"الصُلب الأخضر".. كيف يمكن لصناعة الفولاذ إنقاذ الكوكب؟!
في ظل سعي دول العالم لبناء المدن والتوسع في البنى التحتية، تتصاعد الحاجة إلى مادة -أو بالأحرى- سبيكة الصُلب، التي تُعد من أكثر المعادن استخدامًا في العصر الحالي، إذ يدخل الصلب في صناعة مجموعة واسعة من المنتجات التي نستخدمها يوميًا، بدءًا من السيارات، مرورًا بالطائرات والسُّفن، وحتى الثلاجات والغسالات وبقية الأدوات المنزلية.
ولكن المشكلة أن ثلاثة أرباع ما ننتجه عالميًّا من هذا المعدن، يَنتُج عن أفرانٍ تعمل بالفحم، وهذا الوقود العتيق يلوث سماءنا بغيومٍ من الكربون، ومشكلتنا الأكبر أن الأمر يبدو كأننا نعيش في سباقٍ مع الزمن؛ نبني حضارتنا بيدٍ ونُدمر كوكبنا باليد الأخرى!
الأرقام تعكس واقعًا مريرًا؛ إذ تتسبب صناعة الصُلب وحدها في نحو 8% من انبعاثات الكربون العالمية، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال: ألا يوجد بديلٌ للصُلب؟
ولكن قبل أن نبدأ في بحث الإجابة، علينا التذكير بأن الصُّلب أو الفولاذ ليس معدنًا في حد ذاته، فالمعدن هو الحديد أو النحاس أو الألومنيوم، إلخ، والصُّلب عبارة عن سبيكة تتكون بشكل أساسي من معدن الحديد مع نسبة صغيرة من الكربون، مع إمكانية وجود إضافات أخرى، وسنُشير إلى الصُّلب هنا بالمعدن، نظرًا لأنها التسمية الدارجة، لكن وجب التنويه بطبيعة الصُلب أو الفولاذ لتحري الدقة.
الصُّلب الأخضر.. فولاذٌ صديق للبيئة!

الصُلب الأخضر صديق البيئة - المصدر: Shutterstock
يُشير مصطلح "الفولاذ الأخضر" في جوهره، إلى الاستراتيجية الرامية إلى جعل عملية صناعة الفولاذ أكثر استدامة، وذلك من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري (الفحم، البترول، الغاز الطبيعي)، الذي يمثل تهديدًا بيئيًّا بسبب آثاره السلبية.
وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه في صناعة الفولاذ يحمل أملاً كبيرًا، فإن تطبيقه العملي يواجه صعوبات عدة، إذ تطرح معايير الاستدامة في عملية الإنتاج تحديات ومشكلات تكاد تساوي في حجمها الفرص المتاحة، والمشكلة أنه في كثيرٍ من الأحيان يُستخدم "الصُّلب الأخضر" للإشارة إلى منتجٍ لا يستوفي معايير الاستدامة أساسًا، إذ يكون الأمر مجرد حيلة تسويقية!
كيف يتم إنتاج الصُّلب الأخضر؟
يعتمد إنتاج الفولاذ حاليًّا على نزع الأكسجين من خام الحديد باستخدام الكربون (مصدره الفحم)، ويُنتِج هذا التفاعل مادة "ثاني أكسيد الكربون"، التي تُعد من أبرز الغازات الدفيئة التي تتركز في الغلاف الجوي، وتتسبب في ارتفاع درجة حرارة كوكبنا بشكلٍ لا يُحتمل.وبدلًا من استخدام الفحم أو الكربون في عملية إنتاج الفولاذ، يُمكن استخدام ما يُسمى بـ"الهيدروجين الأخضر" لانتزاع عنصر الأكسجين من خام الحديد، وفي هذه الحالة لن يتم إنتاج "ثاني أكسيد الكربون"، وإنما في شكل بخار الماء فقط، مما يجعل العملية برمتها خالية من الانبعاثات الكربونية.
ما هو "الهيدروجين الأخضر"؟
"الهيدروجين الأخضر" هو الهيدروجين الذي يتم إنتاجه من الماء، باستخدام عملية تُسمى التحليل الكهربائي، وفي هذه العملية، يتم تمرير تيار كهربائي عبر "الماء H2O" لفصله إلى عنصريه "الهيدروجين H2" و"الأكسجين O2" بكل بساطة.ولجعل العملية أكثر استدامة، يمكن استخدام أحد مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، بدلًا من الكهرباء التقليدية، لئلا يكون هناك أي انبعاثات كربونية، ومن هنا أتى مسمى "الهيدروجين الأخضر".
هل تصنيع الصلب الأخضر عملية بسيطة؟

الهيدروجين الأخضر هو كلمة السر لتصنيع الصلب الأخضر - المصدر: Shutterstock
على الرغم من أن العملية قد تبدو بسيطة، فإنها ليست كذلك، فالكثير من الشركات العالمية تعتزم استخدام الأفران الكهربائية، بدلًا من الأفران التقليدية، التي تعتمد على الفحم، لتصنيع الصُلب بطريقة مستدامة، وتقليل انبعاثات الكربون بالفعل، لكن المشكلة أن التحول من هذه الأفران إلى تلك بطيء، ولا يؤدي للأهداف المُتفق عليها دوليًا لتقليل الانبعاثات.
ووفقًا لتقرير صدر عن مؤسسة Global Energy Monitor، فإن حوالي 31% من إنتاج الحديد حاليًا يتم باستخدام الأفران الكهربائية، وإذا وضعنا في الحسبان المشاريع الجديدة، فهذه النسبة ستقل إلى 28%، ما يعني باختصار أن هناك تحولاً يحدث بالفعل، لكنه ليس بالسرعة الكافية.
علاوة على ذلك، قال مسؤولٌ تقني في شركة "ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة Mitsubishi Heavy Industries"، إن هناك مشكلة رئيسية في إنتاج "الفولاذ الأخضر"، وهي قلة توفر عنصر الهيدروجين، الذي يستطيع انتزاع الأكسجين من الحديد لإنتاج الصُلب بالطريقة التي تحدثنا عنها.
باختصار؛ فإن الطريق لا يزال طويلًا ومليئًا بالتحديات، ويبدو أننا لن نصل إلى مستوى مُرضٍ من إنتاج "الصُلب الأخضر" في المستقبل القريب، إلا إذ كثفنا جهودنا.
تكلفة إنتاج الصلب الأخضر
من الواضح أن عملية صناعة "الصلب الأخضر" ليست عملية سهلة على الإطلاق، بسبب التحديات التي تواجهها، ورُغم ذلك، هناك هدفٌ واضح وضعه الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، ولا يمكن التنازل عنه، وهو الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050.وفي إطار هذا التوجه الطَموح، أطلقت أوروبا برنامج REPowerEU، الذي يسعى لتكثيف استخدام الهيدروجين المتجدد بشكلٍ كبير قبل حلول عام 2030، وهو ما يُعد دفعة أساسية لعجلة التحول البيئي، صحيحٌ أن الأمر يكلف عشرات المليارات من الدولارات، وربما أكثر، لكن يجب من المُضيّ قُدمًا لنحافظ على كوكبنا.
وعلى بُقعةٍ أخرى من الكوكب، لم تتراجع الصين مثلًا عن سعيها لتحقيق الحياد الكربون بحلول عام 2060، والصين تحديدًا تعتد مثالًا مثيرًا للاهتمام، كونها تواجه تحديًا مزدوجًا، يتمثل في أنها تُنتج نصف الصُلب العالمي، فيما تُسهم مصانعها بنحو ثُلث إجمالي انبعاثات "ثاني أكسيد الكربون"، ولكن هذا التوازن الدقيق بين النمو الصناعي والالتزام بالحفاظ على البيئة، هو ما يجعل تحقيق الأهداف المناخية أمرًا ممكنًا.
كيف يمكن التأكد من استدامة المُنتج؟

تعبيرية عن سيارة مصنوعة من الصُلب الأخضر - المصدر: Shutterstock
هل سبق وتساءلت عن إمكانية التأكد من أن مُنتجًا ما يحمل الطابع البيئي الحقيقي؟
الأمر ليس سهلًا، وكما قلنا، فإن كثيرًا من المنتجات تُصدَّر إلينا على أنها خضراء ومستدامة وهي ليست كذلك، فقبل أن تنجرف وراء الشعارات والتسميات الرنانة مثل "الصُلب الأخضر" أو "الفولاذ الأخضر"، حاول أن تُعمِل الجانب الاستقصائي بداخلك.
من الضروري معرفة طرق إعداد التقارير والأرقام الرئيسية التي يستخدمها الموردون؛ إذا كنت ترغب في تقييم مدى التزام المنتج بالمعايير البيئية، فلا تتردد في طلب منهجيات علمية دقيقة لقياس انبعاثات "ثاني أكسيد الكربون"، واحرص على أن تتضمن المعلومات وصفًا وافيًا لسلسلة القيمة الكاملة (الدورة الكاملة للمنتج بدايةً من المواد الخام)، كما هو موضح في إعلان المنتج البيئي.
يُستخدم هذا النهج في التقييم البيئي للمنتجات لضمان الشفافية ودقة المعلومات المُقدمة للمستهلكين، وبشكلٍ عام، قبل أن تُقرر شراء أي منتجٍ على أنه مُستدامٌ أو أخضر، يجب عليك أن تُقارنه بالبدائل، لأنه، وكما نعلم جميعًا؛ ليس كل ما يلمع ذهبًا.
في النهاية، إذا استمر تجاهلنا للمشكلات البيئية، فإن كوكبنا سيواجه عواقب وخيمة، لا نقول إننا يجب أن نوقف عجلة الإنتاج، لكن الأهم من ذلك أن نضع حدًّا للتأثيرات المناخية على كوكبنا وعلينا.
ووفقًا لتقرير نشرته "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC" منذ سنتين، فإن هناك أكثر من 3.6 مليار شخص يتعرضون لتأثيرات خطيرة نتيجة تغير المناخ. هذه التأثيرات تشمل موجات حر شديدة، وفياضات، وحرائق غابات، وغيرها من الكوارث.
الأمر لا يحتاج إلى دراسات؛ كُلنا تقريبًا نشعر بتغير المناخ وتأثيره علينا؛ جميعنا نلاحظ كيف أصبحت فصول الصيف أكثر حرارة، وكيف أن أماكن معينة لم تكن تعرف معنى الفيضانات أصبحت مغمورة بالماء، وكيف أصبحت حرائق الغابات أكثر عنفًا، والعواصف أكثر هياجًا، والأدلة كثيرة لذا علينا أن نتحرك بسرعة!
اسم الموضوع : "الصُلب الأخضر".. كيف يمكن لصناعة الفولاذ إنقاذ الكوكب؟!
|
المصدر : هل تعلم