-
- إنضم
- 23 فبراير 2023
-
- المشاركات
- 50,389
-
- مستوى التفاعل
- 24,119
- مجموع اﻻوسمة
- 25
على ضفاف رحيل ....الجوري

هو يقف في زاوية المقهى، متشبثًا بكأس قهوته كأنما هو آخر طوق نجاة له، يراقب السماء الثقيلة، المثقلة بالسحب الداكنة، وكأنما الكون نفسه ينتظر قرارًا لم يُتخذ بعد. المطر يهطل بلا رحمة، ينسج على الزجاج أشباحًا من قطراته، كل منها يحمل معها سؤالًا بلا جواب
وجودها في ذهنه كالنقطة الصفراء في قلب الظلمة، لا يفارقها، يراها في وهج المصابيح، في همسات الريح، في ارتجاف الضوء على المياه. تراقص فكره وكأنها ظل لا يمكن هزيمته، كيان يرفض الانطفاء.
ما الحقيقة؟
كان قد تساءل مرارًا، في صمت يقض مضجعه، بينما قلبه ينبض بلا هوادة، يحمل السؤال الذي لا يجد له مكانًا في شفتيه:
هل هي الحقيقة، أم مجرد انعكاس لها؟
يتذكر حديثها، الكلمات التي لم تفارق ذاكرته، لا لأن معانيها كانت عظيمة، بل لأن طريقة نطقها كانت مليئة بثقة خادعة:
"هل تؤمن بالقدر؟"
ردَّ بنبرة توهم الوضوح: "القدر؟ لا أعلم. ربما هو مجرد سلسلة من المصادفات التي نرغب في تسميتها قدرًا."
لكن في داخله، كان يشعر بالتهافت، بصراع داخلي لا يقوى على مواجهته.
الشك...
ظلٌ يختبئ في زوايا روحه، يرقص بلا هوادة، يهمس له بأن الحقيقة، كما يراها، ربما تكون مجرد قناع آخر.
هو ينهض الآن، يضع قفازه ببطء، يدفع باب المقهى. المطـر يهوي أكثر، كأنه يرغب في أن يغسل كل شيء—الشك، اليقين، ذاته.
تتلاقى خطواتهما في الشارع، بين الحواري المبللة، تتلاقى كأنهما يدوران في رقصة لا نهاية لها، رقصة من الحيرة والمواجهة.
هي تسير بهدوء، كأنما تعرف النهاية بالفعل، لا تلقي عليه بظلال الشك، لا تمنحه فرصة للهرب.
"ربما... الحقيقة ليست ما نعتقد، بل ما نختار أن نصدق به،" تقولها وهي تنظر إلى الأمام، كلماتها تتسلل كرماد في الهواء البارد.
هو يستمع، كل كلمة تثقل روحه أكثر. يود أن يصدقها، يود أن يترك وراءه دوامة الأسئلة، لكنه يعرف أن الشك ليس بهذه البساطة.
هل أجرؤ أن أثق؟
يأخذ نفسًا عميقًا، محاولة يائسة لاستجماع شتات نفسه، ويهمس:
"أخشى... أن الحقيقة، في جوهرها، قد تكون أكثر مرارة من الشك نفسه."
تتوقف فجأة.
تلتفت إليه، وعيونها تخترق سحابة اللايقين في روحه.
"والشك؟ هل يخيفك الشك؟"
ينظر إليها، يرى الصدق المموه خلف كلماتها، لكنه يجيب بنبرة مشوشة:
"ليس الشك... بل الفراغ الذي يتركه، ذلك الخواء الذي يلتهم كل يقين."
تبتسم، ضحكة هادئة، خافتة، تكاد تُشبه همس المطر.
"أحيانًا، الفراغ هو الحقيقة الوحيدة التي لا يمكننا الهروب منها."
يتوقف أمامها، المطر يصرخ حولهما، يلفهما في عالمٍ بلا هواء، بلا قرار. يرفع يده، يلمس يدها، يكتشف الدفء الخافت تحت القطرات الباردة.
هنا، بين لمسة يديه، بين برودة المطر ودفء يدها، يشعر كما لو أن الزمن قد تجمد.
هو يعرف الآن: اليقين ليس بالضرورة أن تكون الإجابة واضحة، بل هي اختيار شجاعة، قرار بالمضي قدمًا رغم الضباب الذي يلف الطريق.
يتنفس ببطء، ويهمس:
"سأسير معك... حتى النهاية، مهما كانت."
هي تبتسم، تلك الابتسامة التي تكاد تكون الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذا العالم المضطرب.
وفي داخله، يدرك أخيرًا أن الشك... هو الحقيقة الوحيدة التي لا مفر منها.
وجودها في ذهنه كالنقطة الصفراء في قلب الظلمة، لا يفارقها، يراها في وهج المصابيح، في همسات الريح، في ارتجاف الضوء على المياه. تراقص فكره وكأنها ظل لا يمكن هزيمته، كيان يرفض الانطفاء.
ما الحقيقة؟
كان قد تساءل مرارًا، في صمت يقض مضجعه، بينما قلبه ينبض بلا هوادة، يحمل السؤال الذي لا يجد له مكانًا في شفتيه:
هل هي الحقيقة، أم مجرد انعكاس لها؟
يتذكر حديثها، الكلمات التي لم تفارق ذاكرته، لا لأن معانيها كانت عظيمة، بل لأن طريقة نطقها كانت مليئة بثقة خادعة:
"هل تؤمن بالقدر؟"
ردَّ بنبرة توهم الوضوح: "القدر؟ لا أعلم. ربما هو مجرد سلسلة من المصادفات التي نرغب في تسميتها قدرًا."
لكن في داخله، كان يشعر بالتهافت، بصراع داخلي لا يقوى على مواجهته.
الشك...
ظلٌ يختبئ في زوايا روحه، يرقص بلا هوادة، يهمس له بأن الحقيقة، كما يراها، ربما تكون مجرد قناع آخر.
هو ينهض الآن، يضع قفازه ببطء، يدفع باب المقهى. المطـر يهوي أكثر، كأنه يرغب في أن يغسل كل شيء—الشك، اليقين، ذاته.
تتلاقى خطواتهما في الشارع، بين الحواري المبللة، تتلاقى كأنهما يدوران في رقصة لا نهاية لها، رقصة من الحيرة والمواجهة.
هي تسير بهدوء، كأنما تعرف النهاية بالفعل، لا تلقي عليه بظلال الشك، لا تمنحه فرصة للهرب.
"ربما... الحقيقة ليست ما نعتقد، بل ما نختار أن نصدق به،" تقولها وهي تنظر إلى الأمام، كلماتها تتسلل كرماد في الهواء البارد.
هو يستمع، كل كلمة تثقل روحه أكثر. يود أن يصدقها، يود أن يترك وراءه دوامة الأسئلة، لكنه يعرف أن الشك ليس بهذه البساطة.
هل أجرؤ أن أثق؟
يأخذ نفسًا عميقًا، محاولة يائسة لاستجماع شتات نفسه، ويهمس:
"أخشى... أن الحقيقة، في جوهرها، قد تكون أكثر مرارة من الشك نفسه."
تتوقف فجأة.
تلتفت إليه، وعيونها تخترق سحابة اللايقين في روحه.
"والشك؟ هل يخيفك الشك؟"
ينظر إليها، يرى الصدق المموه خلف كلماتها، لكنه يجيب بنبرة مشوشة:
"ليس الشك... بل الفراغ الذي يتركه، ذلك الخواء الذي يلتهم كل يقين."
تبتسم، ضحكة هادئة، خافتة، تكاد تُشبه همس المطر.
"أحيانًا، الفراغ هو الحقيقة الوحيدة التي لا يمكننا الهروب منها."
يتوقف أمامها، المطر يصرخ حولهما، يلفهما في عالمٍ بلا هواء، بلا قرار. يرفع يده، يلمس يدها، يكتشف الدفء الخافت تحت القطرات الباردة.
هنا، بين لمسة يديه، بين برودة المطر ودفء يدها، يشعر كما لو أن الزمن قد تجمد.
هو يعرف الآن: اليقين ليس بالضرورة أن تكون الإجابة واضحة، بل هي اختيار شجاعة، قرار بالمضي قدمًا رغم الضباب الذي يلف الطريق.
يتنفس ببطء، ويهمس:
"سأسير معك... حتى النهاية، مهما كانت."
هي تبتسم، تلك الابتسامة التي تكاد تكون الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذا العالم المضطرب.
وفي داخله، يدرك أخيرًا أن الشك... هو الحقيقة الوحيدة التي لا مفر منها.
اسم الموضوع : على ضفاف رحيل ....الجوري
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء