على عتبات الليل، حين يصمتُ الضجيجُ، وتتلاشى أصوات النهار خلف ستائر الظلام، تبدأ الحكايات التي لا تُحكى، وتهمس الأرواح بما تعجز عنه الشفاه.
هناك، حيث يسكن السكون، وحيث ينحني الضوء احترامًا لعظمة العتمة، يطولُ الحديث بين القلب والقمر. الليل ليس ظلمةً كما يظنُّ العابرون، بل هو مدينة الأسرار، حيث تتجلّى المشاعر في أوضح صورها، بلا أقنعةٍ، بلا زيف.
على عتباته، تتسابق الذكريات، تطرق الأبواب القديمة، تبحث عن نبضةٍ نسيتها في صندوق الزمن. كم من حلمٍ تناثر بين نجومه، وكم من وعدٍ نام على وسائد الأمل. الليلُ شاهدٌ صامتٌ، لكنه يسمعُ كل شيء، يشهدُ على الأحزان التي لا تُقال، والدموع التي تأبى أن تُرى، والأمنيات التي تُلقى في البحر على هيئة همسات.
إنه المسرحُ الذي تُعرضُ عليه مشاهد القلب الخفيّة، حيث يرقص العاشقون بين ظلال الحنين، وتهيم الأرواح بحثًا عن ضوءٍ يُشبهها. الليل ليس وحشةً، بل حضنٌ لمن لم يجد في النهار متّسعًا للبكاء، وملاذٌ لمن أرهقته ضوضاء العالم.
وعلى عتبات الليل، لا أحد يضلُّ الطريق، فكل الطرق تؤدي إلى القلب.