”البيت الذي لايطل على شيء“ (الفصل الثالث)

حضن الامان..
كانت سعاد تعرف أن البيت لم يعد كما كان، لكنها لم تتخيل أن الصمت يمكن أن يصبح أثقل من الحجارة. كل زاوية فيه تحمل ظلًّا من ما فقده، حتى رائحة القهوة التي اعتادت أن تسبق خطوات أمها إلى المطبخ صارت ذكرى عالقة في الهواء، تتسلل إلى كل فجوة في القلب.
في الصالة عيناها توقفتا عند رف صغير قرب النافذة، حيث كانت صور العائلة تصطف كجنود في حفل وداع صامت. كل إطار يحمل زمنًا كاملًا في ضيق المساحة.
توقفت عند صورة تجمع أمها بجدتها، حيث كانت الجدة تبتسم بوقار لا يزحزحه العمر، وعينا الأم تلمعان بفرح لم تره سعاد منذ سنين.
رفعت الصورة قليلًا، فرأت ورقة صغيرة مطوية بعناية أسفلها. ارتجفت يدها، لكنها لم تفتحها، كأنها تخشى أن يطلق فيها شيء لا يمكن إيقافه.
قادتها خطواتها نحو الممر المؤدي لغرفة جدتها، كل حركة تبدو مترددة، وكأن الحاضر يخفي أبوابًا نحو ماضٍ لم يكتمل بعد. دفعت الباب بخفة، خشية أن تجرح السكينة التي تغلف المكان.
الضوء يتسلل من نافذة عالية، يمر عبر ستارة بيضاء منسوجة بخيوط دقيقة، فيرسم على الجدار ظلالًا رقيقة تشبه الزخارف.
جدتها على طرف السرير، أصابعها النحيلة تتحرك ببطء فوق مصحف مفتوح، كأنها تلمس الآيات بتدبر. ملامحها ثابتة، عينيها صافيتان، تشبهان ماء بئر قديم لم يمسه أحد.
على الطاولة القريبة، سبحة كهرمانية تتلألأ تحت الضوء، وبجوارها كوب ماء مغطى بورقة صغيرة كتب عليها آية للحفظ.
الجو كله يعبق برائحة بخور خفيف، يمتزج بعطر الورد المجفف في وعاء نحاسي، وكأن المكان لا يكتفي بأن يُرى، بل يجب أن يُحسّ ويستنشق.
وقفت سعاد أمام جدتها، صامتة، عيناها تتشربان المشهد كما لو كان محفوظًا في كتاب أقدم من البيت نفسه،
كتاب لا تُقلب صفحاته إلا الأرواح التي تعرف طريقها.
أغلقت الجدة المصحف برفق، ثم ابتسمت ابتسامة بطيئة، كأنها تعرف ما تحتاجه سعاد، وقالت:
كنتُ أدعو لكِ لكن الدعاء لا يكفي من دون يقظة القلب.
ارتمت سعاد في حضن جدتها وهي تبكي بلا وعي سبب الدموع، شدتها الجدة إلى صدرها كما كانت تفعل أيام طفولتها،
فاشتد بكاؤها حتى اهتزت أنفاسها.
همست الجدة في أذنها بآيات من القرآن، خفت صوتها، وهدأت أنفاسها،
وغفت على حضنها كما يغفو القلب في أمانه الأول.
نهاية الفصل الثالث
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : ”البيت الذي لايطل على شيء“ (الفصل الثالث)
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء





الله يرحم جدتي ووالدي وجميع موتى المسلمين
لا يوجد كحنان الجدات طبعا مش كلهم في جدات قلبهم قاسي كالحجارة
اشعر بحزن سعادة ولا اعلم ان كانت قصة من نسج الخيال او حقيقية
اتمنى تكون نهاية قصة سعاد سعيدة
متابعة معك باذن الله
سأقرأ الجزء الرابع بعد قليل
سلمت يداك اسكادا