وقوفا على مكملات الهذيان

[الإكليل*]

وقوفا على مكملات الهذيان
هنا حيث لا ينام الحرف
ولا يهدأ الرأس
ولا تذبل الفكرة
كل شيء يقفز فوق المنطق
كأن العقل فقد ظلاله
وكأن الصمت تآمر مع الضجيج
الليل يرتدي وجها آخر
والألم يغني
والأمل يسعل كشيخ عجوز
وقوفا بلا اتكاء
كأن الخطوة لا تريد أرضا
وكأن الجسد لا يعترف بثقله
العين تفضح
والقلب يفر
والذاكرة تبكي من خلف ظهرها
ما عاد الهذيان لحظة
بل دولة
فيها الحرف ملك
والسؤال خائن
والإجابة مصلوبة في ساحة الكلام
أدرك أني لست مجنونا
بل فائق الوعي
حتى انفجرت
أنحني بلا إذعان
أتمدد داخلي
كأنني لست أنا
كأن جسدي استعان بظل غريب
كأن صوتي يحاورني
ويطالبني بالاعتراف
أني تهت في وضح النهار
كل شيء يركض
العين تجحد
والدمع يتسلل من غير إذن
والنبض يرفض النظام
كأن الرئتان
لا تتنفسان هواء
بل احتمالا
كأن الكلام مؤامرة
وأن الصمت قاض... لا يرحم
تتساقط ملامحي من المرآة
يظهر وجهي العاشر
وجه بلا اسم
بلا تاريخ
بلا مبرر
وجع يقف بشموخ
ولا يبرر
أجلس في حضن السؤال
وأضحك من الجواب
أكتم حشرجة المعنى
وأدعي أني بخير
أصدقني
وأكذبني
وأبصق في فم الحيرة

 

[الإكليل*]

وقوفا على مكملات الهذيان
ثمة عقل يشتهي السكر بلا قطرة
وثمة قلب يحسن التمثيل على النبض
وثمة وجع يتنكر بوجه القصائد
الهذيان ليس فقدا بل امتلاء فائض
هو لحظة
تشبه الرقص على سطوح الجراح
يعلو فيها الحرف
وهو يعلم أنه يسقط
هو أن تقول كل شيء
دون أن تصدق شيئا
أفتش عني في صدفة
عن ظل لا يشبهني
عن أنين يتنفس من فم الذاكرة
من قال إن الهذيان جنون
هو وعي مرهق خائف من الرصانة
هو حكمة ضجرت من الاتزان
هو قافلة من الأسئلة
تسير في فراغ لا يسمع
فمن يجرؤ على الهذيان
قد شفي من الجهل المؤدب
ومن يكتبه
قد باح بما لم يرد أن يقال
لكنه انفجر

 

[الإكليل*]

وقوفا على مكملات الهذيان
أنزع عن الوعي قناعه
أطرد المنطق من مجلسي
أرفع رأسي للمجهول وأبتسم
كأن الحقيقة لم تكن يوما
أكثر من وهم مرتب
كأن الحرف إذا انكسر
قال ما لم يقل
وإذا تمرد صار أكثر صدقا
من النطق الرزين
الهذيان ليس اختلالا
بل ترتيب خفي للعبث العميق
هو أن تمشي فوق الأسئلة
دون أن تطأها
أن تكتب المعنى بعين مغمضة
أن تلامس جوهر الشيء
دون أن تسميه
أرى الذات عارية من المعتقد
الهوية ترتجف بلا علم
الزمن يسير إلى الخلف
والمكان يخون حدوده
والأنا تذوب في احتمال آخر
هنا لا يقف العقل على قدميه
بل يسجد للحيرة
ويصلي لفكرة غير مكتملة
يؤمن بأن الجواب قيد التنفس
وأن الصمت وحده امتياز الحكماء
الهذيان فلسفة بلا هوية
هو وطن المجاز
هو لحظة يسقط فيها الخطاب
وتنهار فيها الخرائط
وتولد فيها الحروف من رماد الحرق
فلا تسألني عن المعنى
المعنى خائف مثلي
يطرق باب اللاوعي
وينتظر أن يسمح له الحرف بالدخول

 

[الإكليل*]

وقوفا على مكملات الهذيان
لا باعتباره خللا
بل كونه احتمالا آخر للفهم
كأنه الوجه الخلفي للوعي
الوجه الذي لا يظهر في المرايا
ولا يُدوَّن في كتب المنطق
بل يشم
يرتجف به
ويخاف منه
ما الهذيان
إن لم يكن اللغة
وقد تحررت من عبودية المعنى
والمعنى
وقد انفصل عن نوايا قائله
هو أن يسقط الحرف
من فم الزمن
دون أن يعتذر
أن يتكلم الفراغ
ويصمت الامتلاء
الهذيان
ذلك الشرخ الدقيق
بين الصدق المجنون
والكذب المهذب
هو أن تنظر في عين الأشياء
فتدرك أنها ليست كما تبدو
أن الحقيقة لا تجلس على العرش
بل تتسول عند أبواب الظن
وقوفا على مكملاته
أرى أن العقل ليس سلطانا
بل سجين يبحث عن نافذة
أن القلب ليس دليلا
بل شاهد أعمى
أن الصواب ليس يقينا
بل اتفاقا مؤقتا بين جهلين
فلا تعتذر حين تهذي
أنت فقط تخرج من القالب
تتمدد خارج حدود اللغة
وترى الوجود وهو يتلعثم
وتضحك

 

[الإكليل*]

كل ما حولي يقول
لكن لا أحد يفسر
الضوء يومض لا ليضيء
بل ليذكرني أنني ما زلت أرى
والظل لا يخفي
بل يعلمني
أن الغياب أيضا نوع من الحضور
أستبدل الأسئلة بالأصداء
أمشي في الممرات المنسية
من المنطق
أقابل المعنى وجها لوجه
دون أن أمد يدي لمصافحته
لأن بعض المعاني
حين تمسك
تفقد قدرتها على الطفو
الهذيان ليس ضياعا
بل انفلاتا من قبضة المسلمات
هو أن تشك في الأرض
أن تتذوق الزمن
أن تصرخ من كثرة الصمت
أن تبتسم للعبث
لأنه الصادق الوحيد
وقوفا عليه
أسمع الحرف يئن
كأنه لم يخلق ليقال
بل ليحتمل
أشعر أن اللغة ليست وسيلة
بل كائن حي يمرض ويغضب
ويشكو من سوء الاستخدام
أقف لا لكي أثبت شيئا
بل لأتراجع خطوة عن كل شيء
لأرى الصورة
حين تقلب
الجهة الأخرى من الإدراك
الوجه المطموس للمعرفة
الهامش الذي أخفته العناوين
أفهم أن أكثر الطرق صدقا
هي تلك التي لا تصل إلى شيء

 

[الإكليل*]

أغرق في وجه الهذيان المبتسم
كأنني طفل يلهو في عاصفة من رماد
لا يبحث عن خلاص
بل عن دهشة
عن ومضة حارقة تشبه بداية الكون
عن صرخة أولى لم يُسكتها التاريخ
أغرق لا فرارا
بل شوقا لأن أرى من تحت
حيث الأعماق لا تُجمّل
ولا تلبس هنداما يناسب المناسبة
حيث الحقيقة تنام بلا مكياج
تتثاءب كأنها لا تعني أحدا
وتدير ظهرها للحكماء
في الهذيان
لا حدود بين الشعور والفكرة
كل شيء يتكلم بلغته
الجسد يكتب
والوجع يبتسم
والذاكرة تضع يدها على كتفي
وتسألني
هل كنت هنا حقا
أم أنك كنت مجرد اقتراح
أدع اللغة تسقط من يدي
أدع المعنى يتبخر
أدعني
أدعني بلا تعريف
بلا ماض
بلا مستقبل
فقط كثافة لحظة
كأن الزمن التفت حول عنقه
وكتم أنفاسه
حتى تصبح الحقيقة طيفا
والكذب احتمالا
والهوية نقطة ذائبة في الحبر
حتى لا أحتاج وجها لأكون
ولا اسما لأُذكر
ولا مكانا لأصل
لأني تعبت من الوقوف على ضفاف الوضوح
لأن العمق وحده يرحب بي دون أسئلة

 

[روح]

كأنك لم تكتب، بل كشفت الغطاء عن فوضى ساكنة فينا جميعًا…
كأن الحروف استأذنتك لتنزف ما كنا نخفيه تحت وسادة الليل

النص لا يُقرأ… بل يُشعر
كل جملة فيه تتنفس كأنها تنهيدة مؤجلة
وكل صورة فيه تمشي على حدّ السكين بين الإدراك والجنون

أحببت كيف انقلبت المعادلات
كيف صار الأمل يسعل، والصمت يقاضي والإجابة تُصلب دون ذنب
هذا نص لا يمنحك الراحة… بل يصحو بك من راحة الكذب

هنا… وجعٌ نقي، وتمرد جميل، وصدق مخيف

دام هذا الحبر النابض، ودامت بصمتك تشبهك: غريبة… ومذهلة

 

[الإكليل*]

وقوفا على مكملات الهذيان
أدع العالم يمضي دوني
أراقبه من ثقب في احتمالي
لا ألحقه
ولا أود أن أفعل
فالوصول وهم
والغاية خدعة ناعمة
أخلخل الأرض من تحت قدمي
حتى اتأكد
أن الثبات ليس فضيلة
بل عادة
أعيد تعريف العقل
ليس بما يعرف
بل بما يجرؤ على نسيانه
أعيد تعريف الوعي
بأنه هدية مسمومة
جميلة المظهر
مملوءة بقلق لا يهدأ
بإلحاح لا يصمت
بحاجة مستمرة لترتيب ما لا يرتب
وقوفي ليس اعتراضا
ولا هروبا
هو انحناء متعمد
تحت عاصفة لا ترى
هو اعتراف صامت
أنني لست حكيما
ولا مجنونا
كلمة سقطت
من جملة لم تكتب بعد
الهذيان
هو أن ترى كل شيء عاريا
وتتظاهر أنك أعمى
أن تسمع الحقيقة تتنفس
ثم تضع وسادة فوق فمها
أن تضحك
لأن البكاء أصبح عاديا
وأن تصمت
لأن اللغة خانتك كثيرا
أتحسس قلبي
كأنني أشك بوجوده
أفرك وجهي
لأطمئن
أنني لم أتحول إلى فكرة

 

[الإكليل*]

وقوفا على مكملات الهذيان
حين تتكاثر الأسئلة في العقل
حتى تفيض منه
حين يصبح الصمت لغة ثالثة
بين القلب والوجع
حين تشتهي الروح رشفات
من اللايقين
كما يشتهي التائه
قطرة من وهم المطر
حين لا يعود الألم طارئا
بل مقيما يتكئ على أريكة الذكرى
عندها
نقف
نتهجى الهذيان
كأنها ابواق للحائرين
نلتمس الحكمة
من بين صدوع الغيب
نكتب على جدار القلب
ليس كل ما يفلت من العقل
جنون
بعضه نجاة

 

[الإكليل*]

وقوفا على مكملات الهذيان
حيث لا صوت للعقل إلا إذا توجع
وحيث يتقن القلب دور الغائب
وهو في أقصى حضوره
نمضي بثقل الأسئلة
التي لا تبحث عن إجابة
بل عن حضن يصدق ارتجافها
هناك
عند حدود اللاوعي
تنسكب الأرواح
كما لو أنها سقطت من كف النعاس
وتتمدد الأحلام فوق جمر الذاكرة
نردد بصوت خافت
ليس كل هذيان جنونا
ثمة من يعقل الأشياء
أكثر
حين يفقد وعيه عنها

 

[الإكليل*]

وقوفا على مكملات الهذيان
هناك حيث تسقط المسميات
من أفواه الوعي
وتتشكل الحقائق بهيئة ظنون متعبة
نحمل رؤوسنا كأنها قنابل
لم تنفجر بعد
نرتب الفوضى داخلنا
كي لا تفضحنا أمام الضوء
نحاور أنفسنا بلغات
نسينا من أين أتت
نبتسم للألم كأننا نرضعه
نربت على ظهور الهزائم
كي تنام معنا
نغلق أبواب الروح واحدة تلو أخرى
لا خوفا من أحد
بل رهبة من أن نفتحها يوما
ولا نجد أنفسنا خلفها
لا نبحث عن شفاء
بل عن جرح واضح يدلنا
على ما تبقى من إنسان

 

[الإكليل*]

أغرق في وجه الهذيان
كما لو أنني جئت من فم مجرة
أتهجى دهشتي
كمن يقرأ أول صفحة في آخر سفر
كلما اقتربت من النور
اكتشفت أنني لست سوى ظل
وليس للظل وطن
ولا ملامح
ولا ورثة
كل ما يملكه أن يبتلع الضوء وينام
أغرق لا لأنني لا أجيد السباحة
بل لأنني لا أريد أن أنجو
لا أريد طوق نجاة
مكتوب عليه اسم الحقيقة
ولا أصابع تشير إلي
كأنني ناج من احتراق
أريد أن أهبط حيث لا يطرق أحد
حيث لا تتنفس اللغة
ولا تتزين الفكرة
ولا يتكلف الشعور ملامح المسافة
في الأسفل حيث العتمة تشبهني
وحيث الذاكرة تمشي
على أطراف أصابعها
وتهمس لي هل كنت هنا يوما
أم أنك كذبة نطقت بها الوحدة
وانتهت في سطر بلا بداية
أم أنك اقتراح
لم يوافق عليه أحد
ورقة سقطت من دفتر التاريخ
ولم يبحث عنها أحد
كأنني لحظة معلقة
بين شهيق وانطفاء
لا أريد زمنا يشبه الطريق
ولا وجها يشبه النافذة
ولا ماضي يطالبني
أن أكون صورة منه
ولا مستقبل يطالبني
أن أوقع عليه
كل ما أريده
أن أكون كثافة بلا ملامح
وصوتا خرج من صمت قديم
لم يعرف كيف يعود
أن أكون شيئا لا يشار إليه
ولا يترجم
ولا يوصف بأنه كان
فقط
العمق
فقط
ذلك العمق
الذي لا يطرح أسئلة
ولا يسألني من أين جئت
ولا لماذا لم أرتب قلقي
أنا هذا العمق
حين تعب الوضوح مني
ورحل