفسِّره قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [يونس: 9]، ﴿ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾؛ أي: أَمْرَهم وحالَهم ويَعصِمهم أيَّام حياتهم في الدنيا، ﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾؛ أي: عرَّفهم بها وهَداهم إليها.

هذا، واللهُ الموفِّق والهادي إلى سَواء السبيل، وآخِر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.

وصلَّى اللَّه على سيِّدنا محمَّد، وعلى آله وصحْبه وسلَّم.
 

صمت البوح

الباتروس .. مسؤول قسم الأصدقاء كافيه
الاشراف العام
إنضم
21 أكتوبر 2023
المشاركات
16,140
مستوى التفاعل
11,616
مجموع اﻻوسمة
15
مراتب الهداية في القرآن الكريم


مراتب الهداية في القرآن الكريم​


يَسبِق إلى أفهام كثيرٍ مِن النَّاس أنَّ الله سبحانه وتعالى اختَصَّ عبادَه بالهداية، وحرَم آخَرين حقًّا مِن حُقوقِهم، ولو أراد اللهُ أنْ يهدِيَهم لَهَداهم، بل يحتَجُّون بالقَدَر لما يَصْدُر عنهم مِن كُفر أو معصية أو تقصير، زاعِمين أنَّ مَشِيئة الله نافذة وغالبة، بل يحتَجُّون على تَواكُلهم وتَقصِيرهم عن الواجب وتغييرِ ما بأنفسهم بآياتٍ مِن القرآن الكريم، يقطعونها مِن سِياقها، ولا يفهمون معناها؛ مِن ذلك قول الله تعالى: ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]، ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾ [السجدة: 13]، وهذا مَصْدرُ خطأٍ كبير في فَهْمِ مسألة سبْق القضاء بالهداية والضَّلَال، والقرآن يُوضِّح لنا ما في هذه القضيَّة مِن لَبْس حين نَعرِف أنَّ الهداية الوارِدَة في القرآن الكريم على أنواع.

وهذه المسألة - مسألة الهُدَى والضَّلال - هي قلْب أبواب القدَر ومسائله، فإنَّ أفضلَ ما يقدِّره الله للعبد هو الهُدَى؛ فهو مِن أعظمِ النِّعَم، وأعظمُ ما يبتَلِيه به ويقدِّره عليه هو الضَّلال، وقد اتَّفقَتْ رسُل الله جميعًا، وكذلك كُتُبه المنزلة على أن الله يُضِلُّ مَن يشاء، ويهدي مَن يشاء، فالهدَى والإضلال بيده، لا بيدِ العبد، أمَّا طلَب الهداية والسعي إليها مِن طلَب العبدِ وكسبه.

لذلك كان مِن الضروري ذكْر مَراتِب الهداية كما وردَتْ في القرآن الكريم، وتتلخَّص في أربع مَراتِب؛ هي:
1- الهداية العامَّة.
2- هداية الدلالة والبيان، والإرشاد والتعليم.
3- هداية التوفيق والمعونة.
4- الهداية إلى الجَنَّة والنَّار يوم القيامة.

المرتبة الأولى: الهداية العامَّة:
وهي هداية عامَّة لجميع الكائنات، فاللهُ قد هَدَى كلَّ نفس إلى ما يُصلِح شأنها ومعاشها، وفطَرَها على جلْب النافع، ودفْع الضارِّ عنها، وهذه أَعمُّ مَراتِب الهداية.

والله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [الأعلى: 1 - 3]، وفيها ذَكَرَ اللهُ أربعة أمور عامَّة وهي: الخلْق، والتسوِيَة، والتقدير، والهداية، وجعَلَ التسوِيَة مِن تَمام الخلْق، والهداية مِن تَمام التقدير، وبذلك تَكُون التسوِيَة والهداية كمالَيْن للخلق والتقدير؛ ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7].

فالخلق والتسوِيَة يشمَل الإنسان وغيره؛ ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]، ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ [الشمس: 7]، ومِن أمثلة ومعاني الهداية العامَّة الخاصَّة بالتسوِيَة والتقدير للمخلوقات عامَّة: الإنسان والحيوان، والطير والدوابُّ، فإنَّ الله قد خَلَقَ الذكر والأنثى، فهَدَى الذكر للأُنثَى كيف يأتِيها، واختِلاف ذُكران الحيوان لإناثه مُختَلِف لاختِلاف الصوَر والخلْق والهيئات، فلولا أنه سبحانه جعَلَ كلَّ ذكر على معرفة كيف يأتي أنثى جِنسِه لما اهتَدَى لذلك، أو هَداه لِمَعاشِه ومَرعَاه، وكذلك تقديره سبحانه للجَنِين في الرَّحِم، ثم هَداه للخُروج.

وأنواع الهداية كثيرةٌ لا يُحصِيها إلا الله؛ مثل: هداية النحل إلى سلوك السُّبُل التي فيها مَراعِيها على تبايُنِها واختلافها، ثم عَوْدها إلى بيوتها مِن الشجر والجبال وما يَعْرِشُ بنو آدم؛ ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ [النحل: 68]، وكذلك هدايته سبحانه للنملة كيف تخرج مِن بيتها وتطلُب قُوتَها مِن هنا وهناك، وكيف خاطبَتْ أصحابَها، وأَمَرَتْهم بأن يدخلوا مساكنهم؛ ﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 18].

وهذه الحقيقة الكُبرَى ماثِلَة في كلِّ شيء في هذا الوجود، يشهَد لها كلُّ شيء في الوجود مِن الكبير إلى الصغير، كلُّ شيء مُسَوًّى في صنعته، كامل في خلقته، مُعَدٌّ لأداء وظيفته، مُقَدَّر له غايتُه ووجودُه، وهو مُيَسَّر لتَحقِيق هذه الغايَة مِن أَيسَر طريق، وجميع الأشياء مُجتَمِعة كاملة التناسُق مُيَسَّرة لكي تُؤَدِّي في تجمُّعها دَورَها الجماعيَّ مثلما هي مُيَسَّرة فُرادَى لكي تُؤَدِّي دَورَها الفرديَّ، وهذا واضحٌ في الكون المشهود في الذَّرَّة المفردة، والمجموعة الشمسية، كذلك بين الخلية الواحدة، وأَعطَى الكائناتِ الحيَّةَ درجاتٍ مِن التنظيمات والتركيبات تدلُّ على الكمال الخلقي والتدبير والتقدير.

هذه الحقيقة العميقة الشاملة لكلِّ ما في الوجود يُدرِكها الإنسانُ ببَصَرِه وبَصِيرته، وبعِلمه وملاحَظتِه وتجربتِه، ويستَطِيع البشَر مِن خِلال العالَم المشهود أن يَتَعرَّف على تسوِيَة اللهِ وهدايتِه مِن خلال عالَم النبات والحشرات والطيور والحيوان: ﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾ [الملك: 3]، لكنْ إنْ وُجِدَ شيءٌ مِن التفاوُت، وعدم التسوِيَة، كالصَّمَم والعَمَى، والخرس والبكم، فهذا يَرجِع إلى عدم إرادة الخالق لهذه التسوِيَة؛ لأن التسوِيَة أمرٌ وجوديٌّ مخلوق يَرتَبِط بمشيئة الله وإرادته، مُتَعلِّق بالتأثير والإبداع.

ومِن هذه الآية يَتَّخِذ بعضُ المعتزلة كالقاضي عبد الجبار (ت: 415 هـ) دليلًا على أن الله لم يخلُق الباطلَ لأنه مُتفاوِت، وكذلك لم يخلُق الكفر والظلم؛ لأن هذا يَتَنافَى مع حُسْنِ الصنعة والإتقان، واللهُ تعالى يقول: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88].

وللإجابة عن هذا الفَهْمِ يتلخَّص في الآتي:
1- أنَّ القاضي عبد الجبار قد اقتَطَع الآية مِن سِياقها، وأخذ جزءًا منها لِيَستدلَّ بها على مذهبه، وغفل عن بقية الآية.
2- أنَّ الآيات التي استدلَّ بها مِن الواضِح أنها نزلَتْ في غير أفعال العِباد، وأنَّ المقصود نفْي التفاوُت عن خلْق السماوات السبع؛ ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴾ [الملك: 3]، وأن الآية الأخرى - آية النمل - إنما تتحدَّث عن إتقان الجبال، لا خلْق الأفعال.
3- أنَّ القاضي قد ترَك آياتٍ كثيرة صريحة ومُحكَمة تدلُّ على خِلاف مذهبه؛ مثل قوله: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96]، ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62].

ومِن أثرِ هذه الهداية الفطرية أنها قادَتْ كلَّ كائنٍ إلى الاعتِراف برَبِّه وذكْره؛ قال تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].

وهذا النوع مِن الهداية - العامَّة الفطريَّة - مُقتَرِنة بالخلْق في الدلالة على الربِّ تبارَك وتعالى، وأسمائه وصفاته وتوحيده؛ ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]، وهذا نظير قوله: ﴿ قَدَّرَ فَهَدَى ﴾، وهذا الخلْق وهذه الهداية مِن آيات الربوبية والوحدانية، ومِن المُلاحَظ أنَّ الجمع بين الخلْق والهداية العامَّة قد جاء في القرآن كثيرًا.

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]، ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4]، ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾ [البلد: 8 - 11]، ﴿ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 63].

فالخلْق إعطاءُ الوجود العيني الخارجي، والهُدَى إعطاء الوجود العلمي الذهني، فهذا خلَقَه وهذا هَدَاه وعلَّمه، وكلها عامَّة فيما خلَقَه الله.

المرتبة الثانية: هداية الدلالة والبيان والإرشاد:
وهذا النوع هو وظيفة الرسل والكتب المنزلة مِن السماء، وهو خاصٌّ بالمكلَّفين، وهذه الهداية هي التي أثبَتَها لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، كما أنَّ هذا النوع مِن الهداية أخصُّ مِن التي قبْلَها، فهي مصدر التكليف ومَناطُه، وبها تقوم حُجَّة الله على عِباده؛ فإن الله تعالى لا يُدخِل أحدًا النار إلا بعد إرسال الرسل الذين يُبيِّنون للناس طريق الغيِّ مِن الرشاد: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، ﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزمر: 57]، ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165]، يقول ابن كثير: (أي: إنه تعالى أنزَلَ كُتبَه، وأرسَلَ رسُلَه بالبشارة والنذارة، وبيَّن ما يحبُّه ويَرضاه ممَّا يكرهه ويأباه؛ لئلَّا يبقى لمُعتَذِر عذر؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾ [طه: 134].

وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضِي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((... لا أحد أحب إليه العُذر مِن الله؛ مِن أجْل ذلك بعَثَ النبيِّين مُبَشِّرين ومُنذِرين)).

والله تعالى لم يمنع أحدًا هذه الهداية، ولم يَحُلْ بين أحدٍ مِن خلْقه وبين هذه الهداية، بل خلَّى بينهم وبينها، ومَنَحَهم مِن الوَسائل والأدوات التي تُساعِدهم على تقبُّلها والاستِفادة بها؛ كالعقل والفطرة، وأقام لهم بذلك أسبابَ الهداية ظاهرةً وباطنةً، ومَن حَرَمَه مِن خلْقه بعضًا مِن هذه الأدوات والوسائل؛ كزوال العقل أو الصِّغَر أو المرض، فقد حطَّ عنه مِن التكاليف بحسب ما حرَمَه من ذلك؛ قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ [النور: 61]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((رُفِع القلمُ عن ثلاث: عن النائم حتى يستَيقِظ، وعن الصبيِّ حتى يَبلُغ، وعن المجنون حتى يفيق))، كما اتَّفق رِجالُ الأصول على أنه: (إذا أخَذَ ما وهب انقَطَع ما وجب).

وهذه الهداية لا تستَلزِم حُصُول التوفيق، واتِّباع الحقِّ مِن العِباد؛ بدليل أنَّ بعض الناس آمَن بدعوة الرسُل، وبعضهم كفَر بها، ولكنَّها سببٌ في حصول الاهتِداء، والسبب هنا قد اكتَمَل بإرسال الرسُل، ووصول دعوة وبلاغ الرسل إلى أُمَمِهم، فلا نقص إذًا في السبب، إنما النقص يرجع إلى العبد الذي لم يَقبَل، ولم يَنتَفِع بما جاءَتْ به الرسل بسب فساد الفطرة، وطغيان المادَّة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17]، ﴿ فَهَدَيْنَاهُمْ ﴾؛ أي: بَيَّنَّا لهم ودعوناهم، فاستحبُّوا العَمَى على الهدى؛ أي: بصَّرناهم وبيَّنَّا ووضَّحنا لهم الحقَّ على لسان نبيِّهم صالح، فخالَفُوه، وكذَّبُوه، وعَقَروا ناقة الله تعالى، التي هي بُرهان على صدْق نبيِّهم، فعَدَمُ الاهتِدَاء واقِعٌ بسبب القُصُور الحادِث في المحلِّ القابِل للأثر وهو الإنسان، وليس في قُصُور السبب، فكانت النتيجة أنْ أضلَّهم اللهُ عقوبةً على ترْك الاهتِداء، وعدم الاستِجابة لما جاءَتْ به الرسل.

وهذا شأنُ الله في كلِّ نعمة أنعَمَ بها على عباده إذا كفروا؛ فإنه يَسْلبها منهم بعد أن كانَتْ حظًّا لهم: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53]، والقرآن الكريم قد قصَّ علينا ما كان مِن الأُمَم التي أَرسَل اللهُ إليها رسُلًا فلم تستَفِد بهَديِهم؛ فقال يصِف حالهم في نار جهنم: ﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ﴾ [الملك: 8، 9]، فالذي حدَث مِن الله هو الهداية، وكان مِن العبد التكذيب والضلال، رغم أنه كان في مَقدُورِه أن يَتَّبِع الرسول، ويُؤمِن بما جاء به، وليس ذلك شيئًا خارجًا عن قُدرته أو فوق طاقته، ففي مثل هذه الحالة فإن الله يُخلِّي بين العبد ونفسِه، والنفس بطبعها أمَّارة بالسوء إلا ما رحمَ ربي، فإذا وُكِل الإنسان إلى نفسه قادَتْه إلى الهلاك، وهو بذلك يكُون قد قُطِع عنه تَوفِيقُه، ولم يُرِد اللهُ أن يُعِينَه على نفسه ليُقبِل العبدُ بقلبه إلى الله، وهو سبحانه إذا فعَل ذلك بأحدٍ مِن خلْقه فليس ظالمًا؛ لأنه لم يَسْلبه حقًّا له، ولم يمنعه مِن الدلالة أو البيان، وهذا في مَقدُور العبد فعْلُه، ولكنَّه حرَمَه التوفيق والسداد عدلًا منه في خلْقه.

المرتبة الثالثة: هداية التوفيق والإلهام والمعونة:
وهذه المرتبة أَخَصُّ مِن التي قبْلها، فهي هداية خاصَّة تأتي بعد هداية البيان؛ تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76]، فلا تكون لملَكٍ مُقرَّب، ولا نبيٍّ مُرسَل، إنما هي خاصَّة بالله وحدَه، فلا يَقْدِر عليها إلا هو، ولا يُعطِيها إلا لِمَن حقَّق شروطها واستَوفَى أسبابها.

﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].

وهذا النوع من الهداية هو الذي نَفَاه الله عن نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم : ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]، ﴿ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [النحل: 37].

وهذا النوع من الهداية يستَلزِم أمرَيْن:
أحدهما: فعْل الربِّ تعالى، وهو الهدى بخلْق الداعية إلى الفعْل والمشيئة له.
الثاني: فعْل العبد، وهو الاهتِداء، وهو نتيجة للفعل الأول "الهدى"؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 73]، ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]، ولا سبيل إلى وجود الأثر الذي هو الاهتِداء مِن العبد إلا بعد وُجود المؤثِّر الذي هو الهداية مِن الله، فإذا لم يحصُل فعْل الله لم يحصُل فعْل العبد، وهذا النَّوْعُ مِن الهداية لا يَقْدِر عليه أحدٌ إلا الله سبحانه، قال أهل الجنة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].

كما أنَّ هذا النوع مِن الهداية هو الذي نَفَاه القرآنُ عن الظالمين والفاسقين والكاذبين والمسرف المرتاب، وكلُّ آية في القرآن وردَتْ في نفي الهُدَى فيجب حمْلُها على هذا النوع؛ لأن هذا فضْلُه يختصُّ به مَن يشاء مِن عباده، ولا حرج في ذلك.

المرتبة الرابعة: مرتبة الهداية إلى الجَنَّة والنار يوم القيامة:
وهذه المرتبة، وهي آخِر مَراتِب الهداية، وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجَنَّة، وهو الصراط المُوصِل إليها، فمَن هُدِي في هذه الدار الدنيا إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسُله وأنزل به كُتبه، هُدِي يوم القيامة إلى الصراط المستقيم، المُوصِل إلى جَنَّته ودارِ ثوابه، وعلى قدْر ثُبُوت قدَم العبد، وسَيْرِه على هذا الصراط الذي نصَبَه الله لعباده في هذه الدار الدنيا، يكُون ثُبُوت قدَمه وسَيْره على الصراط المنصوب على متْن جهنم؛ قال تعالى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 22، 23]، ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [محمد: 4 - 6]، فهذه هداية بعد قتلهم؛ ﴿ سَيَهْدِيهِمْ ﴾؛ أي: إلى الجَنَّة، وذلك يفسِّره قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [يونس: 9]، ﴿ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾؛ أي: أَمْرَهم وحالَهم ويَعصِمهم أيَّام حياتهم في الدنيا، ﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾؛ أي: عرَّفهم بها وهَداهم إليها.

هذا، واللهُ الموفِّق والهادي إلى سَواء السبيل، وآخِر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.

وصلَّى اللَّه على سيِّدنا محمَّد، وعلى آله وصحْبه وسلَّم.
:

الله يجزاك خير ويكتب اجرك

:
 
Comment
أعلى