تواصل معنا

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته هنا سأضع جميع اجزاء رواية "حلم لم انساه" قرائة ممتعة

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
3,315
مستوى التفاعل
730
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
2
حلم لم انساه

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
هنا سأضع جميع اجزاء رواية "حلم لم انساه" قرائة ممتعة
Picsart_25-04-10_05-12-00-878.jpg
 
اسم الموضوع : حلم لم انساه | المصدر : روايات بريشة الاعضاء

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
3,315
مستوى التفاعل
730
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
2
حلم لم انساه
حلم لم انساه 1
انس
لم أكن أؤمن بالأحلام.
أو لنقل… لم أكن أعيرها اهتمامًا.
أحلامنا، كما يقولون، ما هي إلا ارتجالات من العقل، محاولات لصياغة رغبات لم تُكتب لها الحياة في الواقع.
لكن تلك الليلة… شيء ما تغيّر.

استيقظت وأنا أشعر بأنني فقدت شيئًا ثمينًا. لم يكن مجرد حلم، كان لقاءً حقيقيًا، لحظة صدق عشتها بكل كياني، كأن روحي قد خرجت من جسدي وذهبت إلى مكانٍ لا يعرفه أحد.

اسمها كان "نور".
وأيُّ اسمٍ أليق بها من هذا الاسم؟

تلك العيون الواسعة المستديرة، كانت تنظر إليّ وكأنها تعرفني من قبل. كأنني لست غريبًا عليها. شعرها الأسود الطويل كان ينسدل فوق كتفيها كأنه قطعة من ليلٍ ساكن. وفستانها الأبيض… لم يكن مجرد ثوب، بل تجسيد للنقاء.
في الحلم، تحدثنا. لا أذكر كل الكلمات، لكنني أذكر شعورها… شعور الأمان، شعور الحُب.

الغريب؟ أنني لم أنسَ.
أعرف أن الأحلام تتلاشى عند الصباح، تتحول إلى غبار منسيّ، لكن نور… بقيت.

مرت الأيام بعدها وأنا أشعر بالتيه. كل شيء حولي أصبح باهتًا. الجامعة، الأصدقاء، حتى ضجيج الشوارع… كأن العالم خفت صوته بعد أن سمعت صوتها.

كيف لحلم أن يسرقني بهذا الشكل؟
كيف لفتاة لا أعرفها – أو ربما عرفتها في حياةٍ أخرى – أن تُربكني لهذا الحد؟

لكنني على يقين… أن نور ليست حلمًا فقط.
كانت حقيقية، بطريقةٍ لا يفهمها هذا العالم.

مرت أسابيع على الحلم، والحياة استمرت تمشي بي كما لو أن شيئًا لم يحدث.
لكن داخلي كان مختلفًا.
كنت أحاول أن أعيش بشكل طبيعي، أذهب للجامعة، أشارك في المحاضرات، أبتسم للأصدقاء، وأقنع نفسي أن ما حدث مجرد حلم…
لكنني لم أقتنع.

ثم جاءت لحظة لم أتوقعها.
حدثت مشكلة في التسجيل، تلاها خطأ إداري عجيب، ثم قرار لا رجعة فيه: يجب أن أُنقل إلى جامعة أخرى.
أقسم أنني شعرت أن شيئًا ما يجرّني إلى هناك… إلى مكان لا أعرفه، لكنه يعرفني.

لم أكن متفائلًا بالانتقال.
لكن كل شيء تغيّر حين رأيتها.

كانت جالسة في الحديقة الجامعية، تقرأ كتابًا تحت شجرة زهر.
الشمس تنعكس على شعرها الأسود، ونسمة خفيفة تحرك فستانها الأبيض الهادئ.
تجمّدت خطواتي.
قلبي تسرّع بشكل مؤلم، وكأنني أعود إلى الحلم مرة أخرى.

"نور…"
نطقتها دون أن أملك نفسي.
رفعت رأسها نحوي ببطء، والتقت عيوننا. نفس العيون… نفس النظرة.

مشيت نحوها، مرتبكًا، متوترًا، قلبي لا يصدق ما تراه عيني.
"أنا أعرفك…" قلتها بهمس، "رأيتك من قبل… في الحلم."

نظرت إليّ بدهشة، لكن دون خوف.
"أنا آسفة… هل التقينا من قبل؟"
"لا… أعني، نعم… لا أدري كيف أشرح… كنتِ ترتدين نفس هذا الفستان، تحت نفس هذه الشجرة، وكنا نتحدث… وكأننا نعرف بعضنا من سنين."
ابتسمت بخجل، ثم قالت:
"غريب… أنا حلمت بشيء قريب من هذا. حلمت بشخص… وكنت هنا فعلًا… لكني لا أتذكر ملامحه."
توقفت، ثم حدّقت بي وكأنها تحاول أن تتذكر.
"صوتك… فيه شيء مألوف."

يا الله…
هي حلمت أيضًا!
لكن لماذا نسيت كل شيء؟
لماذا أنا الوحيد الذي يتذكر كل التفاصيل، كل الكلمات، كل المشاعر؟

وقفت أمامها مشوشًا، عاجزًا عن تفسير أي شيء.
أردت أن أخبرها بكل شيء، لكن شيئًا ما في عينيها جعلني أتراجع.
ربما… لم يحن الوقت بعد.

لكنني أقسم بشيء لا أستطيع تفسيره:
هذه ليست مصادفة.
أنا وهي… نحن ارتبطنا بشيء أكبر من الحلم.
والآن، بدأ القدر يعيدنا إلى الطريق نفسه… من جديد.
عدت الى البيت لم يكن هناك جديد حل الضلام
في تلك الليلة، لم أكن أعرف إن كنت أنام لأرتاح… أم أنام فقط لأراها.

وضعت رأسي على الوسادة، وأنا أفكر في لقائنا الغريب اليوم. تلك النظرة، صوتها، ارتباكها وهي تحاول تذكّر شيء مطموس في عقلها…
لكن قلبي كان متأكدًا.
لقد رأيتها هناك… في الحلم. والآن رأيتها هنا.
أو… ربما لا فرق؟

انزلقت في النوم كما ينزلق ورق الشجر على سطح نهر هادئ.

وها أنا… هناك.

نفس المكان.
نفس الإضاءة الغامضة التي لا تأتي من شمس، بل من نور لا أعرف مصدره.
وهي… واقفة هناك، بنفس الفستان الأبيض، تنظر إليّ بعينين تحملان سؤالًا لا يقال.

اقتربتُ منها، بخطوات مرتجفة.
لكنها بادرتني هذه المرة، بصوتٍ أقرب للهمس:

"كيف… كيف استطعت أن تتذكر الحلم؟"

نظرتُ إليها في حيرة.
"ماذا تعنين؟"

قالت وهي تقترب أكثر، ملامحها يكسوها حزن شفيف:
"أنا… أنا أيضًا حلمت بك قبل أسابيع. كنت أراك في أماكن لا أعرفها، نتكلم، نضحك، أرتاح معك… لكنني عندما أستيقظ، أنسى كل شيء. كل شيء!
أشعر فقط أنني فقدت قطعة من روحي، ولا أعرف السبب…
لكنك… أنت تتذكر."

صمتُّ لثوانٍ. عقلي يبحث عن تفسير… لكن لا يوجد.
"هل نحن… هل نحن حقًا نحلم الآن؟ أم أننا نلتقي هنا كما نلتقي هناك؟"

أغلقت عينيها لحظة وقالت:
"قرأت ذات مرة في رواية ما… أن الأحلام ليست مجرد خيال.
إنها أبواب لعوالم نخلقها نحن.
عالم لا يُفرض علينا، بل عالم نختاره نحن.
عندما نستيقظ وننسى… فذلك لأن الحياة لا تريدنا أن نتمسك بما نحب."

نظرت إليها بدهشة، وقد بدأت كل خلية في جسدي ترتجف.
"لكنني لم أنسَ. أنا تذكرتك، بحثت عنك… وجدتُك."

ابتسمت بلطف، ثم وضعت يدها على صدري، وقالت:

"ربما… لهذا السبب عدت إلى هنا الليلة. ربما قلبك هو البوابة."

ثم بدأ كل شيء يختفي… ملامحها، صوتها، المكان…

استيقظت.

وقلبي… كان ينبض بشدة كما لو أنني غبت عن الوعي، وعدت من عالم آخر.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
3,315
مستوى التفاعل
730
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
2
حلم لم انساه
حلم لم انساه 2
نور

استيقظت وأنا أشعر أن شيئًا ناعمًا ينسلّ من بين أصابعي…
كأنني كنت أعيش لحظة دافئة ثم انسحبت فجأة دون استئذان.
كان هناك وجه.
صوت.
مكانٌ لا يشبه أي مكان أعرفه.

ذلك الشاب…

لم أعد أذكر سوى ملامح عينيه وصوته وهو يناديني… لكن الكلمات، المشهد، التفاصيل… كلها تبخّرت كدخان بعد مطر.
أغمضت عيني مجددًا، كأنني أستطيع سحب الحلم من عمق رأسي، لكن لا فائدة.

تنهدت ونهضت لأبدأ يومي.
ربما مجرد حلم آخر… مثل غيره.
لكنه ترك شعورًا غريبًا، كأنه… ليس "مجرد" حلم.

حين وصلت إلى الكلية، قلبي خفق بغير سبب.
لم أكن أعرف لماذا أبحث بعيني بين الوجوه… إلى أن رأيته.
هو.

كان جالسًا في الصف الأول، وكأن الحياة منحته مكانًا بارزًا في واقعي، كما منحته في نومي.

اقتربتُ منه دون أن أدرك، وقلت:
"أنت…"

رفع نظره إليّ، وفي عينيه ضوء فرح…
"نعم! هل تذكرتِ؟"

تمنيت أن أقول "نعم"، أن أربط كل شعوري بكلمات، لكني لم أستطع.
"لا… للأسف، فقط مشاهد… ضبابية. لكنني متأكدة أنني حلمت بك."

قال بهدوء:
"اسمي أنس."

جلست بجانبه. لا أعلم لماذا، فقط شعرت أن المكان بجواره ينتمي إليّ.
مرت المحاضرة وأنا بين السطور وبين نظرات خاطفة إليه…
حين خروجنا من القاعة، اقتربت منه فتاة لا أعرفها.
وقفت أمامه وسألته عن شيء، لم أسمع ما قالته بالضبط، لكن وقفتها، طريقة ابتسامتها، قربها منه…
كل شيء فيها أزعجني.
شعرت بوخزة غريبة داخلي.
وكأنني أملك شيئًا لا أعلم أنه لي.

انتظرت بصمت حتى انتهى، ثم نظرت إليه وسألت دون تفكير:
"من تلك؟"

رفع حاجبه قليلًا، وكأن السؤال فاجأه… ثم ابتسم تلك الابتسامة الهادئة الماكرة.
"لماذا تسألين؟"

شعرت بالدم يتصاعد إلى وجهي.
"لا شيء… آسفة. مجرد فضول."

استدرت لأرحل، لكنه قال بهدوء:
**"للصراحة؟ أنا أيضًا لا أعرف من هي.
كانت قريبة مني، وسألتني عن الواجب اللي أعطانا إياه الدكتور في آخر المحاضرة…
أعتقد إنها ما فهمت قصده."**

توقفت للحظة.
أردت أن أقول "رائع " وأنهي الموقف، لكن شعورًا صغيرًا بداخلي ارتبك أكثر…
قبل أن أهرب من الموقف، سمعت صوته من خلفي:

"فقط لحظة…"

التفتُّ له، فقال وهو يبتسم:
"هل شعرتِ بالغيرة؟"

نظرت إليه في صدمة، وقلبي يضرب كأنني انكشفت.
أخفضت وجهي فورًا، ولم أقل شيئًا.
فقط تركته وذهبت.

ورائي…
كنت أسمعه يضحك بهدوء.
ضحكة صادقة، لم أكرهها كما توقع.ولأول مرة، شعرت أنني أريد أن أتذكر الحلم… لا لأني لا أتذكره، بل لأن قلبي… بدأ يحلم وهو مستيقظ.


ذلك اليوم، لم أستطع التركيز في شيء.

لا المحاضرات، ولا زحام الممرات، ولا حتى أحاديث الفتيات من حولي.
كلما حاولت صرف ذهني، عاد وجهه ليقفز في بالي…
ضحكته، نظرته، سؤاله السخيف اللطيف: "هل شعرتِ بالغيرة؟"

لكنني لم أغضب.

في الحقيقة… شعرت بالراحة. كأنّ أحدهم لاحظني أخيرًا.

حين انتهى اليوم، وجدته ينتظر عند بوابة الكلية. لم أكن أتوقعه، ولم يبدو كأنه خطط لذلك…
كأننا فقط، نُسحب معًا إلى نفس اللحظة دون تخطيط.

قال لي وهو يسير بجانبي:
"هل تودين أن نأخذ جولة؟ فقط مشي، لا شيء رسمي."

ترددت، ثم وجدت رأسي يومء من تلقاء نفسه.

مشينا بجانب السور الطويل، حيث كانت الشمس تميل إلى الغروب، وتغمر الشارع بضوءٍ برتقالي ناعم.

قال:
"هل تعلمين؟ أحيانًا أشعر أنني أعرفك منذ زمن بعيد… شيء أعمق من الأحلام."

ابتسمتُ ببطء، ثم تنهدت وقلت:
"الغريب… أنني مرتاحة وأخاف في الوقت ذاته. كأنني أنتظر شيئًا أن يحدث… ولا أعرف ما هو."

صمتنا لثوانٍ، ثم قلت، لا أدري لماذا:
"هل أخبرك بسر؟"

نظر إليّ باهتمام:
"أكيد."

قلت وأنا أحدق في ظل الشجرة القريبة:
**"أنا لا أثق بالناس بسهولة. كثير من الوجوه مرت في حياتي… وخرجت.
حتى صديقاتي، لا أقول لهن كل شيء.
لكن معك… لا أشعر أنني أحتاج للتفكير. كأن قلبي يتحدث قبلي."**

لم يعلّق، لكنه نظر إليّ نظرة طويلة.
نظرة تشبه حضنًا صامتًا.

قال بعدها:
"ربما… لأن قلوبنا تحدثت معًا قبل أن نلتقي. في ذلك العالم، العالم اللي نحلم فيه."

نظرت له، وابتسمت.

لم أقل شيئًا بعدها.

لكنني شعرت أنني اقتربت أكثر من فهم نفسي…
ومن فهمه.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
3,315
مستوى التفاعل
730
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
2
حلم لم انساه
حلم لم انساه 3
انس
أحيانًا، لا تحتاج أن يحدث شيء ضخم كي تدرك أن حياتك تغيرت…
يكفي أن تلتقي بشخص، شخص واحد، في حلمٍ ما…
فتبدأ بعدها تدرك أن كل شيء فيك لم يعد كما كان.

عدت إلى البيت، رميت حقيبتي كما هي، واستلقيت على سريري.
أغمضت عينيّ لأستريح قليلاً، لكن… النوم لم يكن كريماً معي.
عقلي كان مسرحًا صاخبًا بأفكارٍ لا تهدأ.

كنت أفكر فيها…
في نور.

في تلك النظرة التي رمقتني بها حين رأتني أتكلم مع فتاة أخرى،
في طريقة حديثنا… في الحلم الأخير، في طلبها أن أقصه عليها إذا نسيت.

أنا الوحيد الذي يتذكر كل شيء.
لماذا؟
لماذا أنا؟
هل من الطبيعي أن يحب أحد فتاة رآها أول مرة في حلم؟
وهل من الممكن أن يكبر هذا الحب وسط عالمين لا يعترف أحدهما بالآخر؟

فجأة، وجدت نفسي أغرق في الظلام.
لكنني كنت أعلم… أعلم أنني الآن نائم.

ولم يخذلني الحلم.

كانت هناك.
نور.
بنفس تلك الهيئة الساحرة… بنفس النظرة التي تقلب عالمي.

قالت بصوتها الهادئ، بنبرة تحمل حيرة لا تشبهها:
"أنا لا أفهم كيف تجري علاقتنا… لكنك الوحيد الذي يستطيع أن يتذكر ما يحدث هنا."

نظرت إليها. أردت أن ألمس يدها، أن أؤكد لها أنني لست مجرد ظل في هذا الحلم،
قلت:
"أنا أيضًا أشعر بذلك. وكأن هذا المكان يعرفني… ويعرفك."

قالت وهي تقطع المسافة بيننا بنظراتها:
"إذاً… تذكرني في الحياة الواقعية. عدني أنك ستقص عليّ كل شيء عن هذا الحلم."

نظرت لها، كأن قلبي هو من أجاب:
"أعدك."



استيقظت.

لكن قلبي لم يكن في سريري، كان لا يزال هناك، معها.
ومع ذلك، كنت متحمسًا… نعم، متحمس لأراها، لأفي بوعدي.

عند بوابة الجامعة، اقتربت مني فتاة وقالت:
"أنت الطالب الجديد، صح؟"
"نعم."

"يبدو أنك ماهر في كتابة البحوث، الدكتور مدحك كثيرًا!"

ابتسمت لها باحترام، وقلت:
"شكرًا… هذا من لطفك."

لكن في اللحظة التي شعرت أن هناك من يراقبني…
نظرت حولي، فكانت نور.

كانت تراقب، وعيناها تتكلمان قبْلها.

اعتذرت سريعًا من الفتاة، وتوجهت نحو نور.
وحين وصلت، أدارت وجهها عني.

قلت بخفة لأخفف التوتر:
"ما بكِ؟"

ردّت ببرود مُتعمّد، لكن نظرتها كانت تحكي كل شيء:
"لا شيء يهمك. فلتذهب وتكمل الحديث معها، حلمت بها ايظاً، كل شيء وارد منك."

ضحكت، رغم غصة خفيفة تسللت إلى قلبي، وقلت بهدوء:
"لا، لا… أنت الوحيدة التي هناك."

نظرت إليّ للحظة، ثم قالت بصوت خافت، فيه شيء من الخجل، وشيء من الأمل:
"أريد أن أكون الوحيدة… هنا أيضًا."

ذلك فقط… كان كافيًا ليقلب اليوم رأسًا على عقب.
ضحكتُ بخفة، ولم أُعلّق.

لكني في داخلي، كنت أعدها من جديد…
أن تبقى الوحيدة،
في الحلم… وفي الواقع.

نور

كان يومًا عاديًا في الجامعة، أو هكذا ظننت.
لكن شيئًا في داخلي كان مختلفًا. شعرت أنني أتابع كل حركة من حولي بنظرات غير واعية.
عينيّ تلاحق خطواته في كل مرة يدخل فيها إلى الغرفة.
كيف يمكنني أن أشرح هذا الشعور؟ شعور كأن قلبي يهمس لي بشيء، وأنا لا أسمعه إلا حينما تلتقي عيني به.

في تلك اللحظة، رأيته.
كان يقف هناك، يبتسم لي، كما لو أن الزمن توقف ليمنحنا لحظة خاصة بيننا فقط.

ثم جاء إليّ، ومرة أخرى، شعرت بشيء غريب يتسلل إلى صدري.

"ما بكِ؟" قالها بابتسامة ماكرة، كما لو أنه يراودني عن نفسي.
لم أستطع أن أخفي ضيقي، فقلت بغضب:
"لا شيء يهمك. فلتذهب وتكمل الحديث معها، حلمت بها ايظاً، كل شيء وارد منك."

في تلك اللحظة، لم أستطع السيطرة على مشاعري.
كنت أغار، وأنا لا أفهم لماذا.
كيف لي أن أغار على شخص لم أعرفه إلا في الحلم؟ شخص كنت أظن أنه مجرد ذكرى في عقلي، لكن الآن أراه أمامي، يقترب أكثر.

ثم، في تلك اللحظة، قال:
"لا، لا. أنت الوحيدة التي هناك."

عينيّ انطلقت نحو عينيه… شيء ما حدث في تلك اللحظة، شيء بيننا.
كان قلبي يرقص مع كلمات لم أكن أستطيع الرد عليها بسهولة.

"أريد أن أكون الوحيدة هنا أيضًا." كانت تلك هي الكلمات التي خرجت مني.
خجلت قليلاً، ووجهت عيني نحو الأرض.
لم أكن أعلم كيف أتصرف أو كيف أفكر. كنت أشعر بشيء جديد في داخلي، شيء لم أتعلم كيف أسمّيه بعد.

أنس، كان يبدو أكثر عزمًا على أن يقص عليّ ما يخبئه قلبه.
دخل إلى قاعة المحاضرات، وكانت الأجواء أكثر هدوءًا.
كنت أترقب أن يتحدث.
وفي لحظة، استدار نحوي، وعينيه مليئة بشيءٍ كان واضحًا… كان يريد أن يحدثني عن شيء مهم.

قال لي بصوت هادئ:
"أريد أن أخبرك عن شيء، نور… شيء يتعلق بحلمنا."

توقفت نبضات قلبي للحظة.
هل فعلاً سيروي لي عن الحلم الذي نتقاسمه؟ حلمي الذي بدا أنه غادر ذاكرتي وأنا الوحيدة التي لم أستطع تذكره؟

"أخبرني، أنس." قلتها بصوت خافت، لا أستطيع إخفاء الفضول في داخلي.
نظر إليّ بتلك النظرة التي كانت كافية لإشعال الحماسة في قلبي.

بدأ أنس يروي:
"كل شيء بدأ في ذلك الحلم، أنا وأنتِ في مكان غريب، وفيه لحظة غريبة… لم أتخيل أبدًا أنني سألتقي بكِ بعده."

وبدأ يصف لي كل التفاصيل.
كيف التقينا في الحلم لأول مرة، كيف كانت العيون التي نظرت إليّ، كيف كانت ابتسامتي تلك التي لم تفارق قلبه.
ثم قال لي بشيء من التردد:
"كنتُ أظن أنني الوحيد الذي يتذكر… ولكن الآن أنا متأكد أنكِ تذكرين شيئًا، حتى لو كان جزءًا صغيرًا."

كنت أستمع إليه بشغف، وكل كلمة كانت تجذبني أكثر إليه.
قلت:
"كنت أظن أنني وحدي من يحلم بذلك. لكن الآن… كل شيء يبدو حقيقيًا."

ضحك قليلاً وقال:
"وأنا كذلك. وأنا هنا الآن، لأقص عليك كل شيء."

كنت أشعر بأن مشاعري تتغير.
ما بين الكلمات، كان قلبه يهمس لي، وكان عقلي يراقب كل لحظة تمر.
لقد بدأنا نفهم بعضنا بشكل غير تقليدي، وحبنا - إن كان هذا ما أسميه - بدأ ينمو في أحلامنا أولًا.

لكن، كما في كل القصص الجميلة، ليس كل شيء يسير بسلاسة.
في ذلك اليوم نفسه، بينما كنا ننتظر المحاضرة القادمة، كانت هناك فتاة أخرى تقترب منه.
تلك اللحظة التي شعرت فيها بغيظ صغير يسرق سعادتي.
كيف لي أن أغار على شخص لا أملك عليه حقًا؟
ثم جاء أنس، وقال لي بابتسامة خفيفة:
"لا تقلقي، نور. أنتِ الوحيدة التي في عالمي."

وفي تلك اللحظة، شعرت أن العالم كان يتحدث عنّا، وأنني لا أريد أن يكون أي شيء آخر أكثر أهمية من هذا الشعور الغريب الذي يزداد بيننا.

أنس…
ذلك الشاب الذي أصبح جزءًا من أيامي… بل أحلامي أيضًا.
كنا نضحك، نتكلم، نعيش تفاصيل صغيرة لا يلاحظها أحد…
ثم فجأة، في لحظة لا تفسير لها… اختفى.

لا مكالمة، لا رسالة، لا حضور في الجامعة.
حتى أحلامي التي كانت تأويني إليه، خذلتني… لم يعد يظهر.
كنت أبحث عنه بين الزوايا، أسأل أصدقاءه، أحدهم قال:
"والله من أسبوعين لم نسمع عنه شي، حتى من المجموعة سجل خروج."

غريب…
كأنه لم يكن موجودًا من الأساس.
هل كان حلمًا؟
لكن لا… لم يكن حلمًا فقط، كنت أراه، ألمسه، أسمع ضحكته بوضوح.

مرّ أسبوعان… ثقيلان جدًا.
الجامعة أصبحت رمادية، لا لون فيها ولا دفء.
وحدها ذكرياته كانت تُدفئني وتؤذيني في الوقت نفسه.

في أحد الأيام، عدت من الجامعة، أضعف من أن أقاوم كل هذا الفراغ.
ألقيت بنفسي على السرير، وشعرت بأن الدموع على وشك أن تغدر بي.
تخيلت ملامحه، ابتسامته الهادئة، عيونه التي تشبه حضنًا آمنًا.

وغفوت…

**

لم أفتح عيني… بل روحي هي من فُتحت أولًا.

كنت أعلم، هذه ليست الحياة…
هذا ليس العالم الذي فيه استيقظ لأحمل حقيبتي وأركض للمحاضرة.
كنت في عالم آخر… عالم يشبه الحلم… لكنني كنت واعية تمامًا.

أخذت أبحث عنه بعينيّ…
قلبي كان يدق بسرعة غير معتادة، كأنه يعلم أنه قريب.

ثم رأيته.

واقفًا في مكان بعيد، بملابس سوداء، كأن الليل اختار أن يسكن جسده.
لكن لم يكن هذا هو أنس الذي أعرفه…

كان منكس الرأس، عيناه هاربتان من كل شيء، كأن العالم كله سحقه بثقله.
لا شيء فيه يبتسم… لا ابتسامته، لا حضوره، لا نبرته.

خطوت نحوه ببطء، والخوف يملأني.
هل هو بخير؟ ماذا حدث؟ لماذا رحل عني هكذا؟

اقتربت أكثر…
كان يقف وحيدًا، لا يتحرك، لا يتنفس تقريبًا.

"أنس…" همستها.

رفع رأسه ببطء، نظر إليّ…
وفي عينيه… كانت هناك حرب.
وجع مختبئ، تعب لم يُحك، وحنين متكسر.

لكنه لم يقل شيئًا.

وقفت أمامه، ارتجفت شفتي، وقبل أن أتكلم قال بصوت خافت:

"أنا آسف… غصتُ في ظلام لا أعلم كيف أعود منه."

شعرت أنني لا أملك إلا أن أضع يدي على قلبه.
"ما الذي حدث؟ لماذا رحلت؟ لماذا تركتني وحدي؟"

لم يجب…
لكن نظراته كانت كافية لتروي مئة قصة.

الآن… أنا لا أعلم هل هذا حلم؟
هل هذا وداع؟ أم بداية جديدة بعد فاصل طويل من الغياب؟

لكنني أعلم شيئًا واحدًا فقط…
أن قلبي، رغم كل شيء، لا يزال يهمس باسمه في كل نبضة.


ظلّ واقفًا بصمته، وأنا أحدّق فيه وكأنني أحاول أن أفتح أبوابًا مغلقة خلف عينيه.
كنت أعرف أن هناك شيئًا ما... شيئًا جعله يختفي، شيئًا كسر ذلك النور الذي كان يسكن صوته.

اقتربت أكثر، لم أعد أتحمّل البُعد...
"أنس، أرجوك... قل لي، ما الذي حصل؟"

عندها، تحركت شفتاه أخيرًا... بصوت ناعم، لكن ثقيل كالجبل:

"أمي..."
توقف، أخذ نفسًا عميقًا، وكأنه يعيد ترتيب حزنه.
"أمي رحلت، فجأة... بدون إنذار، بدون وداع. دخلت غرفتها في الصباح... وكانت باردة."

تسمرت مكاني.

أراد أن يكمل، وكان يحاول أن يبدو قويًا، لكن صوته كان ينكسر:

"لم أعد أؤمن بالبقاء، نور. الناس الذين نحبهم... يرحلون. أمي كانت كل حياتي. ومعها، رحلت ثقتي... وحلمي... وحتى أنا."

شعرت بدموعي تهرب رغمًا عني.
اقتربت منه خطوة أخرى، ووضعت يدي على يده.
كانت يده باردة، كأن قلبه لم يعد ينبض كما كان.

"لكنني هنا، أنس..."
قلت له ذلك كأنني أعده بأن لا أرحل، بأن أبقى حين لم يبقَ أحد.

"الحب لا يعني الأمان دائمًا، لكنه يعني أن نعيش لحظات حقيقية، لحظات تستحق، حتى لو كانت مؤقتة."

نظر إليّ أخيرًا، نظرة طويلة، فيها أسى ودهشة، كأنه لم يصدق أنني بقيت.
ثم، ابتسم... ابتسامة صغيرة، لكنها كانت أول شعاع في هذا الظلام.

"أنتِ... تحلمين بي بعد كل هذا؟"
هززت رأسي وأنا أضحك بخفة وسط البكاء:
"بصدق؟... لم أتوقف أبدًا."

**

في تلك اللحظة، تغير شيء في الحلم.

الهواء أصبح أخف، الألوان أهدأ.
ربما لأن أنس أخرج شيئًا ظلّ يحرق صدره طويلًا.

جلسنا على مقعد خشبي وسط الحلم، وسط الحديقة ذاتها التي التقينا فيها أول مرة.
لم نتحدث كثيرًا بعدها، كأننا نكتفي بوجودنا معًا… هذه المرة، بسلام، لا أسئلة ولا غياب.

**

استيقظت نور ودمعة على خدها…
لكنها لم تكن حزينة، بل كانت دافئة.
ربما لأن الحلم هذه المرة لم يكن هروبًا، بل مواجهة.

والآن… أصبحت تعرف، وتريد أكثر من أي وقت مضى… أن تجد أنس في الواقع.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
3,315
مستوى التفاعل
730
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
2
حلم لم انساه
حلم لم انساه 4
انس
كان صباحًا عاديًا.
ظننت أنني سأذهب للجامعة، أرى نور، نضحك، نكمل طريقنا الذي بدأناه في الحلم ثم في الحياة.
لكن الحياة… لا تستأذن عندما تقرر أن تسلب منك كل شيء.

دخلت الغرفة…
كانت أمي ممددة على السرير.
تبدو هادئة، كما اعتادت، لكن… هناك شيء ناقص.
ناديتها، لم ترد.
اقتربت منها، لم تتحرك.

يدي حين لمستها عرفت الحقيقة فورًا…
كانت باردة.

عيني لم تصدق، قلبي ظل يصرخ داخلي: "لا، لا، لا، ليس الآن… ليس هي."
لكنها كانت الحقيقة.
أمي… غادرت هذا العالم دون أن تنظر في عيني للمرة الأخيرة.

في لحظة واحدة، سقط كل شيء.

لم أعد أرغب بشيء.
لا جامعة، لا نور، لا أحلام.

الحلم الذي كان جنتي صار خيانة.
لماذا أحلم وأنا في الواقع أعيش كابوسًا؟
لماذا أبتسم في النوم وأبكي في اليقظة؟

لم أرد أن أراها حتى في الحلم.
كنت أغلق عيني بالقوة، وأدعو أن لا أراها، أن لا أرا أحدًا.
أن أبقى في الظلام، حيث لا أحد يستطيع أن يتركني مرة أخرى.

**

أسبوعان…
لم أخرج من غرفتي إلا حين اضطررت للذهاب إلى المقبرة.
لم أكل كثيرًا، لم أتكلم مع أحد.
كل من حاول الاقتراب مني، ابتعدت عنه.

حتى أصدقاء الجامعة، حتى نور…
كنت أهرب منهم كأنهم خطر.
لا لأنني أكرههم، بل لأنني لا أريد أن أحبهم ثم أفقدهم كما فقدتها.

**

وفي الليلة الرابعة عشرة…
كنت قد قررت أن لا أنام، لكن جسدي خانني.

استسلمت للنعاس وأنا أقول في نفسي:
"أرجوك، لا تأخذني إلى هناك… لا أريد أن أراها."
لكن النوم ليس لنا، هو عالم لا نتحكم فيه.

**

فتحت عيني في عالم ليس عالمي…
الهواء ناعم، السماء بلون لم أره من قبل…
وأنا واقف، هناك، في مكان لم أرده، لكنني جئت إليه رغمًا عني.

كنت في الحلم.
ونور… كانت تقترب من بعيد.


فتحتُ عيني في عالمٍ لم أعد أشتاق إليه، رغم أنّه كان يوماً ملجأي.
ذات الحديقة… ذات النسيم الذي يعانق الوجوه لا الأجساد…
ولكنّني لم أكن كما كنت.
كنتُ شخصًا مثقلاً بفقدٍ لا يُطاق، بصمتٍ أرهق روحي.

تقدّمت نحوي خطواتٌ خفيفةٌ، مألوفة…
كانت نور.

لكنني لم أقترب… لم أبتسم… فقط وقفت.
كأنّني تمثالٌ نحته الحزن، لا الحياة.

نظرت إليّ، نظرةً فيها من الحيرة ما يُمزّق القلب، وفي صوتٍ مرتجف، نادتني:

"أنس؟"

أجبتُها بعينين تملؤهما الخسارة:
"نعم… أنا هنا."

اقتربت أكثر، عيناها تبحثان عنّي كما لو كنتُ قد غبت دهراً، وقالت بصوتٍ مُتقطّع:

"أين اختفيت؟ حتى في الأحلام لم تأتِ… انتظرتك."

تنهدتُ بعمق، كأنّ الهواء لا يسعفني، ثم همستُ بكلمات ثقيلة:

"أمّي… توفيت."

انكسر شيءٌ في ملامحها، ارتبكت قسماتها، ثم همست:

"رحمها الله… يا أنس، أنا آسفة."

أخفضت رأسي، وقلت بصوتٍ مخنوق:

"لم أعد أرغب في شيء… لا بالواقع، ولا بالحلم. كل شيء فقد معناه حين فقدتُها… كنت فقط أريد أن أختفي، أن لا أعود إلى شيء."

سكتُّ لحظة، ثم أكملت:

"لكنني عدت… لا أعلم لماذا، ربما لأنك كنتِ تنتظرين… وربما، لأنني بدأت أؤمن أنّك لن ترحلي كما رحلت هي."

مدّت يدها نحوي، لم تقل شيئاً، ولكنّ نظرتها كانت كافية لاحتواء كل هذا الشتات.

أمسكت يدها، وكنت كمن يجد الدفء أخيرًا بعد بردٍ طويل.

جلسنا معًا، تحت ذات الشجرة التي جمعتنا في أول لقاءٍ بالحلم.
كنا صامتين… ولكن القلوب وحدها كانت تتحدّث.

ولأوّل مرّة منذ رحيل أمي…
شعرتُ أنّني أتنفس.

ليس لأنّ الحزن انتهى، بل لأنني وجدتُ من يشاركني إيّاه.


استيقظتُ ذلك الصباح، وقلبي ينبض بشيء لا أفهمه.
شعورٌ غريب يُراودني… وكأنني كنت في مكانٍ دافئ، ثم طُردت منه فجأة.
بحثت في ذاكرتي، ضغطت على رأسي… لا شيء.
كنت أعلم أنّني حلمت، نعم، لكن ماذا؟ بمن؟ لماذا قلبي يشعر بهذا الثقل؟ لا أدري.

خرجتُ من البيت متثاقل الخطى، وكأنني أُجبر على العيش… دون يقين.

وحين وصلت إلى الجامعة، وجدتها.

نور.

كانت واقفة هناك، قرب البوابة، وعندما التقت أعيننا، تجمّدت خطواتي.

تقدّمت نحوي بخطواتٍ خفيفة، بعينين مختلفتين هذه المرة…
فيهما حيرة… ولهفة.

قالت وهي تقترب:
"لقد رأيتك البارحة…"

نظرتُ إليها باندهاش، فقلت:
"أين؟"

همست وهي تُحدّق في وجهي:
"في الحُلم."

صُدمت… الحلم؟ أنا الذي اعتدت أن أتذكّر كلّ شيء، أن أعدّ تفاصيل الأحلام كأنها أيام حياة.
أما الآن، فذاكرتي خواء… لا شيء.

قلتُ لها بصوتٍ منخفض، فيه ذهول:
"حقاً؟… حلمتُ بكِ أيضاً، على الأرجح… لكنني لا أذكر شيئاً، ولا حتى لحظة."

نظرت إليّ بدهشة:
"غريب… أنا من كانت تنسى دائمًا، لكن هذه المرة… كل شيء واضح. كنت هناك، قلت لي إنك عدت، كنت حزيناً… كنتَ منهاراً."

تراجعت خطوة للخلف، وضربتني كلماتها كأنها تستخرج شيئًا من أعماقي.

"قلتُ لكِ إنني عدت؟"

هزّت رأسها بالإيجاب.

ابتسمتُ، ابتسامة حزينة، وقلت:
"ربما… كان قلبي هو من تكلّم، لا لساني. لكن لماذا… لماذا هذه المرة أنا من نسي؟"

تأملتني للحظات، ثم قالت:

"ربما… لأن الأحلام لا تختارنا دائماً، أنس. أحياناً، تذهب لمن يحتاجها أكثر… وكنتُ أنا تلك الشخص الليلة الماضية."

سكتُّ.

شعرتُ أنني أقف أمام نورٍ مختلف…
نورٍ أقرب، أصدق، تفهمني أكثر مما أفهم نفسي.

وتمنّيت… أن لا تكون هذه المرة أيضاً، مجرّد حلم آخر.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
3,315
مستوى التفاعل
730
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
2
حلم لم انساه
حلم لم انساه 5

لم يكن أنس كما كان في البداية…
شيء ما تغيّر فيه.

لم يكن ذلك التغيير صاخباً، بل هادئاً، يشبه النسيم الذي يسبق شروق الشمس.
لم يعد حزيناً بنفس القدر، لم يعد شارداً طويلاً.
صار يبتسم أكثر، يمازحني أكثر… وحتى في صمته، لم يكن كسابق عهده.

ذات مرة، كنا ننتظر بداية المحاضرة، وكان يتكلم مع فتاة من زميلاتنا…
كانت تضحك كثيراً، وتميل برأسها نحوه، وتصفق بيدها من شدّة الضحك.

كنت أراقبهما من بعيد، وأشعر بحرارةٍ تتصاعد في وجهي.
لا أدري لماذا، لكنني شعرت أنني أغار.

وحين التفت إليّ ورآني أنظر نحوه، ابتسم كعادته، ثم اقترب قائلاً:

"هل رأيتِ؟ عندي معجبات كثيرات!"

أجبته وأنا ألوّح بيدي بسخرية:
"آه طبعاً، المشاهير دائماً محاطون بالمعجبين."

ضحك، ثم قال وهو يقترب أكثر:

"لكنني لا أريد إلا واحدة فقط… رغم أنها تغار كثيراً، ولا تعترف بذلك."

حاولتُ التهرب من نظراته، لكنني كنت أبتسم… رغم أنني حاولت أن أبدو غاضبة.

ثم في الضهيرة، كنتُ أتكلم مع زميلٍ لنا عن موضوع في المحاضرة، وأراه فجأة يقترب ويقف بجانبي دون أن يقول شيئاً.

سألته بعد قليل:

"هل كنت تريد شيئاً يا أنس؟"

قال وهو يتصنّع البرود:

"لا أبداً، فقط أعجبتني طريقة وقوفكما، شعرت أنني في مشهد من مسلسل تركي!"

ضحكتُ، وقلت له:
"هل تغار؟"

نظر إليّ مطولاً، ثم همس:

"كثيراً."

***

وفي ذلك اليوم، كنا نمشي معاً تحت سماءٍ رمادية، وكان المطر قد توقف للتو.
الشارع رطب، والهواء ناعم.
كنا صامتين.

وفجأة، توقّف أنس عن المشي، ونظر إليّ طويلاً… عيناه لا تشبهان عيني شخصٍ عادي.
كان فيهما عمق، دفء، وصدق.

قال:

"نور…"

نظرت إليه، وقلبي كأنه توقّف للحظة.

"أنا لا أريد أن أنساكِ بعد الآن… لا في الحلم، ولا في الواقع."

اقترب خطوة، ثم تابع:

**"منذ أن رأيتكِ لأول مرة، هناك… في ذاك الحلم الأول… أدركت أنني وجدت شيئاً لا أريد أن أفيق منه أبداً.
لكنني الآن، أريدكِ في يقظتي أيضاً.
أنا أحبك يا نور."**

لم أستطع أن أتكلم…
فقط ابتسمتُ، ثم قلت له:

"وأنا كنت أنتظر أن تقولها منذ ذلك الحلم."

ضحكنا معاً، كأن الحياة كلها صارت فجأة أخفّ، أهدأ، وأجمل.

تمت•
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى