تواصل معنا

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
68,919
مستوى التفاعل
26,835
مجموع اﻻوسمة
32

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
68,919
مستوى التفاعل
26,835
مجموع اﻻوسمة
32
حتماً...سأشيخ معها
Screenshot_٢٠٢٥٠٨٠٨-١٩١١٤٣_ .jpg

أعرفُ رجلًا بمزاجٍ غريب...

يجمع شتاته أمام دورق قهوة،
ويعيد ترتيب بيت عقله بين أنفاس سيجارة.

هنا... تكون نقطة ضعفه:
ما بين الدورق والأنفاس.

في هذه الجزئية من الوقت،
بإمكان أيّ أحد أن يأخذه إلى الصحراء ليصطاد السمك،
أو أن يقطف البن من شجرة ياسمين.

أتخيله كل صباح يدخل غرف المنزل،
يفتح الباب تلو الباب،
ويأخذ القطعة تلو الأخرى،
كلّها موضوعة بعناية في مكانٍ مخفي.
ليس لأنه يخاف سرقة ما يُخفي،
لكنّ لشتاته عادة غريبة:
الزحف ليلًا إلى بيوت الجيران.

ليس تطفّلًا،
بل شغفٌ بالمعرفة…
ما الذي يحدث خلف الأبواب الموصدة؟
أيّ أفكار تمر؟
وأيّ حكاية تُروى؟

الحفاظ على الترتيب هو الأهم في سلّم أولوياته عند التجميع،
فهو رجلٌ منظّمٌ جدًا:
لا قطعة تعلو أخرى،
ولا قطعة تأخذ مكان أخرى.

أراه يخرج إلى منازل الجيران،
يستعيد أماناته منهم.
تخيُّلُ الموقف يجعلني أضحك…
لا تغضب،
أنت تُرغمني على الضحك عنوةً،
وأنا أراك تطرق الأبواب وتقول:
"عفوًا… لدي جزء عندكم، تكرّموا بإرجاعه."

نظرات فتيات الجيران فعلًا قاتلة:
تلك ترى فيه فارس الأحلام،
الذي تحلم به ليلًا موصولًا بالنهار.
وتلك تراه الرجل الهمام، بالفرس الأبيض المقدام،
سينتشِلها من بئرٍ أوله حاء وآخره حرمان.
وأمّ تلك تراه عريسًا مناسبًا لابنتها،
وإن لم تفلح… فأختها موجودة!

المهم أن لا تظفر به ابنة زوجها،
تلك الصهباء بعيونها الخضراء.

وتلك ترى فيه تربةً خصبة لتنبت أطفالها.
كثيرات هنّ…
فهو يسكن في حيٍّ كلُّ الرجال فيه فارّون،
كالمرغمين على الخدمة العسكرية،
لكنهم مستنكفون،
هاربون ليجلبوا الأرزاق،
لتستمتع النساء،
ويبتعن ما يردن،
ويرتحن من كثرة القيل والقال والمقارنات.

يتناول من تلك جزءًا،
ومن تلك جزءًا،
وأيديهنّ تغطّي الأفواه،
حتى لا يرى ضحكتهن،
أو بشاعة أسنانهن،
أو رائحة فم إحداهن.

وعند هذه الجزئية،
ينظر إلى نفسه:
حافيَ القدمين، بلباس النوم،
شعره غير مرتّب،
وفرشاة أسنانه تتدلّى من جيبه.

يستيقظ؛
فيعتذر من السماء لأنه خرق قوانين اللّباقة،
ويعود للمنزل يحمل الكثير الكثير،
والأصوات تلاحقه:

"أتريد مساعدة؟
أتريد أن آتي؟"

فينفض أذنه،
فلهنّ أصوات نشاز.
ولا تعليق على صوته،
ولو كان كهزيم الرعد في ليلة سكون.

يصنع قهوته،
وكل شيء يقفز حوله،
وهو يحاول ألّا يحرق أصابعه.

ويصرخ كما مربية الحضانة:

"اجلسوا، قاتلكم الله!
اهدؤوا!"

لكن لا أحد يستمع…
فهم خرجوا من رأسه،
ليبيتوا ليلتهم في بيوت الجيران،
والربّ وحده يعلم ما حدث هناك…
لا إفصاح ولا اعتراف.

ليتنهد وقد طفح الكيل،
ويهُدّدهم بقداحته وسيجارته.
ما إن يشعلها،
ويسحب النفس الأول —
القبلة الأولى التي تحيل كلّ الضوضاء هدوءًا —
حتى تصل رسالتها،
وابتسامتها،
وهمسها...

ليترتّب كل شيء،
ويتجمّع بأجمل صورة.

فيبتسم...
وتلك ابتسامة المنتصر،
الذي حافظ على نفسه فوق صهوة الجواد،
ولم يكبّ أبدًا.

بل نزل ليُقبّل شمس صباحه،
ويرتشف صباح قهوته…
من همس قهوتها.
 
Comment

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
68,919
مستوى التفاعل
26,835
مجموع اﻻوسمة
32
حتماً...سأشيخ معها
Screenshot_٢٠٢٥٠٨٠٩-١٦٠٤٠٠_ .jpg

بعد الهدوء النسبي الذي أحاط عقلي،
وبعد عملية التجميع المُضنية التي شُبّهت أكثر بتركيب طفلٍ مكعباته المبعثرة بانتظار تصفيق أمّه،
هدأت.
أخيرًا، هدأت.
لكن الهدوء لا يعني الصمت، بل صوتًا منخفضًا لما تبقّى منّي.

أمسكت بورقة... لا، لم تكن ورقة، كانت قصاصة منديل – نعم، منديلٌ سُرِق من مقهى عابر، لا أعلم لِمَ احتفظت به.
كتبت عليه رسالة، قصيرة جدًا، لا تتجاوز أنينًا مكتومًا بحجم نَفَس.
إليها… كانت الرسالة إليها.
تلك التي لا أدري كيف تسلّلت من بين شتاتي لتصير أوضح من مرآتي.
كتبت شيئًا يشبهني، بلا نقاط، بلا ترتيب، ثم صوّرت المنديل، وأرسلته لها.
وانتظرت الرد.

بدأت أذرع الغرفة كمن يبحث عن مقبس يشحن به قلبه.
لا شيء.
الجدران صامتة، الستائر لا تتحرك، الهواء متواطئ.

مررتُ بغرفة الملابس، فتحْت الباب كمن يفتح قبره،
وجدتُ قميصًا كانت هي من اختارته،
حاولت ألا أبتسم... فابتسمت.
ثم دخلت غرفة المكتبة، كل كتاب فيها كان شاهداً على محاولات الهرب.
هربٌ من كل شيء، حتى منها.

كل غرفة تحمل وجهًا مختلفًا لي.
واحدٌ يحاول النوم بين وسائد بلا روائح.
واحدٌ يسند جبهته على زجاج النافذة متأملاً غيابها.
واحدٌ يقرأ نصًا قديمًا كتبه لها ولم يُرسله قط.

الغرفة الثالثة كانت فارغة تمامًا، كأنها لم تُستخدم قط،
لكنني أذكر أنني بكيت فيها مرة حتى نسيت صوتي.

فتحت الباب الأخير، وكان الأثقل.
هو باب الحمّام، لكني سميته "باب التطهّر"
ليس من النجاسة، بل من ذنوبي تجاهها.
فيه وقفتُ أمام المرآة، نظرتُ لعينيّ...
وسألت:
"هل ما زلتَ تُحبها؟"
فردّت عيني بلا تردد:
"أحبّها كما يُحب البحر ملوحته… وإن كانت تُحرق السفن."

عدتُ أجرّ خطواتي نحو المطبخ.
وضعت الماء على النار،
أعددت قهوتي كما تحبها هي،
وسكبت فنجانين.
فنجاني… وفنجانها.
شربتُ من كليهما.

ولم يأتِ الردّ بعد.
 
3 Comments
ندى الورد
ندى الورد commented
اي روايه ولاقصة تطرحيها الصرراحة تشدني
بس ارروق وجاري القرراءة
 
ندى الورد
ندى الورد commented
العنووان تحفة
 
الجوري
الجوري commented
تسلميلي يا نادو
حضري منديل حنبكي مع هلقصه
 

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
68,919
مستوى التفاعل
26,835
مجموع اﻻوسمة
32
حتماً...سأشيخ معها
Screenshot_٢٠٢٥٠٨١١-٢٢٤٦٤٠_Instagram.jpg

أعلم أني آذيتها…
أعلم، وكم كرهت تلك المعرفة.
لكنني – أقسم – لم أخنها بروحي أبدًا.
كل خيانتي كانت بجسدي فقط…
شيء ميت، شيء لا يشعر…
كأنني كنت أستعير جسدًا لا يشبهني، أُقرضه لخطأٍ عابر، ثم أرجعه وأغتسل منه كما تُغسل الصحون من بقايا العشاء.

لكنها...
آه، هي لم تكن كبقية النساء،
حين علمت، لم تصرخ أولًا،
بل دافعت عني، عن خيانتي نفسها.
قالت لهم:
"لا، أنتم تكذبون… هو لا يفعلها، لقد قال لي إنه لا يحتمل دموعي،
كيف يفعلها؟ كلامه كان كالقسم، كالحلفان…"

ذاك المشهد لا يفارقني…
وجهها، وشفتاها حين ارتجف الصوت في آخر الجملة،
كأنها لم تكن تدافع عني، بل كانت تتشبث بي كي لا تنهار،
كأنها تحاول أن تنقذ آخر ما تبقى من الحلم.

خيالها هذا الصباح لم يفارقني،
رأيتها عند باب المنزل،
بروبها الأسود،
شعرها مسدل كما تحبه دائمًا،
وعيناها…
آه، من تلك العيون…
هي وحدها التي تعاتب دون كلمة،
تعاتب بالرمش، بالنظر المائل، بوميض الانكسار الخفيف.

كنت أمدّ يديّ إليها،
كنت على وشك أن أقول شيئًا…
لكن الهاتف ارتج فجأة.
ارتج كما لو أن الأرض استيقظت تحت قدمي.
نظرت إلى الشاشة.
اسمها… لم يكن.
صديقتها؟ لا.
رقمٌ لا أعرفه.

لكن قلبي يعرفه.
 
Comment

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
68,919
مستوى التفاعل
26,835
مجموع اﻻوسمة
32
حتماً...سأشيخ معها
Screenshot_٢٠٢٥٠٨١١-١٠٢٤٣١_ .jpg

كانت رسالة منها.
صوتها لم يأتِ، لكن حروفها خفقت بي كأنها نبضٌ مؤجل.

"لا تطل السهر، وتدثّر جيدًا، الجو بارد."
قرأتُ الجملة مرارًا…
كأنني أتحسس حرارة يدها من شاشة باردة،
كأنّ "تدثّر" هذه كانت حضنًا مرتجفًا لم يُقَل.

رددت فورًا…
كمن يمسك بآخر خيط للنجاة:
"أنتِ؟"
بلا مقدمات.
بلا حياء.
بلا كبرياء.
فأنا أذنب وأتشبث بالرحمة.

ردّت بعد دقائق شعرتُ فيها أن الوقت تمدّد على صدري كصخرة:
"أنا بالعمل… سآتي صباحًا."
ثم جاء بعدها التصحيح… أو الهروب:

"وصلت رسالتها."
وبعدها…
"واستدراكٌ منها."
قالت فيه:
"أعتذر، أقصد: ليلة سعيدة."

ضحكتُ، لكنها ضحكة مقطوعة.
ضحكة كأنها تنهيدة لم تكتمل.
فمن يكتب "سآتي صباحًا" ويستدرك إلى "ليلة سعيدة"،
يعني أن قلبه أفلتَ لحظة… ثم عاد لينضبط،
كأنها استدركت أن الحنان ممنوع الآن،
أن الحضور ليس مسموحًا بعد.

لكنني…
آمنت بالجملة الأولى،
وسأنتظرها على عتبة الصباح،
بروبها الأسود، وشعرها المفرود،
وعيونها التي لم تقل "أكرهك" أبدًا.
 
1 Comment
كاسيوبيا
كاسيوبيا commented
_



قرأتها على عجل لي عودة لرد🌸
 

سيناا

☄️شهاب الغابة ..محبوب الجماهير
مستشار الادارة
إنضم
27 أكتوبر 2021
المشاركات
56,069
مستوى التفاعل
11,916
مجموع اﻻوسمة
21
حتماً...سأشيخ معها
الجميلة جوجو بعد أن أنهيت القراءة من روايتك او قصتك او السمفونية الرنانة شعرت كأنني أنهيت رحلة عبر الزمن بكل ما يحمله من نبض وحنين

جعلتني أعيش بين السطور حياة أخرى حيث الحب ليس مجرد كلمة بل هوالفصول التي تمر بنا فنشيخ معها ونحن أكثر شباباً

ما أبدع تلك اللمسات الإنسانية التي ترسميها بأناملك وكأنك تمسحين بيديك على أرواح الشخصيات فتنيرينها

وتجعلين القارئ يرى نفسه في عيونها

جوجو حولتي الشيخوخة إلى لوحة فنية والوقت إلى خيط ذهبي يخيط الذكريات بقلوبنا

شكرا ياصديقتي على هذا العطر الأدبي الذي سيبقى عالقاً في الذاكرة كعطر الأيام الأولى التي لا تنسى

ننتظرمنك المزيد من هذه الأعمال التي تذكرنا بأن الروايات ليست حروفا على ورق بل هي أنفاس نعيش بها
 
Comment

ندى الورد

ســيـــدة الـقـــصــر
المدير العام
إنضم
17 مايو 2021
المشاركات
131,319
مستوى التفاعل
99,633
الإقامة
من المدينة المنورة
مجموع اﻻوسمة
36
حتماً...سأشيخ معها
اسلوب مدهش ومشوق جوري
وهل ياترى ستاتي ام لا هل انتهت القصة
والله هذا الرجل غريب الاطوار بائس كل التقدير لك جووو كاتبة من الطراز الاول انت 🌹🌹🌹🌟🌟🌟🌟🌟
 
Comment

هدوء

💎مستشار اداري
نائب المدير العام
إنضم
24 مارس 2022
المشاركات
52,984
مستوى التفاعل
37,389
مجموع اﻻوسمة
22
حتماً...سأشيخ معها
متابع لهذا الابداع ..
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

اسرار
أعلى