اكبر على مهل استعجالك لتكبر خسارة صامتة

[سمارة]

بسم الله الرحمن الرحيم

اكبر على مهل



لن يخبرك أحد أن استعجالك لتكبر خسارة صامتة ، وأن الركض نحو النضج قبل وقته قد يسرق منك أشياء لا تعود أبدأ ..
يكبر الإنسان حين يُثقل قلبه أكثر مما يحتمل ، حين يُطلب منه أن يفهم كل شيء ، وأن يتحمل كل شيء ، وأن يصمت حتى عن وجعه ..
هناك فرق كبير بين أن تنضج ، وأن تُجبر على الكبر قبل أوانه ..
إياك أن تكبر قبل أوانك ، لأن في الصغر مساحات رحيمة للتجربة ، للخطأ ، للتعثر ثم النهوض بلا قسوة ..
في الصغر متسع للدهشة ، للضحك الصافي ، للأسئلة التي لا تحتاج إجابة ، للأحلام التي لا تُسأل كيف ستتحقق ..
حين تكبر مبكراً ، تُغلق هذه النوافذ واحدة تلو الأخرى دون أن تشعر ، وتجد نفسك جاداً أكثر مما يجب ، صامتاً أكثر مما يلزم ، حذراً حتى من الفرح ..
ليس النضج أن تحمل هموم العالم على كتفيك ، ولا أن تكون حكيماً قبل أوانك ، ولا أن تُقنع نفسك أن القوة تعني التحمل الدائم ..
النضج الحقيقي أن تعرف متى تقول لا ،
ومتى تستريح ، ومتى تسمح لقلبك أن يكون خفيفا ..
أما الكبر المبكر فهو أن تعتاد الضغط ، وأن تُطبع مع الألم ، وأن تعتبر التعب شيئا عادياً لا يستحق التوقف ..
إياك أن تكبر قبل أوانك ، لأن القلب حين يُستنزف مبكراً يتعلم البرود ، ويتقن التجاهل ، ويخاف من التعلق ..
يكبر الجسد ، لكن الروح تذبل بصمت .. تصبح أقل شغفاً ، أقل ثقة ، وأكثر حذراً ، وكأنك خسرت شيئا منك في الطريق ولم تنتبه ..
دع الأيام تقوم بعملها بهدوء ، لا تستعجل الفهم ، ولا تحمل نفسك ما لا يناسب عمرك ولا روحك ..
لكل مرحلة جمالها ، ولكل سن حقه في الخطأ والتعلم والفرح ..
من الظلم أن تحرم نفسك من بساطة اليوم بحجة الاستعداد للغد ..
إياك أن تكبر قبل أوانك ، فالحياة لا تكافئ من يتعب باكراً ، بل تكافئ من يعرف كيف يحافظ على قلبه حياً مهما تقدم به العمر .. كن ناضجاً حين يحين وقت النضج ، وقوياً حين تحتاج القوة ، لكن لا تتخل عن طفلك الداخلي ، ولا تُسكت ضحكتك ، ولا تُقنع نفسك أن القسوة فضيلة ..
إكبر حين تنضج التجربة ، لا حين يفرض عليك الألم ذلك ..
فبعض الأشياء إن رحلت مبكراً ، لا تعود أبداً ..

::