مؤيد
نجوم المنتدي
حبل افكاري
حبل أفكاري ( 1 )
استيقظت هذا اليوم كالعادة قبل موعد رنين هاتفي بخمس دقائق ، أغلقت المنبه وحاولت أن أغلق عيني مرة أخرى ، استسلمت لضرورة النهوض من دفئ سريري ، اتجهت إلى خزانة ملابسي ، اخترت ما سوف أرتديه ، بدأت أستعد ليوم قد يكون حافلا .اتجهت إلى المحطة التي أركب منها كل يوم ، انتظرت القطار الأزرق ، أنا أعشق اللون الأزرق فهو يذكرني بلون البحر والسماء ، كم أشتاق لرائحة البحر وملمس الرمال على قدمي .
” كم الساعة ؟ “
قطع هذا السؤال حبل أفكاري ، هذا الشخص ، أراه كل يوم على نفس المحطة ، غالبا ما أجده ينظر إلي دون أن يوجه إلي أي كلمة ، اليوم فقط تجرأ أن يتحدث إلي ، نظرت إليه باستغراب فقد أذهلني السؤال وأربكني ، أعاد علي السؤال مرة أخرى :
” كم الساعة ؟ “
أجبته وأنا أحمل على وجهي كل معاني الاستهجان ، فأنا أكره عندما يقطع أحد ما حبل أفكاري ، أتى القطار وصعدت مسرعة ، ومر يومي بشكل طبيعي .
حبل أفكاري ( 2 )
في اليوم التالي ، تكرر نفس الموقف ، فقد كنت واقفة كالعادة أفكر في جدول أعمالي و إذا به – نفس الشخص – يتوجه إلي بابتسامة غريبة .” صباح الخير ، كيف حالك ، هل أستطيع أن أعرف كم الساعة ؟ “
نظرت له ، تنهدت ، ثم جاوبته ، انطلق كل منا في طريقه ، تكرر الموقف في اليوم اللاحق ، لكني هذه المرة نظرت إليه بكل حدة وسألته :
” ألا تملك هاتفا ؟ ألا تملك مالا كافيا لتشتري ساعة ؟ لا أعلم كم هي الساعة وأرجوك ألا تزعجني مرة أخرى ، فأنا أكره أن يقطع حبل أفكاري أي أحد .
نظر إلي ثم نظر إلى الأرض ، احمر وجهه وحاول أن يرفع رأسه بهدوء ، نظر إلي بعمق ثم قال :
” آسف ، منذ أول مرة رأيتك وأنا أود أن أتحدث إليك ، إن هذا ليس من سماتي ولا أخلاقي ولكنك أثرت بداخلي شيئا ما ، كم وددت لو تلتفتي إلي مرة لكنك دائما ما تسبحين في بحر من الأفكار ، غالبا ما أجدك منغلقة على نفسك ، ونادرا ما أراك تفعلين أي شيء آخر .
شعرت بحرارة في وجهي وقطرات العرق في كفوف يدي ، شعرت بخجل شديد ، أتى القطار فتوجهت مسرعة إليه دون أن أنطق بأي كلمة ، اتجهت إلى العمل لكني لم أستطع أن أحول تركيزي إلى أي شيء آخر ، فطوال اليوم أتذكر هذا الشخص ، أحاول أن أسترجع ملامح وجهه ، أكرر كلماته ، ابتسامة غريبة تعلو وجهي ، ثم عودة إلى الواقع مرة أخرى .
عدت إلى المنزل وحاولت أن أكمل يومي بشكل طبيعي ، حاولت أن أتناسى ما حدث صباحا ، نمت الليلة وما حدث معي في الصباح يؤرق عيناي . عندما استيقظت صباحا لم أفكر كثيرا في الموضوع لكني تذكرت ما حدث بالأمس عندما وصلت إلى محطة القطار .
حبل أفكاري ( 3 )
نظرت في كل اتجاه ولم أجده ، أتى القطار مسرعا وتوجهت إلى عملي ، مر يومي بشكل ممل وبطيء ، غادرت العمل ، وبعد أن نزلت من القطار وجدته يقف هناك في زاوية يبدو عليه الانشغال بشيء ما ، حاولت أن أدير وجهي ولا أنظر إليه ، مررت من أمامه ، لحق بي ثم وجدته أمامي ينظر إلي قائلا :” أرجوك لا تنزعجي ، أنا لا أقصد أن أضايقك ، فقط أتمنى أن تقبليني كصديق ، لا بل أكثر من صديق “
لم أعرف كيف أجيبه ، حاولت أن أعبر لكنه اعترض طريقي وتحدث مرة أخرى :
” أرجوك أريد فقط أن أعرف رقم هاتفك “
لم أعلم حتى هذه اللحظة كيف وافقت وأعطيته الرقم ، توجهت إلى بيتي مسرعة ، أشعر بألم غريب في معدتي وابتسامة تحاول أن تحتل وجهي ، دخلت غرفتي ، أغلقت هاتفي وحاولت أن أنام .
توجهت في اليوم التالي إلى نفس محطة القطار ، لم أجده هناك ، صعدت إلى القطار نظرت من النافذة ، فإذا به ينظر إلي قائلا بصوت غير مسموع :
” انتظري مكالمتي “
وصلت إلى مقر عملي ، بدأت أعد لبداية يوم من العمل ، لقد تراكمت علي العديد من الأشياء في الأيام الماضية ، لم أكد أضع حقيبتي حتى سمعت رنين الهاتف ، أخرجته ، فإذا به رقم غريب لم يخطر ببالي أنه هو ، أنا حتى لا أعرف له اسما بعد .
حبل أفكاري ( 4 )
فتحت الهاتف ، لم أكد أنطق كلمة ” من معي ؟ ” حتى رد علي صوت غريب :” هاتفك كان مغلقا بالأمس ، لماذا ؟ “
لم أعرف كيف أجيب ، لم أفهم ما قاله للوهلة الأولى ، أكمل حديثه ، تحدثنا طوال هذا اليوم والأيام التي أتت من بعده ، كان ينتظرني يوميا كل صباح ، ننتظر سويا القطار ، يمضي كل منا في طريقه ، نتحادث طوال اليوم ، ينتظرني في وقت العودة إلى المنزل ، نتحادث في كل الأشياء .
في بداية الأمر أعجبتني طريقته ، وأعجبتني حالتي ، بدأت ملامحه تعلق في ذهني ، بدأت أنتظر مكالماته ، بدأت أنجذب إليه ، قاومت هذا الشعور بداخلي ، حاولت جاهدة أن أقاومه ، أخيرا قررت أن أستسلم لمشاعري ، قررت أن أترك قلبي يحيا كما يحب .
في نفس الوقت الذي بدأت أعتاد على وجوده في حياتي ، بدأ هو في الابتعاد ، لم أفهم لماذا ؟ في بداية الأمر ، حاولت أكثر من مرة أن أشجعه أن يقترب مني أكثر ، لكن المسافات بيننا ابتعدت ، لم يعد هاتفي يدق كما مضى ، لم تعد محطة القطار مكان اللقاء كما تعودنا ، لم يعد رفيق عودتي إلى المنزل بعد الآن .
لقد اختفى من حياتي ، لم أعد أراه ، أين هو ؟ لماذا الآن ؟ ماذا حدث ؟ حاولت أن أجيب على كل هذه الأسئلة بنفسي ، لكني لم أجد أي نتيجة . عدت إلى سابق أيامي ، عدت أستيقظ قبل ميعادي كما كنت ، عدت أنهك نفسي بالعمل كي لا أفكر بشيء آخر ، والأهم عدت لدوامة أفكاري بجوار محطة القطار .
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : حبل افكاري
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء