-
- إنضم
- 11 مارس 2023
-
- المشاركات
- 722
-
- مستوى التفاعل
- 261
- مجموع اﻻوسمة
- 1
نسائم واعظة
نسائم واعظة بين السطور لنا مع النسائم لقاء، تحفنا بانتعاشها، وتعلمنا النطق و الكلام.... و بين ريحها العطر عظة و عبرة... فتمعنوا ليجد القارب التائه مرساه.. و إلا النسيم لن يفلح مسعاه... وسيستفحل أعاصير صعبة الإدراك...
************
" جدتي، أخبريني قصة" نطقت مَيان بعد أن أنهت الأكل، و قامت تنظف الطاولة من بقايا الطعام وقد تطوعت لمساعدة جوليا .
همهمت الجدة تجلس على الأرض تثني ركبتيها في جلسة مريحة تقليدية ثم ربتت على فخذها مشيرة لحفيدتها أن تحط برأسها عليه.
هذه عادتها إذا أرادت سرد قصة ما أو وقائع قديمة...
استلقت مَيان على الأرض ملبية إشارة جدتها،
فتنهدت الأخيرة تغلق باب الواقع و تفتح باب رحلة جديدة... خيالية ، رحلة أشد جمالا و حلاََ....
" خذي نفسا عميقا يا غالية و استمعي جيدا لكل حرف" أومأت مَيان بالإيجاب تستعد لسماع القصة، إذ منذ صغرها كانت تقص عليها قصصا و حكاوي تجعلها مأخوذة بالمنظر الذي تتصوره من خلال الكلام المنمق الذي تنطق به.
أما جوليا فقد استرسلت تبتدئ تسريح خيوط قصتها لهذه المرة.....
" في أرض مسقية بدماء العزة و النخوة،
يعيش متحكوا العناصر من أولئك اللذين يستمدون قوتهم من قوة عناصر الطبيعة في حياتهم، كتسخير الرياح لمساندتهم، أو التحكم بارتفاع الأرضية و دنوِّها..
كانوا في سلام متآزري السند لا مجال للتوغل بالفساد بينهم..
إلى حلول يوم ظهر فيه رجل ذو طول فارع، وسيم الطلعة بهي الوجه، يرفع أنفه عاليا و بتكبر يتمختر و يستعرض جماله، لكن أهل تلك القرية كانوا معروفين بحبهم للبساطة الراقية ، و خفض جناح التكبر من التواضع الشديد، فلم يبالوا به، و كما يظهرون له كحبات الرمل الهشة، كانوا يرونه ذبابة لا تستحق منهم التفاتة.
غضب الرجل منهم كثيرا، خصوصا عندما وجد حكيم القرية يسلبه قواه و قدرته على التحكم في أحد العناصر، بدعوى منه أن في قلبه ذرة شر، و
عار عليهم أن ينتمي لهم.
احترقت اوداجه غضبا، فهجرهم و ابتعد يبحث عن وسيلة للانتقام، فوجد في طريقه رجلا أشد منه جمالا ووسامة، تحيطه هالة من نور أحمر جعلته يفتح فمه مأخوذا بالمنظر، فقال له الغريب بدون مقدمات
" ألا أخبرك عن وسيلة للتخلص ممن لا يقدر الجمال و البهاء"
فرح الرجل و انشرح صدره، يقترب من الغريب و يحثه " أنا اسمعك، اسرع و أخبرني ما عندك".
ابتسم الغريب يقترب منه، يضع في كفه جوهرة زمردية اللون، ينبعث منها إشعاع خافت يخطف القلوب " ادفنها عند مدخل القرية، و ستصبح عليها سيدا "، ثم اختفى كأنه سراب حلم ومضى...
عاد الرجل إلى حكيم القرية بابتسامة منتصرة يخبره" أعد لي قوتي التي كانت، و إلا الإذلال عليكم مني سيحل"
ابتسم الحكيم في وجهه بهدوء يجيبه هو الآخر " و من كذب و أخبرك أني من انتزعتها ، فقوة الصلاح حرة أبية، لا ترضى لنفسها المكوث في جسد بضعته فاسدة".
إزداد اتقاد غضب الشاب الوسيم، و بجهرة ردد بتهديد " لئن لم تنتهِ و تنفذَن أمري لأجعلن أرضك تحت أقدامي خاضعة".
همهم الحكيم يوليه ظهره مغادرا وهو يقول " أرضنا أرض الصمود، و الخضوع لا هو من شيمنا و لا هو يرضينا، فانتهِ انت قبل أن يلعنك تهورك إلى الأبد".
غرور الرجل لم يسعفه لأن يستشف التحذير من كلام الحكيم و زاده غضبه ضلالة، فأخذ الجوهرة كما دله الغريب و دفنها عند مدخل القرية..
عقله كان ينسج الكثير من الصور التي ستكون عليها حياته، لكنه أبدا لم يتوقع ما حدث بعد ذلك....
إذ جسده بدأ يتشنج و صراخه بالألم تردد صداه، فاجتمعت موجة كبيرة من الطاقة الهادرة من أرجائه و توجهت مباشرة نحوه، ولم يدري إلا وهي تخترق جسده في لمح البصر.
توقف الألم فجأة ، و أضاءت عروقه بالقوة، يشعر أنه فوق السحاب، قادر على سحق كل من سيعترض طريقه، لكن....
فرحته تلاشت عندما بدأ جسده يتوهج أكثر، من تم تفتت خلاياه و تفكك جسده و تختفي ضحكته التي أضحت صراخا.
فصار سديما كثيفا متناثرا في الأجواء...
وخلال أسبوع صار يحيط بالقرية كالدرع من كل ناحية...
فبدأ السكان يفقدون قدراتهم في الاستعانة بعناصر الطبيعة ، و بعد مدة انتشر خبر موت الحكيم، فانتشر معه الحزن و الأسى بين السكان، كأن لعنة ما حلت عليهم. "
توقفت جوليا عن السرد مع توقف يدها عن العبث في شعر مَيان التي قالت" و ماذا حدث لهم بعد ذلك؟ "
تتهدت الجدة بأسى تكمل
" أتى الغريب بجُندِه و أتباعه ، وحاصروا القرية بمن فيها، نهبوا خيراتها و قتلوا ما تبقى من المقاومين منها... مستغلين تراجع قواهم السابقة..
ومنذ ذلك الحين و تلك البقعة محاصرة، و سكانها رغم توالي اجيالهم و اتساع أرضهم شيئا فشيئا، إلا أنهم لم يستطيعوا التخلص من مصابهم أو تجديد قدراتهم على التحكم بقواهم....
و السديم ازداد كثافة ووهجا، فارتفع عن الأرض يشكل حلقة مفرغة تطفوا فوق القرية و تضيئُها بالزمردي المشع "
توقفت مجددا عن السرد، فرفعت مَيان جسدها تعدل من مكان خصلاتها لتقول" يبدو أن القصة انتهت "
ابتسمت الجدة تركز بعينيها البنيتين عليها تجيبها" القصص لا تنتهي مع انتهاء السرد، بل هي مستمرة متعايشة مع الزمان و المكان، يظل القلب لها مشتاقا يتمرغ في الوله ليعيش داخلها أو على الأقل يسمع التكملة بانتظام"
هذه المرة صعب على مَيان أن تقرأ ما بين السطور، فقطبت حاجبيها بعدم رضى، تشعر بتشويش رهيب حول قصد جوليا،. و بالتأكيد حتى لو سألتها مباشرة لن تجيبها أو تدلها على طرف الخيط...
" أظن العبرة قد تغلغلت داخلك، و معناها سترينه في يوم من الأيام، لذا ركزي جيدا و تذكري الأحداث، فكل شيء مقدر و مكتوب"
تنهدت مَيان مجددا ، تعليق الجدة الأخير أخبرها أنها مهما حاولت لن تفهم، لذا استقامت من على الأرض تعدل ثيابها التي تجعدت، ثم تقول " حسنا، سأتركك الآن، لابد لي أن أذهب "
أطلقت الجدة قهقهة بسيطة تعلق" لا تغضبي ولا تتغضن ملامحك... روحك في تعبيرك تظهر النفور وهي تناجي القرب "
" لا أفهمك جدتي، لم أستطع فهم كلامك اليوم، هل تخفين عني شيئا؟" لم تحتمل السكوت أكثر، فانفجرت بأسئلتها عندما زاد الموقف غرابة و استعصى على عقلها تحليل المقصود من كل هذه التلميحات.
" الإخفاء ليس بيد المخلوق بقدر ما هو بيد من هو أقوى، القدر جميل جدا فاستمتعي به، و رغبة قلبك الدفينة ستنفجر يوما فتذكري كلامي... لا تستبسطي الأمور أبدا، فخطورة الأمر تكمن في استبساطنا له ، فيخرج عن سيطرتنا لأن غرورنا بالوصول للهدف أعمانا، فكما نكيد يكيدون، و القوي بدون ذكاء دائما يخسر... فاحذري.. "
أغمضت عينيها لتضيف وهي تصرفها بحركة من كفها " اذهبي واستمتعي... فما نعلم إن هو القدر أتى بخير أو شر حتى نجرب... وإن لم نكن داخل الدوامة لن نبحث عن الحل... ".
عقدت مَيان حاجبيها تنطق بوداع خافت لتغادر المنزل بسرعة، هذه أول مرة يحدث هكذا موقف، لم تفهم أغلب كلام الجدة، بل استغربت كمية الجمل التي قالتها بدون أن تفسر لها كعادتها عندما لا تفهم نادرا فيما سبق..
فتحت باب السيارة تجلس جوار أخيها الذي أتى لاصطحابها إلى المنزل، ثم أغلقت عينيها تستند بظهرها على المقعد، وتفكيرها يجتر كل الكلام الذي نطقت به الجدة...
تحاول ما استطاعت تفكيك شيفراته، لكنها لم تستطع...
فاستسلمت أخيرا تتنهد و تترك المجال للوقت كما قالت جوليا، فهو الكفيل بتحقيق العبر...
******
للعِبَر مكان... و مكانها بين السطور متموضع.. ثابر يا إنسان وحاول... فالحياة لا تحتاج طاقة كبيرة.. يكفيك تشمير ساعد.. وبسمة على الثغر... وتفاؤل بالغد الأفضل.. و يقين بالله الكريم... مفاتيح بسيطة.. فحاول استخدامها..
فاطم
اسم الموضوع : نسائم واعظة
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء
