وذات حرابي. للمعري

[جاروط]

وذاتِ حَرابيٍّ أضَرَّ قَتِيرُهَا
بِذي النَّمْلِ حتى عاد كالنّجم نائِيا

تعُدّ سَرابَ القَيْظِ والصّيْفِ والضّحى
وجُنْحَ الدّجى لو أنّه كان جاريا

ذخيرَةُ كَهْلٍ مِن كُهولٍ كأنّهمْ
إذا كان هَيْجٌ يَلْبَسونَ السَّوابيا

وقد تُرْجِعُ السَّهْمَ الأصَمَّ نَضِيُّهُ
فيَنْكُصُ عنها بَعْدَ ما هَمّ حابيا

أبو العلاء المعري

 

[جاروط]

*وذاتِ حَرابيٍّ أضَرَّ قَتِيرُهَا*
بِذي النَّمْلِ حتى عاد كالنّجم نائِيا**

• "ذات حرابي" تشير إلى أنثى العقرب ، أو كناية عن شيء شديد الأذى.
• "قتيرها" أي سمّها أو أذاها.
• "بذي النمل" قد ترمز إلى الضعيف أو المتواضع ، أو حتى إلى الإنسان الذي يشبه النمل في سعيه الدؤوب.
• المعنى: أن هذه "الذات" (ربما الحياة أو الفتنة أو الأقدار) أضرت بالضعيف حتى ابتعد كالنجم ، أي صار بعيدًا عن الحياة أو عن الأمل.

صورة مركبة ترمز إلى كيف أن بعض القوى أو المصائب تفتك بالضعفاء وتبعدهم عن مسارهم الطبيعي.

---

*تعدّ سرابَ القيظِ والصيفِ والضحى*
وجنحَ الدجى لو أنّه كان جاريا**

• يتحدث عن الزمن أو الحياة التي تحسب كل لحظة، من حر الصيف إلى ظلمة الليل.
• "لو أنه كان جارياً" أي لو كان الليل يتحرك مثل النهار، في إشارة إلى استمرار الزمن دون توقف.

هنا المعري يصف الحياة بأنها لا تترك شيئًا، تحسب كل لحظة، وكأنها تراقبنا بلا هوادة.

---

*ذخيرةُ كهلٍ من كهولٍ كأنّهمْ*
إذا كان هيجٌ يلبسون السوابيا**

• "ذخيرة كهل" أي حكمة رجل كبير السن.
• "كهول كأنهم..." يشير إلى قومٍ ذوي تجربة، لكنهم يتحولون إلى الخوف والضعف عند الشدة.
• "السوابيا" هي الملابس الفضفاضة أو الرداء الذي يُلبس عند الحزن أو الحرب.

المعري ينتقد من يظنهم حكماء، فإذا جدّ الجد لبسوا رداء الخوف بدلًا من الثبات.

---

*وقد تُرجِعُ السهمَ الأصمَّ نضيُّهُ*
فينكصُ عنها بعد ما همّ حابيا**

• "السهم الأصم" هو السهم القوي الذي لا يُسمع له صوت، أي الضربة القاتلة.
• "نضيّه" أي غمده أو نصله.
• "ينكص عنها" أي يتراجع.
• "حابيا" أي زاحفًا على يديه وركبتيه ، كناية عن الذل أو الضعف.

صورة بديعة: حتى السهم القوي قد يرتد، والمعنى أن القوة الظاهرة قد تخيب أمام الحقيقة أو المصير.

---

الرسالة العامة
القصيدة ترمز إلى:

• قوة الحياة في سحق الضعفاء
• زيف الحكمة عند بعض الكهول
• أن الزمن لا يرحم، ولا يتوقف
• أن حتى القوة قد ترتد وتنكص

أبو العلاء هنا لا يصف مشهدًا، بل يرسم فلسفة كاملة عن الضعف الإنساني، خداع المظاهر، وقسوة الزمن.