-
- إنضم
- 11 مارس 2023
-
- المشاركات
- 722
-
- مستوى التفاعل
- 261
- مجموع اﻻوسمة
- 1
وَجْهَا العدالة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعتذر منكم مسبقا على الإطالة في الموضوع أسفله، ولكن أحببت مشاركة هذه المشاهد البسيطة معكم... فخذوا نفسا عميقا.. ولندخل في تفاصيل.. وجْهَيْ العدالة..
**************
١فتحت عاليا باب منزل صديقتها ليقابلها وجه طلال الراكد، فترفع حاجبها بتساؤل تتساءل بانفعال مكتوم" صباح الخير... ما سر الزيارة السعيدة ".
اكتست ملامح طلال بالبرود يتقمص دور عمله على أكمل وجه منحيا مشاعره كصديق بعيدا، فيقول برسمية بحتة " آنسة عاليا التهامي.. هناك أمر قضائي بإلقاء القبض عليك بتهمة الإعتداء على ممتلكات خاصة و التسبب بأذى لموظف داخل مكان عمله".
أغمضت عاليا عينيها بعنف تشعر بتشنج رهيب في عضلات جسدها... بينما لسان حالها يكرر كلمتين لا ثالث لهما بكل الغيظ المختزن في قلبها منذ سنوات عديدة " تبا للشرطة! ".
رفعت عينيها الشرستين نحوه تسأله" أي ملكيات خاصة؟ ما هذا الإتهام الفارغ؟ ".
أجابها طلال بنفس الجمود و في عينيه نظرة لم تحبها أبدا.. كأنها خيبة أمل... خذلان!.
" ستعلمين بكل التفاصيل في قسم الشرطة.. يجب أن تذهبي معنا".
نظرت عاليا نحو الداخل بحاحبين معقودين... فتعود بنظراتها مجددا نحو الخارج عندما اقترب منهما سائق صديقتها بسرعة يسأل بعدائية " ماذا تريد أيها السيد؟".
أغمضت عاليا عينيها تزم شفتيها غضبا بينما استدار طلال نحو السائق يرفع شارة الشرطة أمام وجهه قائلا" الشرطة ".
تسمر السائق-وليد- مكانه ينظر بعينين متسعتين نحو عاليا التي ابتسمت بتشنج تقول بضحكات مشوهة فخرجت كصَوت عالي دون روح " طلال يحب أن يكون رسميا كثيرا... نحن أصدقاء يا وليد لا تخف..".
رفع طلال حاجبه نحو عاليا بنظرة ذات معنى، فعضت على شفتيها بحقد تتوعده الإنتقام...
"عد مكانك وليد، أنا سأذهب حالا و آستر ستظل بالبيت.. لا تقلق".
هذه المرة وليد هو من رفع حاجبه نحو الأعلى باستغراب من كلماتها الغير مترابطة... لكنه هز رأسه موافقا على أي حال فيعود نحو مكانه يجلس فيه و عينيه ما تزال تحمل نظرة الشك...
التفتت عاليا نحو طلال الذي مازال محتفظا بنظراته المخذولة و حاجبه المرفوع فتهمس بقوة وعينين تقدحان شررا "ابقى هنا قليلا حتى أجلب محفظتي و انبه صديقتي أني سأغيب.."
تنهد طلال قائلا بنفاذ صبر " هذا ليس قانونيا.. يجب أن تأتي معي الآن..".
اقتربت منه عاليا بقوة وقد تفجر غضبها فتهمس من بين أسنانها غيظا " اسمعني جيدا.. أنا أعلم منك في موضوع القانون و ما يجوز و ما لا يجوز.. ستنتظرني هنا حتى أجلب حقيبتي وأنبه صديقتي.. وبعدها سنرى حلا لهذا الموضوع التافه "..
ثم استدارت بنفس العنف تدخل نحو الداخل بينما رأسها ينفجر بصراخ مهول (هذا ليس موضوعا تافها يا مجنونة.. أنت في ورطة..)
خطت نحو المطبخ تقترب من آستر المبتسمة بارتباك، فتقول" آستر حبيبتي.. أنا آسفة جدا لكن لدي أمر طارئ لا يحتمل التأجيل و يجب أن أذهب على الفور ".
الارتباك المرسوم على وجهها سرعان ما تحول شيئا فشيئا إلى ملامح متغضنة تهمس بخفوت" هل كل شيء على ما يرام؟ ".
ترققت عينا عاليا تجيبها بنفس نبرتها تطمئنها " بكل تأكيد.. هو فقط لا يحتمل التأجيل.. و سأعود إليك ما إن أنتهي.. حسنا؟ ".
صمتت آستر قليلا قبل أن تومئ على مضض هامسة " إن شاء الله.. هيا اذهبي..".
وضعت عاليا قبلة على جبين آستر ثم اتجهت بسرعة نحو حقيبتها تحمل هاتفها تتصل بالـ.... أخذت نفسا عميقا ثم ضغطت رقم الأحمق ديلان... و لسوء حظها.. لا يجيب!..
تنهدت بغضب تكتب رسالة نصية بالإنجليزية لعدم فهمه لحروف اللغة العربية ( كنت دوما أنتظر اليوم الذي سأقتلك فيه. ويبدو ان هذا اليوم قد أتى... هناك مشكلة أيها الغبي، أين اختفيت فجأة؟ ).
اكتفت بهذه الكلمات مقتنعة ان ذاك الـ... أخذت نفسا عميقا مجددا.. تتمنى حقا ان يتحقق توقعها و يفهم ديلان المعنى من الرسالة..
ثم خرجت إلى طلال...
رفض طلال طلبها بعدم تقييدها بالأصفاد... فالقانون قانون مهما كان وهي ليست مستثناة خصوصا بتهمتها تلك.. فتنهدت عاليا تشتم تطفل الشرطة كالعادة.. مستلمة للقيد على رسغيها..
طول الطريق تلتزم الصمت مكتفية بالنظر نحو طلال كلما رمقها بإحدى نظراته الدرامية المخذولة كأنها قتلت أحد والديه..
وصلت قسم الشرطة أخيرا فتم إدخالها مباشرة نحو غرفة التحقيق... و المحقق... هو طلال!.
في نفس الغرفة وعلى نفس الطاولة... يجلس طلال مقابلا لعاليا التي تحاول السيطرة على انفعالها...
هذه المرة فعلا ستقتل ديلان دون رفة جفن، لقد اعتمدت عليه بشكل كلي في التحكم بكاميرات المراقبة أو على الأقل تفادي مكان انتشارها لكنه فشل فشلا ذريعا سيودي بها نحو عواقب وخيمة..
استهل طلال حديثه قائلا " هل يمكنك أن تخبريني أين كنت أمس ما بين الثانية عشر ظهرا و الثانية زوالا؟ ...".
رفعت عاليا نظرها نحو أرجاء الغرفة الخافتة الإضاءة، نظرت نحو النافذة الزجاجية الكبيرة والتي بكل تأكيد هناك مستمعين خلفها، ثم الكاميرا المثبتة فوق رأسها تترصد ملامحها و انفعالاتها...
رفعت حاجبا تبتسم في وجه طلال معلقة بسخرية" لا أصدق هذا... تتعامل معي الآن كمجرمة دولية".
أشارت نحو الكاميرا تتساءل بدهشة " هل حقا نحن تحت التسجيل؟".
نظر طلال للحظات نحو الكاميرا ثم عاد يجيبها بهدوء " لا... نحن لا نسجل أيا كان.. لا تقلقي".
هدأت سخريتها للحظات قبل أن تعود بروح أكبر متصنعة الألم" هل أصبحت أيا كان! ... خسارة فيك سنين الصداقة يا رجل".
أخذ طلال نفسا عميقا يعيد نفس السؤال مجددا" أين كنت أمس ما بين الساعة الثانية عشر ظهرا و الثانية زوالا؟ ..".
وضعت خدها على كفها تناظره بنظرات متمللة " كنت أجوب الطرقات و الشوارع انتهاء عند شاطئ البحر...".
نظر نحوها طلال بقوة يقول بهدوء شديد" عاليا.. هناك تهمة خطيرة ملتصقة بك.. خذي كلامي على محمل الجد لكي أستطيع مساعدتك.. تصرفك هذا سيزيد الوضع سوءا.. ".
كتفت ذراعيها عند صدرها تبادله النظرات فتسأله " هل لديكم دليل واحد عن صحة الاتهام... ".
كانت تعلم أنه بكل تأكيد لديه الدليل.. لكن ماذا بوسعها أن تفعل غير تضييع الوقت قليلا حتى تفكر بحل مناسب..
أومأ طلال برأسه يقترب بجذعه أكثر من الطاولة التي تفصله عنها" أجل... هناك تسجيلات كاميرات المراقبة التي تدينك.. منذ خروجك من السيارة في المرآب وحتى دخولك إلى غرفة المراقبة الأمنية... ماذا كنت تفعلين في الغرفة؟ ... مالذي فعلته هناك؟ ..".
ركنت للصمت المطبق تغلق كل تفاعل من ملامحها.. إلى أن قالت أخيرا " لن أقول شيئا... حتى حضور المحامي.. ".
زفر طلال بغيض يصرخ" أنت تورطين نفسك... لماذا ذهبت إلى هناك، هل تظنين نفسك ذكية لدرجة التسلل دون أن تنكشفي... ماذا تريدين من شركة****".
عادت عاليا تلتزم الصمت تراقب غضبه بهدوء و ركود...
مرت بضع لحظات من تبادل النظرات إلى أن قال" لديك ساعة واحدة ستظلين فيها هنا.... إلى أن يأتي المحامي خاصتك.. ".
" أريد هاتفا... كيف سيأتي المحامي و انا لم أكلمه... "
نظر نحوها طلال بشك كان يساوره منذ مدة طويلة جدا... هذه الفتاة دائما خلفها أسرار غامضة،المعلومات عنها ضئيلة جدا... لا عمل، لا حالة اجتماعية، لا أصدقاء، و لا حتى نشاطات مسجلة... كل ما هو معروف عنها هو اسم عائلتها التي تعود إليها بين كل فترة و أخرى...
" هل تحتاجين هاتفي أم.." ترك سؤاله معلقا ينتظر منها أن تفهم... فابتسمت في وجهه بلباقة مغيظة " إذا لم يكن لديك مانع أريد استعمال هاتفي...".
عض طلال على شفته السفلى من الداخل يمد لها يده كإشارة " تفضلي".
أخرجت هاتفها تطلب رقم ديلان مجددا... تدعو حقا هذه المرة أن يجيبها... لا تجد منفذا للخروج من هنا غير الهروب... وهي لا تريد الهروب و كسب عائق جديد تحت اسم طلال.. لأنه حقا يشبه الشوكة في الخاصرة! ..
تنهدت براحة عندما أجابها ديلان بصوت مكتوم متحفز " ماذا تعني رسالتك؟".
زمت شفتيها و أرغمت نفسها على الإبتسام تتحدث بالإنجليزية " حسابي معك عظيم يا صديق على هذه الورطة الجميلة... تصرف حالا ، أنا في قسم الشرطة و السبب هو استهتارك بموضوع الكاميرات".
تحفزت ملامح طلال ما أن بدأت تتكلم بلغة مختلفة فاستدار حول الطاولة يقترب منها هاتفا " مع من تتحدثين؟ ".
حاول جذب هاتفها إلا أنها واجهته بنظرات مصممة تسأله " ماذا يسمى هذا الفرع؟ ".
توجس طلال أكثر يمد يده لسحب الهاتف إلا أنها ابتعدت عن مرمى يده تسأله مجددا " ما اسم هذا الفرع أيها المحقق؟".
من خلال جملتها علم أنها ازاحت العلاقات الشخصية جانبا كما سبق و فعل هو بالبداية...
عندما لقنها اسم الفرع أعادت قوله لديلان الذي انقبضت ملامحه غضبا، فيهدر عبر الهاتف " سأصلح غلطتي أعدك... الأمر بسيط لا تقلقي..".
فكرت بينها وبين نفسها الغاضبة (يجب ان يكون الأمر بسيطا و إلا سنموت معا يا غبي).
بعد أن فصلت الخط داهمها طلال يسحب منها هاتفها يواجه نظراتها المشتعلة " هذا سيبقى معي... حتى يأتي هذا المحامي المزعوم..".
أخذت نفسا عميقا غير محسوس تعود لابتسامتها المتسلية و التي تستفزه جدا.. ترفع يديها أمام صدرها باستسلام تقول "خذه... لكن إياك أن تحاول فتح هاتف فتاة... سيكون عيبا بحقك".
*******
تسند رأسها على ذراعيها الموضوعين على الطاولة... تنتظر منذ وقت طويل... يفوق الساعة التي حددها طلال...
وحيدة في غرفة التحقيق الغريبة... متقابلة مع المرآة الزجاجية... و التي خلفها يجلس طلال يراقب هدوءها المريب....
منذ ما يقارب الساعتين وهو يجلس مكانه ينتظر منها أن ترتبك أو أن تتوتر أو حتى تبدي خوفا يسيرا... إلا أنها خالفت كل توقعاته بملامحها المتمللة و هدوء لغة جسدها...
استدار بسرعة نحو الباب الذي فتح عليه فجأة فيطل منه الملازم... اتسعت عينا طلال يقف بسرعة معطيا تحية الإحترام فتقدم منه بسرعة يقول " سيدي... منذ فترة طويلة لم تزر الفرع هنا..".
كانت ملامح الملازم مكفهرة تنبئ عن غضب أهوج... " مالذي تفعله تلك الفتاة داخل غرفة التحقيق؟".
قطب طلال حاحبيه بشك من معرفته بوجودها أساسا، يجيبه " هي متهمة في قضية....".
إلا أن الملازم قاطعه صارخا " هل تعلم من تكون تلك الفتاة أيها الأحمق... هل تريد أن تنهي حياتك المهنية بيدك... اذهب حالا و أخرجها من هنا... هيا".
تصلب طلال يدافع بقوة عن موقفه" لدينا دليل قاطع أنها قد تسللت إلى..".
قاطعه الملازم مجددا بصوت أعلى" أي دليل تتكلم عنه أيها الأبله... الأوامر قد أتت و يجب تنفيذها.. تلك الفتاة يجب أن تخرج من هنا حالا... و الدلائل التي تتكلم عنها لا وجود لها... ".
ارتد رأس طلال إلى الخلف يقول بتردد يشير إلى أحد الضباط " اي أوامر؟.. و الدلائل موجودة على الحاسوب هناك....".
كز الملازم على أسنانه يقترب خطوة من طلال فيُخرج كلماته المطحونة من بين ضروسه" كلامي واضح وضوح الشمس... أخرج الفتاة من هنا حالا، لا قضية ولا دلائل.. أفهمت؟ .... عملنا لا يجب أن يتداخل مع عملها و إلا ستجني على نفسك بما لا يحمد عقباه... هيا نفذ أيا المحقق ".
ثم ألقى عليه نظرة قوية شاملة مؤكدة أنه لا يمزح أبدا، فهتف مجددا عندما ظل طلال صامتا" هل كلامي مفهوم؟ ".
رفع طلال كفه بسرعة نحو رأسه بتحية عسكرية يهتف" حاضر سيدي ".
فأومأ له الملازم باستحسان ثم غادر..
استند على المكتب المجاور بكفه يعود بعينيه نحو تلك الجالسة بهدوء تام... يتصاعد الشك داخله أكثر و أكثر... ما هو عملها؟، و من يقف خلفها ليجعل من الملازم يكاد يرتجف هلعا هكذا؟...
الأسئلة تتعاظم داخله و الإجابات منفية لا سبيل لها... ماذا سيفعل؟..
رفعت رأسها ببطء عندما وجدت باب الغرفة ينفتح فيطل منه طلال الغامض الملامح...
زفرت تقلب عينيها بملل تقول " يبدو أنك أصبحت تحب التواجد معي بنفس المكان".
جلس أمامها إلى الطاولة ينظر نحوها بعمق نظرات غريبة، فبادلته بأخرى قوية رغم توجسها..
" ما هو عملك عاليا؟..".
رفعت حاحبها تعلق " هذا يبدو سؤالا عشاوائيا جدا".
تنهد طلال يضيف " بطاقة هويتك لا تعطي شيئا، و لا تؤكد معلومة عنك غير اسم عائلتك فقط و مكان ازديادك...".
لم تجبه بشيء، فأكمل هذه المرة بملامح مخلوطة بمشاعر مختلفة و الواضح منها الخوف عليها من شيء مبهم " هل تحتاجين للمساعدة؟، هل أنت متورطة مع عصابة أو أشخاص خطرين...".
اتسعت عيناها للحظات... تستوعب أين سافر تفكيره بهذه السرعة ليختلق قصة كهذه.. فانفجرت ضاحكة من قلبها تحت نظراته التي عاد يكتسيها الغموض من جديد بسبب رد فعلها..
هدأت ضحكتها أخيرا، فتجيبه ببسمة رائقة" و لماذا خمنت فجأة أنني أنتمي لعالم الإجرام؟... ".
" الملازم أتى... و أصدر قرارا بإخراجك من هنا".
صمتت بعد جملته تلك، فتتأوه بإدراك " آآآه... إذن هذا هو السبب.."
ضحكت قليلا ثم نظرت نحوه بقوة ممزوجة ببريق عينيها السوداوين " لا تقلق... طريقي متداخل مع ذاك العالم... لكن يدي لم تتسخ به... حتى الآن ".
اقترب منها طلال بفضول يركز على عينيها" ما المفترض من هذا أن يعني".
اقتربت بدورها منه تكتسي ملامح وجهها بالجديدة المطلقة فتهمس كأنها تسره سرا خطيرا " هذا يعني.... أنني يجب أن أخرج الآن ".
ثم نهضت من مكانها تحت نظراته الحاقدة تمد يدها قائلة" هاتفي لو سمحت".
أخرجه من جيب سرواله يضعه في يدها، فغمزت بعينها لتلوح له بكفها ثم اتجهت نحو الباب تخرج منه..
بينما طلال تقبضت يداه بعنف يستشعر شيئا خاطئا... بل هو متأكد من وجود خطأ في الموضوع... لماذا سيغطون الحقيقة و يرفضون دعوى الشركة ضد عاليا؟
حقا سيجن!.
*****
كان يزرع الأرض ذهابا و إيابا، ينتظر أن تظهر عاليا أو أن تتصل به ليتأكد أنها خرجت من هناك... ضرب الهواء بيده يصدر صوتا مكتوما " تبا.. تبا... لقد فشلت، كان علي الحذر أكثر.. تبا لي".
سمع طرقا على الباب فأسرع يفتحه بلهفة... إلا أن وجه عاليا البارد الملامح جعله يبلع ريقه بتوجس...
سمح لها بالدخول قبله، ثم أغلق الباب يستدير نحو... قدره!.
وجدها تنظر نحوه بعينين مشتعلتين و قدمها تطرق الأرض بقلة صبر، فتهتف من بين أسنانها" إشرح لي مالذي حدث".
ابتسم ابتسامة صفراء يعلم جيدا انها لن تثنيها عن رغبتها الظاهرة بطحنه... يقول بهدوء " كل الخطة تدمرت عندما فشلت في اختراق نظام الحماية الخاص بالشركة... لذلك تم استغلال تسجيلات كاميرات المراقبة في تعقبك لأنك كنت واضحة فيها..".
كتفت ذراعيها عند صدرها ترمقه بنفس النظرات المركبة تسأله مجددا بهدوء " لماذا لم تتأكد من موقع كاميرات المراقبة قبل ذلك؟".
أجابها على الفور يدافع عن نفسه " التصميم الذي أرسلوه لي كان كافيا أن أثق به، لم أكن أتوقع انه سيكون قديما أو تم التعديل عليه ".
أخذت نفسا عميقا ثم تساءلت مجددا " كيف تم الإفراج عني دون مساءلة و الدليل كان بيدهم..".
تلجلج قليلا يهرب منه الكلام، فقال بعد مدة و عينيها الشرستين تربكانه" لم أفعل شيئا... فقط... ".
ابتسمت ابتسامة عصبية تستنتج بسرعة" لا تقل أنك قدمت بلاغا للمقر و هم من تدخلوا لإخراجي من هناك...".
" آاااا... نعم... تقريبا ".
أخذت نفسا عميقا.. عميقا جدا، يتفجر شيء مؤلم في صدرها يحث غدد الأدرينالين في جسمها على الإستثارة و فرزه كي تعلم هذا المجنون درسا لن ينساه..... لكنها تناست الفكرة الجميلة و عادت لهدوئها الظاهري ترفع سبابتها في وجهه، فعاجلها بسرعة يسترسل بلغته العربية التي كُسرت حروفها تحت وطأة لسانه الملتوي بلغته الأم " أعلم ماذا ستقولين... لذا لا داعي للتجريح... هذه الغلطة لن تتكرر و انتهى الأمر.."
زمت عاليا شفتيها لبعض الوقت قبل أن تجيب "أنا أستسلم... سأذهب الآن إلى المنزل لآخذ قسطا من الراحة...أشعر أنني كنت داخل دوامة مرهقة... ".
اومأ لها ديلان يعلق أيضا متفكها متناسيا موقفه المعتذر قبل قليل " وجهك شاحب و هناك دوائر سوداء تحت عينيك... تبدين مريعة".
أخذت نفسا عميقا ثم ردت عليه من بين أسنانها بغيظ" روح الدعم المعنوي لديك عالية جدا... ولباقتك مع الأنثى تكاد تغرقني.. ".
ابتسم في وجهها ابتسامة سمجة يشير نحو الباب قائلا بلغته الأم " اذهبي عاليا ... أنت تهذين الآن.. اذهبي و اتركيني لعملي.. ".
*********
أتمنى أن تكون المشاهد نالت إعجابكم... و للإشارة هي منقولة من إحدى رواياتي..
كل الود
فاطم
**************
١فتحت عاليا باب منزل صديقتها ليقابلها وجه طلال الراكد، فترفع حاجبها بتساؤل تتساءل بانفعال مكتوم" صباح الخير... ما سر الزيارة السعيدة ".
اكتست ملامح طلال بالبرود يتقمص دور عمله على أكمل وجه منحيا مشاعره كصديق بعيدا، فيقول برسمية بحتة " آنسة عاليا التهامي.. هناك أمر قضائي بإلقاء القبض عليك بتهمة الإعتداء على ممتلكات خاصة و التسبب بأذى لموظف داخل مكان عمله".
أغمضت عاليا عينيها بعنف تشعر بتشنج رهيب في عضلات جسدها... بينما لسان حالها يكرر كلمتين لا ثالث لهما بكل الغيظ المختزن في قلبها منذ سنوات عديدة " تبا للشرطة! ".
رفعت عينيها الشرستين نحوه تسأله" أي ملكيات خاصة؟ ما هذا الإتهام الفارغ؟ ".
أجابها طلال بنفس الجمود و في عينيه نظرة لم تحبها أبدا.. كأنها خيبة أمل... خذلان!.
" ستعلمين بكل التفاصيل في قسم الشرطة.. يجب أن تذهبي معنا".
نظرت عاليا نحو الداخل بحاحبين معقودين... فتعود بنظراتها مجددا نحو الخارج عندما اقترب منهما سائق صديقتها بسرعة يسأل بعدائية " ماذا تريد أيها السيد؟".
أغمضت عاليا عينيها تزم شفتيها غضبا بينما استدار طلال نحو السائق يرفع شارة الشرطة أمام وجهه قائلا" الشرطة ".
تسمر السائق-وليد- مكانه ينظر بعينين متسعتين نحو عاليا التي ابتسمت بتشنج تقول بضحكات مشوهة فخرجت كصَوت عالي دون روح " طلال يحب أن يكون رسميا كثيرا... نحن أصدقاء يا وليد لا تخف..".
رفع طلال حاجبه نحو عاليا بنظرة ذات معنى، فعضت على شفتيها بحقد تتوعده الإنتقام...
"عد مكانك وليد، أنا سأذهب حالا و آستر ستظل بالبيت.. لا تقلق".
هذه المرة وليد هو من رفع حاجبه نحو الأعلى باستغراب من كلماتها الغير مترابطة... لكنه هز رأسه موافقا على أي حال فيعود نحو مكانه يجلس فيه و عينيه ما تزال تحمل نظرة الشك...
التفتت عاليا نحو طلال الذي مازال محتفظا بنظراته المخذولة و حاجبه المرفوع فتهمس بقوة وعينين تقدحان شررا "ابقى هنا قليلا حتى أجلب محفظتي و انبه صديقتي أني سأغيب.."
تنهد طلال قائلا بنفاذ صبر " هذا ليس قانونيا.. يجب أن تأتي معي الآن..".
اقتربت منه عاليا بقوة وقد تفجر غضبها فتهمس من بين أسنانها غيظا " اسمعني جيدا.. أنا أعلم منك في موضوع القانون و ما يجوز و ما لا يجوز.. ستنتظرني هنا حتى أجلب حقيبتي وأنبه صديقتي.. وبعدها سنرى حلا لهذا الموضوع التافه "..
ثم استدارت بنفس العنف تدخل نحو الداخل بينما رأسها ينفجر بصراخ مهول (هذا ليس موضوعا تافها يا مجنونة.. أنت في ورطة..)
خطت نحو المطبخ تقترب من آستر المبتسمة بارتباك، فتقول" آستر حبيبتي.. أنا آسفة جدا لكن لدي أمر طارئ لا يحتمل التأجيل و يجب أن أذهب على الفور ".
الارتباك المرسوم على وجهها سرعان ما تحول شيئا فشيئا إلى ملامح متغضنة تهمس بخفوت" هل كل شيء على ما يرام؟ ".
ترققت عينا عاليا تجيبها بنفس نبرتها تطمئنها " بكل تأكيد.. هو فقط لا يحتمل التأجيل.. و سأعود إليك ما إن أنتهي.. حسنا؟ ".
صمتت آستر قليلا قبل أن تومئ على مضض هامسة " إن شاء الله.. هيا اذهبي..".
وضعت عاليا قبلة على جبين آستر ثم اتجهت بسرعة نحو حقيبتها تحمل هاتفها تتصل بالـ.... أخذت نفسا عميقا ثم ضغطت رقم الأحمق ديلان... و لسوء حظها.. لا يجيب!..
تنهدت بغضب تكتب رسالة نصية بالإنجليزية لعدم فهمه لحروف اللغة العربية ( كنت دوما أنتظر اليوم الذي سأقتلك فيه. ويبدو ان هذا اليوم قد أتى... هناك مشكلة أيها الغبي، أين اختفيت فجأة؟ ).
اكتفت بهذه الكلمات مقتنعة ان ذاك الـ... أخذت نفسا عميقا مجددا.. تتمنى حقا ان يتحقق توقعها و يفهم ديلان المعنى من الرسالة..
ثم خرجت إلى طلال...
رفض طلال طلبها بعدم تقييدها بالأصفاد... فالقانون قانون مهما كان وهي ليست مستثناة خصوصا بتهمتها تلك.. فتنهدت عاليا تشتم تطفل الشرطة كالعادة.. مستلمة للقيد على رسغيها..
طول الطريق تلتزم الصمت مكتفية بالنظر نحو طلال كلما رمقها بإحدى نظراته الدرامية المخذولة كأنها قتلت أحد والديه..
وصلت قسم الشرطة أخيرا فتم إدخالها مباشرة نحو غرفة التحقيق... و المحقق... هو طلال!.
في نفس الغرفة وعلى نفس الطاولة... يجلس طلال مقابلا لعاليا التي تحاول السيطرة على انفعالها...
هذه المرة فعلا ستقتل ديلان دون رفة جفن، لقد اعتمدت عليه بشكل كلي في التحكم بكاميرات المراقبة أو على الأقل تفادي مكان انتشارها لكنه فشل فشلا ذريعا سيودي بها نحو عواقب وخيمة..
استهل طلال حديثه قائلا " هل يمكنك أن تخبريني أين كنت أمس ما بين الثانية عشر ظهرا و الثانية زوالا؟ ...".
رفعت عاليا نظرها نحو أرجاء الغرفة الخافتة الإضاءة، نظرت نحو النافذة الزجاجية الكبيرة والتي بكل تأكيد هناك مستمعين خلفها، ثم الكاميرا المثبتة فوق رأسها تترصد ملامحها و انفعالاتها...
رفعت حاجبا تبتسم في وجه طلال معلقة بسخرية" لا أصدق هذا... تتعامل معي الآن كمجرمة دولية".
أشارت نحو الكاميرا تتساءل بدهشة " هل حقا نحن تحت التسجيل؟".
نظر طلال للحظات نحو الكاميرا ثم عاد يجيبها بهدوء " لا... نحن لا نسجل أيا كان.. لا تقلقي".
هدأت سخريتها للحظات قبل أن تعود بروح أكبر متصنعة الألم" هل أصبحت أيا كان! ... خسارة فيك سنين الصداقة يا رجل".
أخذ طلال نفسا عميقا يعيد نفس السؤال مجددا" أين كنت أمس ما بين الساعة الثانية عشر ظهرا و الثانية زوالا؟ ..".
وضعت خدها على كفها تناظره بنظرات متمللة " كنت أجوب الطرقات و الشوارع انتهاء عند شاطئ البحر...".
نظر نحوها طلال بقوة يقول بهدوء شديد" عاليا.. هناك تهمة خطيرة ملتصقة بك.. خذي كلامي على محمل الجد لكي أستطيع مساعدتك.. تصرفك هذا سيزيد الوضع سوءا.. ".
كتفت ذراعيها عند صدرها تبادله النظرات فتسأله " هل لديكم دليل واحد عن صحة الاتهام... ".
كانت تعلم أنه بكل تأكيد لديه الدليل.. لكن ماذا بوسعها أن تفعل غير تضييع الوقت قليلا حتى تفكر بحل مناسب..
أومأ طلال برأسه يقترب بجذعه أكثر من الطاولة التي تفصله عنها" أجل... هناك تسجيلات كاميرات المراقبة التي تدينك.. منذ خروجك من السيارة في المرآب وحتى دخولك إلى غرفة المراقبة الأمنية... ماذا كنت تفعلين في الغرفة؟ ... مالذي فعلته هناك؟ ..".
ركنت للصمت المطبق تغلق كل تفاعل من ملامحها.. إلى أن قالت أخيرا " لن أقول شيئا... حتى حضور المحامي.. ".
زفر طلال بغيض يصرخ" أنت تورطين نفسك... لماذا ذهبت إلى هناك، هل تظنين نفسك ذكية لدرجة التسلل دون أن تنكشفي... ماذا تريدين من شركة****".
عادت عاليا تلتزم الصمت تراقب غضبه بهدوء و ركود...
مرت بضع لحظات من تبادل النظرات إلى أن قال" لديك ساعة واحدة ستظلين فيها هنا.... إلى أن يأتي المحامي خاصتك.. ".
" أريد هاتفا... كيف سيأتي المحامي و انا لم أكلمه... "
نظر نحوها طلال بشك كان يساوره منذ مدة طويلة جدا... هذه الفتاة دائما خلفها أسرار غامضة،المعلومات عنها ضئيلة جدا... لا عمل، لا حالة اجتماعية، لا أصدقاء، و لا حتى نشاطات مسجلة... كل ما هو معروف عنها هو اسم عائلتها التي تعود إليها بين كل فترة و أخرى...
" هل تحتاجين هاتفي أم.." ترك سؤاله معلقا ينتظر منها أن تفهم... فابتسمت في وجهه بلباقة مغيظة " إذا لم يكن لديك مانع أريد استعمال هاتفي...".
عض طلال على شفته السفلى من الداخل يمد لها يده كإشارة " تفضلي".
أخرجت هاتفها تطلب رقم ديلان مجددا... تدعو حقا هذه المرة أن يجيبها... لا تجد منفذا للخروج من هنا غير الهروب... وهي لا تريد الهروب و كسب عائق جديد تحت اسم طلال.. لأنه حقا يشبه الشوكة في الخاصرة! ..
تنهدت براحة عندما أجابها ديلان بصوت مكتوم متحفز " ماذا تعني رسالتك؟".
زمت شفتيها و أرغمت نفسها على الإبتسام تتحدث بالإنجليزية " حسابي معك عظيم يا صديق على هذه الورطة الجميلة... تصرف حالا ، أنا في قسم الشرطة و السبب هو استهتارك بموضوع الكاميرات".
تحفزت ملامح طلال ما أن بدأت تتكلم بلغة مختلفة فاستدار حول الطاولة يقترب منها هاتفا " مع من تتحدثين؟ ".
حاول جذب هاتفها إلا أنها واجهته بنظرات مصممة تسأله " ماذا يسمى هذا الفرع؟ ".
توجس طلال أكثر يمد يده لسحب الهاتف إلا أنها ابتعدت عن مرمى يده تسأله مجددا " ما اسم هذا الفرع أيها المحقق؟".
من خلال جملتها علم أنها ازاحت العلاقات الشخصية جانبا كما سبق و فعل هو بالبداية...
عندما لقنها اسم الفرع أعادت قوله لديلان الذي انقبضت ملامحه غضبا، فيهدر عبر الهاتف " سأصلح غلطتي أعدك... الأمر بسيط لا تقلقي..".
فكرت بينها وبين نفسها الغاضبة (يجب ان يكون الأمر بسيطا و إلا سنموت معا يا غبي).
بعد أن فصلت الخط داهمها طلال يسحب منها هاتفها يواجه نظراتها المشتعلة " هذا سيبقى معي... حتى يأتي هذا المحامي المزعوم..".
أخذت نفسا عميقا غير محسوس تعود لابتسامتها المتسلية و التي تستفزه جدا.. ترفع يديها أمام صدرها باستسلام تقول "خذه... لكن إياك أن تحاول فتح هاتف فتاة... سيكون عيبا بحقك".
*******
تسند رأسها على ذراعيها الموضوعين على الطاولة... تنتظر منذ وقت طويل... يفوق الساعة التي حددها طلال...
وحيدة في غرفة التحقيق الغريبة... متقابلة مع المرآة الزجاجية... و التي خلفها يجلس طلال يراقب هدوءها المريب....
منذ ما يقارب الساعتين وهو يجلس مكانه ينتظر منها أن ترتبك أو أن تتوتر أو حتى تبدي خوفا يسيرا... إلا أنها خالفت كل توقعاته بملامحها المتمللة و هدوء لغة جسدها...
استدار بسرعة نحو الباب الذي فتح عليه فجأة فيطل منه الملازم... اتسعت عينا طلال يقف بسرعة معطيا تحية الإحترام فتقدم منه بسرعة يقول " سيدي... منذ فترة طويلة لم تزر الفرع هنا..".
كانت ملامح الملازم مكفهرة تنبئ عن غضب أهوج... " مالذي تفعله تلك الفتاة داخل غرفة التحقيق؟".
قطب طلال حاحبيه بشك من معرفته بوجودها أساسا، يجيبه " هي متهمة في قضية....".
إلا أن الملازم قاطعه صارخا " هل تعلم من تكون تلك الفتاة أيها الأحمق... هل تريد أن تنهي حياتك المهنية بيدك... اذهب حالا و أخرجها من هنا... هيا".
تصلب طلال يدافع بقوة عن موقفه" لدينا دليل قاطع أنها قد تسللت إلى..".
قاطعه الملازم مجددا بصوت أعلى" أي دليل تتكلم عنه أيها الأبله... الأوامر قد أتت و يجب تنفيذها.. تلك الفتاة يجب أن تخرج من هنا حالا... و الدلائل التي تتكلم عنها لا وجود لها... ".
ارتد رأس طلال إلى الخلف يقول بتردد يشير إلى أحد الضباط " اي أوامر؟.. و الدلائل موجودة على الحاسوب هناك....".
كز الملازم على أسنانه يقترب خطوة من طلال فيُخرج كلماته المطحونة من بين ضروسه" كلامي واضح وضوح الشمس... أخرج الفتاة من هنا حالا، لا قضية ولا دلائل.. أفهمت؟ .... عملنا لا يجب أن يتداخل مع عملها و إلا ستجني على نفسك بما لا يحمد عقباه... هيا نفذ أيا المحقق ".
ثم ألقى عليه نظرة قوية شاملة مؤكدة أنه لا يمزح أبدا، فهتف مجددا عندما ظل طلال صامتا" هل كلامي مفهوم؟ ".
رفع طلال كفه بسرعة نحو رأسه بتحية عسكرية يهتف" حاضر سيدي ".
فأومأ له الملازم باستحسان ثم غادر..
استند على المكتب المجاور بكفه يعود بعينيه نحو تلك الجالسة بهدوء تام... يتصاعد الشك داخله أكثر و أكثر... ما هو عملها؟، و من يقف خلفها ليجعل من الملازم يكاد يرتجف هلعا هكذا؟...
الأسئلة تتعاظم داخله و الإجابات منفية لا سبيل لها... ماذا سيفعل؟..
رفعت رأسها ببطء عندما وجدت باب الغرفة ينفتح فيطل منه طلال الغامض الملامح...
زفرت تقلب عينيها بملل تقول " يبدو أنك أصبحت تحب التواجد معي بنفس المكان".
جلس أمامها إلى الطاولة ينظر نحوها بعمق نظرات غريبة، فبادلته بأخرى قوية رغم توجسها..
" ما هو عملك عاليا؟..".
رفعت حاحبها تعلق " هذا يبدو سؤالا عشاوائيا جدا".
تنهد طلال يضيف " بطاقة هويتك لا تعطي شيئا، و لا تؤكد معلومة عنك غير اسم عائلتك فقط و مكان ازديادك...".
لم تجبه بشيء، فأكمل هذه المرة بملامح مخلوطة بمشاعر مختلفة و الواضح منها الخوف عليها من شيء مبهم " هل تحتاجين للمساعدة؟، هل أنت متورطة مع عصابة أو أشخاص خطرين...".
اتسعت عيناها للحظات... تستوعب أين سافر تفكيره بهذه السرعة ليختلق قصة كهذه.. فانفجرت ضاحكة من قلبها تحت نظراته التي عاد يكتسيها الغموض من جديد بسبب رد فعلها..
هدأت ضحكتها أخيرا، فتجيبه ببسمة رائقة" و لماذا خمنت فجأة أنني أنتمي لعالم الإجرام؟... ".
" الملازم أتى... و أصدر قرارا بإخراجك من هنا".
صمتت بعد جملته تلك، فتتأوه بإدراك " آآآه... إذن هذا هو السبب.."
ضحكت قليلا ثم نظرت نحوه بقوة ممزوجة ببريق عينيها السوداوين " لا تقلق... طريقي متداخل مع ذاك العالم... لكن يدي لم تتسخ به... حتى الآن ".
اقترب منها طلال بفضول يركز على عينيها" ما المفترض من هذا أن يعني".
اقتربت بدورها منه تكتسي ملامح وجهها بالجديدة المطلقة فتهمس كأنها تسره سرا خطيرا " هذا يعني.... أنني يجب أن أخرج الآن ".
ثم نهضت من مكانها تحت نظراته الحاقدة تمد يدها قائلة" هاتفي لو سمحت".
أخرجه من جيب سرواله يضعه في يدها، فغمزت بعينها لتلوح له بكفها ثم اتجهت نحو الباب تخرج منه..
بينما طلال تقبضت يداه بعنف يستشعر شيئا خاطئا... بل هو متأكد من وجود خطأ في الموضوع... لماذا سيغطون الحقيقة و يرفضون دعوى الشركة ضد عاليا؟
حقا سيجن!.
*****
كان يزرع الأرض ذهابا و إيابا، ينتظر أن تظهر عاليا أو أن تتصل به ليتأكد أنها خرجت من هناك... ضرب الهواء بيده يصدر صوتا مكتوما " تبا.. تبا... لقد فشلت، كان علي الحذر أكثر.. تبا لي".
سمع طرقا على الباب فأسرع يفتحه بلهفة... إلا أن وجه عاليا البارد الملامح جعله يبلع ريقه بتوجس...
سمح لها بالدخول قبله، ثم أغلق الباب يستدير نحو... قدره!.
وجدها تنظر نحوه بعينين مشتعلتين و قدمها تطرق الأرض بقلة صبر، فتهتف من بين أسنانها" إشرح لي مالذي حدث".
ابتسم ابتسامة صفراء يعلم جيدا انها لن تثنيها عن رغبتها الظاهرة بطحنه... يقول بهدوء " كل الخطة تدمرت عندما فشلت في اختراق نظام الحماية الخاص بالشركة... لذلك تم استغلال تسجيلات كاميرات المراقبة في تعقبك لأنك كنت واضحة فيها..".
كتفت ذراعيها عند صدرها ترمقه بنفس النظرات المركبة تسأله مجددا بهدوء " لماذا لم تتأكد من موقع كاميرات المراقبة قبل ذلك؟".
أجابها على الفور يدافع عن نفسه " التصميم الذي أرسلوه لي كان كافيا أن أثق به، لم أكن أتوقع انه سيكون قديما أو تم التعديل عليه ".
أخذت نفسا عميقا ثم تساءلت مجددا " كيف تم الإفراج عني دون مساءلة و الدليل كان بيدهم..".
تلجلج قليلا يهرب منه الكلام، فقال بعد مدة و عينيها الشرستين تربكانه" لم أفعل شيئا... فقط... ".
ابتسمت ابتسامة عصبية تستنتج بسرعة" لا تقل أنك قدمت بلاغا للمقر و هم من تدخلوا لإخراجي من هناك...".
" آاااا... نعم... تقريبا ".
أخذت نفسا عميقا.. عميقا جدا، يتفجر شيء مؤلم في صدرها يحث غدد الأدرينالين في جسمها على الإستثارة و فرزه كي تعلم هذا المجنون درسا لن ينساه..... لكنها تناست الفكرة الجميلة و عادت لهدوئها الظاهري ترفع سبابتها في وجهه، فعاجلها بسرعة يسترسل بلغته العربية التي كُسرت حروفها تحت وطأة لسانه الملتوي بلغته الأم " أعلم ماذا ستقولين... لذا لا داعي للتجريح... هذه الغلطة لن تتكرر و انتهى الأمر.."
زمت عاليا شفتيها لبعض الوقت قبل أن تجيب "أنا أستسلم... سأذهب الآن إلى المنزل لآخذ قسطا من الراحة...أشعر أنني كنت داخل دوامة مرهقة... ".
اومأ لها ديلان يعلق أيضا متفكها متناسيا موقفه المعتذر قبل قليل " وجهك شاحب و هناك دوائر سوداء تحت عينيك... تبدين مريعة".
أخذت نفسا عميقا ثم ردت عليه من بين أسنانها بغيظ" روح الدعم المعنوي لديك عالية جدا... ولباقتك مع الأنثى تكاد تغرقني.. ".
ابتسم في وجهها ابتسامة سمجة يشير نحو الباب قائلا بلغته الأم " اذهبي عاليا ... أنت تهذين الآن.. اذهبي و اتركيني لعملي.. ".
*********
أتمنى أن تكون المشاهد نالت إعجابكم... و للإشارة هي منقولة من إحدى رواياتي..
كل الود
فاطم
اسم الموضوع : وَجْهَا العدالة
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء