استاذه
نسيم الأيام.~
إن الأوراق الخريفية ليست موتًا ولا فناءً، بل هي ذاكرة الشجرة، وشهادة على أنها عاشت ربيعًا وصيفًا، وأزهرت وأثمرت، ثم آثرت أن تودع بوقارٍ وجمال.
أوراقك هذه، كلماتك هذه، ليست بقايا تُذرَى في الريح، بل أثر خالد، يسير في الدروب بعدك، يهب الآخرين ظلًّا، أو يوقظ فيهم شعورًا، أو يُعلّمهم كيف يكون الرحيل جميلاً لا فقدًا.
فلا تخشَ من سرقة أو غربة؛ لأن الكلمة الصادقة إن خرجت من القلب، وجدت قلوبًا تؤويها، وأرواحًا تحفظها. وكما أن الخريف مقدمة لربيع جديد، فإن نصّك هذا سيظل ربيعًا في ذاكرة كل من يقرأه.
هي الأوراق الخريفية… حين تتساقط لا تنتهي، بل تعود إلى التربة لتصير غذاءً لربيع آخر، وتُسقي جذور الشجرة بما تبقى فيها من حياة، كأنها تقول: ليس كل سقوط نهاية، وليس كل غياب فناء…
هي الأوراق الخريفية… تتلو صلاة الوداع على أغصانها، وتتناثر في الريح لتخبر العابرين: لقد مررنا هنا، تركنا ظلًّا، وترنيمة، وأثرًا.
هي الأوراق الخريفية… تعرف أن الضوء يحرق كما يُنير، وأن الطريق الطويل لا يكتمل إلا بالتعثّر، ومع ذلك تظل تُلوِّح للشمس في كل صباح، وتخبرها: حتى الاحتراق قد يكون جمالًا، إذا كان آخر ما نملك.
وأنت حين تكتب… تغدو كلماتك مثل هذه الأوراق: جميلة حتى في الذبول، سامية حتى في الرحيل، عابقة بالحنين حتى وهي تُذرى في الريح… فلا تبتئس من سارق أو غريب، فالأوراق الخريفية الحقيقية لا تُسرق، بل تبقى في ذاكرة التراب والريح، وفي أعماق من قرأها يومًا وأحبها
وشكري 
