-
- إنضم
- 2 يونيو 2024
-
- المشاركات
- 3,902
-
- مستوى التفاعل
- 2,259
-
- العمر
- 41
-
- الإقامة
- في عالم موازي
- مجموع اﻻوسمة
- 10
الركن الشديد
لسنا نتحدث هنا عن ترك الأخذ بالأسباب؛ فالسعي مأمورٌ به، والعمل عبادة.
لكن السؤال الأعمق: متى وكيف تلجأ إلى الله وأنت تأخذ بها؟
هل تبدأ بالله قلبًا واعتمادًا، ثم تتحرّك بالأسباب طاعةً وتنفيذًا؟
أم تتقدّم بالأسباب وحدها، ولا تستحضر الله إلا بعد العجز؟
الخلل لا يبدأ حين تتصل أو تبحث أو تستشير،
بل حين يتحرّك القلب مع السبب،
ويُؤجَّل الاعتماد على الله
حتى تُستنفَد الحيل.
مشكلة قانونية، أزمة مالية، أو مرض مفاجئ.
راقب الترتيب الفوري الذي يقفز إلى عقلك في أول ثانية:
حين تُغلَق الأبواب كلها في وجهك،
حين يعتذر فلان،
ويعجز المال،
وتفشل حيلة الأصدقاء،
وحين تنقطع الحبال الأرضية —
تفرش سجادتك، وتقول بانكسار:
«مالي غيرك يا رب».
العبارة صادقة في ذاتها،
لكن الإشكال ليس في القول…
بل في توقيت الحضور القلبي.
جاءت بعد أن استنفدتَ كل خياراتك البشرية،
وكأنك — بلسان حالك — تقول:
«يا رب، جربتُ كل الحلول وفشلت… فجئتُ إليك بعدما لم أجد غيرك».
وهذا لا يصدر عن جحودٍ صريح،
بل عن ترتيبٍ داخليٍّ مختلّ:
أن يكون الله حاضرًا في اللسان،
ومؤجَّلًا في الاعتماد.
هل كان لا بد أن تُخذِلك الدنيا كلها
كي تتذكّر أن لك ربًا؟
أم أن الله — حاشاه — لم يكن في قاموسك العملي
إلا «خطة طوارئ» تُستدعى بعد الانهيار؟
وهل جعلناه — حاشاه —
كالعجلة الاحتياطية،
التي لا نبحث عنها
إلا حين ينفجر الإطار وتتوقف السيارة؟
تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا؛
فهذا ليس توصيفًا لله،
بل كشفٌ لخللٍ في ترتيب القلوب.
قلبٌ لا يستحضر ربَّه
إلا حين تتهاوى الجدران،
ويتوهّم في تعامله مع الله
وكأنه «سَدّاد ثغرات»:
يلجأ إليه فقط ليسد الفجوة
التي عجز عنها البشر.
وهذا — في ميزان الإيمان —
ليس توكّلًا كاملًا، ولا اعتمادًا مستقيمًا،
بل لجوءُ اضطرارٍ
بعد انقطاع الحبال.
المضطر يصرخ:
«أنقذني لأني غرقت».
أما المتوكّل فيقول:
«تولّني حتى لا أغرق».
المضطر يأتي بعد نفاد الأسباب،
أما المتوكّل
فيأتي بقلبه قبل البدء بها.
التوكّل ليس ترك الأسباب،
بل ترتيب الاعتماد القلبي.
لا يعني ترك السعي، ولا تحقير الوسائل،
بل يعني ألّا تُقدَّم الأسباب على الله في ميزان الثقة،
وألّا يُجعَل نجاحها أو تعثّرها
مقياس الطمأنينة في القلب.
المتوكل الحقيقي يذهب إلى الطبيب،
ويعمل،
ويسعى في الرزق…
لكن قلبه معلّق بربِّ الأسباب،
لا بالأسباب ذاتها.
هو يعلم أن الطبيب أداة،
وأن المال وسيلة،
وأن الفاعل الحقيقي هو الله؛
لذلك يدعو الله
قبل أن يرفع سماعة الهاتف…
لا بعدها.
من المعيب في حق الله
أن يكون «الخيار الأخير» في قائمة حلولك،
ثم تريدُه أن يكون «الأول»
في سرعة الإجابة.
الأدب مع الله يقتضي
أن يكون هو الخاطرة الأولى لا الأخيرة،
أن يسبق ذكره حركتك،
أن تخرج من بيتك
وأنت مستندٌ عليه…
لا على رصيدك،
ولا على علاقاتك.
من جعل الله أولًا في قلبه،
كفاه الله مؤونة التذلّل للأسباب.
ومن جعله آخرًا،
وكله الله إلى الأسباب التي علّق قلبه بها؛
فلا هي نفعته،
ولا هو ارتاح.
لا تجعل الله ملجأك حين تنقطع السبل…
اجعله يقينك الذي لا تنقطع به السبل أبدًا.
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : الركن الشديد
|
المصدر : قسم الغابة الاسلامي

