تواصل معنا

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:ـــ (( الابتلاء )) إنّ الحمد للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ...

رااشد

الصبر طيب شهب الغابة المضيئ 💎
مستشار الادارة
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
107,402
مستوى التفاعل
17,475
مجموع اﻻوسمة
16
الإبتلاء

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:ـــ
(( الابتلاء ))
إنّ الحمد للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومن يُضلل فلا هادي لهُ.
أما بعــــــد :
قال تعالى ؛
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:٣١)
ويقول تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الانبياء:٣٥) .
قال صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم :
(( لمّا خلق الله الجنَّة قال لجبريل : اذهب فانظر إليها ،فذهب فنظر إليها ،
ثُمَّ جاء فقال : أي ربّ ! وعزتُك لا يسمعُ بها أحد الَّا دخلها ،
ثُمَّ حفّها بالمكارهِ ، ثُمَّ قال : يا جبريل ! إذهب فانظر إليها : ثُمّ جاء فقال :
أي ربّ وعزتك لقد خشيتُ ان لا يدخلها أحد ، فلما خلق الله النار،
قال : يا جبريل ! إذهب فانظر إليها ، فذهب فنظر إليها ،
ثُمَّ جاء فقال : وعزتك لا يسمعُ بها أحد فيدخلها ، فحفّها بالشهوات ،
ثُمَّ قال : يا جبريل إذهب فانظر إليها ، فذهب ،
فنظر إليها فقال : أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد الا دخلها )) . "رواهُ أحمد والحاكم وصححه .
اذا بدأت الحياة البشرية وبدأ معها الابتلاء والفتن وهذا الابتلاء وهذه الفتن
لا ينجو منها أحد بل هي سُنة الله في خلقه ليميزَ اللهُ بين عِبادهِ
المؤمنين منهم والفاسقين والمنافقين ،
فأما الذين آمنوا فيزدادوا إيمانا مع ايمانهم وأمّا الذين في قلوبهم مرض فيزدادوا رجسا ومرضا الى مرضهم .
واليك أخي المسلم بعض الأيات القرآنية وألآحاديث النبوية
التي تشير الى هذا المعنى :
١– قال تعالى :( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:٣) .
إن من السهل أن يقول الانسان عن نفسهِ أنَّهُ ُمؤمن ،
ولكن حقيقة الأمر لا يتحقق ذلك الايمان إلّا بالصبرِ والثبات وأن يكون عبداً مطيعا لأوامر الله وأن يُحسن الظن بخالقهِ جلَّ وعلا ، حيثُ سيكون دائماً تحت الإختبار لينظر سبحانهُ ما حقيقة إيمان عبدهِ بهِ وأن يكون بمثابةِ العبد الصابر
المحتسب المفوض كل حياته لبارئه عزَّ وجلَّ ، حيثُ بَيَّن سبحانهُ صنف من الناس يَدّعِي الايمان ولكن عند أول اختبار له يفشل وينقلب على وجهه، فقال تعالى:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ
اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ
ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) "الحج" / ١١ .
وقوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ
لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ *وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ) "العنكبوت" / ١٠ – ١١ ) .
أخي المسلم اعلم أنَّ الجنَّة غالية كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام بقوله : ( ألا ان سلعة الله غالية ألا ان سلعة الله الجنة )) . ولا يكون دخول للجنة إلّا برضى الخالق جلَّ وعلا، ولا يتحقق رضى الله إلّا بالايمان ولا يكون للآيمان حقيقة إلّا بالصبر والثبات وتفويض الأمر كله للخالق عز وجل ولايتم ذلك إلّا بالاختبار والتمحيص حيث قال تعالى :
(وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ *أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) "آل عمران" / ١٤١ــ١٤٢ .
وقال تعالى :(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)"محمد" – ٣١
وقوله تعالى :(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواحَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) "البقرة" ٢١٤ .
وفي السنة المطهرة بَيَّن حبيب الله محمد صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم لصحابته ما كان من ابتلاأت وفتن قد نزلت في الأمم السابقة لتمييز الخبيث من الطيب فمنهم من فاز بالامتحان بصبرهم واحتساب ما أصابهم عند الله ومنهم من انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة .
واليك أخي المسلم بعض تلك الأحاديث :
أولا – جاء في صحيح البخاري عن خباب بن الأرت
قال: شكونا إلى النبي وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: ألا تدعو الله؟
فقعد وهو محمر وجهه وقال: " كان الرجل فيمن كان قبلكم يُحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بمنشار فيوضع فوق رأسه فيشق باثنين فما يصدهُ ذلك عن دينهِ، والله ليتمّن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ".
وقال أيضا : ( لما كانت الليلة التي أسري بي فيها ، أتيت على رائحة طيبة ،
فقلت ، يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة ؟
فقال : هذه ماشطة ابنة فرعون وأولادها ، قال : قلت وما شأنها ؟
قال : بينا هي تمشط إبنة فرعون ذات يوم اذ سقطت المدري من يديها ،
فقالت : بسم الله ، فقالت لها إبنة فرعون :أبي ؟! قالت : لا ، ولكن ربي وربك الله . قالت : أخبره بذلك ؟
قالت : نعم فأخبرته ، فدعاها ، فقال : يا فلانة ،
وإنّ لكِ رباً غيري ؟ قالت : نعم ، ربي وربك الله ، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها .
قالت : لهُ إنّ لي اليك حاجة . قال : وما حاجتك ؟ فالت : أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا .
قال : ذلك لك علينا من حق ، قال : فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحدا واحدا الى أن أنتهى ذلك الى صبي لها مرضع ، كأنها تقاعست من أجله . قال : يا أمه ، اقتحمي فان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، فاقتحمت ) .
"رواه أحمد عن ابن عباس والحديث صحيح لغيره" .
وقال أيضا : مخبرا عن نفسه صلَّ الله عليهِ و سلَّم فيما لقاهُ من الابتلاء فقال فيما معناهُ ،( لقد أُوذِيتُ في اللهِ عزّ وجلّ وما يؤذى أحد ، وأُخفت في اللهِ وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثلاثة من بين يوم وليلة ومالي ولعيالي
طعام يأكله ذو كبد ، الا ما يواري ابط بلال ) ."رواه أحمد – عن أنس بن مالك ،وهو صحيح".
وكذلك هذهِ سُنَّةُ الأنبياء من قبل أوذوا وعذّبوا وفتنوا ، فانظروا الى أبي الأنبياء ابراهيم كيف ألقي في النار رميا بالمنجنيق فاحتسب ذلك عند الله فجاءهُ الفرج من اللهِ بأمرهِ سُبحانه للنار كوني بردا وسلاما على ابراهيم وكذلك عندما أبتلي ببلاءٍ عظيم وهَمَّ بذبحِ ولدهِ استجابةً لأمرِ الله ففدى الله سبحانهُ ولدهُ بذبحٍ عظيم .
وكذلك أيوب عليه السلام أبتلي بمرض عضال أعقد كل جسده من الحركةِ إلّا لسانهُ وقلبهُ كانا مع الله وهجرهُ القريب والبعيد ولم يبقى بجواره إلّا زوجتهُ التي ضاقت بها الحال الى أن باعت ضفائر شعرها لتأتي بطعام لأيوب عليهِ السلام، عندها دعى ربّهُ ربِّ اني مسني الضُر وأنت أرحم الراحمين فاستجاب لهُ سبحانه وابدل مرضه صحية وهرمه شباب ورزقه المال والبنين .
ويونس أُبتليَ بدخولهِ سجنٍ لم يسجن بشر بمثل سجنهِ فكان سجنهُ بطن الحوت فنادى ربّهُ من ذلك المكان (أن لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين). فأستجاب له سبحانه ونجّاه من ذلك الغم وأشار سبحانهُ أنّهُ كذلك ينجي عباده المؤمنين من كلِ همٍ وغم ان هُم لجأوا الى الله عزّ وجلّ واحتسبوا وتوكلوا عليهِ أَمَا قال تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ) .
اذاً اخوتي في الله نكتفي بهذا القدر من ذكر بعض الابتلاأت التي أحلت بمن سلفنا من الأمم السابقة على رأسهم الأنبياء والرسل .
وكانت النية في ذلك أن أذكر نفسي وأذكركم الى المضي قدما الى مايرضي الله تعالى ونسأله سبحانه الصبر والثبات والتمكين في الأرض.
أنه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير.
§§§§§§§§
للابتلاء حكم عظيمة منها :
١) تحقيق العبودية للهِ رب العالمين
فإن كثيراً من الناس عبدٌ لهواه وليس عبداً لله ، يعلن أنّهُ عبد لله ،
ولكن إذا ابتليَ نكص على عقبيهِ خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ،
قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) الحج١١ .
٢) الابتلاء إعداد للمؤمنين للتمكين في الأرض
قيل للإمام الشافعي رحمه الله : أَيّهما أَفضل : الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين ؟
فقال : التَّمكين درجة الأنبياء ، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة ،
فإذا امتحن صبر ، وإذا صبر مكن .
٣) كفارة للذنوب
روى الترمذي (٢٣٩٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال النبي صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم :
( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده ، وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) ،
رواه الترمذي (٢٣٩٩) وصححهُ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٢٢٨٠) .
وعَنْ أَنَسٍ رضيَّ اللهُ عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا) ،
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
رواه الترمذي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة )
٤) حصول الأجر ورفعة الدرجات
روى مسلم (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ) .
٥) الابتلاء فرصة للتفكير في العيوب ، عيوب النفس وأخطاء المرحلة الماضية لأنه إن كان عقوبة فأين الخطأ ؟
٦) البلاء درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكل يطلعك عمليّاً على حقيقة نفسك لتعلم أنك عبد ضعيف ،
لا حول لك ولا قوة إلا بربك ، فتتوكل عليهِ حق التوكل ، وتلجأ إليهِ حق اللجوء ،حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء ، والعجب والغرور والغفلة ، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه ، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه .
قال إبن القيم :
" فلولا أنهُ سبحانهُ يداوي عبادهُ بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا ،
والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، يستفرغ به من الأدواء المهلكة ،
حتى إذا هذبّهُ ونقاهُ وصفاه : أهَّله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديتهُ ، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه " انتهى . " زاد المعاد " (١٩٥/٤) .
٧) الابتلاء يُخرج العجب من النفوس ويجعلها أقرب إلى الله . قال ابن حجر : " قَوْله : ( وَيَوْم حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ ).
رَوَى يُونُس بْن بُكَيْر فِي " زِيَادَات الْمَغَازِي " عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ : قَالَ رَجُل يَوْم حُنَيْنٍ : لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة ،
فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّ اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ الْهَزِيمَة ."
قال ابن القيم زاد المعاد (٣/٤٧٧) : " واقتضت حكمتهُ سبحانهُ أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة والكسرة
مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم وقوة شوكتهم ليضع رؤوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعا رأسه منحنيًا على فرسهِ حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعاً لربهِ وخضوعاً لعظمتهِ واستكانةً لعزته " انتهى . وقال الله تعالى : ( وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) آل عمران/١٤١ .
قال القاسمي (٤/٢٣٩) : " أي لينقّيهم ويخلّصهم من الذنوب ، ومن آفات النفوس .
وأيضاً فإنه خلّصهم ومحصهم من المنافقين ، فتميزوا منهم ثُمَّ ذكر حكمةً أخرى وهي ( ويمحق الكافرين ) أي يهلكهم ،
فإنهم إذا ظفروا بَغَوا وبطروا ، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ،
إذ جرت سُنّة الله تعالى إذا أراد أن يهلك أعداءهُ ويمحقهم قيّض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم ،
ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم في أذى أوليائهِ ومحاربتهم وقتالهم والتسليط عليهم .
وقد محق الله الذي حاربوا رسول الله صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أُحد وأصروا على الكفرِ جميعاً " انتهى .
٨) إظهار حقائق الناس ومعادنهم . فهناك ناس لا يعرف فضلهم إلّا في المِحن .
قال الفضيل بن عياض :" الناس ما داموا في عافية مستورون ، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم" ؛
فصار المؤمن إلى إيمانه ، وصار المنافق إلى نفاقه " .
ورَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّلائِل" عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ :اُفْتُتِنَ نَاس كَثِير ــ يَعْنِي عَقِب الإِسْرَاء ــ فَجَاءَ نَاس إِلَى أَبِي بَكْر فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ : أَشْهَد أَنَّهُ صَادِق . فَقَالُوا : وَتُصَدِّقهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة ؟ قَالَ نَعَمْ ، إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ ، أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء ، قَالَ : فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصِّدِّيق .
٩) الابتلاء يربي الرجال ويعدهم
لقد اختارَ اللهُ لنبيه صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العيش الشديد الذي تتخلله الشدائد ،منذ صغره ليعده للمهمة العظمى التي تنتظره والتي لا يمكن أن يصبر عليها إلا أشداء الرجال ، الذين عركتهم الشدائد فصمدوا لها ، وابتلوا بالمصائب فصبروا عليها .
نشأ النبي صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتيماً ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى ماتت أمه أيضاً . والله سبحانه وتعالى يُذكّر النبي صلّ اللّه عليه وآله بهذا فيقول :( ألم يجدك يتيماً فآوى ).
فكأن الله تعالى أراد إعداد النبي صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تحمل المسئولية ومعاناة الشدائد من صغره .
١٠) ومن حكم هذه الابتلاأت والشدائد : أن الإنسان يميز بين الأصدقاء الحقيقيين وأصدقاء المصلحة
كما قال الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقـي... وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي .
١١) الابتلاء يذكرك بذنوبك لتتوب منها
والله عز وجل يقول : ( وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ ) النساء/٧٩ ،
ويقول سبحانه وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن: كَثِيرٍ ) الشورى/٣٠.
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة ؛
فإنَّ الله تعالى يقول :
( وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ ) السجدة/٢١ ، والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها وما يصيب الإنسان من سوء وشر . وإذا استمرت الحياة هانئة ،
فسوف يصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر ويظن نفسه مستغنياً عن الله ، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه .
١٢) الابتلاء يكشف لك حقيقةَ الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور وأنَّ الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا ،
في حياة لا مرض فيها ولا تعب
( وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ ) العنكبوت/٦٤ .
أما هذه الدنيا فنكد وتعب وهمٌّ : ( لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ ) البلد/٤ .
١٣) الابتلاء يذكرك بفضل نعمةَ الله عليك بالصحة والعافية فإنَّ هذه المصيبة تشرح لك بأحسن بيان معنى الصحة والعافية، التي كنت تمتعت بهما سنين طويلة ، ولم تتذوق حلاوتهما ، ولم تقدِّرهما حق قدرهما، المصائب تذكرك بالمنعِم والنعم، فتكون سبباً في شكر الله سبحانه على نعمته وحمده .
١٤) الشوق إلى الجنة
لن تشتاق إلى الجنة إلا إذا ذقت مرارة الدنيا ، فكيف تشتاق للجنة وأنت هانئ في الدنيا ؟
فهذه بعض الحكم والمصالح المترتبة على حصول الابتلاء .
وحكمة الله تعالى أعظم وأجل .
والله تعالى أعلم .

م ن
 
اسم الموضوع : الإبتلاء | المصدر : قسم الغابة الاسلامي

جنة المنتدى

وحيدة كالقمر(عضوية مميزة )
إنضم
23 مايو 2021
المشاركات
22,699
مستوى التفاعل
9,665
الإقامة
أم الدنيا
مجموع اﻻوسمة
10
الإبتلاء
ونسأله سبحانه الصبر والثبات والتمكين في الأرض.
أنه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير.
اللهم آمين يارب العالمين
مشاركه متميزه ورائعه
أفادك الله اخي الطيب
وجعلك من عباده الصالحين
جزاك الله كل السعاده والخير

٠٠
 
Comment

رااشد

الصبر طيب شهب الغابة المضيئ 💎
مستشار الادارة
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
107,402
مستوى التفاعل
17,475
مجموع اﻻوسمة
16
الإبتلاء
اللهم آمين يارب العالمين
مشاركه متميزه ورائعه
أفادك الله اخي الطيب

وجعلك من عباده الصالحين
جزاك الله كل السعاده والخير

٠٠
وانتي كذلك الفاضله
جنة المتتدى
شاكر لك مرورك المميز
دمتي بسعاده لاتنتهي
 
Comment

sitemap      sitemap

أعلى