-
- إنضم
- 23 فبراير 2023
-
- المشاركات
- 50,394
-
- مستوى التفاعل
- 24,124
- مجموع اﻻوسمة
- 25
مقال شخصي ...بين العتمة والضوء
لم يكن الليلُ يومًا سوى مرآةٍ لأعماقنا، تلك الأعماق التي نغرقُ فيها حين تسكنُ الضوضاء، فنصيرُ وجهًا لوجهٍ مع الفراغ. الفراغ؟ أم الامتلاء السرمديّ الذي لم نُحسن قراءته بعد؟
يقول دوستويفسكي:
"على الإنسان ألّا يخاف من الحياة، بل أن يتقبّلها كما هي." لكن، أيُعقل أن نقبل وجودًا يشوبه هذا الكمّ من التناقض؟ كيف نتآلف مع الألم، والفرح يهرب منا كسراب؟
هنا تتداخل رؤى نيتشه،
الذي أصرّ على أن القوة تكمن في مواجهة العبث، في خلق المعنى من داخلنا، في صراخ الإرادة وسط صمت القدر.
العقلُ يهمس لنا بأصوات سبينوزا : كلّ شيء ضروريّ، حتى ذلك الألم القابع في زاوية الذاكرة.
بينما القلبُ يعترض، متلبّسًا بوجدانية كافكا ، حيث لا شيء حتميّ سوى الضياع. أيّهما نصدق؟ أيّهما يحمل الحقيقة؟ أم أن الحقيقة ذاتها ليست سوى انعكاسٍ لما نختار أن نراه؟
في لحظة ما، بين يقظةٍ وحلم، بين سؤالٍ وجواب، نجد أنفسنا على حافة الإدراك: نحن لسنا مجرّد ظلالٍ تمضي، بل كائنات تصنع النور من العتمة، وترسم على جدران الوجود أسماءها، علّها تبقى… ولو للحظة واحدة، في مجرةٍ لا تبالي.
ولكن، هل نحن فعلاً من يصنع النور؟ أم أن النور كان فينا منذ البدء، نبحث عنه في الخارج بينما هو يسكن أعماقنا؟ لا شيء أكثر عبثية من أن يمضي الإنسان عمره وهو يطارد انعكاسه في مرايا الآخرين، متوهماً أنه لا يكتمل إلا بهم.
لكن هايدغر كان محقاً: الوجود ليس انتظاراً، بل انبثاق. أن تكون يعني أن تلقي بنفسك في الحياة دون ضمانات، أن تصنع طريقك وأنت تمشيه، أن تُصبح المعنى بدلاً من أن تبحث عنه.
وإذا كان سارتر قد قال: "نحن محكومون بالحرية"، فهل هذه الحرية نعمة أم عبء؟ أن تكون حراً يعني أن تكون مسؤولاً عن كل اختيار، أن تكون وحيداً في مواجهة احتمالات لا نهائية، أن تصنع ذاتك من العدم، أن تنظر في عين القدر وتقول له: "أنا من أكتب القصة." ولكن أي قصة هذه، ونحن نعرف جيداً أن النهاية واحدة؟
وهنا، تتقاطع أفكارنا مع شوبنهاور ، الذي همس منذ قرون بأن الإرادة ليست إلا لعنة، وأن الحياة تسير وفق دوائر متكررة من الرغبة والخيبة.
لكن لعلّ كامو وجد طريقاً للخلاص، حين قال إن عبثية الحياة ليست سبباً للاستسلام، بل مدعاة للتمرد، للضحك في وجه العبث، لاحتضان الحياة كما هي، بلا أوهام، بلا تصالح زائف مع ما لا يُحتمل.
فما الذي يبقى في النهاية؟ ربما لا شيء، سوى لحظاتٍ خاطفة من الجمال، لحظة يلتقي فيها عاشقان تحت ضوء القمر، لحظة تنهار فيها جدران الخوف أمام بريق الحقيقة، لحظة نرى فيها، ولو لمرة واحدة، ذواتنا كما هي، بلا أقنعة، بلا زيف.
وإن كان لا شيء يبقى، فربما، وربما فقط، يكفي أننا كنا هنا، أننا تساءلنا، أننا بحثنا عن المعنى حتى وإن لم نجده، أن وجودنا، ولو للحظة، قد شكّل فرقاً… ولو في مجرةٍ لا تبالي
الجوري .....
اسم الموضوع : مقال شخصي ...بين العتمة والضوء
|
المصدر : المنتدي العام