فى الدرس الأول وضحنا مايجب على الشاعر الإلمام به فإذا أنس فى نفسه قدرا من الإحاطة بما سبق الإشارة إليه فعلى الشاعر أن يهيئ نفسه لكتابة قصيدة ما كما يلى:ـ
(أولاً) البداية
عليه أن يتخير الوقت المناسب لكتابة القصيدة التى يريدها ومن أفضل هذه الأوقات أوقات التأثر الشديد بموقف مر به الشاعر فى حياته مثل الفرح بشيئ ما أو الحزن الشديد أو الشوق والهيام أو غيرها من العواطف التى تثور فى قلب الإنسان فهذ ه الأوقات هى أنسب وقت للبدء بكتابة القصيدة, حيث تثور نفسه وتهيج مشاعره وتكاد المعانى أن تحلق على رأسه وبين جوانبه, وتدفعه للكتابة بشكل كبير.
(ثانياً) المكان
على الشاعر أن يستغل هذه اللحظات ويأخذ قلمه ويجلس في مكان مناسب ويبدأ فى وضع مايجول برأسه من أفكار تتردد على طرف لسانه, فلايمكن أن يكتب الشاعر فى مكان مملوء بالضجيج, أو الأشياء التى تجذب انتباهه,بل يجن أن يكون المكان هادئا وياحبذا لو أحاط الشاعر نفسه بعوامل تساعدة مثل الموسيقى الهادئة أوالمناظر الطبيعية الساحرة,أو حتى يغلق عليه باب غرفته ويضع الأوراق والأقلام فى متناول يده.
(ثالثاً) الفكرة أو الموضوع
يبدأ الشاعر بالتركيز فى صلب الموضوع الذى سوف يكتب فيه, ويفضل أن يكتب الشاعر ذلك فى ورقة يضع فيها عناصر الموضوع الذى يريد التعبير عنه فى شكل نقاط محددة, وتكون أمامه باستمرار
ومن خلال ذلك يمكنه البدء فى الكتابة ويسجل مايعن له كاستهلال للقصيدة يتردد فى خاطره,فمن هنا يتوالى الإبداع وتتولد الأفكار ويحلق فى جو القصيدة التى تنمو معه بيتا بيتاً.
(رابعاً)معايشة القصيدة
يبدأ الشاعر فى تخيل المواقف التى مر بها ليزاداد انفعالا بها وتتولد فى نفسه المعانى ويتصور كل بيت قبل أن يكتبه,ويسجل كل الكلمات التى تأتى إليه بشكل تلقائي, ويطلق لخياله العنان للإبحار فى جو القصيدة, ولا مانع أن يقرأ شيئا من الشعر المشابه لموضوعه ويتأمل معانيها, أو يستمع إلى شيئا من الشعر وهو مسترخ تماما ويتأمل فيما يستمع إليه ويتعمق فى الجو العام لفكرته ويربطها بما يستمع إاليه أو يقرأه.
(خامساً)لاتفكر فى الوزن
أثناء كتابتك القصيدة لاتفكر فى البحر الذى تكتب عليه ,فسوف يأتى الوزن تلقائيا وأنت تكتب
إن تفكيرك فى الوزن سوف يفقدك التركيز ويجعل كل الأفكار تطير من رأسك وتبتعد عن جو الإبداع الذى يجعل خواطرك منسابة,بل تخيل نفسك تتغنى بأنشودة تتردد داخل قلبك وعلى لسانك بشكل طبيعى لا تكلف فيه ولامانع من ترديد اللحن بصوت عال حتى يثبت فى نفسك ويصبح مألوفا لديك.
(سادساً)اختيار القافية
فى بداية الأمر سوف تجد القافية تنبعث بشكل تلقائي فى نفسك بغير تكلف, حاول تأمل القافية التى بدأت بها عدة ابيات, وقارن بينها وبين موضوع القصيدة وسوف تلاحظ إن كانت مناسبة أو لا
ويمكنك تغيير القافية بأخرى فى البداية فاللغة العربية سخية وفيها من المترادافات الكثير ,ويمكنك أن تجرب أكثر من قافية حتى تجد القافية المناسبة والتى تستريح لهاوتكون حصيلتك اللغوية وافرة منها, حتى لاتشغلك وتتوقف عند كل بيت.
(سابعاً)المعانى والألفاظ
حاول أن تكون معانيك مترابطة ومعبرة عن الموضوع الذى تتطرق إليه,وحاول الإبتعاد عن الألفاظ المهجورة والغريبة,فنحن نعيش عصرا جديدا, ولابد أن تصل أفكارك إلى الناس ويتواصلوا معها,صحيح
أنه يجب الارتقاء بذائقة المتلقى ولكن ليس من خلال التعالى عليه واستخدام الكلمات المقعرة التى عفى عليها الزمن,فلغتنا ولله الحمد لغة حية متطورة ويمكنها تلبية كافة الأغراض بكل سهولة.
(ثامنا)الصور والمحسنات البديعية
حاول ابتكار صور جديدة تناسب الواقع الذى نعيش فيه, وابتعد عن الصور المكررة والتى تتردد على ألسنة الشعراء, حاول أن يكون لك صورك الجديدة التى تستمدها من ملاحظاتك ورؤيتك أنت, فالعالم قد تغير وتغيرت الظروف والبيئة,فما يصلح أن يعبر عنه الشاعر فى بيئة بدوية أو زراعية غير مايصلح للشاعر فى المدينة, كما أن الأدوات قد تطورت, ومن الغريب أن يستخدم الشاعر السهم مثلاً للتعبير عن السرعة,أو الحصان للتعبير عن السفر فى عصر أصبحت فيه الصواريخ والطائرات تجوب الدنيا.
كذلك حاول الإبتعاد عن تكلف استخدام السجع وباقى المحسنات البديعية , بل اجعلها تأتى بصورة طبيعية من خلال تدفق المعانى.
(تاسعا)فى حالة التعب
إذا لاحظت أنك مرهق ,أوابتعدت عن الفكرة الأساسية ,وبدأت فى التخبط أو فقدت التركيز لأى سبب كان, حاول عدم مواصلة الكتابة حتى لايكون هناك تكلف,اترك الورقة والقلم واسترخ تماما , وأعد قراءة ماكتبت بصوت مسموع وتأمل كل الصور والمعانى التى أوردتها,أو قم ببعض الحركات أو استمع للموسيقى ,أو تابع برنامجا فى التلفزيون ,وسوف تنبثق فى نفسك معانى جديدة وأفكار تمكنك من مواصلة الكتابة بشكل طبيعى.
(عاشرا)بعد الإنتهاء من الكتابة
قم بمراجعة ماكتبت عدة مرات,ركز فى كل مرة على شيئ واحد, مرة على المعانى والألفاظ, واخرى على الصور, وثالثة على الوزن, ورابعا على اللغة وهكذا يتم تعديل مايعن لك وتستطيع ان ترترتقى بقصيدتك, ولا مانع من عرضها بعد ذلك على شاعر لديه الخبرة لتوجيهك بما يلزم.
(يتبع)