ــ أيها النادل
ــ نعم تفضل
ــ أريد فنجان قهوة واغنية أم كلثوم
انت عمري ، أريد أن يسمعها كل رواد
مقهى الحب
ــ عفوا ،، لماذا اغنية انت عمري بألأخص
ــ كل شيء في ليل سمرها يُضيء..
صوتها الآسر يتآمر والليل على روح الأنا القابعة في خوابي وَلهي..
تمتماتها تَسري فيّ
كالدبيب ،
تعيث في الروح فسادا ، وتَرثني بريقا لاهجاً في
فتق السواد،،
أنغامها تقتحمني عنوة ،تُجبرني على التَسامي فوق الأبعاد وفي حياض اللامألوف...
و مع ذرات نشوتها ألجُ نحو أرفلان العلا وأتمدّد بنشوةٍ نحو الأثير الخالد ..
وأتمطّى الى آخر حدود الوقت لأتذوّق إكسير الماضي الجميل مع
رشفة قهوة
معها كل شيء يستفيق روح فيّ ما انفكت تحترق..وذاكرة تنز
بآهٍ تتبعها
آه ،
وراجفة تتلوها راجفة..كلها؛
كلها تستفيق.
.
.
.
أحضر النادل فنجان القهوة وصوت الاغنية يعج أركان مقهى الحب
ــ النادل، بماذا تذكرك الأغنية ؟
ــ معها أهذي للصباح في جوف الغَسق،،وأنادي السُبات في مآتم الأرق..
تذرذرني سفرا لا ينتهي
نحو أسوار الشفق.. ..
تنثرني هَباءا بين قسمة الحظّ ونصيب القدر،
تغمسُني في برائت الطفولة،وتهديني
لعقيمات الذكرى وذابلات الحلم وللهيب القلق..
وما أنا لها وفي تباريحها
إلاّ رسول شوقٍ قد تمطّى على كفوف نشوتها
جيئة وذهابا،طولاً وعرضا ..
ريثما يستحيل الخافق الى نثرٍ من ألق.
ــ النادل ، وماذا بعد ؟!
يجمعنا في ليلها المشحون نداء
الآآآه.. ويَفرينا وجعٌ ولهب، يذرفنا الحضور دمعا،
ويهتك الوله منّا شفيف الجراح.. وسلاسل الحنين الناضجات تؤرجحنا بين
الهدوء والصخب ،
وفنجان قهوة مليئ بالذكريات،
بين الحقيقة والخيال...والكل في الهَوى ينتحب...
ــ النادل ، ما أوجه التشابه بينك وبين أم كلثوم حتى تحبها بجنون؟
ــ لصوتها نحيب يشبه أزيز قلبي..ولقلبها حريق يشبه احتراق جوفي...
وكلانا نذوب صَبابة في دنيا البوح والغرق..
وكل شيء في ليلنا يحترق :
الروح والمشاعر والقوافي والأماكن والشعر والورق والقهوة ...
أشبها أنا..!
غير أنّ الروح منها باقية في تفاصيل العشق في انسكاب الحنين في احتراق الليل في جوقة اللّحن وغياهب المعنى...
أما أنا فلم يبقَ مني بعد أن أزِف الرحيل وأذنَت ذات العَصف بالغياب غير الجسد ؛
غير الجسد.
ــ النادل ، ماذا تعني لك انت عمري؟
ــ
أنت عمـــري...!
سمعتها منكِ يا كلثوم مرارا ومرارا وفي كل مرّة أجدها أحلى وأجمل...مؤلمة أكثر..مؤثّرة أكثر وأكثر...
وكيف لا ..؟وهي التباشير التي أدليتِ لي بها يا سيدة البوح حتى قبل مولدي..وكأنكِ تدرين بأنه من كان وسيظلّ مهجتي وعمري..
في كل مرّة أشعر وكأنكِ تقولين
لي وعني.. وفي كل مرّة اقرأ في تفاصيل
قصيدتكِ قصتي..
وعلى وجه الحكاية المغرورق بزبد الأفول قد ارتسمت ملامحي..وريقي الهارب من
فنجان الحظّ
ونشوتي وقت اختلاط تفاصيلي بعمقه يشهد..
.
.
يا من كنتِ "
عمري" ولم تَزلي..!
لتُخبركِ قصيدتها العصماء..وليخبركِ تاريخي المحشوّ بين أنغامها ولحنها والكلام ،ليخبركِ الكلّ أنّي:
أني الصادق كنتُ وما زلت.. وأنكِ العمر كل العمر كنتِ وما زلتِ..
حتى لو خاب في هواكِ ظنّي...
وانكَِ الجنون الممتزج بدمي سرّا.. وانّي نصبتكِ
مليكة الروح جهرا ..
وانكِ
يا عمري الربيع الحالم المشرئبّ في حدائق أوردتي طولا وعرضا،
وقطوف الزهر النابتات رغما في حناياي والشاربات من كوثر دمي صبابة وهياما وخمرا...
ــ النادل ، سؤال أخير ، ماذا تقول لــ أم كلثوم؟
ـــ
سيدتي:
عبثا أُحاول لملمتي، ورغما أُحاول ترتيبي..فلم يبعثرني صوتكِ مجددا..
وتذرني أنفاسكِ معلّقة في سديم الذكرى كسحابة تائهة في ملكوت ٍذي اتساع
تهز أركانها ريح زمهرير مكتظّة بالوجوم...
فإلى متى..؟؟!
فلتخبرني روحكِ المقيمة في اللحن الرخيم الى متى..
؟!
الى متى سأبقى أسير ليلكِ
رومانزي بوحكِ نديم آهكِ ..
الى متى سأظلّ أغرق في دندناتكِ حدّ الثمالة ،
وفي جهنّم غيابها وجنّات نشوتكِ سأبقى أتأرجح بلا مستقرّ عاجز لا يملك
غير دندناتٍ
لاهثات نحو رحاب حضرتها..؟
فليتَ بمقدوري أن أغدو دندنة في لحن اليَباب..
أو كلمة في فم القصيد أو هذيانا في كأس نشوتنا ..
أو فراشة تزوره سرّا وجهرا..لنغنّي بين يديها وله أنا وأنتِ يا كلثوم "
انت عمري"..
لنغنّي لها يا كلثوم "انت عمــري...."
انت عمـــــري...
انت عمـــــــــــري....