أبو الفضل الخازمي .. المنجِّم نزيل بغداد
حذَّر من حدوث هواء شديد يهلك العامر وما فيه من الناس، ولم تُصِب توقعاته
من هو أبو الفضل الخازمي ؟
أبو الفضل الخازمي كان مقيماً في مدينة بغداد في القرن السادس الهجري، وقد اشتهر بنشاطه وأقواله في مجال الأحكام النجومية ويقتفي الناس أثر ما يقول، وقد كشف العُلماء والعامَّة لاحقاً زيف أقواله.أبو الفضل الخازمي واجتماع الكواكب السبعة:-
لمَّا اجتمعت الكواكب السَّبعة في الميزان في سنة 582 هجرية، وحكم أبو الفضل الخازمي في قرانها بأنَّهُ سيحدث هواء شديد يهلك العامر وما فيه من النَّاس، وقد طافت توقعاته في الآفاق، وأبدى النَّاس اهتماماً بالغاً بما يقول، وحينذاك أقرَّ أقواله جميع منجمي الأقطار باستثناء شخص معروف باسم شرف الدَّولة العسقلاني، نزيل مصر ، والذي كان يتحرَّى الدِّقَّة وبُعد النَّظَر.ووجَدَ العسقلاني في اقتران الكواكب والمكافأة ما يدفع ضَّرَر بعضها عن بعض، وقال ذلك، وضمِنَ على نفسه أن يكون الأمر على خلافه، وشرط أن يكون تلك الليلة التي أُنذِروا بوقوع الهواءِ فيها لا يهُبُّ فيها نسيم.
وبناء على طروحات الخازمي؛ فقد أبدى النَّاس حرصاً على بناء السَّراديب في البلاد السَّهلية، والمغائر في نظيراتها الجبلية، ليحموا أنفسهم من الرياح العاصفة، فلمَّا كانَ اليوم الموعود؛ كان الزَّمان صيفاً واشتدَّ الحَرُّ ولم يُصب النَّسيم، ولم يظهر مما قالوه.
وقال جمال الدين القفطي في هذا الصدد: فخزي المُنجِّمون وامتحنوا من كذبهم في إنذارهم، ووبَّخهم النَّاسُ، وسبوا أكثرهم، وقال الشُّعراء في ذلك أشعاراً كثيرة، ومن بين هؤلاء الشُّعراء أبو الغنائم محمد بن المعلم الواسطي، والذي قال في الخازمي المنجِّم:
قل لأبي الفضــــل قـــول معتــرف .. مضـــى جماد وجاءنا رجبُ
وما جــرت زعـــزع كمــــا حكمــــوا .. ولا بدا كوكــب لهُ ذنبُ
كــــــلا ولا أظلـمـت ذكـــــــاء ولا … أبـدَت أذىً من ورائها الشُّهبُ
يقضي عليهــا من ليس يعلم مــا .. يقضـي عليه هذا هو العجَبُ
قاوم بتقويمك الفرات والاصطرلاب .. خير من صفرة الخشَب
قد بــان كـــــذب المنجـميـــن وفـي … أي مقـالٍ قالوا فما كذبوا
مُدَبِّر الأمــر واحــد ليس للسَّبعةِ .. فــي كُلِّ حادثٍ سببُ
لا المشتـــري ســالـــم ولا زُحــل .. بـــاقٍ ولا زُهرة ولا قُطبُ
تبارَكَ اللهُ حصحص الحقُّ وانجــاب .. التماري وزالت الرِّيبُ
فليبطـــل المُدَّعـــونَ ما وصفــــوا .. فــي كُتُبِهِم ولتحُرَقِ الكُتُب
رواية الكواكب السبعة من زاوية ثانية:-
روى أبو محمد طاهر بن أحمد القزويني النَّجار ذات الرواية المذكورة أعلاه، لكنه تناول بعض الزوايا الأخرى المتصلة بها.فقد روى إن أبا الفضل الخازمي ذكر أنَّ اجتماع الكواكب السَّبعة مع الذنب في الميزان يوم الثلاثاء سلخ جمادي الآخرة سنة اثنين وثمانين وخمسمائة هجرية، والطَّالع لقبَّة الأرض الميزان، والكواكب ظاهرة فوق الأرض؛ تدُلُّ على طوفان هوائي ممتزج بأرضي، وزلازل، وخسفات، وهبوب رياح مُفسِدَة لجميع ما على وجْه الأرض شرقاً.
وزَعَمَ أنَّ ذلك موافق سبعة الآف سنة من عَهْدِ آدم، وقبل ذلك يفتح سَد يأجوج ومأجوج بخمس سنين، وزَعَمَ أنَّ ثابت بن قرة الحرَّاني (221-288 هـ) استخرجَ ذلك وعيَّنَهُ.
ووأضاف القزويني ” قال المصنّف ومن العُجَب العُجاب أنَّي رأيتُ في المنام كأنَّ شيخاً يقول لي: إنَّ المُدَّة إلى القيامة مخبوءة في لفظ 5// القيامة ، فانتبهتُ وتفكَّرتُ في لفظها واشتقاقها وما يتعلَّق بها، فلم أظفَر بشيء، ثمَّ لمَّا حاسبتُ حروفها بالجُمَّل، كان الألف واحداً، واللام ثلاثين، والقاف مائة، والياء عشرة، والألف واحداً، والميم أربعين، والتاء أربعمائة، فكانت الُجملة اثنين وثمانين وخمسمائة (السنة)، وقد حكيتُ هذه الحكاية في رسالتي الواوية، وهذا من غرائب المنامات، وعجائب الاتفاقات، والله أعلم بذلك”.
وفي ذلك؛ قال القزويني النَّجار في قصيدة:
ضلَّ المُنجِّــمُ في قضــايــا أنجُــم .. قـــرن الإله يُجريها تدبيره
اللــهُ يعـلـــمُ دورهُــــــنَّ حقـيقــــة … إذ كـان الخَلْقُ كُلَّها ومديره
أبدى وأبَــدَع أنجُــمـــا وأنارهــــــا .. وأبــان للورى فيها تقديره
ما كان بطليموس يشهد خلقها .. فيجيل في هيئاتها تفكيره
تبَّــاً لــهُ مــــــاذا يرجُـــــم ظنَّــــه .. فــــوقَ السَّماءِ وليس يعلم بيره
هيهـــات قد طوى الغُيوبُ عن الــورى .. لا خلق يعلم بدأهُ ومصيره
ولكُلِّ نجـــم دار يعلــــم دورهُ .. وحســابــه ربّ قضى تدويره
أبو الفضل الخازمي وأقوال العلماء فيه:-
- قال عنه جمال الدين القفطي : “كان يدَّعي أكثر مما يعلم”.
- وعنه وعن غيره؛ قال ابن تغري بردي: ” وهذا الكذب متداول بين القوم إلى زماننا هذا، حتَّى أنَّهُ لا يمضي شهر إلَّا وقد أوعدوا النَّاس بشيءٍ لا حقيقة لهُ، والعجب أنَّ الشَّخص من العامَّة إذا كَذَبَ مرَّة على رجلٍ يستحي ولا يعود إلى مثلها، وهؤلاء القوم (عن الخازمي وغيره) لا عِرْض لهم ولا دين ولا مروءة”.
- وفي سياق الحديث عن الخازمي؛ قال القزويني النَّجار : “واعلم أنَّ هذه الاختلافات والخرافات.. إنَّما أورَدتها لتكون عبرة لأولي الأبصار في أنَّ من يُبادي الله في مكتومِ أمرهِ ويُنازعهُ في مكنون حكمته كيف يفتضح.. إنَّ من لم يشهد خلق السماوات والأرض كيفَ يطَّلِع على كيفية خلقهما وكميَّة مدَّتِهما، وإنَّما يعلمهما من خلقهما..”.
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : أبو الفضل الخازمي .. المنجِّم نزيل بغداد
|
المصدر : علماء ومفكرين