تواصل معنا

في صباح يوم 13 يوليو من عام 1956 نشرت صحيفة الأهرام المصرية خبراً عابراً يقول : قتل العقيد مصطفى حافظ نتيجة ارتطام سيارته بلغم في قطاع غزة، وقد تم نقل...

LioN KinG

ملك الغابة
المدير العام
إنضم
5 مايو 2021
المشاركات
5,119
مستوى التفاعل
6,214
الإقامة
الكويت
مجموع اﻻوسمة
7
العقيد مصطفي حافظ

في صباح يوم 13 يوليو من عام 1956 نشرت صحيفة الأهرام المصرية خبراً عابراً يقول : قتل العقيد مصطفى حافظ نتيجة ارتطام سيارته بلغم في قطاع غزة، وقد تم نقل جثمانه إلى العريش ومن هناك نقل جوا إلى القاهرة على الفور، ولم ينس الخبر أن يذكر أنه كان ضابطا مصريا من أبطال حرب فلسطين وقاتل من أجل تحريرها .. لكنه تجاهل تماما أنه كان أول رجل يزرع الرعب في قلب اسرائيل.

فمن هو مصطفى حافظ ؟؟

مصطفى حافظ رجل مصري من مدينة الإسكندرية التي يحمل أحد ميادينها أسمه الآن، كما كان له نصبا تذكاريا في غزة تبارى الإسرائيليون في تحطيمه عندما احتلوها بعد هزيمة يونيو 1967.

كان (مصطفى حافظ) مسؤولاً عن تدريب الفدائيين وإرسالهم داخل إسرائيل ، كما أنه كان مسؤولاً عن تجنيد العملاء لمعرفة ما يجري بين صفوف العدو ووراء خطوطه، فقد كان (مصطفى حافظ) باعتراف الإسرائيليين من أفضل العقول المصرية، وهو ما جعله يحظى بثقة الرئيس جمال عبد الناصر فمنحه أكثر من رتبة استثنائية حتى أصبح عميدا وعمره لا يزيد على 34 عاما ، كما أنه اصبح الرجل القوي في غزة التي كانت تابعة للإدارة المصرية بعد تقسيم فلسطين في عام 1947.

وبرغم السنوات الطويلة التي قضاها مصطفى حافظ في محاربة الإسرائيليين إلا أنه لم يستطع رجل واحد في كافة أجهزة المخابرات الإسرائيلية أن يلتقط له صورة من قريب أو من بعيد ، لكن برغم ذلك سجل الإسرائيليون في تحقيقاتهم مع الفدائيين الذين قبضوا عليهم أنه رجل لطيف يثير الاهتمام والاحترام ، ومخيف في مظهره وشخصيته.

وكانت هناك روايات أسطورية عن هروبه الجريء من معتقل أسرى إسرائيلي أثناء حرب 1948، وقد عين في منصبه في عام 1949 وكانت مهمته إدارة كافة عمليات التجسس داخل إسرائيل والاستخبارات المضادة داخل قطاع غزة والإشراف على السكان الفلسطينيين، وفي عام 1955 أصبح مسئولا عن كتيبة الفدائيين في مواجهة الوحدة رقم 101 التي شكلها في تلك الأيام إريل شارون للإغارة على القرى الفلسطينية والانتقام من عمليات الفدائيين ورفع معنويات السكان والجنود الإسرائيليين، وقد فشل شارون فشلا ذريعا في النيل منه ومن رجاله ، وهو ما جعل مسئولية التخلص منه تنتقل إلى المخابرات الإسرائيلية بكافة فروعها وتخصصاتها السرية والعسكرية.

كان هناك خمسة رجال هم عتاة المخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت عليهم التخلص من مصطفى حافظ على رأسهم الضابط (ر) الذي كون شبكة التجسس في مصر المعروفة بفضيحة "لافون" والتي قبض عليها في عام 1954 وكانت السبب المباشر وراء الإسراع بتكوين جهاز المخابرات العامة في مصر.

و إلى جانب (ر) كان هناك ضابط مخابرات إسرائيلي ثان يسمى "أبو نيسان" وأضيف لهما "أبو سليم" و"اساف" و"أهارون" وهم رغم هذه الأسماء الحركية من أكثر ضباط الموساد خبرة بالعرب وبطباعهم وعاداتهم وردود أفعالهم السياسية والنفسية.

ويعترف هؤلاء الضباط الخمسة بأنهم كانوا يعانون من توبيخ رئيس الوزراء في ذلك الوقت ديفيد بن جوريون أول رئيس حكومة في إسرائيل و أحد الآباء المؤسسين لها ، وكانت قيادة الأركان التي وضعت تحت سيطرة موشى ديان أشهر وزراء الدفاع في إسرائيل فيما بعد في حالة من التوتر الشديد.

وكان من السهل على حد قول ضباط المخابرات الخمسة التحدث إلى يهوه (الله باللغة العبرية) في السماء عن التحدث مع موشى ديان خاصة عندما يكون الحديث عن براعة مصطفى حافظ في تنفيذ عملياته داخل إسرائيل ورجوع رجاله سالمين إلى غزة وقد خلفوا وراءهم فزعا ورعبا ورغبة متزايدة في الهجرة منها.

وكان الحل الوحيد أمام الأجهزة الإسرائيلية هو التخلص من مصطفى حافظ مهما كان الثمن.

ووضعت الفكرة موضع التنفيذ ورصد للعملية مليون دولار، وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الزمن، فشبكة "لافون" مثلا لم تتكلف أكثر من 10 آلاف دولار، وعملية اغتيال المبعوث الدولي إلى فلسطين اللورد برنادوت في شوارع القدس لم تتكلف أكثر من 300 دولار.

كانت خطة الاغتيال هي تصفية مصطفى حافظ بعبوة ناسفة تصل إليه بصورة أو بأخرى، لقد استبعدوا طريقة إطلاق الرصاص عليه، واستبعدوا عملية كوماندوز تقليدية، فقد فشلت مثل هذه الطرق في حالات أخرى من قبل، وأصبح السؤال هو: كيف يمكن إرسال ذلك "الشيء" الذي سيقتله إليه ؟.

في البداية فكروا في إرسال طرد بريدي من غزة لكن هذه الفكرة أستبعدت على الفور ، إذ لم يكن من المعقول أن يرسل طرد بريدي من غزة إلى غزة، كما استبعدت أيضا فكرة إرسال سلة فواكه كهدية ،إذ ربما ذاقها شخص آخر قبل مصطفى حافظ.

وأخيرا وبعد استبعاد عدة أفكار أخرى بقيت فكرة واحدة واضحة هي: يجب أن يكون "الشئ" المرسل مثيرا جدا للفضول ومهما جدا لمصطفى حافظ في نفس الوقت كي يجعله يتعامل معه شخصيا، شئ يدخل ويصل إليه مخترقا طوق الحماية الصارمة الذي ينسجه حول نفسه.

وبدأت الخطة تتبلور نحو التنفيذ، إرسال ذلك "الشيء" عن طريق عميل مزدوج وهو عميل موجود بالفعل ويعمل مع الطرفين، انه رجل بدوي في الخامسة والعشرين من عمره يصفه أبو نيسان بأنه نموذج للخداع والمكر، كان هذا الرجل يدعى "طلالقة". لم يكن يعرف على حد قول ضابط الموساد أن مستخدميه من الإسرائيليين.

وبعد أن استقر الأمر على إرسال (الشيء) الذي سيقتل مصطفى حافظ بواسطة (طلالقة) بدأ التفكير في مضمون هذا الشيء، واستقر الرأي على أن يكون طردا بريديا يبدو وكأنه يحتوي على (شئ مهم) وهو في الحقيقة يحتوي على عبوة ناسفة.

لم يُرسل الطرد باسم مصطفى حافظ وإنما أرسل باسم شخصية سياسية معروفة في غزة وهو بالقطع ما سيثير (طلالقة) فيأخذه على الفور إلى مصطفى حافظ الذي لن يستطيع مقاومة فضوله في كشف ما فيه لمعرفة علاقة هذه الشخصية بالإسرائيليين، وفي هذه اللحظة يحدث ما يخطط له الإسرائيليون وينفجر الطرد في الهدف المحدد.

وتم اختيار قائد شرطة غزة (لطفي العكاوي) ليكون الشخصية المثيرة للفضول التي سيرسل الطرد باسمها، وحتى تحبك الخطة أكثر كان على الإسرائيليين أن يسربوا إلى (طلالقة) أن (لطفي العكاوي) يعمل معهم بواسطة جهاز اتصال يعمل بالشفرة، ولأسباب أمنية ستتغير الشفرة، أما الشفرة الجديدة فهي موجودة في الكتاب الموجود في الطرد المرسل إليه والذي سيحمله (طلالقة) بنفسه.

وأشرف على تجهيز الطرد الضابط (ج) عضو (الكيبوتس) في المنطقة الوسطى، وقد اكتسب شهرة كبيرة في أعداد الطرود المفخخه وكان ينتمي إلى منظمة إرهابية تسمى (إيستيل) كانت هي ومنظمة إرهابية أخرى اسمها (ليحي) تتخصصان في إرسال الطرود المفخخه إلى ضباط الجيش البريطاني أثناء احتلاله فلسطين لطردهم بعيدا عنها.

وأصبح الطرد جاهزا وقرار العملية مصدق عليه ولم يبق سوى التنفيذ، وتم نقل الطرد إلى القاعدة الجنوبية في بئر سبع وأصبح مسئولية رئيس القاعدة أبو نيسان الذي يقول: "طيلة اليوم عندما كنا جالسين مع (طلالقة) حاولنا إقناعه بأننا محتارون في أمره، قلنا له أن لدنيا مهمة بالغة الأهمية ، لكننا غير واثقين أو متأكدين من قدرته على القيام بها، وهكذا شعرنا بأن الرجل أصبح مُستفَزا ومُستثارا تماما، عندئذ قلنا له: حسنا رغم كل شئ قررنا تكليفك بهذه المهمة، اسمع يوجد رجل مهم جدا في قطاع غزة هو عميل لنا ، هاهو الكارت الشخصي الخاص به وها هو نصف جنيه مصري علامة الاطمئنان إلينا والى كل من نرسله إليه ، والنصف الآخر معه أما العبارة التي نتعامل بها معه فهي عبارة: (أخوك يسلم عليك)!.

ويتابع ضابط المخابرات الإسرائيلي : كنا نواجه مشكلة نفسية كيف نمنع طلالقة من فتح الطرد قبل أن يصل إلى الهدف ؟ وللتغلب على هذه المشكلة أرسلنا أحد الضباط إلى بئر سبع لشراء كتاب مشابه أعطاه لـ (طلالقة) قائلا: (هذا هو كتاب الشيفرة يحق لك تفقده ومشاهدته ، وبعد أن شاهده أخذه منه وخرج من الغرفة وعاد وبيده الكتاب الملغوم وسلمه له لكن (طلالقة) لعب اللعبة بكل برود على الرغم من بريق عينيه عندما تساءل: ولكن كيف ستعرفون أن الكتاب قد وصل؟ وكانت الإجابه: ستأتينا الرياح بالنبأ.

وفهم (طلالقة) من ذلك أنه عندما يبدأ (لطفي العكاوي) بالإرسال حسب الشيفرة الجديدة سيعرف الإسرائيليون أنه قد نفذ المهمة ، وعندما حل الظلام خرج أحد رجال المخابرات الإسرائيلية المسئولين عن العملية ومعه (طلالقة) وركب سيارة جيب ليوصله إلى أقرب نقطة على الحدود وهناك ودعه واختفى (طلالقة) في الظلام ، لكن كان هناك من يتبعه ويعرف انه يأخذ طريقه إلى غزة.

وفي رحلة عودته إلى غزة كان الشك يملأ صدر (طلالقة).. وراح يسأل نفسه : كيف يكون (العكاوي) أقرب المساعدين الى مصطفى حافظ عميلا إسرائيليا؟، وفكر في أن يذهب أولا الى (العكاوي) لتسليمه ما يحمل ، وبالفعل ذهب الى منزله فوجده قد تركه الى منزل جديد لا يعرف عنوانه واحتار ما الذي يفعل؟ ثم حزم أمره وتوجه الى منطقة الرمال في غزة حيث مقر مصطفى حافظ.

وحسب ما جاء في تقرير لجنة التحقيق المصرية التى تقصت وفاة مصطفى حافظ بأمر مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر فإنه في 11 يوليو عام 1956 في ساعات المساء الأخيرة جلس مصطفى حافظ على كرسي في حديقة قيادته في غزة وكان قد عاد قبل يومين فقط من القاهرة، كان يتحدث مع أحد رجاله والى جانبه الرائد فتحي محمود والضابط عمر الهريدي وفي نفس الوقت وصل اليهم (طلالقة) الذي سبق أن نفذ ست مهام مطلوبة منه في اسرائيل.

وقابله مصطفى حافظ وراح (طلالقة) يروى له ما عرفه عن (العكاوي)، وهو ما أزعج مصطفى حافظ الذي كان يدافع كثيرا عن (العكاوي) الذي أُتهم أكثر من مرة بالاتجار في الحشيش، لكن هذه المرة هناك تهمة أخرى ، ولديه الدليل على إدانته بما هو أصعب من الحشيش؛ التخابر مع إسرائيل.

وهنا قرر مصطفى حافظ أن يفتح الطرد ثم يغلقه من جديد ويرسله إلى (العكاوي).. أزال الغلاف دفعة واحدة عندئذ سقطت على الأرض قصاصة ورق ، فأنحنى لالتقاطها ، وفي هذه الثانية وقع الانفجار ودخل الرائد فتحي محمود مع جنود الحراسة ليجدوا ثلاثة أشخاص مصابين بجروح بالغة ونقلوا فورا إلى مستشفى تل الزهرة في غزة.

وفي تمام الساعة الخامسة صباح اليوم التالي أستشهد مصطفى حافظ متأثرا بجراحه، وبقى الرائد عمر الهريدي معاقا بقية حياته بينما فقد (طلالقة) بصره، وأعتقل (العكاوي) لكن لم يعثروا في بيته على ما يدينه.

وبرغم مرور هذه السنين مازال يصر الإسرائيليون على أنهم لم ينفذوا مثل هذه العملية أبدا، وبقيت أسرارها مكتومة هنا وهناك إلى أن كشفها الكاتب الإسرائيلي " يوسف أرجمان" مؤخرا في كتاب يحمل أسم "ثلاثون قضية استخبارية وأمنية في إسرائيل" ، كما وردت أيضا في كتاب "العمليات الكبرى في تاريخ الموساد الإسرائيلي للكاتب " ميخائيل بار .

بقى أن نعرف إن الإسرائيليين عندما احتلوا غزة بعد حرب يونيو وجدوا صورة مصطفى حافظ معلقة في البيوت والمقاهي والمحلات التجارية ، فكانوا يخلعونها من أماكنها ويرمونها على الأرض ويدوسون عليها بالأقدام، وكان الفلسطينيون يجمعونها ويلفونها في أكياس كأنها رفات توضع في كفن ويدفنونها تحت الأرض وهم يقرآون على روح صاحبها الفاتحة وكأنهم لا يدفنون صورة بل يدفنون كائناً حيا.

رحم الله الشهيد مصطفى حافظ ورحم الله كل شهدائنا الأبرار فهم رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه

FB_IMG_1715547317267.jpg
 

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,319
مستوى التفاعل
10,094
مجموع اﻻوسمة
10
العقيد مصطفي حافظ
عليه رحمة الله و رضوانه
 
Comment

الجوري

مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
50,093
مستوى التفاعل
23,589
مجموع اﻻوسمة
25
العقيد مصطفي حافظ
شكرا للنقل المميز
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى