-
- إنضم
- 23 فبراير 2023
-
- المشاركات
- 63,731
-
- مستوى التفاعل
- 25,885
- مجموع اﻻوسمة
- 29
هاربة من القمر ...ومصابة بالضوء

في كلّ مساء، كانت تجرّ ظلّها ككيس من الرماد خلف ظهرها، تخبئ وجهها عن القمر، وكأن ضوءه وصمة، كأنّه مرآة تفضح الحرف حين يخرج عارياً من بين ساقي الليل.
البيت نائم....
المدينة تهمس بشخيرٍ خافت.
الأبواب موصدة، والأحلام خائنة.
أما هي، فتقف عند نافذة الحمام، تشعل شمعةً في جوفها وتكتب.
لا مكان لها في السجادات المطرّزة، ولا في صحون الشرف التي تُغسل كل مساءٍ بدم الأنثى الأولى.
لا أحد يفهم لماذا الحبر أسود، ولماذا الليل هو الأب الوحيد الذي لا يتحرش بحلمه.
قالوا:
لا ترفعي صوتك،
قالوا:
الشعر للرجال والصمتُ للنساء،
قالوا:
ما تكتبه الأنثى ليس أدباً، بل خيانة.
وهي تعرف.
تعرف أن جدتها ماتت وفي حلقها "حرف" عالق،
وأن أمها ما زالت تكتب قصائدها بالملاعق، على وجه الشاي.
لكنها لم تكن مثلهنّ.
كانت عارية أكثر من اللازم.
عارية من الأعذار، من الخوف، من التبريرات.
الهروب كان طقسها اليومي.
تهرب من المصباح إلى القمر،
ثم من القمر إلى الظلّ،
ثم من الظلّ إلى الحرف،
ثم من الحرف إلى شقّ صغير في الحائط، حيث تنام.
ليلةٌ بعد ليلة، كانت الأوراق تتمدد كجلدها،
وكانت تنزف من بين أصابعها حروفاً لا تغتسل.
لا أحد يعرف أن النصوص التي يقرأها والدها في الجريدة، كانت هي من كتبها،
ولا أحد يعرف أن القصيدة التي صفقوا لها في المهرجان، خرجت من رحمها وهي تبكي.
الأنثى هنا لا تكتب، بل تُنكر.
وإن كتبت، فيجب أن تكون الكتابة بلا "جسد"
والحبر بلا نهدين.
واللغة بلا رائحة.
لكنها كتبت
كتبت كما لو أن اللغة هي رحمٌ آخر،
وكما لو أن القصيدة ثورةٌ ضدّ الغشاء البكري للفكر.
كتبت، رغم أن القمر يطاردها في المنام،
ورغم أن صوت الوعظ كان كلما ارتفع، ارتعشت يدها.
كتبت، لأن الكتابة كانت حبلها السري الأخير،
لأنها لا تريد أن تموت مثل جدتها،
بفمٍ مغلق ودمعة من ورق.
لكنّها لم تُكمل القصيدة تلك الليلة.
الشمعة انطفأت من نفسٍ مرتجف،
والنافذة أغلقتها ريحٌ تشبه يد جدّها.
في الصباح، فتّشت أمّها عن الورقة.
وجدت فوقها خيط شعرٍ أسود، وبعض الرماد
ظنّت أنها ورقة سقطت من كتاب التاريخ.
أعادت ترتيبها في درج لا يُفتح.
أما هي، فخرجت كأنها لم تنم
في عينيها بقعةُ حبرٍ
وفي فمها طعمٌ غريب… يشبه الحريّة.
كل مساء، تنسلّ فتاةٌ من تحت سقف العادات،
تربط الليل حول خصرها كإزار،
وتخطّ على الجدار شيئًا لا يُقرأ،
لكن يُفهم.
ليست وحدها.
هناك عشرات، مئات،
ينحتنَ أرواحهنّ في الجدران،
يكتبنَ بلا أسماء،
يصرخنَ بلا حناجر،
يتنفسنَ من بين ثنيات الكتب المهجورة،
وينزفنَ من بين سطورٍ لم تُطبع بعد.
هل تعرف ما معنى أن تكوني فتاةً تُفكّر؟
أن تسألي السؤال الخطأ في المجلس الصحيح؟
أن تقولي "لماذا؟" بدلاً من "نعم"
وأن تحبّي الكتاب لا الثوب؟
أن تنزعي غطاء رأسك لا لتكفري، بل لتفهمي؟
أن تمشطي شعركِ أمام نافذةٍ فيها قمرٌ حزين؟
أن تعانقي حرفاً وتتركي رجلاً؟
أن تمشي وحيدةً إلى المكتبة،
وتعودي مع رواية لا تُدرَّس في المدرسة؟
هذه ليست جريمة.
يتنفسنَ من بين ثنيات الكتب المهجورة،
وينزفنَ من بين سطورٍ لم تُطبع بعد.
هل تعرف ما معنى أن تكوني فتاةً تُفكّر؟
أن تسألي السؤال الخطأ في المجلس الصحيح؟
أن تقولي "لماذا؟" بدلاً من "نعم"
وأن تحبّي الكتاب لا الثوب؟
أن تنزعي غطاء رأسك لا لتكفري، بل لتفهمي؟
أن تمشطي شعركِ أمام نافذةٍ فيها قمرٌ حزين؟
أن تعانقي حرفاً وتتركي رجلاً؟
أن تمشي وحيدةً إلى المكتبة،
وتعودي مع رواية لا تُدرَّس في المدرسة؟
هذه ليست جريمة.
هذه معجزة.
لكنهم لا يعرفون كيف يُكرِّمون الأتقياء،
فيصلبون كلّ فتاةٍ تكتب.
ويكفّرون كل أنثى تفكر.
وليدة اللحظة...5.19 صباح الجمعة لكنهم لا يعرفون كيف يُكرِّمون الأتقياء،
فيصلبون كلّ فتاةٍ تكتب.
ويكفّرون كل أنثى تفكر.
فإن كنتِ تقرئين الآن،
وأنتِ تخفين شاشة الهاتف تحت وسادتك،
أو تنتظرين أن ينام البيت لتفتحي مذكّرتك،
فاعلمي أنَّكِ لستِ وحدك.
وأنَّ ما تكتبينه،
قد لا يُنشر يوماً…
لكنّه يُخلّصكِ كلَّ ليلة.
وأنتِ تخفين شاشة الهاتف تحت وسادتك،
أو تنتظرين أن ينام البيت لتفتحي مذكّرتك،
فاعلمي أنَّكِ لستِ وحدك.
وأنَّ ما تكتبينه،
قد لا يُنشر يوماً…
لكنّه يُخلّصكِ كلَّ ليلة.
الجو ..هسيس بين يقظة وغيم
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : هاربة من القمر ...ومصابة بالضوء
|
المصدر : خواطر بريشة الاعضاء