-
- إنضم
- 24 أكتوبر 2024
-
- المشاركات
- 40
-
- مستوى التفاعل
- 68
- مجموع اﻻوسمة
- 2
الانحياز التأكيدي: بين ما نؤمن به وما نثبته — قصة قصيرة في التفكير العلمي

الانحياز التأكيدي:
بين ما نؤمن به وما نثبته — قصة قصيرة في التفكير العلمي
..............
...
..
في صباح أحد الأيام، وجدت نفسي أتأمل فكرة بدت لي منطقية ظاهريًا:
هل هناك علاقة بين نمو الشعر والذكاء الأكاديمي (الذكاء المنطقي-الرياضي)؟
السبب لم يكن ورقة بحثية أو تجربة موثقة، بل كان شيئًا أكثر ذاتية: ملاحظة شخصية.
معظم أفراد عائلتي لا يعانون من الصلع، ومع ذلك يتمتعون بتحصيل علمي متميز، وذكاء لافت في المدرسة.
بدأت أربط بين الشكل والمضمون. خطر لي أن الشعر الكثيف ربما يعكس بيولوجيًا نوعًا من الصحة الجينية المرتبطة بالذكاء المتعلق بالعلوم الطبيعية .. طبعا هناك انواع من الذكاء بما فيها الذكاء الإجتماعي.لكن كنت أفكر في ذكاء متعلق بالتفوق المدرسي في العلوم الطبيعية ... وإلا هناك الكثير على الشاشات من السياسيين و المذيعين والإقتصاديين نراهم ما بين أصلع وذوو شعر .. لكني كنت بنيت على الذكاء المتعلق بالعلوم الطبيعية والرياضيات يسمى الذكاء المنطقي الرياضي أو قل مجال العلوم الطبيعية والتفوق المدرسي وليس بقية أنواع الذكاء بما فيها الإجتماعي الإداري القيادي الفني المهاري وغيرهم
وكي أؤكد حدسي، بدأت أستعرض صور العلماء الكبار في ذهني.
تذكرت نيوتن، أينشتاين، نيكولا تسلا ، ستيفن هوكينج، نيل ديغراسون، كارل ساغان، لورانس كراوس، فاراداي، ومجموعة أخرى بدت لي في البداية أنها أغلبية بحيث لا يبدو عليهم صلع واضح— وجميعهم في ذاكرتي يملكون شعرًا واضحًا، بل كثيفًا أحيانًا.
قلت لنفسي: ربما هناك نمطٌ ما…
لكن شيئًا ما أوقفني.
صوت داخلي همس:
"هل ترى ما تريد رؤيته فقط؟"
تلك اللحظة كانت نقطة التحول.
ما كنت أفعله — دون وعي — هو ما يُعرف بـ الانحياز التأكيدي:
أن ننتقي المعلومات التي تدعم فكرتنا المسبقة، ونتجاهل أو نُضعف كل ما يخالفها.
فبدل أن أواصل التربيت على فرضيتي، قررت أن أختبرها.
لا عبر مشاهد متناثرة، بل بطريقة منهجية.
التجربة : عيّنة من 100 عالم
جمعت قائمة من 100 من أعظم علماء الفيزياء عبر التاريخ.
حللت صورهم، قرأت عنهم، وصنّفت كل اسم وفق 3 فئات:
(ش) = شعر كثيف أو واضح
(ص خ) = صلع جزئي أو خفيف
(ص) = صلع واضح أو شبه كامل
توقعت أن تتفوق فئة الشعر الكثيف — ربما لرغبتي الداخلية في تأكيد انتمائي إلى هذه الفئة.
لكن النتائج أظهرت نسبًا متقاربة بين هذه الفئات الثلاث، ولم تكن هناك أغلبية واضحة تدعم أيًا منها.
الصلع موجود بنسبة متقاربة وطبيعية مع عدم الصلع كما في عموم السكان، وليس مؤشرًا على الذكاء الأكاديمي أو نقصه.
.....
الخلاصة: ماذا تعلّمت؟
الفكرة لم تكن عن الشعر، ولا عن العلماء.
بل عني أنا. وعنك أيضا حين تميل لقناعات تتوافق مع ما تحبه لكن الحقيقة العلمية لا تسير بهذا الشكل
عن كيف كدت أسقط في فخ بناء نظرية من رغبة ذاتية، لا من بيانات حقيقية.
لكن لحسن الحظ، أوقفت نفسي في الوقت المناسب، وقررت أن أرتدي قبعة "المحقق" لا "المؤمن بالفكرة".
في النهاية، لم أكتشف شيئًا عن الشعر…
لكنني تعلّمت درسًا ثمينًا عن النفس، والعقل، وطبيعة العلم الحقيقي.
العلم لا ينحاز، بل يثبت ويجرب بحيادية.
لا يعزز قناعاتنا، بل يختبرها.
وإذا خذلتنا الأدلة، يكون ذلك أعظم انتصار للعقل — لأننا اقتربنا أكثر من الحقيقة.
...
خالص تحياتي : أ/ محسن عزالدين البكري
بين ما نؤمن به وما نثبته — قصة قصيرة في التفكير العلمي
..............
...
..
في صباح أحد الأيام، وجدت نفسي أتأمل فكرة بدت لي منطقية ظاهريًا:
هل هناك علاقة بين نمو الشعر والذكاء الأكاديمي (الذكاء المنطقي-الرياضي)؟
السبب لم يكن ورقة بحثية أو تجربة موثقة، بل كان شيئًا أكثر ذاتية: ملاحظة شخصية.
معظم أفراد عائلتي لا يعانون من الصلع، ومع ذلك يتمتعون بتحصيل علمي متميز، وذكاء لافت في المدرسة.
بدأت أربط بين الشكل والمضمون. خطر لي أن الشعر الكثيف ربما يعكس بيولوجيًا نوعًا من الصحة الجينية المرتبطة بالذكاء المتعلق بالعلوم الطبيعية .. طبعا هناك انواع من الذكاء بما فيها الذكاء الإجتماعي.لكن كنت أفكر في ذكاء متعلق بالتفوق المدرسي في العلوم الطبيعية ... وإلا هناك الكثير على الشاشات من السياسيين و المذيعين والإقتصاديين نراهم ما بين أصلع وذوو شعر .. لكني كنت بنيت على الذكاء المتعلق بالعلوم الطبيعية والرياضيات يسمى الذكاء المنطقي الرياضي أو قل مجال العلوم الطبيعية والتفوق المدرسي وليس بقية أنواع الذكاء بما فيها الإجتماعي الإداري القيادي الفني المهاري وغيرهم
وكي أؤكد حدسي، بدأت أستعرض صور العلماء الكبار في ذهني.
تذكرت نيوتن، أينشتاين، نيكولا تسلا ، ستيفن هوكينج، نيل ديغراسون، كارل ساغان، لورانس كراوس، فاراداي، ومجموعة أخرى بدت لي في البداية أنها أغلبية بحيث لا يبدو عليهم صلع واضح— وجميعهم في ذاكرتي يملكون شعرًا واضحًا، بل كثيفًا أحيانًا.
قلت لنفسي: ربما هناك نمطٌ ما…
لكن شيئًا ما أوقفني.
صوت داخلي همس:
"هل ترى ما تريد رؤيته فقط؟"
تلك اللحظة كانت نقطة التحول.
ما كنت أفعله — دون وعي — هو ما يُعرف بـ الانحياز التأكيدي:
أن ننتقي المعلومات التي تدعم فكرتنا المسبقة، ونتجاهل أو نُضعف كل ما يخالفها.
فبدل أن أواصل التربيت على فرضيتي، قررت أن أختبرها.
لا عبر مشاهد متناثرة، بل بطريقة منهجية.
التجربة : عيّنة من 100 عالم
جمعت قائمة من 100 من أعظم علماء الفيزياء عبر التاريخ.
حللت صورهم، قرأت عنهم، وصنّفت كل اسم وفق 3 فئات:
(ش) = شعر كثيف أو واضح
(ص خ) = صلع جزئي أو خفيف
(ص) = صلع واضح أو شبه كامل
توقعت أن تتفوق فئة الشعر الكثيف — ربما لرغبتي الداخلية في تأكيد انتمائي إلى هذه الفئة.
لكن النتائج أظهرت نسبًا متقاربة بين هذه الفئات الثلاث، ولم تكن هناك أغلبية واضحة تدعم أيًا منها.
الصلع موجود بنسبة متقاربة وطبيعية مع عدم الصلع كما في عموم السكان، وليس مؤشرًا على الذكاء الأكاديمي أو نقصه.
.....
الخلاصة: ماذا تعلّمت؟
الفكرة لم تكن عن الشعر، ولا عن العلماء.
بل عني أنا. وعنك أيضا حين تميل لقناعات تتوافق مع ما تحبه لكن الحقيقة العلمية لا تسير بهذا الشكل
عن كيف كدت أسقط في فخ بناء نظرية من رغبة ذاتية، لا من بيانات حقيقية.
لكن لحسن الحظ، أوقفت نفسي في الوقت المناسب، وقررت أن أرتدي قبعة "المحقق" لا "المؤمن بالفكرة".
في النهاية، لم أكتشف شيئًا عن الشعر…
لكنني تعلّمت درسًا ثمينًا عن النفس، والعقل، وطبيعة العلم الحقيقي.
العلم لا ينحاز، بل يثبت ويجرب بحيادية.
لا يعزز قناعاتنا، بل يختبرها.
وإذا خذلتنا الأدلة، يكون ذلك أعظم انتصار للعقل — لأننا اقتربنا أكثر من الحقيقة.
...
خالص تحياتي : أ/ محسن عزالدين البكري
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : الانحياز التأكيدي: بين ما نؤمن به وما نثبته — قصة قصيرة في التفكير العلمي
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء