تواصل معنا

طاولة الشمس تذمرت من تطفل النادل، الذي يقدم لي القهوة، في المقهى المجاور لمقر عملي، لم يكن متطفلًا بدرجة متقدمة، غير ذلك السؤال الغبي، نعم غب٧ي اعتبرته،...

أنيموس

نجوم المنتدي
إنضم
10 أكتوبر 2024
المشاركات
6
مستوى التفاعل
6
طاولة الشمس



طاولة الشمس

تذمرت من تطفل النادل، الذي يقدم لي القهوة، في المقهى المجاور لمقر عملي، لم يكن متطفلًا بدرجة متقدمة، غير ذلك السؤال الغبي، نعم غب٧ي اعتبرته، لأنه فضحني أمام نفسي، قد لا يكون بدرجة الفضيحة، لكن الأمر يشبه، ذلك الذي يخبرك بحقيقة شيء أنت تفعله، وتعتقد بداخل نفسك، أنك تفعل شيء آخر، هو نوع من الحيلة البلهاء، لكننا نقتنع بها كـ حيلة، نمررها على أنفسنا بسهولة. الحيل جزء مهم من حياتنا، متى ما تخلينا عنها، سنجد أنفسنا في مأزق الوضوح الذي غالبًا ما يكون مزعجًا في كثير من الأحيان.


كنت احتال على مدرسة الرياضيات في الثانوية، أحضر له امتحان شهر واحد، يكون في بداية السنة، أركز فيه بقوة وأجيب درجة متقدمة وبعدها لا أحضر بقية الامتحانات وأحضر له عذر أقنعه فيه، ويتكاسل عن عمل امتحان آخر لي بمفردي، لذلك يضع نفس علامة أول امتحان، بهكذا حيلة كنت أهرب من المذاكرة الشهرية المزعجة لمادة الرياضيات وأحصل على درجة متقدمة.


كان النادل فضوليًا أكتر من أن يكون متطفلًا، كان سؤاله يُشعرني بذلك الفضول، ربما هو يقع في نفس المأزق الذي أنا واقع فيه، ويحتاج أن أخبره بشيء، يمنحه الرضا عن نفسه وعجزها.


- سألني، ما الذي يمنعك من أن تقطع الشارع وتتحدث لها؟ قلت من؟
قال الفتاة التي تبيع في المكتبة في الشارع المقابل للمقهى، قلت وما الذي جعلك تعتقد أن جلوسي هنا من أجلها؟
قال إنك تطلب القهوة في وقت لا أحد يشربها فيه. قلت ربما المزاج، الأمزجة تختلف بين الناس، لذلك لا يمكن أن نحدد وقتًا واحدًا، يمكننا أن نجعله وقت المزاج العام، قهوة شاي أو أي شيء آخر.


هل أنت ذكي لهذه الدرجة يا سيد نادل، حتى تكتشف أني أجلس من أجل الفتاة التي تبيع في المكتبة المقابلة؟
قال لا، ولكنك أحمق بما فيه الكفاية ليعرف جميع المارة أنك تُطالع في تلك الفتاة، حتى هي تعرف، لكنها قد تكون مسرورة في داخلها من تصرفك هذا.


قلت وما هو تصرفي؟
قال إنك تجلس في الطاولة الوحيدة التي لن يجلس عليها أحد في فترة الظهيرة، لذلك تجدها دائمًا غير مشغولة، لأنها الطاولة الوحيدة التي تجتاحها الشمس، ولا أحد يملك مقدارًا بسيطًا من عقل، يرغب في الجلوس بها، إلا رجل خرج عن اتزانه، بسبب امرأة. ما يفصلك عنها شارع عرضه خمسة أمتار يمكنك أن تقطعه في سبع أو عشر خطوات، بحسب جرأتك.


قلت لا أملك سببًا أو حيلة تمكني من المرور عليها كل يوم للتحدث معها.
قال انتظرني، سأحضر هذا الطلب لزبون واعود لك، لنجد سببًا معقولًا، يمكنك من خلاله أن تحصل على حديث عابر كل يوم معها، لا تفكر في شراء كتاب، لأنك تحتاج فترة زمنية حتى تنهيه، سأعود .. فكر في شيء آخر غير شراء كتاب.


السيدات لديهن قدرة على الانتظار بشكل ممل، انهن لا يتقدمن خطوة، ولو صبرن مئة عام، برغم أنها مستعدة لكل شيء، وقادرات على تقبل كل شيء، لكن لا تنتظر منها، أن هي أول من يبادر ويخطو الخطوة الأول نحو الطريق، هي دائمًا تبقى في حالة انتظار، مستعدة لكل شيء وقد رتبت مراسم الاستقبال، فستانها، اختيار جزمتها، اكسسوارتها، كل شيء، حتى قد تكون جهزت لك وردة، ولو ذبلت مستعدة تشتري واحدة أخرى وثالثة ورابعة وعاشرة، لا يهم كل ذلك، لأنها في حالة ترقب وهي تنظر لك، تريد منك أن تخطو نحوها، بثقة الراغب في كل شيء فيها. السيدات كـ تركيبات كيميائية مختلفة، هن لا يتشبهن في كثير من الأمور، إلا شيء واحد، أنهن قادرات على الانتظار.


تزداد الطلبات على النادل، وفي كل مرّة يمر بجوار طاولتي ، يهمس انتظر، أنا أفكر من أجلك، سأجد لك الحل، لا أفهم لما هو شغل نفسه بي!.
أظنه كما قلت سابقًا، متعثر في التقدم نحو فتاته، يعتقد أن وجد حلًا مناسبًت لي ونجح، ربما يحاول أن يجربه، الآن فهمت، أنا بالنسبة له كـ فأر تجارب في المختبرات، إنها لعبته الآن، الشارع المكتبة، المقهى الأرصفة الحي، الناس المارة والجالسة ، الطاولات .. كل شيء، هذه الاشياء كلها ينظر لها النادل على أساس أنها مختبره، وفأر وحيد، هو أنا، هكذا هو القدر حين يلعنك، يجعلك كـ فأر بين يدي نادل، يطلب منك أن تنتظر حتى ينتهي.


حين نسقط نحاول أن نتمسك باي شيء، لا يهم ما يكون، طالما اعتقدنا أنه منفذ قد نسلك من خلاله الطريق، ذلك الطريق الذي نعتقد أننا قادرين على السير فيه، البعض منّا يتمادى في فكرة السير والرغبة فيه، فلا يهم لو أن أجسادًا، سوف تتراص بجوار بعضها البعض، ليسير فوقها، للضفة الأخر.
في مروره الثالث بجواري ، همس بقوله " أنا خريج فلسفة ".عندها أدركت أني ضحية حقيقية لهذا الشخص، سيقودني للمذبح، ضمن قطيع يعبرون به في حلقات دائرية، قبل أن يصل للمقصلة.
قمت من مكاني ولحقت به، وقلت " ليس اليوم يا عزيزي، ليس اليوم.


صحيت بين الانقاض، على سرير لا رغبة لي بمغادرته، لقد كنت معها في حلم تقرأ في كتاب، أو رواية لا اعلم ماذا كانت تقول، كنت في تيه مع شفاهها وهي تقرأ، كنت عاشق في تلك اللحظات، هكذا هم العشاق، ينسون كل ما حولهم، ويركزون على شيء محدد معه يسرحون بخيالاتهم، قد يكون في شعرها، الذي يلاعب الهواء، أو نحرها الذي يتخيل أنه ساحة معركة، أو يركز على حركة يديها، لا يمكن أن يجتمع العشاق في شيء واحد يركزون عليه، أنا كنت مع حركة شفتيها، حتى أني لا أسمع ما تقول، وحتى تكسر سرحاني مع شفتيها، كانت توقف القراءة، وتنظر لي، هل فهمت المغزى، من هذا المقطع وهي تبتسم، لا أعلم لما هي تبتسم، ربما تعتبر تلك الجملة لزمة تصاحبني، كان الجواب دائمًا معها .. نعم فهمت.


تكرار منبه الساعة أخرجني مما أنا فيه من حالة كنت معها أعيش في استذكار حلم، المنبهات، تشبه المنغصات في الحياة، نحن لا نستمتع باللحظة حتى القمة، هناك ما يخدشها، القليل ممن لديهم قدرة على تجاوز هذا الأمر بدون أن يكون لها تأثير حقيقي، بعكس الكثير، يتوقفون.


أحاول أن أتجاوز حادثة الأمس الغريبة، ليس لها أي معنى غير وساوس يفرضها الواقع البشري في كثير من الأمور، حينما صعدت للمكتب، في بناية ملاصقة لأخرى ملتصقة بالمقهى، كنت اراقب مدخل المكتبة، لكني لا أرى سوى من يدخل أو يخرج، لا مجال للنظر بداخلها، إلا أنها خرجت ووقفت أمام بوابة المكتبة تؤشر بسبابتها لشخص في المقهى لا أعرف من يكون، لكن الحركة الأخرى ليدها – تلك التي نرفع فيها كفنا ونفتح أصابعنا ونديرها بحركة سريعة – تدل على أنها تستفسر عن شخص أين هو؟
ربما عن النادل، ربما طلبت قهوة أي شيء، لا أظنها تسأله أين ذهب رجل الشمس؟


كانت غريبة في كل شيء، لقد مرت ثلاث أو أربع مرات على الرفوف الأمامية المواجه لبوابة المكتبة ترتبها، لم أشاهده تقرأ العناوين، فقط كانت تنقل كتب من مكان وتضع أخرى مكانها، هناك ما يشغل بالها، لقد كانت تتحدث لشخص، غير موجود، لا أحد غيرها كان في ذلك الوقت، هل كنت أنا ذلك الشخص، طيفي ، خيالي .. ربما تماديت في حلمي ورفعت سقف توقعاتي، قد تكون تقرأ قصيدة قد حفظتها حديثًا، أو ترتب كلمات الحب لشخص آخر، إنني لا أعرفها، ولا أعرف أين تذهب حينما تنتهي من عملها، هل لديها زوج أطفال حياة مستقرة؟
بظني لو نعم سأكون مجرد فوض إضافية، لتلك التي تكون في حياتنا، نحن نملك الفوضى، وبعض الخيبات، الجيد منّا من يجعلها ترتفع بشكل عمودي ولا تأخذ مساحة كبيرة من تفكيره، وآخر يفردها في كل المساحات حتى يصبح غير قادر على المشي بينها.


حين نزلت من المكتب على الموعد، كنت قد رأيت رجل يجلس على طاولة الشمس، لكن هناك من ألمح له ليترك المكان، توقفت قبل أن أصل للطاولة، وأنا في حالة تعجب مما حدث، أنهم ذكروني بـ " جوليان بو " الرجل الذي تعطلت سيارته عند أحد البلدات، وكان متوجها للمحيط للتمتع به، وحين دخل البلدة، ظن أهلها أنه السيد بو قد قرر الانتحار واختار بلدتهم، كانوا يبحثون عن أي شيء يخرجهم من الملل الذي هم فيه، تم منح السيد بو كل شيء بالمجان، حتى اقتراحات طريقة الانتحار، اعطوه الكثير منها وأيهما أخف عليه، حبته فتاة وحين عرفت بقصته انتحرت، عندها أهل البلدة اجبروه على ان ينتحر، ربما أهل هذا الحي الذي فيه هذا الشارع الوحيد، الذي لا يتجاوز الـ 700 م ومحلاته المتقابلة قد قرروا بشأني أمر معين، وهذه الفتاة هي فتاتهم المدللة، وأنا عشيقها المنتظر، لا أعلم .. كل ما أعرفه عن هذا الحي أني انتقلت له منذ شهر واحد فقط، حتى أني لا أسكن فيه ، اخترت المكان لأن إيجار المكتب كان مقبولا بدرجة كبيرة.


هل أنا " جوليان بو " هذا الحي؟
إن كان كذلك فأنا في كارثة أكبر من قدراتي، لا بد أن الفتاة بنت رجل مهم في الحي، ولم تقتنع بشخص من الحي، وأنا الشخص المنتخب، لا بد أن أحصل على شيء أو أمتلك شيئًا يقنعها أنني رجلها. الآن أصبح قطع الشارع كـ مغامرة خطرة، تحتاج مزيد من الجرأة للقيام بها. لن أشرب قهوتهم اللعينة اليوم، وسأعود للمكتب، وأفكر في اللآعبين الجدد في الساحة.


وصلت رسالة على جوالي تقول " إنك تجلس على طاولة الموت "
لا أعرف المقصد من هذه الرسالة ولا أعرف من أرسلها، فحين تتبعت الرقم وجدت أنه من الأرقام غير المسجلة، استخدم لهذا الغرض وتخلص منه مستخدمه.


حاولت أن أفهم المراد من هذه الرسالة والتحذير الذي تحمله، وللحصول على أجوبة يجب أن أشرب قهوتي من جديد على طاولة الشمس، أو كما يسميها صاحب الرسالة طاولة الموت. أيضًا وجدتها غير مشغولة برغم أن اليوم كان غائم، بظني أنهم يتركونها لي بشكل متعمد، هذا أول خيط يمكنني أن أتتبعه، لماذا يفعلون هذا؟


لا أجوبة على هذا السؤال، ولكن للحصول عليها، لابد من وجود النادل الفيلسوف، كان يتظاهر بالانشغال كثيرًا، في وجود وقت كافٍ، يمكنه أن يتحدث معي، غير أنه يحاول أن يتجاهلني، لا أعلم لماذا ؟.
حين ناديته، أخبرته عن فكرة قطع الشارع، وهل وجد فكرة لها؟
قال إنه لم يفكر بالموضوع كثيرًا منذ ذهابي ذلك اليوم، وقد مرت خمسة أيام ونسي الموضوع، فأنا لم أحضر خلالها.
قلت ما الذي تخفيه؟ قال لا شيء ورحل.


كان اليوم السادس بعد مرور شهري الأول، وحقيقة أن هناك شيء غريب في عقد المكتب، ستون يومًا فقط، كـ تجريب وهذا كما يقول الوسيط حسب رغبة المالك، بعدها هو من يقرر أن استمر أو أترك المكتب وأغادر، لا أعلم على أي شيء يعتمد في قراره، الإيجار كان معقول جدًا ومخفض جدًا، أيضًا ، هذا أحد الالغاز التي تحتاج لها حل، أثقل تفكيري بحجم الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة، وأنا خالي تمامًا من أي جواب، سوى شكوك حول المشاهدات التي رأيتها، هناك شيء خطأ فيها، وهنا في هذا الشارع كل الأجوبة، كل ما أحتاجه قليل من التركيز في الملامح والاوجه، هي تفضح أصحابها وتمنحنا كل ما نحتاج.


ناديت النادل مرّة أخرى وسالته .. هذه المكتبة من متى موجودة ؟ قال منذ أن اشتغل في المقهى وأن ذلك كان قبل سنتين أو أكثر شوي، لم يضف على جوابه أي شيء، وتركني في حيرتي.


بظني أنه يكذب، أول شيء يحتاجه شخص انتقل حديثًا، وقام يؤثث مكتب جديد ، هو مكتبة، نعم بعض القرطاسيات وغيرها من الأشياء التي نحتاجها في مكاتبنا، لكني لم الاحظ وجود مكتبة قبل شهر، لأني كنت اشتري ما احتاجه من مكان آخر وليس من هذه المكتبة، لقد ظهرت فجأة وظهرت معها فتاة،.
- لماذا كذب النادل ؟


هل سالتكم لماذا النادل يكذب؟


حقيقة النادل لم يكن يكذب، أنا من كنت أكذب عليكم منذ بدأت أسرد لكم قصتي هنا، لقد خططت لكل شيء، كل شيء تمامًا حتى التفاصيل الصغيرة اهتممت بها، لم أترك ثغرة واحدة يمكن أن تفشل ما اخطط له، راجعت خطتي الف مرة، على مدار أشهر طويلة، لكني لم أتوقع أن تفشل بهذا الشكل، كان فشل من حيث لم أتوقع، لقد أمنت كل شيء ونسيت تأمين جانب واحد، هو "القلوب الريحة"، حين تنتقم لا يمكن مواجهتها باي خطة، حتى لو كانت محكمة.


بالنسبة لي المال يغلب الحب، يمكن أن نتعافى من فشل الحب، كل ما نحتاجه مزيد من الوقت، إما خسارة المال، هو انكسار حقيقي يلازمك طيلة حياتك، وقد يجعلك في حديقة أحد المستشفيات، تكتب مذكراتك كما هو الحال معي الآن.


أعلم أني بصحة جيدة ذهنيًا، لكن هذا لا يعني أي شيء في الواقع، الأفضل أن تجعل من نفسك مجنونًا ولا أحمق سقط في الفخ الذي نصبه، حينما تريد أن تخدع شخص، يكفي أن تعرف أعلى سقف في تفكيره، يكفي أن تتجاوزه بعدة أمتار لتقضي عليه.


الشارع وطاولة الموت، كانت بالفعل طاولةالموت وليس طاولة الشمس، كما كنت اعتقد، وشارع لا يزيد عن 700متر يمتد من شمال المدينة لجنوبها، ينتهي بشارع يقطعه شمالا وجنوبًا، عرضة خمسة أمتار ورصيفين كل رصيف لا يتجاوز عرضه مترين، في الرصيف المقابل للمكتبة يوجد مقهى تأخذ مقاعدة مساحة جيدة من الرصيف تترك جزء أقل من النصف للمارة، عددها لا يزيد عن عشرين طاولة على هذا الرصيف الملعون.


أعود بكم لتلك الطاولة، لقد كنت أقضي جل وقت ما بعد الظهيرة هناك، حيث الشمس، المارة والوجوه التي تنظر نحوي خلسة بين حين وآخر وهم ينتظرون مني عبور الشارع، أحيانًا كنت أتعمد أن أقف وأتوجه نحو نهاية الرصيف، وقبل أن أخطو أول خطواتي على الطريق، أتراجع، وكأني أعذب كل الموجودين هناك، كنت أعرف لماذا هم يفعلون ذلك، لكنهم لا يعرفون أني كنت الاعبهم، أنا مجرد لاعب وهم أيضًا داخل هذه اللعبة، كلنا داخل لعبة تتحكم فيها الأرقام، نعم نحن نتحرك حسب الارقام، الأرقام التي سوف أخبركم عنها، هي من تحدد حركتنا ورغباتنا في هذا الشارع، لا أحد في هذا الشارع خارج اللعبة، الجميع مشترك فيها، حتى المارة على الرصيف الذي بجوار المكتبة، هم مشتركون، ومرورهم ليس مجرد فضول، ولكنه جزء من اللعبة التي كلنا نخوضها، هم وأنا، وكأننا في بقعة بعيدة عن العالم، لكني كنت أرغب وبشدة أن أنقل هذه اللعبة للعالم ليشترك معنا، وكان ذلك جزء من الخطة، الخطة تتطلب دخول لاعبين من خارج هذا الشارع.


- لماذا؟
كما قلت، لكم الأرقام هي من يحكمنا، غير ذلك مجرد عبث نقضيه وتضييع للوقت، كان دائمًا حلمي بالصفر السابع بجوار الواحد، إنها أمنية، وكان لا بد من تحقيقها وقد أوشكت، إلا أن سبع خطوات أسقطتني.


حين تخرجت من الجامعة، أول سؤال سألته أين يوجد مال المدينة السهل؟


عرفت أن هذا هو الشارع الذي يوجد به جزء كبير من مال المدينة، المال الذي يُدار بطريقة شعبية، لا تحمل أي دراسات للمخاطر أو غيرها، مجرد رجال يملكون المال، وقرار هذا المال بيدهم بدون وجود أي إدارة حقيقية تحميه، مال شعبي، لذلك من حق الشعب الحصول على هذا المال، وأنا فرد من الشعب.
أحيانا نريد مبرر ولو غبي أو تافه لنسرق أو نحتال أو أي شيء آخر نريده، طالما وضعنا له مبررًا، بغض النظر عن تقييمينا لذلك المبرر من حيث القيم والمبادئ.


عملت جاهد للحصول على مال ، لشراء مكتب في أحد الأبنية في هذا الشارع ، وحصلت على ذلك، هو المكتب الذي أنا استأجرته من خلال وسيط عقاري، لأني سجلت العقار باسم والدتي، قلت لكم كنت أخطط، للحصول على رقم بجواره سبعة أصفار.


أمثالي كثير في الحياة ممن يفسدون حياة الآخرين، لا أعرف هل ساقهم قدرهم نحونا أم أن القدر سلطنا عليهم؟
في كلا الحالتين، يكونون ضحية، في الغالب يستعيدون عافيتهم، إلا نحن حين نسقط تنتهي الحياة بالنسبة لنا، تنتهي تمامًا، مالم تغيّر البيئة والمحيط الذي أنت فيها.


كانت الخطة تحتاج خمسة شباب واحد وسيم وأربعة ملامحهم جيدة، ليست كتلك التي تجعل فتاة تغامر من أجلهم، أو تجتاز المحيط أو حتى تركب طائرة للسفر إليهم.


أيضًا فتاة ضمن الخطة ومكتبة، في هذا الشارع لا أحد يقرأ كثيرًا، وغير حريصين على زيارة المكتبات، ألا في حالات نادرة لبعض القرطاسيات، ذلك حتى تكون الفتاة شبه متفرغة للعمل من أجل الخطة، المدة الزمنية للخطة سنة تقريبا أو يزيد قليلاً، كنت أترك هذا الأمر للحاجة، لكن الوقت المحدد سنة بالتمام، لذلك حين وجدت المحل قد أصبح خاليًا استأجرته، كانت الفتاة هي التي ظاهرة في الصورة تُدير كل شيء، وأنا والخمسة الآخرين لم يحن دورنا في الخطة، كانت خمسة عشر يوم كافية لتجهيز المكتبة، والفتاة بداخلها، الفتاة التي يحدثني النادل عنها، كانت حبيبتي، تعرفت عليها في الجامعة وابهرني الذكاء الذي تتمتع به، ذكية لدرجة أني أخاف منها أحيانًا.


اليوم الخامس والخمسين من تاريخ العقد الذي مدته ستون يومًا.


كانت الساعة تقريبا السادسة وهو موعد مغادرتي للمكتب، في الشارع كان النادل ينتظرني، سألته ماذا تريد؟، قال أنا لا أريد شيئًا، لكن توجه نحو طاولات المقهى التي على الرصيف، ستجد في نهايتها هناك شخص ينتظرك، وحين اجتزت الطاولات والتي كانت شبه خاليًا من زوار المقهى، كان هناك أحد رجالات الشارع، ممن يديرون مالاً كثير فيه،.
جلست أنتظره يبدأ بالحديث ، سألني كم عمرك؟ قلت في الثلاثين، يزيد أحيانًا وينقص أحيانًا، قال كيف؟ قلت ألم تشعر أنك ابن ثلاثين وانت بهذا العمر؟ قال نعم حين أرغب بامرأة، كل شيء فيها يدعوك لأن تكون كـ فحل صغير، الدماء من تدفقها تكاد تفجر عروقك. قلت هكذا هو أنا، لكن الأمر يكون معي ليس من أجل فتاة، إنما بشكل آخر، حكاية طويلة لا تهتم بها، ما الذي تريد ؟


قال ما الذي تشاهدها هنا؟
قلت شارع قصير ضيق لا تمر فيها السيارات على جانبيه عمائر لا ترتفع كثير عن سطح الارض، لا شيء ملفت فيه أو مميز، حتى المارة فيه غالبًا هم نفسهم يتكررون، هو أشبه ما يكون مكان خاص تتم فيه بعض الأعمال، وغالبها مرتبط بوسط المدينة والبلدات المجاورة.


قال نعم لقد وصفته بشكل دقيق وملفت، الحقيقة كان كذلك قبل أن تأتي الفتاة الموجودة في المكتبة، كنّا نعيش حياة المال والملل، حتى أتت وجعلت من المكان مسرح للرهانات، ما تشهده هنا أمام عينيك، حياة المال والعمل وهناك حياة أخرى موازية له تديرها الفتاة، حياة الرهان، منذ قدومها أصبحنا نعيش حياة ممتعة إلى جانب حياتنا العملية، المكتب الذي أنت فيه ملك لها، هي تؤجره شهرين، فقط، سبقك مجموعة رجال، كنا قد تراهنّا عليهم من يقطع الشارع نحو الفتاة، أربعة منهم خسروا وواحد انتصر على الفتاة، هي من قطعت الشارع نحوه، نعم خسرنا لأننا في الغالب نضع رهاننا الذي نكسب فيها، على أن الشاب هو من سيقطع الشارع نحو الفتاة، كانت تبهرهم، حتى أن بعضهم لم يصمد ثلاثة ايام ويخسر، في الغالب تبدأ اللعبة في الأسبوع الثالث من وجود الشخص الذي استأجر المكتب، تظهر الفتاة ، وتبدأ المراهنات.


معك حدث أمر غريب، دخل مال ضخم، يراهن ضد الفتاة، وأنها هي من سيقطع الشارع نحوك، ونحن قد وضعنا رهاناتنا ضدك، وأنك أنت من ستقطع الشارع، وبعد دخول هذا المال الضخم، ضاعفنا رهاناتنا بشكل كبير، حتى نستولي على هذا المال، وصل الأمر بنا للمراهنة بواحد مقابل سبعة، لم يكن قبلها مسموح لنا بهذه المضاعفة، كان واحد مقابل واحد، ولأننا واثقين من أنك ستعبر الشارع، ضخينا أمول كثيرة ضد المال الذي دخل ويراهن ضد الفتاه، نريد أن نحصل عليه كله، الكل أصبح في هوس جمع المال ووضعه في هذا الرهان، والكل معلق بك الآن ولم يتبقى من المدة إلا خمسة أيام، يجب أن تقطع الشارع فيها نحو الفتاة، لن تخسر شيئًا، كلها خمسة أمتار، ستقطعها والكل هنا يربح، والمال مجهول المصدر سيصبح ملكنا، هكذا هي لعبة الأرقام، هل تُجيد لعبها ؟


قلت لا، ولكنى سأفكر في قطع الشارع من أجلكم، ولكن ما الذي سأحصل عليه مقابل فعلي هذا.
قال سنمنحك بعض المال، يعوضك عن جلوسك على طاولة الشمس، وضحك بسخرية، وكأنني كنت مجرد لعبة يتسلون بها، كل هذه الفترة.


قبل أن أتركه سألته، إذا لم أعبر الشارع نحوها وهي لم تقطعه نحوي، أين يذهب مال المراهنات ؟
قال لا أعرف لكنه يختفي تمامًا، ويخسر الجميع، ليس لك مصلحة في أي شيء، لماذا تفكر بهذا الأمر؟ قلت لا شيء مجرد فضول، أيضًا سؤال آخر، متى ينتهي زمن الرهان ؟ قال مغرب اليوم ستين يتوقف كل شيء، وسنتقاسم الفرح معك.


في صباح اليوم الستين، كان القلق يسيطر على الشارع والملامح، قد تلبسها الخوف، مما سيحدث في الظهيرة، ربما لا يعلمون أن ذلك العجوز قد فرض عليّ قطع الشارع نحو الفتاة، ربما كان الأمر في دائرة ضيقة ممن ضخوا أمولاً كثيرة في هذه المراهنة، كنوع من التطمين لهم، بأن كل شيء تحت السيطرة.


النادل توقفت حركته، ترك كل شيء وأخذ يشاهدني وأنا أصعد للمبني الذي فيه مكتبي، كانوا يتظاهرون أن كل شيء على طبيعته، من نافذة المكتب كنت استرق لحظات أشاهد فيها ماذا يفعلون، هكذا الكثير، حينما يغلبه الغلق تكثر حركته، مهما حاول أن يبعد عن نفسه شبهة القلق، تكشفها حركته وردات فعله، البعض ينهار في مكانه يصبح غير قادر على الحركة، يشعر بتثاقل عجيب حتى في رفع يده أو تحريك ساقه، يصبح غير قادر على المشي وعلى أن يفعل حركة صحيحة ، كل ما يريده، هو أن يتمدد على اريكه أو سرير، في وقت عقله مشغول بشكل غير طبيعي.


وقت الظهيرة
إنه الوقت الذي أكون فيه على طاولة الشمس أشرب قهوتي، لكني لم أخرج ذلك اليوم على ما كنت قد عودتهم عليه، ولدرجة قلقهم صعد النادل، يسألني هل ستخرج اليوم؟ قلت له في الخامسة تمامًا ضع كوب قهوتي على الطاولة.، وقبل أن يغادر سألته متى ينتهي الرهان؟
وبدون حذر قال السادسة، ثم استدرك أني أوقعته في الفخ، قلت لا تهتم لقد علمت بالأمر، ولكني خبرني بكم راهنت ؟ قال بكل ما أملك، ثم اقترب مني ووضع يده على كتفي وقال.. ستقطع الشارع صحيح ؟ قلت لا تهتم الأمور تحت السيطرة.


في الخامسة كنت على الموعد أجلس على الطاولة ولكنها هذه المرة لم تكن تحت الشمس لقد تجاوزتها منذ مدة طويلة، أشرب قهوتي، بهدوء ويجتاحني قلق شديد، عن ما سوف يحدث في السادسة إن هي لم تقطع الشارع أو أنا،. في الخامسة والنصف، خرجت الفتاة من المكتبة ومعها كرسي، وجلست مقابل طاولتي يفصلنا الشارع ذو الخمسة أمتار، جلست تلعب بجوالها، وفي هذا الأثناء وصلت رسالة منها تشبه تلك التي وصلتني من مصدر مجهول، تقول" إنك تجلس على طاولة الموت ".


لم أرد عليها عن طريق رسالة، بل كنت أحدثها بصوت يسمعه الجميع، ماذا تقولين، كررت عبارتها هذه المرة بصوتها، وأردفت، كل مدخراتك والديون والقروض التي أغرقت نفسك فيها ستلاحقك بقية عمرك، لقد راهنت على عبوري الشارع وهذه كانت الخطة التي كنّا نمشي عليها من سنة وأكثر، اليوم أنا أفشلها لك بعدم تزحزحي من هذا الكرسي، أنظر للشارع، سبع خطوات أو تزيد قليلًا ويصبح في رصيدك رقم بجواره سبعة أصفار، لكن ذلك لن يتحقق لك.
قلت ولكن لماذا كل هذا؟ قالت أنت أحضرت الشخص الذي من أجله مستعده أن أقطع المحيط واركب طائرة للسفر إليه، إنه الشاب الوسيم ضمن الخمسة، لقد وضعت أنا وهو مدخراتنا في رهان ضدك، وأنك ستقطع الشارع، أو سيقطعك أهل الشارع، ماذا ستفعل؟


كان يضحك وبقوة وبشكل هستيري، الرجل الذي طلب مني أن أقطع الشارع، ذهب إليها وقال يا عزيزتي، إنها لعبة الأرقام، نحن وأنتِ وهو، مجرد لاعبين، إما أن يتحرك واحد فيكم أو يخسر الجميع، بظني أن أكثر من يخسر هنا، صاحب الحيلة، وفي لعبة الأرقام لا أحد يموت، ثم التفت للنادل
كم الساعة الآن ؟ قال انتهى الوقت.


رائحة المستشفى مزعجة لقد قضيت فيها شهرين تقريبًا بعد تمثيلي للانهيار الذي زعمت أنه حدث لي، حقيقة خطتي لم تكن محكمة ولم أتوقع أن حبيبتي ستخونني مع رجل من ضمن الخطة، يبدو أننا نخسر أمام الوسيمين.


لم أعرف بنواياها لفعل هذا إلا في اليوم الذي عدت فيه للمنزل بعد لقاء الرجل في المقهى الذي طلب مني قطع الشارع قبل انتهاء الستين يومًا، كنت قد قضيت معها تلك الليلة، وأنا بين يديها، تفوهت بشيء لم تدرك أنه سيبدل خطتي، لقد كانت في حالة هيجان تام، قالت استلقي على ظهرك أريد أن أصعد فوق طاولة الموت.


منذ ذلك الوقت عرفت أنها هي صاحبة الرسالة من الجوال المجهول، عندها قررت أن اسحب منها إدارة الرهان لشركة أخرى، اتفقت معهم على نسبة من الربح في الرهانات المتساوية التي لم يربح فيها أحد وباقي الأموال تصبح ملكًا لي، ووقعت معهم على هذا الأمر، وكانت حجتي لها أنها أمول ضخمة لابد أن تديرها شركة كبيرة يثق فيها المراهنون، عندها لم يخطر ببالها أني أغير الخطة، صحيح غيرتها، وكسبت لكني في حقيقة الأمر فشلت في الخطة الاساسية.


لا أعلم هل كل النساء مثل هذه الفتاة ممكن أن تبيع كل شيء من أجل رجل؟!
صدقًا لا أعلم، ولكني أعلم أن هناك سببًا آخر أكبر من يكون كما هي قالت، إنها تنتقم وكفى، من ماذا لا يهم، هي تنتقم فقط، وبظني وقتها حتى لو عرفت لن يكفيها أي اعتذرات.

24.فبراير
بيروت
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
اسم الموضوع : طاولة الشمس | المصدر : قصص من ابداع الاعضاء

الجوري

مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
50,093
مستوى التفاعل
23,592
مجموع اﻻوسمة
25
طاولة الشمس
رائعة بيروت
بالفعل السرد وعنصر المفاجأة كان اخاذا
جمالية العقلية لدى الشاب وكيف نسج الخطة وكيف وضع الطعم بفم الاسماك وكيف ابتلعته بالفعل اعجبتني واعجبني السبك بالاحداث
بحالات الهيجان تلفظ السنتنا ما لا يسيطر عليه العقل وكان اللسان هو من جعلها تخسر وبداية علاقتها مع الوسيم البدايات تكون مبهرة وتجتاحنا كما الجيش لذا لا سيطرة فقط انزلاق

قصتك تشبه لحد كبير سوق البورصة والصغار الذين يحاولون ان يكسبوا من الحيتان لو بعض المال لكنهم لا يعلمون ان منظمة اكبر منهم تجعلهم يواصلون الشراء ومحاولة الكسب الشارع والمكتبة والمقهى كلها قطع ليجو استثمرتها بحنكة لتصنع هذا الحدث المبهر
ختمي تقيمي وتثبيت وامتناني لك
 
Comment

فـَاتِـنـة

نــزاري الحــرف
إنضم
26 أغسطس 2024
المشاركات
354
مستوى التفاعل
2,704
مجموع اﻻوسمة
1
طاولة الشمس
هذه القصة
شيقة, مُرتبة, ممتعة
سردياتها جداً مقنعة

..راقتني وكثيراً سلم البنان
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى