من أحداث ثورة البشرات في الأندلس
كانت سياسة العسف والإرهاق والجور تعسف بمسلمي الأندلس الموريسكين, وفعلت الحكومة الإسبانية بهم كل ما هو شر وأنكى؛ ونزعت منهم أطفالهم ذكورًا وإناثًا وألقتهم أكداسًا في المعاهد والمدارس العامة, لتسهر على تكوين عقائدهم وأشخاصهم وفق ما تهوى, عندئذ بلغ اليأس بالموريسكين المسلمين ذروته, ولا سيما في غرناطة, حيث كانت تحتشد منهم جموع كبيرة, فتهامسوا على المقاومة والثورة, والذود عن أنفسهم وعن بقية تراثهم, أو أن يموتوا قبل أن تنطفئ عقيدتهم في قلوبهم وضمائرهم, فأخذوا في التأهب سِرًّا.
وكانت حركة الجهاد في المغرب الإسلامي قد شجعت مسلمي الأندلس؛ وفجرت طاقاتهم الكامنة وجعلتهم يتغلبون على الحواجز النفسية التي بنيت في نفوسهم على مر السنين منذ سقوط آخر حواضر الإسلام في الأندلس غرناطة, وسادت الأقاليم الإسبانية موجة من الظلم والإرهاب والفظائع, فهذه الحالة المربكة وما صاحبها من مظالم وويلات جعلت بقية مسلمي الأندلس في الجنوب سواء من الذين ظلوا محافظين على دينهم أو المنتصرَين ظَاهِرِيًّا, يتأهبون للانقضاض على الحكم الصليبي الظالم.
سادت إسبانيا إرهاصات ثورة المسلمين في غرناطة, فشكل الملك الإسباني فيليب الثاني نوعًا جديدًا من الميلشيات تقيم في كل مدينة من مدن إسبانيا لمواجهة الثورة, أما على الجانب الإسلامي, فقد تلقى الثوار مساعدات من الدولة العثمانية في بلاد المغرب الإسلامي, وأصبح الموقف صعبًا بالنسبة لإسبانيا خاصة في غرناطة, ومما زاد الحالة خطورة أن بحرية فيليب الثاني كانت متفرقة في أنحاء بعيدة, وحصونه غير معززة, والسواحل مكشوفة, خاصة الشواطئ الجنوبية لموقع المجاهدين.
كانت الثورة كل يوم تكسب أرضًا جديدة وينضم إليها الكثير من الثوار, وقد أعيت النصارى كل الوسائل للقضاء على الروح الدينية لمسلمي الأندلس, ومع كل قمع إسباني لثورة جبال البشرات – أي جبال الثلج - إلا أن الثورة كل يوم تشتعل في مدينة جديدة, وأصبحت الأمور خارجة عن السيطرة الإسبانية.
بعث قادة الثورة إلى السلطان السعدي في المغرب الغالب بالله برسالة وطلبوا منه المساعدة, فبذل لهم هذا الخائن الوعود المعسولة لرسل الثوار ووعدهم بالنصر, وتقديم كل ما يحتاجونه من رجال وعتاد وسلاح, ولكن الغالب بالله استمر محافظًا على روابطه مع فيليب الثاني, وعمل على خذلان أهل الأندلس بكل الطرق.
تسارعت الأحداث في إسبانيا أكثر, فقد وقعت عدة حوادث خطيرة في هذه الأيام, فلقد أخذ رجال الثورة زمام المبادرة في الهجوم على الإسبان بدلاً من الدفاع, ففي عام 975 هجرية = ديسمبر سنة 1568م انقض الثوار على نخبة من الجند الإسبان على مقربة من غرناطة وقتلوهم جميعًا, ثم اجتاز زعماء الثورة جبل شُليَير إلى الهضاب الجنوبية, فلم تمض بضعة أيام حتى عم ضرام الثورة جميع الدساكر والقرى الموريسكية, واحتشدت الجموع المسلحة, ووثب المسلمين بالنصارى أينما وجدوا ففتكوا بهم ومزقوهم شر ممزق.
وفي كل يوم يمر يزيد اندلاع لهيب الثورة في جنوبي الأندلس حتى لم تبق قرية أو مدينة إلا وبها لهيب الثورة, وأعلن الموريسكيون استقلالهم, واستعدوا لخوض معركة الحياة أو الموت, ورأى الزعماء أن يختاروا لهم أمير يلتفون حوله, ويكون رمز سلطانهم القديم فوقع اختيارهم على فتى من أهل البيازين يضطرم حماسة وجرأة وإقدامًا وهو البطل الأموي محمد بن أمية رحمه الله.
وفي أوائل سنة 976 هجرية = 1569 كان قد بلغ عدد المجاهدين مائة وخمسين ألفًا, فقرر محمد بن أمية الصعود إلى الجبال واجتمعوا في أعماق البشرات, واستطاع المسلمين الموريسكيون التغلب على سائر الحاميات الإسبانية المتفرقة في تلك الأنحاء, واقتحموا المساجد التي تم تحويلها إلى كنائس من قبل, وقتلوا جميع عمال الحكومة في هذه المنطقة, واستفحل أمر الثورة أكثر وأكثر, حتى جردت الحكومة قوات كبيرة أحاطت بالثوار في كل مكان, ولكن تغلب عليهم الثوار بعد معارك طاحنة.
هنا قامت الحكومة الإسبانية بقتل كل قريب للثائرين, أو مسلم سكنه قريب من تلك الجبال محتجين بأنه يساند الثوار, وقرر كذلك فيليب الثاني أن يوفد جيشًا كبيرًا من إشبيلية بقيادة أخيه القائد الشهير دون خوان, وتحرك القائد نحو جبال البشرات ودارت بينه وبين الثوار قتال شديد ظل سجالاً بين الفريقين مدة من الوقت, ثم امتنع الثوار بالجبال لشدة المعارك والضغط الصليبي الرهيب على أهل الثوار.
كان القائد العثماني في المغرب الإسلامي قلج علي على اتصال مباشرة بقيادة مسلمي الأندلس عبر قنوات خاصة أشرف عليها جهاز الاستخبارات العثمانية, واستطاع هذا القائد البطل أن يمد الثوار في البشرات بالرجال والأسلحة والعتاد, وتم الاتفاق على تحرك القوات الإسلامية من الجزائر إلى مناطق معينة على الساحل الإسباني.
جمع قلج علي جيشًا عظيمًا قوامه أربعة عشر ألف رجل من رماة البنادق, وفي شهر شعبان سنة 976 هجرية = 1569م أرسل قلج علي أسطول الجزائر لتأييد الثائرين في ثورتهم, وحاول إنزال الجند العثماني في الأماكن المتفق عليها مع الثوار, لكن الإسبان كانوا قد عرفوا ذلك بعد اكتشاف المخطط فصدوا قلج علي عن النزول؛ وكانت الثورة في ذلك الوقت في عنفوانها, وزوابع الشتاء قوية في البحر, فالأسطول الجزائري صار يقاوم الأعاصير من أجل الوصول إلى إمكان أخرى من الساحل ينزل بها المدد للثوار, إلا أن قوة الزوابع أغرقت 32 سفينة جزائرية تحمل الرجال والسلاح, وتمكنت ست سفن فقط من إنزال شحنتها فوق سواحل الأندلس بها المدافع والبارود والمجاهدون.
تحرك الثوار نحو المدن الكبرى في غرناطة وبعد معارك ضارية مع الإسبان استطاع الثوار بمعاونة العثمانيين من تحرير عدة مدن مثل ألمرية ومدينة مالقة, فاضطر فيليب الثاني أن يطلب العون من إمبراطور النمسا لإنقاذ إسبانيا من الثوار, وبالفعل استطاعت هذه القوات الإمبراطورية بقيادة الأمير دون خوان أن تقمع هذه الثورة العنيفة بعد ما أتي من الفظائع ما بخلت بأمثاله كتب الوقائع, فتم ذبح النساء والأطفال أمام الناس, وأحرقت المساكن, ودمرت البلاد, وكان شعار قائد الحملة دون خوان لا هوادة ولا رحمة, وانتهى الأمر باستشهاد محمد بن أمية رحمه الله, وانتهى الأمر بإذعان مسلمي الأندلس, لكنه إذعان مؤقت, إذ لم يلبث أن ظهر بطل أسطوري آخر من بين الموريكسيون استطاع أن يزلزل الأرض تحت أقدام الإسبان لمدن عشرين عامًا وهو البطل الشهيد مولاي عبد الله.
وكانت حركة الجهاد في المغرب الإسلامي قد شجعت مسلمي الأندلس؛ وفجرت طاقاتهم الكامنة وجعلتهم يتغلبون على الحواجز النفسية التي بنيت في نفوسهم على مر السنين منذ سقوط آخر حواضر الإسلام في الأندلس غرناطة, وسادت الأقاليم الإسبانية موجة من الظلم والإرهاب والفظائع, فهذه الحالة المربكة وما صاحبها من مظالم وويلات جعلت بقية مسلمي الأندلس في الجنوب سواء من الذين ظلوا محافظين على دينهم أو المنتصرَين ظَاهِرِيًّا, يتأهبون للانقضاض على الحكم الصليبي الظالم.
سادت إسبانيا إرهاصات ثورة المسلمين في غرناطة, فشكل الملك الإسباني فيليب الثاني نوعًا جديدًا من الميلشيات تقيم في كل مدينة من مدن إسبانيا لمواجهة الثورة, أما على الجانب الإسلامي, فقد تلقى الثوار مساعدات من الدولة العثمانية في بلاد المغرب الإسلامي, وأصبح الموقف صعبًا بالنسبة لإسبانيا خاصة في غرناطة, ومما زاد الحالة خطورة أن بحرية فيليب الثاني كانت متفرقة في أنحاء بعيدة, وحصونه غير معززة, والسواحل مكشوفة, خاصة الشواطئ الجنوبية لموقع المجاهدين.
كانت الثورة كل يوم تكسب أرضًا جديدة وينضم إليها الكثير من الثوار, وقد أعيت النصارى كل الوسائل للقضاء على الروح الدينية لمسلمي الأندلس, ومع كل قمع إسباني لثورة جبال البشرات – أي جبال الثلج - إلا أن الثورة كل يوم تشتعل في مدينة جديدة, وأصبحت الأمور خارجة عن السيطرة الإسبانية.
بعث قادة الثورة إلى السلطان السعدي في المغرب الغالب بالله برسالة وطلبوا منه المساعدة, فبذل لهم هذا الخائن الوعود المعسولة لرسل الثوار ووعدهم بالنصر, وتقديم كل ما يحتاجونه من رجال وعتاد وسلاح, ولكن الغالب بالله استمر محافظًا على روابطه مع فيليب الثاني, وعمل على خذلان أهل الأندلس بكل الطرق.
تسارعت الأحداث في إسبانيا أكثر, فقد وقعت عدة حوادث خطيرة في هذه الأيام, فلقد أخذ رجال الثورة زمام المبادرة في الهجوم على الإسبان بدلاً من الدفاع, ففي عام 975 هجرية = ديسمبر سنة 1568م انقض الثوار على نخبة من الجند الإسبان على مقربة من غرناطة وقتلوهم جميعًا, ثم اجتاز زعماء الثورة جبل شُليَير إلى الهضاب الجنوبية, فلم تمض بضعة أيام حتى عم ضرام الثورة جميع الدساكر والقرى الموريسكية, واحتشدت الجموع المسلحة, ووثب المسلمين بالنصارى أينما وجدوا ففتكوا بهم ومزقوهم شر ممزق.
وفي كل يوم يمر يزيد اندلاع لهيب الثورة في جنوبي الأندلس حتى لم تبق قرية أو مدينة إلا وبها لهيب الثورة, وأعلن الموريسكيون استقلالهم, واستعدوا لخوض معركة الحياة أو الموت, ورأى الزعماء أن يختاروا لهم أمير يلتفون حوله, ويكون رمز سلطانهم القديم فوقع اختيارهم على فتى من أهل البيازين يضطرم حماسة وجرأة وإقدامًا وهو البطل الأموي محمد بن أمية رحمه الله.
وفي أوائل سنة 976 هجرية = 1569 كان قد بلغ عدد المجاهدين مائة وخمسين ألفًا, فقرر محمد بن أمية الصعود إلى الجبال واجتمعوا في أعماق البشرات, واستطاع المسلمين الموريسكيون التغلب على سائر الحاميات الإسبانية المتفرقة في تلك الأنحاء, واقتحموا المساجد التي تم تحويلها إلى كنائس من قبل, وقتلوا جميع عمال الحكومة في هذه المنطقة, واستفحل أمر الثورة أكثر وأكثر, حتى جردت الحكومة قوات كبيرة أحاطت بالثوار في كل مكان, ولكن تغلب عليهم الثوار بعد معارك طاحنة.
هنا قامت الحكومة الإسبانية بقتل كل قريب للثائرين, أو مسلم سكنه قريب من تلك الجبال محتجين بأنه يساند الثوار, وقرر كذلك فيليب الثاني أن يوفد جيشًا كبيرًا من إشبيلية بقيادة أخيه القائد الشهير دون خوان, وتحرك القائد نحو جبال البشرات ودارت بينه وبين الثوار قتال شديد ظل سجالاً بين الفريقين مدة من الوقت, ثم امتنع الثوار بالجبال لشدة المعارك والضغط الصليبي الرهيب على أهل الثوار.
كان القائد العثماني في المغرب الإسلامي قلج علي على اتصال مباشرة بقيادة مسلمي الأندلس عبر قنوات خاصة أشرف عليها جهاز الاستخبارات العثمانية, واستطاع هذا القائد البطل أن يمد الثوار في البشرات بالرجال والأسلحة والعتاد, وتم الاتفاق على تحرك القوات الإسلامية من الجزائر إلى مناطق معينة على الساحل الإسباني.
جمع قلج علي جيشًا عظيمًا قوامه أربعة عشر ألف رجل من رماة البنادق, وفي شهر شعبان سنة 976 هجرية = 1569م أرسل قلج علي أسطول الجزائر لتأييد الثائرين في ثورتهم, وحاول إنزال الجند العثماني في الأماكن المتفق عليها مع الثوار, لكن الإسبان كانوا قد عرفوا ذلك بعد اكتشاف المخطط فصدوا قلج علي عن النزول؛ وكانت الثورة في ذلك الوقت في عنفوانها, وزوابع الشتاء قوية في البحر, فالأسطول الجزائري صار يقاوم الأعاصير من أجل الوصول إلى إمكان أخرى من الساحل ينزل بها المدد للثوار, إلا أن قوة الزوابع أغرقت 32 سفينة جزائرية تحمل الرجال والسلاح, وتمكنت ست سفن فقط من إنزال شحنتها فوق سواحل الأندلس بها المدافع والبارود والمجاهدون.
تحرك الثوار نحو المدن الكبرى في غرناطة وبعد معارك ضارية مع الإسبان استطاع الثوار بمعاونة العثمانيين من تحرير عدة مدن مثل ألمرية ومدينة مالقة, فاضطر فيليب الثاني أن يطلب العون من إمبراطور النمسا لإنقاذ إسبانيا من الثوار, وبالفعل استطاعت هذه القوات الإمبراطورية بقيادة الأمير دون خوان أن تقمع هذه الثورة العنيفة بعد ما أتي من الفظائع ما بخلت بأمثاله كتب الوقائع, فتم ذبح النساء والأطفال أمام الناس, وأحرقت المساكن, ودمرت البلاد, وكان شعار قائد الحملة دون خوان لا هوادة ولا رحمة, وانتهى الأمر باستشهاد محمد بن أمية رحمه الله, وانتهى الأمر بإذعان مسلمي الأندلس, لكنه إذعان مؤقت, إذ لم يلبث أن ظهر بطل أسطوري آخر من بين الموريكسيون استطاع أن يزلزل الأرض تحت أقدام الإسبان لمدن عشرين عامًا وهو البطل الشهيد مولاي عبد الله.
اسم الموضوع : من أحداث ثورة البشرات في الأندلس
|
المصدر : قسم الحروب و المعارك