تواصل معنا

تمهيد البداية: (أنا) أنا… تلك التي مشَت طويلًا، لكنها كلّما مشت، شعرت أن شيئًا منها يتأخر… كأن قلبي يسير في زمن أبطأ من قدمي. أنا لست بطلة رواية، ولا...

إنضم
26 أغسطس 2024
المشاركات
1,841
مستوى التفاعل
5,906
مجموع اﻻوسمة
1
النقطة التي لم أصلها بعد !
تمهيد البداية: (أنا)

أنا… تلك التي مشَت طويلًا،
لكنها كلّما مشت، شعرت أن شيئًا منها يتأخر…
كأن قلبي يسير في زمن أبطأ من قدمي.

أنا لست بطلة رواية،
ولا أبحث عن نهاية سعيدة.
كل ما أردته دومًا أن أفهم:
لماذا أُحبّ من لا يراني،
وأصمت حين يجب أن أتكلم،
وأبقى حين يعرف الجميع أن عليّ الرحيل.

أنا لا أكتب لأنني قوية،
بل لأنني في كل مرة أكتب، أنجو.
أنجو منّي، من الذاكرة، من الذين مرّوا بي دون أن يلاحظوا كم كنتُ أفتح الباب على اتساعه.

في قلبي مقعد فارغ لم يجرؤ أحد على الجلوس فيه.
وفي رأسي صوت يقول لي كل مساء:
"ما زالت النقطة هناك… لم تصلي بعد."

هم لا يعرفون،
أن أكثر من خذلني… كنتُ أنا.
حين صدّقتُ، وانتظرت،
وكنت أُطفئ شكوكي بيدي كي لا أزعج حبّي لأحدهم.

هذه الصفحة،
ليست اعترافًا،
ولا بداية حكاية منتصرة.
إنها محاولة لأقول لنفسي:

لقد حاولتِ،
وهذا يكفي
 
إنضم
26 أغسطس 2024
المشاركات
1,841
مستوى التفاعل
5,906
مجموع اﻻوسمة
1
النقطة التي لم أصلها بعد !

الفصل الأول (كأنني أعود من حيث لم أذهب)




المدينة التي خلفتها وراء ظهري لم تلوّح لي.
ولم ألتفت.
ربما لأنني حين غادرتُ، لم أكن أغادر مدينة، بل نسخة مني عاشت أكثر مما تحتمل.

في القطار، جلستُ قرب النافذة،
لا لأنني أريد أن أرى الطريق،
بل لأراقب نفسي تنعكس في الزجاج،
تبدو غريبة… امرأة تعرف متى تصمت،
ولا تعرف إلى أين تمضي.

لم أحمل معي الكثير.
أوراقًا لم تكتمل، كتابًا أحببته أكثر من بعض الناس،
وقلبًا… حاولتُ أن أرتّبه بين ثنايا الحقيبة،
لكنني تركته كما هو: غير مُرتب، كعادته.

في جيبي ورقة قديمة كتبتها ذات خيبة:

أنا لا أغادر لأنني قوية
بل لأن البقاء صار استنزافًا لا يُرى




قرأتها مرات دون أن أرفع رأسي.
لم أشعر بالحزن.
ولا بالراحة.
بل بشيء يشبه الفراغ الصادق…
الذي لا يُطالب بشيء، ولا يعد بشيء.

حين توقّف القطار،
لم أتحرك فورًا.
كنتُ أستمع إلى صمتي كما لو أنه أغنية أعرفها،
لكنني نسيت كلماتها.

خطوتُ خارج المقعد،
وأدركت أنني لا أهرب.
أنا فقط أحاول أن أبدأ
من مكانٍ
لا يُشبه نهاياتي القديمة.
 
Comment
إنضم
26 أغسطس 2024
المشاركات
1,841
مستوى التفاعل
5,906
مجموع اﻻوسمة
1
النقطة التي لم أصلها بعد !
الفصل الثاني (مريم… التي لم تسألني كثيرًا)





لم أكن أنتظر أحدًا حين وصلت.
ولا توقعت أن يرنّ هاتفي بصوت أعرفه.
لكن "مريم" كانت تعرف كيف تقترب دون أن تُحرج الوقت،
دون أن تطلب توضيحًا، أو تطرح أسئلة ثقيلة.

حين رأيتُ اسمها على الشاشة،
ترددت لحظة…
لم أكن مستعدة للحديث مع ماضٍ يشبهني أكثر مما أُريد.

– "وصلتِ؟"
قالتها ببساطة،
وكأن بيننا جملة لم تنتهِ قبل سنوات.

– "وصلت… ولا أعرف إن كنت وصلت فعلاً."
– "تعالي، أعرف مكانًا لا يشبه أحدًا."

**

في المقهى الذي لا يشبه شيئًا،
كانت مريم تُشبه ما كنتُ عليه ذات يوم…
صمتها ناعم، ودفؤها لم يتغير.

لم تسألني: "لماذا غادرتِ؟"
بل قالت:
– "أنتِ لا ترحلين إلا حين تختنقين."
ثم أضافت، وهي تقلب فنجانها الفارغ:
– "تُجيدين البقاء… أكثر مما يجب."

نظرتُ إليها،
فشعرتُ وكأنني أنظر إلى نسختي التي نسيت أن أرعاها.
لم أُجب.
في داخلي رغبة غريبة بأن يتكلم أحد بدلاً عني.

– "هل ما زلتِ تكتبين حين يوجعكِ الصمت؟"
سألتني.

– "الآن… أكتبه فقط."
قلتُها وأخفضت رأسي،
ثم أضفتُ:
– "كأنني أكتب نسخة مني… لا أعرف إن كنت أريد الاحتفاظ بها."

مريم ابتسمت، ابتسامة من يعرف ألمًا مشابهًا،
ثم همست بصوتٍ خافت:
– "كلنا نبحث عن تلك النقطة… لكن البعض ينتهي به الطريق عند ما قبلها بخطوة، ولا يملك شجاعة الرجوع ولا المضيّ."

مدّت يدها إلى يدي.
لأول مرة منذ شهور،
لم أُفلت اللمسة.

كان الصمت بيننا
مريحًا…
صمت يشبه صلاةً قديمة،
لا تُقال، لكن تُشعر.
 
Comment
إنضم
26 أغسطس 2024
المشاركات
1,841
مستوى التفاعل
5,906
مجموع اﻻوسمة
1
النقطة التي لم أصلها بعد !
الفصل الثالث (صباح لا ينتظرني)



استيقظت قبل
أن يوقظني شيء.
لا منبّه.
ولا فكرة مستعجلة.
فقط ضوء باهت
يتسلل من الستارة،
وغرفة لا تشبهني بعد.

أجلس على السرير،
أنظر إلى حقيبة ما زالت على الأرض،
كأنها تنتظر أن أغيّر رأيي.

أول صباح في هذا المكان…
يشبه الهواء الفاتر بين موسمين.
لا بردٌ يُدفَع،
ولا دفء يُعتمد عليه.

صنعتُ قهوتي كما أفعل دائمًا،
لكني لم أتذوقها كما أذكر.
حتى النكهة تحتاج وقتًا لتألف الغربة.

جلستُ على الشرفة الصغيرة،
راقبتُ الشارع الهادئ،
المارّون بعجل،
كلٌّ في اتجاهه…
وأنا، في مكان لا جهة له.

الهدوء ليس راحة.
الهدوء أحيانًا مرآة.
وفيه ترى ما كنت تؤجّله عمداً.

لم أفتح هاتفي.
لم أتحقق من الرسائل.
لم أبحث عن إشعارات.
كنت بحاجة أن أشعر بالفراغ… دون أن يملؤه أحد.

ثم كتبت في دفتري:

في الصباحات الجديدة،
لا تختبر الذاكرة قوتها،
بل تختبرك أنت…
هل نسيت فعلاً؟
أم أنك فقط صرت تتألم بصمت أقل؟



**

النهار بدأ يمتد،
وأنا ما زلتُ أفكر:
هل الغياب كان اختيارًا؟
أم أن الأشياء حين تتراكم في داخلك…
تُجبرك على الخروج منها،
ولو بلا خريطة؟
 
Comment
إنضم
26 أغسطس 2024
المشاركات
1,841
مستوى التفاعل
5,906
مجموع اﻻوسمة
1
النقطة التي لم أصلها بعد !
الفصل الرابع (لم يكن أحد، لكن الباب طُرق)




كنتُ أنوي أن أقضي
اليوم كله داخل الشقة.
أرتّب بعض الفوضى،
أعيد ترتيب أفكاري،
أصمت كما أفعل
حين أريد أن أسمع صوتي وحده.

لكن في العاشرة والنصف،
طُرق الباب.

وقفتُ لحظة.
لم أكن أنتظر أحدًا.
ولم يكن لدي طاقة للمفاجآت.

فتحتُ الباب بحذر.
لم يكن أحد.
فقط مغلّف صغير موضوع عند العتبة،
بلا اسم، بلا ختم، بلا ملامح.

**

في الداخل ورقة مطوية بعناية،
رائحة باهتة تشبه أوراقًا تُركت طويلًا في درجٍ منسي.

خطّ اليد مألوف…
حدّ الإرباك.

"لم أكتب لكِ لتعودي،
بل لأقول إنكِ لم ترحلي تمامًا.
ما زلتِ هنا…
في زاوية الكلام المؤجل،
في كسر الجملة حين تُذكرين،
في الذين لم يسألوكِ أين ذهبتِ،
لأنهم يعرفون لماذا."



لم يكن هناك توقيع.
لكنني لم أحتاجه.

**

جلستُ على الأرض،
ورأسي مثقل بأسئلة قديمة لم تمت كما ظننت.
من أرسلها؟
كيف عرف مكاني؟
ولماذا الآن؟

تذكرت مريم.
هل تعرف شيئًا ولم تقل؟
هل أوصلت رسالتي، دون أن تعترف بذلك؟

الهاتف كان صامتًا،
كما لو أنه يتواطأ مع الورقة.

كتبت في دفتري:

الهروب لا يعني أنك اختفيت،
أحيانًا نختفي عن العالم،
لكننا نظل نعيش في جملة لم تُكمل،
في ذاكرة أحدهم،
أو في مغلّفٍ يصل دون اسم.




**

ذلك المساء لم أخرج.
لم أفتح النوافذ.
لكنني شعرتُ أن الهواء تغيّر.

كأن الباب الذي طُرق…
لم يكن
باب الشقة،
بل بابًا آخر في داخلي
كنتُ قد أوصدته بإحكام،
ونسيت المفتاح.
 
Comment

روح

💎نجمةالغابة الساطعة(مسؤلة فعاليات والمسابقات)
إنضم
3 سبتمبر 2024
المشاركات
16,985
مستوى التفاعل
4,685
مجموع اﻻوسمة
10
النقطة التي لم أصلها بعد !
يا صاحبة الحرف الذي لا يكتب… بل يبوح،
وقفتُ على أعتاب كلماتكِ كما يُمكن لامرأة أن تقف على أنقاض مدينة بداخلها… تعرف أنها لا تصلح للعيش، لكنها لا تنسى كيف أحبت فيها كل شيء

"أنا لست بطلة رواية" قلتِ
وأنا شعرتُ أنني قرأت بداية كل الروايات التي أحببتها يومًا

في كل فصل، كنتُ أتباطأ بالقراءة، كأني لا أريد للحكاية أن تنتهي
الوجع صادق، والفراغ ناطق، والسكوت عندكِ لا يشبه السكون، بل يشبه صلاةً طويلة على أمل أن يسمعها أحد

مريم؟
يا سلام على هذه الشخصية…
هدوءها، تفهمها، كلماتها القليلة… كانت بمثابة حضن دافئ وسط عاصفة

وذاك المغلّف؟
آه يا وجع الذاكرة حين تُعيد فتح الأبواب التي كنا نظن أننا أغلقناها جيدًا

الأسلوب ساحر
التفاصيل ناعمة كأنها لم تُكتب، بل همست لنا من بين السطور
وفي كل سطر… امرأة تحاول أن تبدأ، لا من جديد، بل من نقطة لم تجدها بعد

بانتظار التكملة، لكنني بالفعل شعرت أنني دخلت عالمكِ، وجلست هناك في الركن الذي لم يجرؤ أحد على الجلوس فيه

شكرًا لأنكِ كتبتِ
شكرًا لأنكِ حاولتِ
وهذا… فعلًا، يكفي 🤍
 
Comment
إنضم
26 أغسطس 2024
المشاركات
1,841
مستوى التفاعل
5,906
مجموع اﻻوسمة
1
النقطة التي لم أصلها بعد !
الفصل الخامس (الأماكن لا تُخفي أحدًا)





في اليوم التالي، لم أُفكر كثيرًا.
ارتديت ثوبًا صامتًا، وجمعت شعري كما كنت أفعل حين أريد أن أمرّ دون أن تُلاحظني الحياة.

لم أحدد وجهة.
لكن قدماي حملتاني إلى مكان أعرفه جيدًا…
ذاك المقهى القديم،
على طرف المدينة الأولى،
الذي شهد أكثر مما قلت، وسمع أكثر مما اعترفت به.

وصلت، وجلست في الزاوية نفسها.
ذات الطاولة، ذات الكرسي،
لكن شيئًا ما كان ناقصًا.

المكان كما هو،
لكنني لست كما كنت.

طلبت فنجان قهوة لم أكن أريده فعلًا.
كنت أريد شيئًا آخر:
أردت أن أختبر ذاكرتي.

هل سأراها في الوجوه العابرة؟
هل سأراه جالسًا في الخلف كما كان؟
هل ستصل الرسالة الثانية إلى هذا المكان؟

**

لا أحد أتى.
ولا شيء حدث.

لكن في داخلي،
صوت قديم نهض من بين الغبار،
قال لي بهدوء:

"من نتركهم خلفنا…
لا يظلون هناك.
بل يسكنون فينا،
في زاوية لا نغلقها تمامًا."



**

خرجت من المقهى دون وداع.
كأنني زائر لبيت ليس بيته.
وكأن العودة أحيانًا تؤكّد لك أنك تجاوزت، لا لأنك نسيت،
بل لأنك لم تعد تُشبه من كنت فيه.

**

في طريق العودة، لم أفتح هاتفي.
لكني قررت شيئًا صغيرًا:
سأكتب الليلة،
ليس عن أحد،
بل عني،

كما أنا الآن،
في النقطة بين "أتذكّر" و"لا أريد أن أعود.
 
Comment
إنضم
26 أغسطس 2024
المشاركات
1,841
مستوى التفاعل
5,906
مجموع اﻻوسمة
1
النقطة التي لم أصلها بعد !
الفصل السادس (الصوت الذي لا يُعيدك، لكنه لا يتركك تمضي)




في المساء، فتحت حاسوبي بعد غياب.
تراكمت الرسائل، والإعلانات، و"اللا شيء" الذي يملأ البريد دائماً.

كنت أبحث عن شيء لا أعرفه،
أتجول بين الملفات كما يتجول الحنين في ذهن مرهق.

ثم وجدت رسالة بعنوان واحد فقط:
"هل ما زلتِ تكتبين؟"

لا اسم، لا توقيع.
لكنني عرفت اليد التي كتبتها.
ليس من الكلمات… بل من الصمت بينها.

قرأت الرسالة كأنني أتنفسها،
لم تكن طويلة، لكنها قالت الكثير:

"كنت أراكِ تكتبين حتى وأنتِ لا تمسكين قلمًا.
أقرأكِ حين تصمتين… أكثر من كل ما قرأت من كتب.
ولأنكِ لا تجيبين،
أكتب إليكِ فقط لأذكّرك:
أن من يكتب عن الرحيل،
يعرف دائمًا الطريق إلى العودة،
حتى لو لم يمشِه."



**

لم أجب.
لكن شيئًا في داخلي تغيّر.
كأن هذه الكلمات لم تكن لتُفتح لو لم أكن مستعدة،
وكأنني الآن… لست كما كنت بالأمس.

تحت ضوء صغير، كتبت لنفسي:

الخذلان لا يُنسى،
لكنه لا يمنعنا من السماع…
حين يأتي صوتٌ يشبهنا،
لا ليعيدنا،
بل ليقول:
يمكنك أن تبدئي الآن، من هنا.




**

في الغد، سأخرج.
لا أعرف إلى أين بالضبط،
لكنني سأخرج دون خوف.

وربما…
أكتب شيئًا جديدًا،
لأول مرة، لا عنهم،
بل عنّي.
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى