كيف بك.... سلسلة من تسعة فصول يمنع الرد

[الإكليل*]

كيف بك اذا اغدقت يا قلبي
اذا اسرفت في الحنين
حتى غرقت
اذا ناديت من لا يسمع
وامسكت من لا يعود
كيف بك
والدروب كلها تمضي
ولا احد يلتفت خلفه
كيف بك
اذا صار دفء البدايات بردا
وصوتها البعيد
لا يطرق الا ذاكرتك
كيف بك
اذا كتبتها على صدرك
ونام اسمها في نبضك
ثم صحوت يوما ولم تجدك
قل لي
اي حب هذا الذي يسكنك
ولا يمنحك الا وجعا فاخرا
وصبرا يتكئ على لا شيء
كيف بك
اذا مرت سنينك ولم تعدك
اذا صار العمر حقائب
لا وطن فيها
ولا يد تمسك طرف الانتظار
كيف بك
اذا تلاشى منك الضوء
وظللت تكتبها في العتمة
كأن الحروف حين تذكرها
تتوضأ بالدمع وتبكيك
كيف بك
اذا ضحكت امامهم
وفي داخلك مقبرة
ضجيجها هو
اسمها
وكل القبور انت
وكل الراحلين هي
كيف بك
اذا تهت بينك وبينك
ولم تجدك
ولم تجدها
ولم تعد تفرق
ايكم كان السر
وايكم كان الخسارة
فيا من كنت المدى والعتمة
والماء والظمأ
سلام عليك
ان مر بك الحنين ولم اكن
وسلام علي
ان كتبتك ذات وجع
ولم تعد الحروف تسعفني
هذا قلبي
كان لك
وما زال يتقن الغرق
ولا يتقن الفقد
فلا تعودي
فانا اخاف ان اراك
ثم لا اقدر ان ارحل من جديد


خالد

ويليها الفصل الثاني

 

[الإكليل*]

كيف بك أن تكون بهذا الاتساع
وتحاصر كل هذا الضيق
دون أن تصرخ
أن تحمل بداخلك مدنا هدمت
قبل أن تبنى
وخططا مرسومة على
رمال تتنكر للمطر
أن تحاور العالم
كل يوم بصمت
وتفاوض الحياة
من خلف جدرانك
الداخلية
وكأنك لست هنا تماما
ولا هناك إطلاقا
أنت لست ما يراه الناس
أنت مشروع نهوض لم يحدث
وغيمة فكر لم تمطر
أنت فكرة
ترفض أن تختصر في تعريف
وروح تعبت من التشابه
أشبه بالضوء حين يسقط
على مرآة مكسورة
ينعكس في كل الاتجاهات
لكنه لا يضيء مكانا واحدا
بالكامل
لقد خذلتك التجارب
لا لأنها قاسية
بل لأنها جاءت متنكرة
في ثياب الرحمة
علمتك أن النقاء
ليس فضيلة
بل ورطة
وأن الوفاء
لا يقابل بالعرفان
بل بالاستغلال
يحملون ملامحهم المشبوهة
ويتركونك
تحمل أسئلتهم
كل شيء فيك يخوض معركة
عقلك يحاجج وقلبك يصمت
وكلما اقتربوا
اكتشفت أنك أبعد مما تظن
وأنك لست بحاجة لمن يفهمك
بقدر حاجتك لمن لا يضيف
جرحا جديدا

 

[الإكليل*]

كيف بك
وانتي في هذا الميلاد
لا صرخة تعلن البدء
ولا قيد يوثق الحدث
اللحظة تمشي
على رؤوس المشاعر
صنعتك في عيني
كأنها تخاف
أن توقظ حزنا نائما
أراها
تنحت حضورها في الهواء
كأنها أنثى من غيم
تحمل الوعد في عينيها
وتسقي الانتظار
من كأس لا يكسر
كل ما في يتهيأ لها
صمتي يرتب كلماته
وجرحي
يلبس عباءة السكون
وقلبي
ذلك العتيق
يفتح نوافذه
على احتمالات لا اسم لها
هي لا تأتي
بل تتكون
كما تتكون البحار
من قطرات
كما يولد الليل
من رمش الغروب
فإن سألوك عني غدا
قل
إنني ولدت من رمش
تشكلت من نظرة
واستقمت في غموضها
كما يستقيم الشعر
على حافة البوح

 

[الإكليل*]

ولادة من رحم العيون
كأن الزمن أزاح عباءته
وتسللت لحظة من الغيب
تختبئ خلف رمش
تتنفس في صمت
وتعلن عن نفسها
بعين لا تجيد الكذب
هناك حيث يولد الضوء
من فكرة لم تقال
من رعشة جفن
ومن نظرة
تمارس الصمت كأنها صلاة
لم أعد أبحث عن الماضي
فالمستقبل
يمشي حافيا فوق قلبي
يلامس الجراح
كما لو كان يعرفها
ويقف عند حافة الدمع
ليسألني
إن كنت مستعدا لولادة أخرى
كل شيء ساكن
كأن العالم توقف
ليسمع نبضها
كأن العيون قررت
أن تقول
كل ما لم يقال
في هذا السكون العجيب
في هذا العمق المجهول
ثمة ميلاد يحدث الآن
ولا أحد يراه سواي

 

[الإكليل*]

كم بين عنفوانك
وصخب عشقك
المتوقد
من مسافة تشبه النار
وهي تداعب أطراف القصيدة
كأنك ولدت لتربكين الاتزان
ولتوقظي في الأنوثة
شيئا لا يقال
بل يرتجف أمامه
عشقك لا يشرب على مهل
بل يرتكب
كخطيئة لا تغفر ولا تنسى
ولا يراد لها التوبة
ففيك شيء
من الجنون المقدس
وشيء من الكبرياء
الذي يغري بالنزول
من عروش النفوس طوعا

 

[الإكليل*]

ماضٍ ليس فيه مؤخر صداق

ماضٍ التقينا فيه
عراة من الشروط
عراة من الحساب
ومن دفاتر التوثيق
كان يكفينا
وعد العين للعين
وكان يكفينا
أن تميل الكلمة بين شفاهنا
فتنبت حقولا من المعنى
لم نحمل ميزانا بيننا
ولا وثيقة ترعبنا بنهاياتها
ولا بنودا مكتوبة
على ورق أصفر
كنا نرمي أرواحنا
في حضن اللحظة
ونقسم أن نبقى
لا بقلم كاتب عدل
بل بارتعاش القلب
ذاك الزمن
لم يكن فيه مؤخر صداق
ولا مقدم خوف
ولا مؤجل وجع
كان عقدنا شفاهة
وكان شاهدنا الوحيد
هو الرعشة
التي عبرت عيوننا
حين قلنا دون أن نقول

احبك

 

[الإكليل*]

ماضٍ كنا نبيع أعمارنا بالرخيص
نمنح الحب بلا شروط
بلا دفاتر
بلا تواقيع بلا صكوك رجعة
كنا نحب
كأننا لا نخشى الإفلاس
نمنح قلوبنا في المزاد مجانا
ولا نكتب على ظهر الحلم
مدفوع نقدا عند الاستغناء
لم نكن نحسب كم خسرنا
ولا كم انكسرنا
ولا كم خلعنا
من ضلوعنا لنصنع
سقفا لسين وصاد وعين
ماضٍ لا مؤخر فيه
ولا مهر مؤجل
ولا ورقة تثبت أننا مررنا
سوى هذا الفراغ العظيم
الذي خلفوه
حين أخذوا كل شيء
ورحلوا بجيوب عامرة
وقلوب فارغة
تركونا على الرصيف
نعد خساراتنا
كما يعد الغريب غربته
ونضحك بسخرية موجعة
ونقول لأنفسنا
كنا كرماء حد الغباء
وبرحمة من القدر
تتجلي المعجزات
لنرتقي الأن
إلى جنان
تختلف فيها
المعاني والأحاسيس
والأنوثة بلا تحفيز شاق

 

[الإكليل*]

سخافة وجع
ارض باردة
سماء خاوية
ريح تهوي بلا عزاء
خطى تجر خطى
حلم ذاب تحت شمس غريبة
يد تهدهد غيابا
عين تفتش عن ومضة
قلب مرمي على قارعة الغيم
لا طيف
لا وعد
لا اثر
كل شيء يفر
كل شيء يخون
كل شيء يذوي في كفي كرماد
اصرخ ولا صدى
امد كفي ولا شيء
اعود خائبا
ادفن خيبتي تحت جلدي
اضحك من هول صمتي
ابكي من فراغ انكساري
اسير في فسحة خالية
اقع في فجوة سحيقة
انادي ولا روح
انتظر ولا مجيء
اتبعثر كاوراق ميتة
انكسر ولا انطفئ
اتالم ولا اقول
اصبر ولا اعيش
اسخر من وجعي كما يسخر مني

 

[الإكليل*]

---

وفي مفرق العيون
دهشة
تسري مع الغيوم
تبعثر قلبي بين اضلاع السكون
تنحتني شهقة
وترفعني فوق ضفاف الحلم
احتسيك عطرا
يهب من خاصرة المساء
واذوب فيك كما تذوب نجمة
في كف السماء
فكيف لانفاسي
ان ترتب بعدها ارتجافها
وكيف لروحي
ان تعود وهي منك مبللة
بوهج لا يبرد

 

[الإكليل*]

خاصية سكونك
تشبه زر الايقاف
في ضوضاء قلبي
اضغطها حين يعلو الصخب
في صدري
فأنت وحدك
من يعرف
كيف يهدأ الارتباك بداخلي
سكونك لا يعني الغياب
بل حضور لا يشبه احدا
صمتك
اكثر ضجيجا من كل الكلام
وانا الوذ بك
كمن يهرب الى وطن
لا يسأله عن اسمه
تطفئين الحريق بلمحة
وتغنين عن الف معنى بنظرة
كأنك اتيت
من سلالة الصمت النبيل
ذلك الصمت
الذي يفهم بالقلب لا بالاذان

 

[الإكليل*]

للحزن وثبة تتجاوز الزمن
إن طالت طالت اهدابها
وإن قست
حفرت على الجدران شقوقها
تمد اغصانها
بين الذاكرة والنسيان
تسكن في التجاعيد
وتختبئ خلف الملامح
تراقب كل بزوغ للشمس
بعيون غائمة
لا تمل الانتظار
تصبغ اللحظات
بلون الرماد
تخيط الليل بأبر الصمت
وتنسج الخيبات وشاحا ثقيلا
على الأكتاف
قد ينمو الحزن بصمت
مثل الطحالب
خلف كل شلال
يتسلل بين المسام
يزاحم النبض
يبدل النغمة الرقيقة
بأنين خافت
يتقن التلون
فيبدو أحيانا كصديق قديم
يعرف كل الزوايا
والانعطافات
يحفظ دروب العودة
من كل خيبة
يعرف متى يصمت
ومتى ينطق
يهمس في أذن الذكريات
ليبقيها يقظة
يقلب صفحات الماضي
بلا كلل
يزرع أشواكه
في كل ابتسامة
ليجعلها شاردة
بعيدة
مترددة في الوصول
للحزن وثبة
يتربص مثل نمر جائع
خلف أعين العاشقين
يلتهم ضحكاتهم
حين تغفل الأرواح عن نفسها
يرقص على أطلال الوعود
يحصي الأنفاس
بين اللقاء والغياب
يحترف الانتظار
ويعرف كيف يبقي النار
مشتعلة تحت رماد الكلمات
حتى إذا لاح في الأفق
طيف من نور
عاد ليقلب الطاولة
ينثر أوراقه
ويكتب نهاية أخرى للمشهد
للحزن عيون تراقب بحذر
تفترس الشغف
وتلتهم الأمنيات
يجيد التلون بلون الوحدة
يحترف الغياب بين السطور
يترك ظله على كل زاوية
يعرف متى يصمت ومتى ينفجر
يجيد الاختباء في نظرات الغرباء
يترصد كل نظرة حنين
يتبع الخطى
يزرع الريبة
في كل خطوات القلب
حتى لا يعود الطريق كما كان
حتى تصبح الدروب اكثر ضيقا
حتى تكتفي النفس
من كل الأماني
وتطفئ شمعة الأمل بصمت
للحزن إيقاع خاص
نشاز مألوف
في سيمفونية الحياة
يتسلل بين الأوتار
يضغط على النبضات
يخلق من الصمت لغة
ومن السكون أغنية
لا تنتهي
ولا تبلى
تتكرر مع كل نفس
تترنح على نغماتها الروح
تنتظر الخلاص في كل شروق
لكنها تدرك أن الحزن
إذا طالت وثبته
طالت اهدابه
وتشبثت جذوره
حتى يصبح
جزءا لا يتجزأ
من ملامح العمر
وخطوط الزمن