تواصل معنا

تفسير ابن كثير @@@@@@@@@@ ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر : 1] تفسير سورة الكوثر و هي مدنية ، و قيل : مكية . قال الإمام...

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,350
مستوى التفاعل
10,147
مجموع اﻻوسمة
10
سورة الكوثر. تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير
@@@@@@@@@@

( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر : 1]

تفسير سورة الكوثر و هي مدنية ، و قيل : مكية .

قال الإمام أحمد :
حدثنا محمد بن فضيل ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك قال :
أغفى رسول الله صلى الله عليه و سلم إغفاءة ، فرفع رأسه مبتسما ، إما قال لهم و إما قالوا له : لم ضحكت ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إنه أنزلت علي آنفا سورة " .
فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم: ( إنا أعطيناك الكوثر ) حتى ختمها ، قال : " هل تدرون ما الكوثر ؟ ".
قالوا : الله و رسوله أعلم .
قال : " هو نهر أعطانيه ربي عز و جل في الجنة ، عليه خير كثير ، ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يختلج العبد منهم فأقول : يا رب ، إنه من أمتي .
فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " .

هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي ، و هذا السياق .

و قد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء عن نهر الكوثر ، و أن عليه آنية عدد نجوم السماء . و قد روى هذا الحديث مسلم و أبو داود و النسائي من طريق محمد بن فضيل و علي بن مسهر ، كلاهما عن المختار بن فلفل ، عن أنس .
و لفظ مسلم قال :
" بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما ، قلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟
قال : " أنزلت علي آنفا سورة " ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ثم قال : " أتدرون ما الكوثر ؟ "
قلنا : الله و رسوله أعلم .
قال : " فإنه نهر وعدنيه ربي عز و جل ، عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي .
فيقول : إنك لا تدري ما أحدث بعدك " .

وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية ، وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة ، وأنها منزلة معها .

فأما قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة .
وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى ، عن أنس فقال : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الآية ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر يجري ، و لم يشق شقا ، و إذا حافتاه قباب اللؤلؤ ، فضربت بيدي في تربته ، فإذا مسكه ذفرة ، و إذا حصاه اللؤلؤ "

و قال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " دخلت الجنة فإذا أنا بنهر ، حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر . قلت : ما هذا يا جبريل ؟
قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز و جل " .

و رواه البخاري في صحيحه ، و مسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : لما عرج بالنبي صلى الله عليه و سلم إلى السماء قال : " أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟
قال : هذا الكوثر " . وهذا لفظ البخاري رحمه الله .

و قال ابن جرير : حدثنا الربيع ، أخبرنا ابن وهب ، عن سليمان بن هلال ، عن شريك بن أبي نمر ، قال : سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه و سلم ، مضى به جبريل في السماء الدنيا ، فإذا هو بنهر عليه قصر من لؤلؤ و زبرجد ، فذهب يشم ترابه ، فإذا هو مسك . قال : " يا جبريل ، ما هذا النهر ؟
قال : هو الكوثر الذي خبأ لك ربك " .

وقد تقدم [ في ] حديث الإسراء في سورة " سبحان " ، من طريق شريك ، عن أنس [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ] وهو مخرج في الصحيحين .

وقال سعيد ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر ، حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف ، فقال الملك الذي معه : أتدري ما هذا ؟
هذا الكوثر الذي أعطاك الله .
و ضرب بيده إلى أرضه ، فأخرج من طينه المسك " وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمر وهمام وغيرهم ، عن قتادة به .

وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن أبي سريج ، حدثنا أبو أيوب العباسي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثني محمد بن عبد الله ، ابن أخي ابن شهاب ، عن أبيه ، عن أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكوثر ، فقال : " هو نهر أعطانيه الله في الجنة ، ترابه مسك ، [ ماؤه ] أبيض من اللبن ، و أحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر " . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها " .

وقال أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عبد الوهاب ، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما الكوثر ؟
قال : " نهر في الجنة أعطانيه ربي ، لهو أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر " . قال عمر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها يا عمر " .

رواه ابن جرير ، من حديث الزهري ، عن أخيه عبد الله ، عن أنس : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكوثر ، فذكر مثله سواء .

وقال البخاري : حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ، عن عائشة قال : سألتها عن قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قالت : نهر [ عظيم ] أعطيه نبيكم صلى الله عليه و سلم ، شاطئاه عليه در مجوف ، آنيته كعدد النجوم .

ثم قال البخاري : رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف ، عن أبي إسحاق .

ورواه أحمد والنسائي من طريق مطرف به .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة عن عائشة قالت : الكوثر نهر في الجنة ، شاطئاه در مجوف . وقال إسرائيل : نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء .

وحدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية عن شقيق - أو مسروق - قال : قلت لعائشة : يا أم المؤمنين ، حدثيني عن الكوثر . قالت : نهر في بطنان الجنة .
قلت : وما بطنان الجنة ؟
قالت : وسطها ، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ، ترابه المسك ، وحصاؤه اللؤلؤ والياقوت .

وحدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر الرازي ، عن ابن أبي نجيح عن عائشة قالت : من أحب أن يسمع خرير الكوثر ، فليجعل أصبعيه في أذنيه .

وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة وفي بعض الروايات : " عن رجل ، عنها " . ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك ، لا أنه يسمعه نفسه ، والله أعلم .

قال السهيلي : ورواه الدارقطني مرفوعا ، من طريق مالك بن مغول ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ثم قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ؟
فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه .

ورواه أيضا من حديث هشيم ، عن أبي بشر وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير .

[ وقال الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير ] .

وهذا التفسير يعم النهر وغيره ; لأن الكوثر من الكثرة ، وهو الخير الكثير ، ومن ذلك النهر ، كما قال ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومحارب بن دثار ، والحسن بن أبي الحسن البصري . حتى قال مجاهد : هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة .

وقال عكرمة : هو النبوة والقرآن ، وثواب الآخرة .

وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا ، فقال ابن جرير :

حدثنا أبو كريب ، حدثنا عمر بن عبيد ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل .

وروى العوفي ، عن ابن عباس نحو ذلك .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر أنه قال : الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الدر والياقوت ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل .

وكذا رواه الترمذي ، عن ابن حميد ، عن جرير ، عن عطاء بن السائب به مثله موقوفا . وقد روي مرفوعا فقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن حفص ، حدثنا ورقاء قال . . . وقال عطاء [ بن السائب ] ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، والماء يجري على اللؤلؤ ، وماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل " .

وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير ، من طريق محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب به مرفوعا ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت : حدثنا عن ابن عباس أنه قال : هو الخير الكثير . فقال : صدق والله إنه للخير الكثير . ولكن حدثنا ابن عمر قال : لما نزلت : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، يجري على الدر والياقوت " .

وقال ابن جرير : حدثني ابن البرقي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني حرام بن عثمان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أسامة بن زيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده ، فسأل امرأته عنه - وكانت من بني النجار - فقالت : خرج يا نبي الله آنفا عامدا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار ، أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدمت إليه حيسا ، فأكل منه ، فقالت : يا رسول الله ، هنيئا لك ومريئا ، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك ; أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر . فقال : " أجل ، وعرضه - يعني أرضه - ياقوت ومرجان ، وزبرجد ولؤلؤ " .

حرام بن عثمان ضعيف . ولكن هذا سياق حسن ، وقد صح أصل هذا ، بل قد تواتر من طريق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث ، وكذلك أحاديث الحوض [ ولنذكرها هاهنا ] .

وهكذا روي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة . وقال عطاء : هو حوض في الجنة .

🌺🌺 بقية التفسير في الردود
 

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,350
مستوى التفاعل
10,147
مجموع اﻻوسمة
10
سورة الكوثر. تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا)[النصر : 2]

و روى ابن جرير ، عن محمد بن حميد ، عن مهران ، عن الثوري ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، فذكر مثل هذه القصة ، أو نحوها .

و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " نعيت إلي نفسي " . . بأنه مقبوض في تلك السنة . تفرد به أحمد .

و روى العوفي ، عن ابن عباس ، مثله . وهكذا قال مجاهد و أبو العالية و الضحاك و غير واحد : إنها أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم نعي إليه .

و قال ابن جرير : حدثني إسماعيل بن موسى ، حدثنا الحسين بن عيسى الحنفي ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي حازم ، عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم في المدينة إذ قال : " الله أكبر ، الله أكبر! جاء نصر الله والفتح ، جاء أهل اليمن " .
قيل : يا رسول الله ، و ما أهل اليمن ؟
قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، و الفقه يمان ، و الحكمة يمانية "

ثم رواه عن ابن عبد الأعلى ، عن ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرمة مرسلا .

و قال الطبراني : حدثنا زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت :
( إذا جاء نصر الله والفتح ) حتى ختم السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه حين نزلت ، قال : فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك : " جاء الفتح ونصر الله ، و جاء أهل اليمن " . فقال رجل :
يا رسول الله ، و ما أهل اليمن ؟
قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، و الفقه يمان " .

و قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) علم النبي صلى الله عليه و سلم أنه قد نعيت إليه نفسه ، فقيل : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) السورة كلها .

حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين : أن عمر سأل ابن عباس عن هذه الآية : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قال : لما نزلت نعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه

و قال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي ، حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن عون ، عن أبي العميس ، عن أبي بكر بن أبي الجهم ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : آخر سورة نزلت من القرآن جميعا : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) .

و قال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري الطائي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : لما نزلت هذه السورة : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قرأها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ختمها ، فقال : " الناس حيز ، وأنا وأصحابي حيز " .
و قال : " لا هجرة بعد الفتح ، و لكن جهاد و نية " .
فقال له مروان : كذبت - و عنده رافع بن خديج و زيد بن ثابت ، قاعدان معه على السرير - فقال أبو سعيد : لو شاء هذان لحدثاك ، و لكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه ، و هذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة . فرفع مروان عليه الدرة ليضربه ، فلما رأيا ذلك قالا : صدق .

تفرد به أحمد ، و هذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر ، فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم الفتح : " لا هجرة ، و لكن جهاد و نية ، و لكن إذا استنفرتم فانفروا " . أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما .

فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين ، من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن و الحصون أن نحمد الله و نشكره و نسبحه ، يعني نصلي و نستغفره - معنى مليح صحيح ، و قد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات ، فقال قائلون : هي صلاة الضحى . و أجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها ، فكيف صلاها ذلك اليوم و قد كان مسافرا لم ينو الإقامة بمكة ؟
و لهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبا من تسعة عشر يوما يقصر الصلاة و يفطر هو و جميع الجيش ، و كانوا نحوا من عشرة آلاف . قال هؤلاء : و إنما كانت صلاة الفتح ، قالوا : فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات . و هكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن ، ثم قال بعضهم : يصليها كلها بتسليمة واحدة . و الصحيح أنه يسلم من كل ركعتين ، كما ورد في سنن أبي داود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين .
و أما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله عنهما ، من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه الكريمة ، و اعلم أنك إذا فتحت مكة - و هي قريتك التي أخرجتك - و دخل الناس في دين الله أفواجا ، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا ، فتهيأ للقدوم علينا و الوفود إلينا ، فالآخرة خير لك من الدنيا ، و لسوف يعطيك ربك فترضى.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,350
مستوى التفاعل
10,147
مجموع اﻻوسمة
10
سورة الكوثر. تفسير ابن كثير
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@@

( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ غڑ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)[النصر : 3]

و لهذا قال : ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) .

قال النسائي : أخبرنا عمرو بن منصور ، حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) إلى آخر السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه حين أنزلت ، فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة ، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك : " جاء الفتح ، و جاء نصر الله ، و جاء أهل اليمن " .
فقال رجل : يا رسول الله ، و ما أهل اليمن ؟ قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، و الحكمة يمانية ، و الفقه يمان " .

و قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول في ركوعه و سجوده : " سبحانك اللهم ربنا و بحمدك ، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن .

و أخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث منصور به .

و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر في آخر أمره من قول : " سبحان الله و بحمده ، أستغفر الله و أتوب إليه " .
و قال : " إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي ، و أمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده و أستغفره ، إنه كان توابا ، فقد رأيتها : ( إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا )

و رواه مسلم من طريق داود - وهو ابن أبي هند - به .

و قال ابن جرير : حدثنا أبو السائب ، حدثنا حفص ، حدثنا عاصم ، عن الشعبي عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر أمره لا يقوم و لا يقعد ، و لا يذهب و لا يجيء ، إلا قال : " سبحان الله و بحمده " . فقلت : يا رسول الله ، إنك تكثر من سبحان الله و بحمده ، لا تذهب و لا تجيء ، و لا تقوم و لا تقعد إلا قلت : سبحان الله و بحمده ؟
قال : " إني أمرت بها " ، فقال :( إذا جاء نصر الله و الفتح ) إلى آخر السورة .

غريب ، و قد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه و ألفاظه في جزء مفرد ، فيكتب هاهنا .

و قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) كان يكثر إذا قرأها - و ركع - أن يقول : " سبحانك اللهم ربنا و بحمدك ، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم " ثلاثا .

تفرد به أحمد .
و رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن عمرو بن مرة ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق به .

و المراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولا واحدا ، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي . فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا ، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا ، و لم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ، و لله الحمد والمنة .
و قد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال : لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : دعوه و قومه ، فإن ظهر عليهم فهو نبي . الحديث وقد حررنا غزوة الفتح في كتابنا : السيرة ، فمن أراد فليراجعه هناك ، ولله الحمد والمنة .

و قال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق ، عن الأوزاعي ، حدثني أبو عمار ، حدثني جار لجابر بن عبد الله قال : قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله فسلم علي ، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس و ما أحدثوا ، فجعل جابر يبكي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، و سيخرجون منه أفواجا " .

[ آخر تفسير سورة " إذا جاء نصر الله والفتح " و لله الحمد و المنة ] .
 
Comment

سمارة

💎نجمة الغابة الساطعة ومشرفة القسم العام
الاشراف
إنضم
8 مارس 2023
المشاركات
29,659
مستوى التفاعل
21,772
مجموع اﻻوسمة
17
سورة الكوثر. تفسير ابن كثير
جزاك الله كل الخير استاذ جاروط
جعله الله في ميزان حسناتكم
 
Comment

كاسيوبيا

غــجــريـة الــمــجــرة❥
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
57,045
مستوى التفاعل
63,127
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
24
سورة الكوثر. تفسير ابن كثير
~

جزيت الجنان ورضي الرحمن
ودخلت الجنة بغير حساب
عمي جاروط @جاروط 🌹🌹
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,350
مستوى التفاعل
10,147
مجموع اﻻوسمة
10
سورة الكوثر. تفسير ابن كثير
جزاك الله كل الخير استاذ جاروط
جعله الله في ميزان حسناتكم
و إياكم يارب 😍
🌹🌹🌹🌹🌹
ودي و احترامي
أسعدك الله و حفظك ♥
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,350
مستوى التفاعل
10,147
مجموع اﻻوسمة
10
سورة الكوثر. تفسير ابن كثير
~

جزيت الجنان ورضي الرحمن
ودخلت الجنة بغير حساب
عمي جاروط @جاروط 🌹🌹

و إياكم يارب 😍
🌺🌺🌺🌺🌺
أكرمك الله و حفظك ♥
 
Comment

sitemap      sitemap

أعلى