الفراغ الذي يبتلع كل ضوء

[الإكليل*]

حين تتكدس الاخطاء فوق بعضها
كصفائح جليد خاملة
وحين يتكور الكبرياء في زوايا الروح
مثل ظل فقد بوصلته
تبدأ الحكاية
عن تلك اللحظة
التي تصبح فيها الوقاحة باردة
حد الجمود
لحظة لا يعود فيها للحياء صدى
ولا للخجل أثر
حين يمد البعض أيديهم إلى حدودك
وكأنهم يقطفون ثمرا
غاب عنهم
أنه لك أنت وحدك
فينزلقون فوق خطوطك الحمراء
كما لو كانت أرضا مهجورة
ويمشون على صدرك بثقل
لا يسمع إلا داخلك
حتى يبدأ قلبك يفقد حرارته تدريجيا
هناك عند نقطة الانحدار الأخيرة
يتوقف الزمن
وتتعلم أن الصمت حين يبرد
يتحول إلى جدار
وأن الغضب حين يتورط
في الكتمان
يصبح سيفا غير قابل للكسر
وأن الكرامة حين تنزف بصمت
تنحت في داخلك عهدا لا رجعة فيه
عندها فقط
تصل الوقاحة إلى لحظة التجمد
حين ترى الوجوه
التي كانت تبتسم لك
وهي تبتلع ضوءها
وحين تتساقط الكلمات الجارحة
من افواه
اعتادت أن تجرحك
دون أن يرف لها رمش
وحين يصبح حضورهم حولك
مجرد عاصفة بلا ريح بلا حرارة بلا قيمة

 

[الإكليل*]

شعور بأنك لم تعد تلين
كما كنت
وأنك لم تعد تعطي
كما كنت
وأن بابك الذي كان مشرعا
صار موصدا بجليد صنعته خيباتك
وأنك كلما حاولت فتحه
انكسرت في يدك مقابض
كانت يوما تدفئك
عندها
تدرك أن النرجسية
حين تجمدت
لم تعد مؤذية
بل أصبحت مكشوفة
بلا لون بلا حرارة بلا عذر
وأنك لم تعد ترى فيها
سوى هشاشة
تتظاهر بالقوة
وخواء يتقمص صلابة زائفة

 

[الإكليل*]

تقف أمام ندمائك
وتستعيد كل الذين مروا فوقك
بلا اكتراث
ستدرك أنك لم تخسر شيئا
حين بردت
بل كنت تتهيأ لليقظة
وأن التجمد ليس موتا
بل حماية
وأن الصقيع
الذي غطى أطراف روحك
لن يدوم طويلا
لأن ما في داخلك أعمق
من أن يكسره جسد من جليد
وما في قلبك
أصدق من أن تشوشه بصدق مزيف
لم تتعلم يوما
كيف يكون للإنسان وزن
أو للحدود معنى

 

[الإكليل*]

وتستمر بحركاتك رغم الثلج
وتتنفس رغم الصقيع
وتنهض رغم الزحف البارد
الذي حاول أن يسكنك
وحين يذوب كل شيء حولك
ستقف وحدك على أرض صلبة
تعرف قيمتك
وتعرف أن الندم
مهما تناسيته
سيكون رخوا
وأن كرامتك وحدها
هي التي لا تنكسر
ولا تذوب ولا تتجمد
بل تضئ في داخلك كجمرة صامتة
تعرف تماما
متى تسخن ومتى تنطفئ
ومتى تحرق كل يد
تمتد إليك بلا حق

 

[الإكليل*]

الخيبة ليست مجرد فعل
بل حالة في الوعي
حين تتجاوز حدود الزمان والمكان
وتصبح مرآة مقلوبة للضمير
حين تتراكم الصيحات الباطلة
على الصمت الداخلي
وتغدو كل كلمة جارحة
أشبه بصقيع يعلق
على حواف النفس
تتوقف العاطفة عن التدفق
ويصبح الغضب بلا لغة
والحزن بلا أثر
حين يصل العقل إلى إدراك
أن البشر أحيانا
لا يقاسون إلا بما يفتقدونه
في أنفسهم
فتتجمد الخيبات عند نقطة
لا رجعة منها
حين تدرك أن لا جواب سيأتي
وأن لا اعتذار سيصدر
وأن كل محاولات التعاطف
هي سراب
يذوب قبل أن تلمسه
حين تتحول الأفعال إلى ظلال
والكلمات إلى جليد
يغطي المشاعر
وتصبح النظرات كلوحة منسية
على جدار الزمن
وحين يصبح الصمت صدى عميق
يردع أي محاولات للخرق
وأن كل شعور بالظلم
يتوقف عند خط متجمد
لا يقربه إلا من يعرف الثمن الحقيقي
للحرية الداخلية
حين تتجمد الخيبات
يتحول كل انتقام محتمل
إلى مجرد درس في الصبر
وكل استفزاز يصبح
حجرا ثقيلا
على الروح
لا ينكسر ولا يلين
وكل غطرسة تتحول إلى تمثال
بلا حرارة بلا روح بلا وزن
حينها تدرك أن التجمد
ليس موتا بل مراقبة دقيقة
للوجود
وأن الصقيع الذي يغطي الآخرين
لا يمس قلبك إلا بقدر
ما تسمح له
بأن يرى نورك الداخلي
وأن الخيبات حين تتجمد
تصبح شهادة على القدرة
على البقاء بلا تشويش
بلا فزع بلا انتظار
وأنك أنت الوحيد
الذي يسير فوق أرض صلبة
يعرف تماما أن الحرارة الحقيقية
في الوعي والكرامة والحدود
التي لا تخترق
وأن كل شيء آخر
مجرد وهم يتجمد في الفراغ
وينكسر عند لمس الحقيقة

 

[الإكليل*]

أستمع لصوت العالم وهو يمر من حولي كظلال متداخلة بين الحقيقة والوهم
بين ما يُى وما يخفيه الليل
في صمت ثقيل
أحس بنبض الأرض تحت قدمي
وكأنها تهمس بأسرارها القديمة
التي لم تروا لأحد
أتنفس ضوءا خفيفا ينساب بين شقوق الزوايا
وأدرك أن كل ضربة شمس
تشرق على هذا الطريق
ليست سوى فرصة للقاء نفسي
التي طالما تاهت بين الطرقات
لا شيء يغري إلا هذا الضوء
الذي لا يملك أحد قبضته
وأنا واقف هنا
على قارعته
أراقب السقوط الصامت للأشياء
وأستجدي من الحياة لحظة صافية
لحظة تهمس لي
بأن لكل غياب عودة
ولكل ضياع بصيص أمل
ولكل قلب يحن مكانه في الضوء
حتى لو كان على قارعته
وحيدا
بين الصراخ والهدوء
بين الفقد واللقاء، بين الواقع والحلم

 

[الإكليل*]

أراقب العالم وهو يمر
كجثث أفكار متداعية
كأشباح لحظات لم تكتمل
كوجوه تائهة تبحث عن نفسها
في مرايا الغياب
كل شيء هنا متأرجح
بين الخراب والقداسة
بين الانكسار والجلاء والهواء
يهمس لي
بأسرار لم يسمع صداها
من قبل
أسرار تشبه صمتي حين أصرخ داخليا
بلا صوت
الضوء هنا ليس مجرد ضوء
بل نيران خفية تلتهم الظلال
ترينا حجم الفراغ الذي نحمله في صدورنا
ترينا كل الكلمات التي لم تقال
كل الأيدي التي لم تمسك
كل القلوب التي لم تفتح
وعلى قارعته أقف
لا أملك سوى نظراتي
أحاول أن أقرأ العالم كما يقرأني
أحاول أن ألتقط من اللحظة
كل معنى
ومن الصمت كل صدى
ومن الغياب كل حضور
وكأن كل شيء هنا
على هذه الحافة
ينتظر أن يفهم أو أن يحرق
ولا فرق
فالنيران لا تفرق بين من يستحق
ومن لا يستحق
أحيانا أشعر أنني على قارعة الضوء
وحدي
لكنني أدرك أن العزلة
ليست فراغا
بل مساحة لتسلق الأعماق
للتحديق في الهلع
الذي نحمله في صدورنا
للتعرف على الظلال
التي نصنعها لأنفسنا
وحتى نعلم أن كل ضربة شمس
كل خفقة قلب
كل نسمة هواء
هي فرصة
لإعادة ترتيب العالم بداخلي
لإعادة كتابة نفسي
على الجدران
على الطريق
حتى لو لم يراني أحد
حتى لو كان الضوء يقسو علي
حتى لو كانت الظلال تريد أن تمتصني
فأنا هنا
على قارعة الضوء
أقف وأصرخ في صمت
أبتسم في ألم
وأشهد على نفسي
وأنا أتحول من مجرد ظل
إلى قوة لا تعرف الهزيمة

 

[الإكليل*]

في هذا الضوء
لا حدود لا أسماء لا قيود
كل شيء يتلاشى أمام شدة قوته
أمام شدة وحشته
أمام قدرة الضوء
على كشف ما يختبئ داخلنا
من وحشية ومن نقاء ومن عجز
ومن انتصار
أحاول أن أضع قدمي على هذا الطريق
بلا رجوع بلا خوف بلا انتظار
وأعلم أن كل خطوة هي معركة مع نفسي مع العالم
مع كل شيء لم أستطع السيطرة عليه
أحاول أن أكون أكبر من صمتي
أكبر من ضعفي
أكبر من كل شيء سبقني
الظلال هنا ليست مجرد غياب ضوء
بل حضور مستتر للأشياء
التي لم أرها
والتي أخاف أن أراها
وكل شيء يصرخ بلا صوت
في داخلي
كل صوت ينكسر قبل أن يصل إلى الهواء
كل صورة تتفتت قبل أن تتشكل
كل شعور يهرب قبل أن يصل إلى قلبي
وعلى قارعة الضوء
أقف أشبه بشجرة عارية
تغرق جذورها في عمق الأرض
وأغصانها تحاول لمس السماء
لكنها تصطدم بالرياح العاتية
أرى نفسي في كل شيء حولي
في الحجارة في الرمل في الغبار
في الضوء الذي يحرق العيون
في الهواء
الذي يجرح الرئة في الصمت
الذي يصرخ بلا توقف
في الليل الذي لا ينتهي
كل لحظة هنا
تكاد تتحول إلى أبدية
كل نبضة إلى حكاية
كل نفس إلى حرب
كل خطوة إلى سؤال
بلا جواب
وأشعر أنني أعيش بين
الانكسار والانتصار
بين الصمت والصرخة
بين الرغبة في الهرب
والقدرة على البقاء
على قارعة الضوء
يصبح كل شيء مجرد اختبار
لكل شيء
مجرد بداية لكل شيء
أرى نفسي فيها أختبر نفسي فيها
أتعرف على نفسي فيها
وأدرك أن البقاء هنا أ
قوى من الرحيل
أقسى من الألم
أكثر وضوحا من الظلال
وأكثر صمتا من الصراخ
وأكثر وحشة من كل ما أعرف

 

[الإكليل*]

تتشكل هولامية ظل
على هيئة صمت ثقيل
كأنها ندبة تعلق بين ضلوع الليل
وتتنفس ببطء
كي لا توقظ ما خذلناه
هي لحظة تتشابه فيها الدروب
وتتداخل فيها الملامح
حتى يصبح القلب واقفا على حافة نفسه
يبحث عن ضوء يسعفه
أو عن صوت يرشده
أو عن معنى
لم يتوقف عند أبواب الغياب
وفي عمق تلك الهولامية
يمتد الكلام بلا حروف
وينحني الوقت كأنه يعترف
أن كل ما مضى كان مجرد عبور
وأن ما سيأتي
لن يولد إلا من رحم الشجاعة
حين نقف وجها لوجه مع الحقيقة
ونقبل أن لا أحد يعود مثل ما كان
فنمضي
ونحن نحمل في جيوبنا
بقايا نور
وبقايا حلم
وبقايا صوت لم يُسمع بعد
ونترك للسكون ظله
وللقلب صراخه
وللعابرين حكايات لم تكتمل
لكنها ما زالت تنبض.

 

[الإكليل*]

هناك
في ذلك الفراغ الذي لا يحمل اسما
ولا يحاول تبرير حضوره
تنهض مشاعر خام
عارية من التصنع
تسألنا أين نضع خذلان الأمس
وأين نخبئ ما لم نقدر على قوله
يبدو المشهد كأنه ارتداد بعيد
لشيء سقط منا ولم نعد نعرف شكله
ظل يتقلب داخل الذاكرة
مرّة يضيء
ومرّة يختنق
حتى صار يشبه مرآة صامتة
نعبر أمامها
ونرى وجوها لم نعترف بها من قبل
وفي الهولامية نفسها
ينضج الصمت
يتحول إلى درس
إلى خطوة
إلى وعي حديث الولادة
يقول لنا إن الغياب ليس عدوا
وإن الحزن ليس عيبا
وإن قلبا يتألم هو قلب لا يزال حيا
فننهض
متهيبين
لكننا نكمل
نمشي في طريق لا نطالبه بالوضوح
وكل ما نريده
أن نشعر أن الظل بات أخف
وأننا أقرب إلى أنفسنا
ولو بقدر نسمة عابرة

 

[الإكليل*]

هناك حيث تختبئ الهولامية
يتحول كل شيء إلى إيماءة
الليل يلمس كتفك بصمته
والريح تمر بك بأسئلة
لا علاقة لها بالهواء
والقلب يقف في منتصف صدره
يستمع إلى دقاته
كأنها أصوات غرباء
يبحث بينها عن نبرة يعرفها
وفي هذا المزاج الرمادي
ينكشف ما نظن أنه تلاشى
ذكريات صغيرة
وجروح خفيفة
وأمنيات مستحية
كلها تعود بطريقة بطيئة
كأنها تمشي على أطراف الوقت
وتطرق الباب بأصابع خجولة
تسأل عن مكانها القديم فينا
ثم يحدث شيء لا يُرى
شرارة صغيرة
تكسر هذا الضباب الصامت
ليس نورا
ولا صحوة
مجرد التزام خفيف بأن نستمر
أن نحمل هذا القليل من الثقل
ونمضي بخطوة لا تشبه التي سبقتها
فتتبدد الهولامية
لا لأنها رحلت
بل لأننا عرفنا كيف نمر خلالها
من دون أن نفقد أنفسنا
ومن دون أن نبحث عن ظل إضافي
في مكان لم يعد يملك أي عتمة

 

[الإكليل*]

تلك اللحظة التي يصبح فيها كل شيء
قابلا للتأويل
الصوت الذي لا يسمع
والدمعة التي لا تنزل
والكلمة التي نصفها يخرج
ونصفها الآخر يختبئ في الحلق
خشية أن تهدم ما تبقى من اتزاننا
وفي هذه الزاوية
نكتشف أن السكون ليس فراغا
بل مساحة يتصارع فيها الضوء مع ظله
وأن الهولامية ليست ضياعا
بل اختبارا للصبر
ومحاولة لفهم ما إذا كانت أرواحنا
قادرة على أن تقف وحيدة بلا سند
يبدو المشهد
كأنه محكمة بلا قضاة
نواجه فيها أنفسنا
ونستمع لمرافعات طويلة
عن حب لم يكتمل
وعن خيبة كنا نظن أننا عبرناها
وعن حقيقة تهرب منا كلما اقتربنا
ومع ذلك
نخرج بخطوط رفيعة من الوعي
كأننا نلمس جدارا جديدا في داخلنا
لم نعرف أنه موجود
جدار يحرس ما تبقى من قوتنا
ويذكّرنا أن من عبر الهولامية
لا يعود كما كان
بل يصبح أكثر عمقا
وأقل خوفا
وأشد هدوءا
حتى لو بقي السكون يملك ظله

 

[الإكليل*]

تلمح ملامحك القديمة تتناثر
واحدة على كتف الذاكرة
وأخرى في طيات صمت طويل
وثالثة تحمل ابتسامة لم تعد تخصك
فتدرك أن الإنسان يهترئ بصمت
ويتشكل بصمت
وكأن كل الضجيج الذي حوله
مجرد ستار
لا يصل إليه أصلا
وفي هذا العمق الرمادي
تفهم أن الظلال
ليست دائما دليلا على العتمة
أحيانا تكون إشارة
على أنك تجاوزت وهج الحقيقة
وبدأت ترى ما خلفها
بصراحة أبطأ
لكن أنقى
ربما تبدأ بالانحلال من تلقاء نفسها
كأنها جاءت فقط لتمنحك استراحة
كي تعرف من الذي تعب منك
ومن الذي لا يزال يقاتل بداخلك
فتخرج منها بقدر بسيط
لكنه كاف
وعي جديد
يقول لك
إن السكون ليس خاليا
وإن الظل ليس عدوا
وإنك تستطيع أن تعبر الغياب
حتى لو لم تكن تعرف الطريق كله