تواصل معنا

في زمنٍ صار فيه الهاتفُ مرآةً للإنسانِ… لم تَعُدِ الوجوهُ تُرى كما هي، بل كما تُراد. فالناسُ اليوم لا يُقدّمون حقيقتَهم، بل نسختَهم الأفضل؛ نسخةً مُصفّاةً...

ملاذ أمن

أنتمي للخيال، لم تكن الأرضِ يوماً موطني
نجوم المنتدي
إنضم
2 يونيو 2024
المشاركات
3,946
مستوى التفاعل
2,283
العمر
41
الإقامة
في عالم موازي
مجموع اﻻوسمة
10
زمن الهواتف 📱

في زمنٍ صار فيه الهاتفُ مرآةً للإنسانِ… لم تَعُدِ الوجوهُ تُرى كما هي، بل كما تُراد.
فالناسُ اليوم لا يُقدّمون حقيقتَهم، بل نسختَهم الأفضل؛ نسخةً مُصفّاةً منَ الضعفِ، مُلوّنةً بالضوءِ، ومُحرَّرةً من الشّروخِ التي تَصنع الإنسانَ إنسانًا.
نُظهِرُ صورةً غالبًا لا تُشبهُنا، لكنّها تُشبه ما نُريد أن نكونَه، أو ما نَخشى أن نكشفَه، أو ما نَظنُّ أنّ الآخرينَ ينتظرونَه منّا.

يدخل المرءُ إلى مواقع التواصلِ كأنّهُ يدخلُ مسرحًا كبيرًا؛
الكلُّ يبتسمُ، والكلُّ ناجحٌ، والكلُّ بخيرٍ… لكنّ خلفَ السّتارِ قصّةً أُخرى لا يراها أحدٌ.

فذاك الذي يَنشرُ قوّتَه يومًا بعد يومٍ، قد يكونُ في أعماقهِ هشًّا يخشى أن يَسقطَ أمامَ نفسِهِ في لحظةٍ واحدةٍ…

وتلك التي تكتبُ عن الحرّيّةِ والجرأةِ، قد تكونُ مُحاصَرةً بعشرةِ قيودٍ لا يعرفُ عنها أحدٌ شيئًا…

وذلكَ الذي يملأُ صفحتَه بالنجاحاتِ، ربّما يهربُ من شعورٍ داخليٍّ بأنّه لا يَكفي، وأنّ العالمَ سيبتلعُه لو ظهرَ بضعفِهِ…

والذي يُكثِرُ من نشرِ الضحكاتِ، قد يفعلُ ذلك لأنّهُ يخشى أن يَسألَ أحدٌ عن سببِ حزنهِ الحقيقيِّ…

الناسُ هنا لا يكذبون…
بل يَختارونَ جُزءًا من الحقيقةِ ويضعونَهُ في واجهةِ العرضِ؛
تمامًا كما يفعَلُ صاحبُ متجرٍ يَعرضُ أجملَ ما لديهِ في الواجهة، ويُخفِي في الخلفِ ما لا يريدُ أن يراهُ الزوّار...

ولأنّنا لا نرى إلا الواجهةَ، نظنّ أنّ حياةَ الآخرينَ بلا ثقوبٍ، بلا خوفٍ، بلا انكسارات...
نُقارِنُ الداخلَ الذي فينا، بالخارجِ الذي عندهم،
فنخسرُ مرّتَينِ: نخسرُ سلامَنا… ونخسرُ رؤيتَنا العادلةَ للإنسانِ.

لكنّ الحقيقةَ العميقةَ التي يتهرّبُ عنها الجميعُ هي:
أنّ الإنسانَ في جوهرِهِ كائنٌ ناقصٌ، يحملُ ألمًا ما، سرًّا ما، سؤالًا ما… حتى لو بدا كاملًا تحت ضوءِ الشاشةِ.
وأنّ ما يُخفى خلف الصورِ أهمُّ بكثيرٍ ممّا يُعلَن فوقها…
 
اسم الموضوع : زمن الهواتف 📱 | المصدر : المنتدي العام

sitemap      sitemap

أعلى