تواصل معنا

وردة قايين... حياتنا ليست كما نراها بأفلام الكارتون، بدايات متعثرة، وبطلة مظلومة، ونهايات سعيدة، والحشو زائف. نحن نحيا ما لا يُرى بالأفلام، لسنا مجرد قصص...

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
56,406
مستوى التفاعل
25,183
مجموع اﻻوسمة
26
وردة قايين ...بقلم الجوري ...


وردة قايين...

حياتنا ليست كما نراها بأفلام الكارتون، بدايات متعثرة، وبطلة مظلومة، ونهايات سعيدة، والحشو زائف. نحن نحيا ما لا يُرى بالأفلام، لسنا مجرد قصص في كتاب أطفال ترويه الجدات ليَتعظ الصغار. نحن أعمق من أن نُسجن بين دفّتي كتاب وبضع أوراق...

أرتجف دون أن أقصد.
لا، بل أقصد، لكنني لا أختار. والفرق بين القصد والاختيار رقيق كحدود الصبر حين يداهمه ضجيج العيون. هذه هبة للأسف نُزعت عني. قد أكون خطيئة أحد الأجداد الذين وروا التراب، أو خطيئة إحدى الجدّات المتشحات بالسواد بعد رحيل السند لهن. وقد أكون أبعد من هذا وذاك… قد أكون وردة قايين. نعم، أحب أن أرى نفسي هكذا، على الأقل، رغم الخطيئة، أبقى وردة، ورغم ما بي، أرى الاهتزاز مجرد رياح تعصف بي، ولكن لا أتناثر.

أذكر في طفولتي ذلك العش الصغير لطير لم أعد أذكر اسمه. أذكر ابن الجيران حين تسلّق الشجرة وأمسك بطفل العصفور. كان بلا ريش، مجرّدًا من الملابس، مجرد قطعة لحم، لكن ذلك لم يشفع له. بدأ بسكب الماء عليه، وبدأ العصفور بمحاولات فاشلة للحركة، كان فزعًا، أحسست به، كان مثلي. هو بالماء، وأنا بالموقف. هو يرتجف، وأنا أهتز.
صرخت به ليبتعد عن الصغير، لكن خانني صوتي، ويداي، وعيناي. نعم، خانتني معًا. لم أستطع أن أنقذ الصغير، كان يلفظ أنفاسه تحت الماء، وابن الجيران يضحك، وينعتني بالملبوسة.
نعم، كان يوئد صغيرًا، ويئد محاولتي.

يدي تُصفّق وحدها أحيانًا، تطرق الطاولة، ترمش بعين واحدة، ترفع حاجبها بتعجرف لا يشبهني. وأقف أمام المرآة لأتفاوض مع جسدي، فأجده قد حسم رأيه منذ سنوات: لن يخضع. لا للعرف، لا للسكوت، لا للرغبة في التماهي مع سائر النساء اللاتي يتقنّ فن الظهور بلا أثر. لم أعد أناظر المرايا، فهي أعطتني حكمًا سابقًا لا مجال لتغييره. أسدلت الستائر على المرايا، ولم أعد أذكر فحوى ملامحي...

أعيش داخل جسد يُقاطعني. كلما قررت أن أكون واضحة، يصرخ لساني بكلمات لا أؤمن بها. ينطق باسم الرب في توقيت خاطئ، يلعن حين أريد أن أبتسم، يتهكم حين أبكي. أبدو، في عيونهم، مهرّجة مسكونة، لكني في داخلي… سجينة تحلم بأن تُشرح أمام فلاسفة بدل أطباء.

أتحدث إلى نفسي بصيغة الغائب: "هي لا تريد أن تكون هكذا."
ثم أعود وأكذب: "بل تريد، لكنها خائفة من أن تُفهَم."

إنني أرتجف، نعم، لكن ارتجافي ليس خللاً في النظام العصبي، بل احتجاج لغوي. جسدي يؤمن أن العالم لا يُصغي إلا لمن يطرق الطاولة. فأطرقها بلا وعي، ثم أكتب في الليل، في دفاتر خفية، أنني أؤمن بالهدوء، وأنني كنت أحب الصمت، قبل أن يُجبرني عقلي أن أُعبّر عنه بصوت عالٍ.

حين كنت صغيرة، كانت أمي تقول: "لا تحاولي أن تشرحي لهم، الناس لا يفهمون." فتعلمت أن أتحكم في حزني، وأُطلق سراح يدي. تعلمت أنني مختلفة قبل أن أفهم معنى الاختلاف. أقلمت نفسي وهاجرت إلى القطب، حيث لا أرى، حيث لا أحد مثلي إلا ذلك الشفق، تمازجه، حركته، انفعالاته، اضطراباته، شامخ دون مبرر...

هناك ما يشبهني في الزلازل الصغيرة.
تلك التي لا تُسجّلها الأجهزة، لكنها تُفزع العصافير من الأشجار.

أنا تلك الزلزلة.
لا تُدمّر، لا تُرى، لكنها تغيّر شكل الغصن.
.....
الساعة تشير إلى التاسعة والربع. أعرف الوقت من شكل الضوء على عتبة الباب أكثر مما أعرفه من عقارب الساعة. الضوء هنا ليس محايدًا… إنه سائل ساخن يفضح كل ما يمسه.

أرتدي معطفي الرمادي – الهادئ كمن يريد أن يعتذر عن نفسه – وأمسك بالمفتاح كما تمسك الأرملة خاتم زواجها بعد الموت: بقليل من الوفاء، وكثير من الخوف.

الباب يُفتح بصوت كأنين قديم. أتنفس ببطء، أراجع عضلات وجهي. أبتسم. لا أريد أن تصفعني نوبة أمام البقال، أو تتسلل شتيمة من فمي حين تسألني العجوز عن سعر الخبز.

الشارع لا يعرف الرفق.

يدهس خطواتي بكعب نساء مستعجلات، وأكتاف رجال ينظرون للأرض كأنها مرآة لكبريائهم. أراقب ظلي على الرصيف. إنه لا يرتجف، فقط أنا أفعل.

صوت طفل يضحك من بعيد، وصوت آخر يصرخ: "ماما، انظري لهذه تصنع حركات غريبة بوجهها !"

أتابع السير. لا ألتفت،كيف لي أن التفت إعتدت على المضي دون أدنى احتجاج
اليد تبدأ. رعشة صغيرة، كأنها تحية سرية لجمهور غير مرئي.
أضمها في جيبي.

تتسلل كلمة من فمي: "تباً."

لم أقصدها. ربما كنت أفكر بها، لكني لم أرسلها. إنها مثل طائر يفلت من نافذة ذهنية، فيطير أمام العامة وكأنه ينتمي لي،أحيانا أجد من شتمته يستحق لكني أخاف أن أفصح.

العيون تلتفت.
السيدة ذات الحجاب الوردي تسرّ لرجل بجوارها، "اووه مسكينة يبدو انها ملبوسة."

لم أعد أخاف من الشفقة، أخاف فقط من التأويل.

أصل إلى المكتبة. الملاذ الأخير. أُدخل المفتاح، أستقبل رائحة الورق القديم كشهيق طمأنينة. في الداخل، الكتب لا تحكم عليّ.
الكتب فقط… ترتعش صفحتها حين أفتحها، فتربت عليّ، كأنها تفهم.

 

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
56,406
مستوى التفاعل
25,183
مجموع اﻻوسمة
26
وردة قايين ...بقلم الجوري ...
الفصل الثاني: "عينٌ واحدة لا تكفي للرؤية"

في منتصف الرف الثالث، حيث تُخفي كتب الفلسفة خيبتها بطبقة من الغبار، ارتجفت يدي.

لم تكن نوبة.
فقط ذلك الرجفان الدقيق، كاهتزاز جناح فراشة قبل عاصفة، أو كأن الجسد يلمّح لانفجارٍ لا يريد الاعتراف به.

من بعيد، راقبتني فتاة لم تتجاوز العشرين. لم تكن تائهة بين نيتشه وهايدغر كما ظننت، بل كانت تتابع أصابعي كما يتابع المرء كأسةً على وشك السقوط. شيء في عينيها يشتهي الكسر.

ثم ظهر. شاب، صوته عالٍ، سلوكه فجّ، ضحكته تُشبه صفعة.

– "آنسة، فين كتب الجن والعفاريت؟ شكل المكتبة دي مسكونة!"

ضحك.
ضحكت الفتاة.
أنا؟

أنا رمشت… بعنف.
رمشة تحمل ألف شتيمة، وواحدة خرجت فعلاً. لم تكن لي. أعرف ذلك.

صمتٌ.
ثم شيء ثقيل سقط بيننا. ليس كتاباً، بل وعيهم العاجز.
هم لا يعرفون.
ولا يريدون أن يعرفوا.

لاحقًا، اقتربت المديرة، همست لي بودٍّ مُعلّب:

– "راعي الصورة العامة... لو في ملابس تقلل الانتباه، تغطي الانفعالات، يبقى أحسن."

في اليوم التالي، اشتريت نقاباً.

لم يكن عباءة، ولا قناعة دينية.
كان قناع نجاة.
غطاءً لا للوجه، بل للعطب الظاهر.
ارتديته كمن يحتمي بنومٍ تحت طاولة في زمن الحرب.

فهموا خطأ.
قالوا إنني "اهتديت".
والحقيقة؟
أنا فقط كنت أهرب من أن أُفسّر.

مع الأيام، أصبح الوجوه ألطف، الابتسامات أسرّ، والعبارات أكثر ترحيباً… وكأن الوجه الذي اختفى كان المشكلة، لا الارتجاف.

لكني عرفت:
النقاب غطى وجهي، نعم.
لكنه لم يُغلق الباب.
داخلي، شيء ما ظل ينبض – يسخر من سعادتي الطارئة، يهمس: "هذه القشرة لن تصمد."

تمنيت أن أكون بيضة غير ملقحة، فارغة، بلا ما يُفقس، بلا مفاجآت.

أو بيضة فصح – ملوّنة، جميلة، بلا داخل.

لكن الحقيقة، دائماً، تُلقّحنا.
تنجب شيئاً لا نريده.
تكسر القشرة رغمنا.

وبيوض الفصح يحملها أرنب.
أي مفارقة هذه؟
أرنب لا يبيض، يحمل رمز الخصب.
وأنا، امرأة لا تُغطي إيمانها، تغطي جسدها خوفاً من أن تُفهم.

نعم، عينٌ واحدة لا تكفي للرؤية.

ولا نقابٌ واحد يكفي للاختباء.
 
التعديل الأخير:
1 Comment
ندى الورد
ندى الورد commented
متابعة برغم عندما اريد النوم
افتح كتابا واقراه ولكن هذي المررة
كسرت القووانين وانا اتهيأ للنوم مستمتعة بقصتك جووري اتمنى ان نام عنند النهايه موودتي لك
 

العميد

العميد
عضو مميز
إنضم
14 فبراير 2022
المشاركات
641
مستوى التفاعل
191
الإقامة
يمن الشموخ
وردة قايين ...بقلم الجوري ...
مع احترامي للجميع احب اقول شيء كل ما يكتب في المنتدى له قيمته ومكانته ..
لكن ما تكتبه الجوري له طابع مختلف تمام
يشد الانتباه من اول سطر ويترك اثر ما ينتهي بسهولة


كلماتها مواضيع لايجوز المرور عليها مرور الكرام

تحتاج وقفة وتامل وفهم عميق
لانها تكتب من عمق وعي ومنابع فكر ما شاء الله


مواضيعها رغم تنوعها الا ان فيها خيط يربطها ببعض وهدف واحد

ما تحس انها متفرقة بالعكس
تحس ان كل موضوع يكمل الثاني


وفي كل سطر قصة
وفي كل فكرة مخزون فكري واضح وثري


لدرجة اني بدأت اقول لنفسي واسال
ايش المراجع اللي ترجعين لها اختي
ايش تخصصك العلمي اللي يخلي الطرح بهذا المستوى


فعلاً شي يفتح ابواب اسئلة وتأملات كثيرة المهم استمري
واعتذر لاني متابع لك بصمت تقبلي مروري واحترامي تحيااااتي .
 
Comment

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
56,406
مستوى التفاعل
25,183
مجموع اﻻوسمة
26
وردة قايين ...بقلم الجوري ...
الفصل الثالث....

كان صباحًا يشبه سابقيه. نفس الخطى المتوجسة في حيّ تعلّمت فيه كيف تُخفي الاهتزاز خلف عباءة، وكيف يُختصر الصمت بنقاب.
لكنه لم يكن يومًا عاديًا.الزقاق اليوم كان مختلفا،ليس بألوانه أو أصواته بل بفحواه...

صرخات. دخان. لهب يتصاعد من أحد البيوت.
ثلاثة أطفال على الشرفة، يصيحون دون صوت. الجيران يتجمهرون… يراقبون.

ركضت.
لم أفكر، لم أتشاور مع ارتجاف يدي، لم أطلب إذن جسدي.
اندفعت نحو الباب المشتعل.
النار تخدش الهواء. الدخان يمزق الرؤية.
وجدتهم في الداخل، متكوّمين كالعصافير،كانوا كذلك العصفور من طفولتي الذي لفظ انفاسه بين اصابعي المرتجفة واعيني الباكية،
أمسكت بالأصغر، ثم الأكبر، وضعتهم عند الباب وانا أقول اهربوا الى الشارع وعدت بعد أن قال أحدهم أختي أختي بالداخل لم انتظر او أتوقف عبرت النيران لأجد الطفلة تحت السرير تبكي والنار تتحلق بها عبرت اليها وأمسكتها وبدأت أشق طريق الخروج لكن دخان الحريق ملأني فهويت ولم أع لنفسي إلا وأنا بالخارج بلا نقاب أو عباءة فقط بطانية تلف جسدي

رأوني........

رأوا الوجه المرتبك، الجبهة المتصببة، العين التي ترتجف قبل أن تنظر.

ثم بدأت النوبة.
كل جحيم العالم صب دفعة واحدة يدي وجهي عيني وصوتي ...

اهتزّت يدي أمامهم ككفّ تصفع الحقيقة.
فمي لفظ كلمات لم أنتخبها، وحاجبي ارتفع كأنه يسخر من الموقف.
صرخت… لا لأني خائفة، بل لأنني حقيقية.

تجمّد التصفيق.
انسحبت النظرات إلى الوراء.
أحدهم همس: "ممسوسة…"
آخر تمتم: مسكينة ؟"

لم تشفع لي الحروق على ذراعي.
ولا الطفل الذي تشبث بي.
ولا الدخان الذي استقر في رئتي.

كل ما رأوه، هو أنني لست مثلهم.
 
Comment

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
56,406
مستوى التفاعل
25,183
مجموع اﻻوسمة
26
وردة قايين ...بقلم الجوري ...
الفصل الأخير .....
"صوت لا يعتذر"

بعد الحادثة، تغيّر كل شيء.

جلستُ شهورًا أقرأ نفسي من جديد. لا من كتب، بل من الأعراض.
صرت أرى في رعشتي لغة، وفي صوتي الخاطئ محاولة للتعبير، وفي جسدي كتابًا يُخالف القواعد، لكنه جدير بالقراءة.

ثم جاءتني الفرصة…
مقدمة برنامج تلفزيوني، عنوانه: "صوت زائد."

اقترحتُ الاسم بنفسي.
أردته أن يُربك، أن يُعلن، أن لا يطلب إذنًا من أحد.

وقفتُ أمام الكاميرا لأول مرة، بملامحي الحقيقية، بلا نقاب، بلا اعتذارات.
بثوبٍ أسود بسيط، بلا زينة، لكن بعينين ترى جيدًا. عينين تُدركان الفرق بين الصمت والإلغاء.

تكلمت.

وفي كل حلقة، كان صوتي يرتجف أحيانًا، يقفز، ينفلت، يُطلق كلمة غير مقصودة.
ثم أكمل.

ولم أعتذر.

قلت في مقدمة الحلقة الأولى:

دون إرتجاف...مرحبا أنا أعيش مع متلازمة توريت......
نعم، هذا صوتي، وهذه يدي، وهذه وجهي، وهذه حياتي.
نحن لا نطلب الشفقة.
نحن نعلّمكم كيف تصبرون على العالم كما صبرنا على أنفسنا."

كل كلمة خرجت، كانت تُشبه الانفجار القديم...
لكن هذه المرة، كنت أتحكم به،كنت أرى نفسي تلك الطفلة ،دون الإرتجاف، أقبض على يد الصبي وأنقذ العصفور.....

صرتُ مثالًا. لا لأنني شُفيت، بل لأنني لم أعد أهرب.

صرت أُحرّك أصابعي كما أريد، وأرفع حاجبي كما أحب، وأترك صوتي يُقاطِع كلامي إذا شاء.

الناس كانوا يشاهدونني، بعضهم يسخر، بعضهم يبكي، وبعضهم يرى نفسه فيي.

لكني كنت أراها...

الفتاة القديمة.

تلك التي وقفت ذات يوم في مكتبة، تهز يدها خوفًا من نظرة، وتصرخ داخليًا "أنا لست هكذا".
اليوم تقول، بصوتٍ مسموع:

"أنا هكذا.
ولم أعد أريد أن أكون غيري."


هذه القصة كتبت الان فقط منذ ساعة أو أكثر
هي إهداء .....

إلى كل من يُقاوم بصمت،
إلى الذين يعيشون بنبض زائد، بكلمة زائدة، بحركة لا يستطيعون إيقافها…
إلى من أُسيء فهمهم، وسُخر منهم، ثم قاموا رغم كل ذلك.

هذه الكلمات لأجلكم،
حتى تعلموا أن أصواتكم، مهما خُدشت،
هي جزء من موسيقى هذا العالم.

النهاية ......
 
التعديل الأخير:
Comment

العميد

العميد
عضو مميز
إنضم
14 فبراير 2022
المشاركات
641
مستوى التفاعل
191
الإقامة
يمن الشموخ
وردة قايين ...بقلم الجوري ...
الفصل الأخير .....
"صوت لا يعتذر"

بعد الحادثة، تغيّر كل شيء.

جلستُ شهورًا أقرأ نفسي من جديد. لا من كتب، بل من الأعراض.
صرت أرى في رعشتي لغة، وفي صوتي الخاطئ محاولة للتعبير، وفي جسدي كتابًا يُخالف القواعد، لكنه جدير بالقراءة.

ثم جاءتني الفرصة…
مقدمة برنامج تلفزيوني، عنوانه: "صوت زائد."

اقترحتُ الاسم بنفسي.
أردته أن يُربك، أن يُعلن، أن لا يطلب إذنًا من أحد.

وقفتُ أمام الكاميرا لأول مرة، بملامحي الحقيقية، بلا نقاب، بلا اعتذارات.
بثوبٍ أسود بسيط، بلا زينة، لكن بعينين ترى جيدًا. عينين تُدركان الفرق بين الصمت والإلغاء.

تكلمت.

وفي كل حلقة، كان صوتي يرتجف أحيانًا، يقفز، ينفلت، يُطلق كلمة غير مقصودة.
ثم أكمل.

ولم أعتذر.

قلت في مقدمة الحلقة الأولى:


نعم، هذا صوتي، وهذه يدي، وهذه وجهي، وهذه حياتي.
نحن لا نطلب الشفقة.
نحن نعلّمكم كيف تصبرون على العالم كما صبرنا على أنفسنا."

كل كلمة خرجت، كانت تُشبه الانفجار القديم...
لكن هذه المرة، كنت أتحكم به،كنت أرى نفسي تلك الطفلة ،دون الإرتجاف، أقبض على يد الصبي وأنقذ العصفور.....

صرتُ مثالًا. لا لأنني شُفيت، بل لأنني لم أعد أهرب.

صرت أُحرّك أصابعي كما أريد، وأرفع حاجبي كما أحب، وأترك صوتي يُقاطِع كلامي إذا شاء.

الناس كانوا يشاهدونني، بعضهم يسخر، بعضهم يبكي، وبعضهم يرى نفسه فيي.

لكني كنت أراها...

الفتاة القديمة.

تلك التي وقفت ذات يوم في مكتبة، تهز يدها خوفًا من نظرة، وتصرخ داخليًا "أنا لست هكذا".
اليوم تقول، بصوتٍ مسموع:

"أنا هكذا.
ولم أعد أريد أن أكون غيري."


هذه القصة كتبت الان فقط منذ ساعة أو أكثر
هي إهداء .....

إلى كل من يُقاوم بصمت،
إلى الذين يعيشون بنبض زائد، بكلمة زائدة، بحركة لا يستطيعون إيقافها…
إلى من أُسيء فهمهم، وسُخر منهم، ثم قاموا رغم كل ذلك.

هذه الكلمات لأجلكم،
حتى تعلموا أن أصواتكم، مهما خُدشت،
هي جزء من موسيقى هذا العالم.

النهاية ......
تحفيز رائع بقصه اروع للعبرة ذات هدف ونهاية مضمونها مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة وان لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس سلمت اناملك تحياااتي
 
Comment

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
56,406
مستوى التفاعل
25,183
مجموع اﻻوسمة
26
وردة قايين ...بقلم الجوري ...
تحفيز رائع بقصه اروع للعبرة ذات هدف ونهاية مضمونها مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة وان لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس سلمت اناملك تحياااتي
شكرًا من القلب على كلماتك النبيلة…
أسعدني أن تجد في الحكاية ما يلهم، وأن يُقرأ الوجع كما أردته: لا كندبة، بل كبصمة.
ربما كنا جميعًا نسير في مشوار الألف ميل، كلٌ بخطوته المرتعشة… لكننا نمضي.
تحياتي وامتناني لحضورك الإنساني.
 
2 Comments
العميد
العميد commented
العفو اختي دائما تسعدني منشوراتك واسلوبك بجد الحياة كلها مشوار ههههه
مشوار طويل وبنفس الوقت قصير لكن دام ونحن نتنفس لانضيع وقتنا ونتعلم من تجارب الغير و بالاصرار نكمل خطواتنا تحياتي لك وتقديري .
 
الجوري
الجوري commented
اسعدتني بحضورك وحروفك التي لامست القلب حقا
دام حضورك وتواجدك ودمت دائما وأبدا بود وبصحة وعافيه أنت ومن تحب .
 

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
56,406
مستوى التفاعل
25,183
مجموع اﻻوسمة
26
وردة قايين ...بقلم الجوري ...
مع احترامي للجميع احب اقول شيء كل ما يكتب في المنتدى له قيمته ومكانته ..
لكن ما تكتبه الجوري له طابع مختلف تمام
يشد الانتباه من اول سطر ويترك اثر ما ينتهي بسهولة


كلماتها مواضيع لايجوز المرور عليها مرور الكرام

تحتاج وقفة وتامل وفهم عميق
لانها تكتب من عمق وعي ومنابع فكر ما شاء الله


مواضيعها رغم تنوعها الا ان فيها خيط يربطها ببعض وهدف واحد

ما تحس انها متفرقة بالعكس
تحس ان كل موضوع يكمل الثاني


وفي كل سطر قصة
وفي كل فكرة مخزون فكري واضح وثري


لدرجة اني بدأت اقول لنفسي واسال
ايش المراجع اللي ترجعين لها اختي
ايش تخصصك العلمي اللي يخلي الطرح بهذا المستوى


فعلاً شي يفتح ابواب اسئلة وتأملات كثيرة المهم استمري
واعتذر لاني متابع لك بصمت تقبلي مروري واحترامي تحيااااتي .
شهادتك تعني لي الكثير، خاصة حين تأتي من قارئ لا يكتفي بالمرور بل يقرأ بنبض، ويشعر بما بين الحروف.
أنا في الأصل قارئة قبل أن أكون كاتبة… وطبيبة قبل أن أكون راوية. أؤمن أن الكلمة تُشبه الدواء، إن صيغت بصدق لامست موضع الألم، وإن خرجت من عمق التجربة أحدثت أثراً لا يُمحى.

ما أكتبه ليس أدبًا خالصًا، ولا وعظًا… هو محاولة مستمرة لفهم هذا الكائن المتقلب الذي نسكنه: الإنسان.
ربما لذلك شعرت أن المواضيع متصلة بخيط خفي… لأنها تدور في فلك واحد: محاولتي ألا أضيع في الزحام، وأن أترك صوتًا يُشبهني.

سُعدت جدًا بكلماتك، وبأنك خرجت من صمت المتابعة لتمنحني هذا النور.
ممتنة لكل هذا الحضور، ولكلماتك التي ستبقى في ذاكرتي طويلاً.
 
Comment

العميد

العميد
عضو مميز
إنضم
14 فبراير 2022
المشاركات
641
مستوى التفاعل
191
الإقامة
يمن الشموخ
وردة قايين ...بقلم الجوري ...
شهادتك تعني لي الكثير، خاصة حين تأتي من قارئ لا يكتفي بالمرور بل يقرأ بنبض، ويشعر بما بين الحروف.
أنا في الأصل قارئة قبل أن أكون كاتبة… وطبيبة قبل أن أكون راوية. أؤمن أن الكلمة تُشبه الدواء، إن صيغت بصدق لامست موضع الألم، وإن خرجت من عمق التجربة أحدثت أثراً لا يُمحى.

ما أكتبه ليس أدبًا خالصًا، ولا وعظًا… هو محاولة مستمرة لفهم هذا الكائن المتقلب الذي نسكنه: الإنسان.
ربما لذلك شعرت أن المواضيع متصلة بخيط خفي… لأنها تدور في فلك واحد: محاولتي ألا أضيع في الزحام، وأن أترك صوتًا يُشبهني.

سُعدت جدًا بكلماتك، وبأنك خرجت من صمت المتابعة لتمنحني هذا النور.
ممتنة لكل هذا الحضور، ولكلماتك التي ستبقى في ذاكرتي طويلاً.
انا اقول كلمة حق لا اجامل او ابالغ وما اروع التشبية بين الطب وماتعيشية وما اروع النتيجة حروف هادفة تكتب بقلمك لو كان الامر بيدي لوضعتها ف أعلى قمم الجبال استمري يا دكتورة وانا اقراء منشوراتك كاني اقراء رؤاية انتيخرستوس نفس التشويق وقريب الى الى اسلوب السرد
او الفصل الاول من كتاب الخروج من التابوت لدكتور مصطفى محمود فهو طبيب جراح ولكن ذاع صيته ف الفكر والادب اكثر من الطب مع انه حااارب حرب شديدة من قبل علماء الازهر ف اول كتاب له كان كتاب الله والانسان بحجه كيف طبيب يكتب في الدين ثم تجراء ولم يستسلم و كتب كتاب رحلتي من الشك الى اليقيين ليبرر كذب ما اتهم به من اللحاد واتهامات باطلة ومع ذلك استمرت الاشاعات عليه فرد بتأليف كتاب حوار مع صديقي الملحد واثبت نجاحه الى ان مات اختى اسلوب التشويق لديك جميل ف الكتابة وايصال الفكرة بالتوفيق والنجاح استمري وتقبلي حضوري ورأى المتواضع اكرر لك اعجابي بقلمك وتقديري واحترامي استودعك الله .
 
Comment

هدوء

💎مستشار اداري
نائب المدير العام
إنضم
24 مارس 2022
المشاركات
39,637
مستوى التفاعل
34,413
مجموع اﻻوسمة
16
وردة قايين ...بقلم الجوري ...
ابحرنا معك في عالم .
الحروف
والكلمات
والمعنى
فصول لاتعرف الشمس سوى تلك الغيوم
التي تنتظر المطر .. ان يحتوي الأرض من ذلك
الجفاف …


ابدع احساسك وفكرك بهذة الفصول الجميلة
شكرا بحجم السماء يافاضلة ..
 
Comment

ندى الورد

سيَدِة آلُقصرٍ
المدير العام
إنضم
17 مايو 2021
المشاركات
95,455
مستوى التفاعل
90,301
الإقامة
من المدينة المنورة
مجموع اﻻوسمة
30
وردة قايين ...بقلم الجوري ...
الفصل الأخير .....
"صوت لا يعتذر"

بعد الحادثة، تغيّر كل شيء.

جلستُ شهورًا أقرأ نفسي من جديد. لا من كتب، بل من الأعراض.
صرت أرى في رعشتي لغة، وفي صوتي الخاطئ محاولة للتعبير، وفي جسدي كتابًا يُخالف القواعد، لكنه جدير بالقراءة.

ثم جاءتني الفرصة…
مقدمة برنامج تلفزيوني، عنوانه: "صوت زائد."

اقترحتُ الاسم بنفسي.
أردته أن يُربك، أن يُعلن، أن لا يطلب إذنًا من أحد.

وقفتُ أمام الكاميرا لأول مرة، بملامحي الحقيقية، بلا نقاب، بلا اعتذارات.
بثوبٍ أسود بسيط، بلا زينة، لكن بعينين ترى جيدًا. عينين تُدركان الفرق بين الصمت والإلغاء.

تكلمت.

وفي كل حلقة، كان صوتي يرتجف أحيانًا، يقفز، ينفلت، يُطلق كلمة غير مقصودة.
ثم أكمل.

ولم أعتذر.

قلت في مقدمة الحلقة الأولى:

دون إرتجاف...مرحبا أنا أعيش مع متلازمة توريت......
نعم، هذا صوتي، وهذه يدي، وهذه وجهي، وهذه حياتي.
نحن لا نطلب الشفقة.
نحن نعلّمكم كيف تصبرون على العالم كما صبرنا على أنفسنا."

كل كلمة خرجت، كانت تُشبه الانفجار القديم...
لكن هذه المرة، كنت أتحكم به،كنت أرى نفسي تلك الطفلة ،دون الإرتجاف، أقبض على يد الصبي وأنقذ العصفور.....

صرتُ مثالًا. لا لأنني شُفيت، بل لأنني لم أعد أهرب.

صرت أُحرّك أصابعي كما أريد، وأرفع حاجبي كما أحب، وأترك صوتي يُقاطِع كلامي إذا شاء.

الناس كانوا يشاهدونني، بعضهم يسخر، بعضهم يبكي، وبعضهم يرى نفسه فيي.

لكني كنت أراها...

الفتاة القديمة.

تلك التي وقفت ذات يوم في مكتبة، تهز يدها خوفًا من نظرة، وتصرخ داخليًا "أنا لست هكذا".
اليوم تقول، بصوتٍ مسموع:

"أنا هكذا.
ولم أعد أريد أن أكون غيري."


هذه القصة كتبت الان فقط منذ ساعة أو أكثر
هي إهداء .....

إلى كل من يُقاوم بصمت،
إلى الذين يعيشون بنبض زائد، بكلمة زائدة، بحركة لا يستطيعون إيقافها…
إلى من أُسيء فهمهم، وسُخر منهم، ثم قاموا رغم كل ذلك.

هذه الكلمات لأجلكم،
حتى تعلموا أن أصواتكم، مهما خُدشت،
هي جزء من موسيقى هذا العالم.

النهاية ......
اوووو يااجوري
قصة عميقة وتعني الكثير
مهما كنا مختلفين عن غيرنا في الملامح
في كل شيئ لايهم اهم شي نحن نحب اختلافنا
ولانتظر غيرنا يتقبلوه نحب عيوبنا عيوبنا تحبنا
السلام الداخلي هو الاهم رضا الناس غاية لاتدرك
واهم شي المظاهر حقهم وهيه وردة قاين حقها ان تتعتز بكل ماافيها كل التقددير
والتحيه لك ولقلمك المببدع كاتبنا الجميلة
لرروحك الورد 🌹🌹🌹🌹🌹
 
التعديل الأخير:
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى