-
- إنضم
- 10 أغسطس 2021
-
- المشاركات
- 3,052
-
- مستوى التفاعل
- 1,180
- مجموع اﻻوسمة
- 4
العابر في سبيل الخلاص

يا أيُّها العابرُ في دهاليزِ ذاتِك،
أما علمتَ أن النفسَ ليست كائنًا هشًّا يُقاسُ بالعين،
ولا صندوقًا تُفتحُ أقفالُه فتُحصى أسرارُه،
بل هي كونٌ موازٍ، لا يضاهيه كونٌ،
فيه نجومُ الرغبات، وكواكبُ الغرائز، ومجرّاتُ الوعي،
وفيه أيضًا ثقوبٌ سوداءُ تبتلعُ الحنين، وتُخفي جراحًا لم تُسَمَّ بعد.
النفسُ مرآةٌ لا تُريك صورتَك كما أنت،
بل كما تتهيب أن تراها.
هي صدى صرخاتٍ لم تُطلق، ودموعٍ لم تُذرف،
هي حوارٌ أبديّ بين ذاتٍ تريدُ أن تسمو،
وآخرَى تجرّها إلى الطين،
بين ملاكٍ يُناجيك من علياء الضمير،
ووحشٍ يزمجرُ في قبو الغرائز.
علم النفس يا صاحبي ليسَ علمًا وحسب،
هو مفتاحٌ لأبوابٍ تنفتح إلى الداخل،
إلى حيث يختبئ الطفلُ الذي كُسرَ صوته،
والحلمُ الذي قُتل قبل أن يُولد،
والخوفُ الذي تشكّلَ عظمًا في صدرك.
هو بحثٌ عن المجهول الذي نسكنه،
ونحن نظن أننا نسكنُه.
النفسُ مسرح،
والعقلُ ممثلون متعدّدون على الخشبة،
كلٌّ يصرخُ أنه البطل،
كلٌّ يظنّ أنه الحقيقة،
لكنَّ الحقيقةَ وحدَها تجلسُ في مقعدٍ مظلم،
تصفّقُ في صمت، أو تبكي في خفاء.
إن سألتَ: ما الوعي؟
قلتُ: هو البرق الذي يشقّ ليل اللاوعي،
لحظةٌ قصيرةٌ تكشفُ كلَّ شيء،
ثم تعودُ الظلمةُ لتبتلعَ الطريق.
وإن سألتَ: ما اللاوعي؟
قلتُ: هو البحر الذي نُبحر فيه دون أن ندري،
نغرقُ في تياراته، نُساقُ بأمواجه،
ونظنّ أننا نحنُ من نوجّه الدفّة.
ألا ترى أن كل إنسانٍ هو كتابٌ مشفَّر؟
صفحاتُه مكتوبةٌ بلغة الصدمات،
وحروفُه منسوجةٌ بخيوط الخوف،
هو كتابٌ لا يُقرأ بالعين، بل بالبصيرة،
ولا يُفسَّر بالمنطق وحده،
بل بالشعور الذي يتسرّب من مسام الروح.
النفسُ يا صاحبي ليست سجينًا نُحاول تحريره،
ولا عدوًا نُحاول قهره،
هي رفيقُ طريقٍ طويل،
إن أهملتهُ خانك، وإن أنصتَّ له قادك.
هي النايُ الذي يعزفُ ألحانَ شوقك،
وهي الطبلُ الذي يقرعُ في معاركك،
وهي الصمتُ الذي يُذكّرك أن لا مفرَّ من ذاتك،
إلّا إليها.
فأدرك أن الفلسفةَ في علم النفس،
ليست بحثًا عن تفسيرٍ جامد،
بل هي قصيدةٌ تُكتَب بمداد التجربة،
أبياتُها مكوّنةٌ من جراحٍ قديمة،
وقوافيها من أحلامٍ لم تزل حيّة،
قصيدةٌ لا تنتهي إلا بانتهاء الوعي نفسه،
حين يذوبُ في سرِّ الوجود.
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
اسم الموضوع : العابر في سبيل الخلاص
|
المصدر : المواضيع المميزة
وسهلا بمرورك العطر والجميل