تواصل معنا

رواية قصيره بعنوان النهاية والبداية أرجو عدم التسرع بالحكم على البطل لا أعلم لماذا يجب علينا أن نعيش في الحالة التي نمقت فيها العبودية ونفعل غير ذلك...

A.M.A.H

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
2,065
مستوى التفاعل
652
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
رواية قصيره بعنوان النهاية والبداية
أرجو عدم التسرع بالحكم على البطل



لا أعلم لماذا يجب علينا أن نعيش
في الحالة التي نمقت فيها العبودية
ونفعل غير ذلك لماذا لا نكتفي بغرفة وكوب شاي وتلفاز يضحكنا تارة بين الحين والأخر، لا أفهم لماذا نحن مكافحون كما مطرقة لا تلبث هادئة تارة إلا وعادت بأقوى ما أتيت لها من قوة لا نستسلم نعاود الكره مرة واثنتين وحتى ثلاث، لم أعد أفهم سياسة الأب والابن في خلق عالم متساو يشد بعضه بعضا، الهدوء الذي تصل له في حالة الوحدة هو كما النشوة التي يريد الجميع أن يصل لها لكن ما يربطنا بالآخرين دائما رابطا يجعلنا نموت لأجلهم ونتذلل لهم بغية الوصول لشيء ندرك بعد تحقيقه أنه لا شيء بل ندرك أن وصولنا وحياتنا من لا شيء إلى لا شيء فراغ مبعثر ينبعث من دواخلنا إلى دواخلنا لا نستطيع تجنب الخطر القادم إن كنا غير مدركين من شيئيه هذا العالم إذا لماذا لا نتمرد على رغباتنا ودواخلنا فكل تجربة تجعلنا كذبة بالأدلة والبراهين والحقيقة الكامنة أننا متشابهون لكن لا نريد الاعتراف بذلك لكي لا نسحب بعضنا البعض، أشعر أنني سأنفجر من كثرة الضوء الساطع داخلي كأنما بركان يغلي في ظلام لا يستطيع الخروج، إن كانت سياسات الوالد وهنا أتمعن في معنى الوالد ألم يختلق المسيحي معاني للرب لإرضاء غوغاء صدره فالحياة كما عاصفة تبعثر ما حولها نظن أننا شي فيها ولسنا شيا أليست القاعدة الأساسية تقول إعاشة رب الأسرة هو المصدر الغذائي الأول للصغير فكما ذلك مقبول حياتيا كيف يقبل أن يكون رب الأسرة هو المصدر الغذائي للرب وأقصد هنا بالرب أعلى سلطة قيادية تنتظر وكأننا في مسرح قيادي كبير وخارق ولكنها الحقيقة السياسية الصامته، بريق الأمل وهم، يعيش عليه العبيد كلما دارت بهم خيالاتهم وأحلامهم المجنونة أنهم في ملحمة يرتج منهم الصبر أو الموت لأجل سيد يريد أن يشتري قطعة لحم مفروم وكل هذا لأجل الحرية أليست الحرية عندما لا تخالج نفسك الشك وترفض ما تريد لأجل من يريد على حساب أنك تبغي بلاغة الفخر وتقبل بما لا تشتهيه نفسك فلا أنت هنا ولا أنت هناك التعايش مع القطيع سفر صعب ترحاله كما ما في الشرق هو في الغرب إما عليك التعايش وتصبح كما الدمية تتحرك بلا مشاعر بأوامر مقدسة غير قابله للهتك حتى لو بعارض ورقة من شجرة البلوط أو غبار فارس مسرع على جواد لا يعرف عندما يدخل النفق إلا الضوء الصادر من نهايته كأنه تطبيق حاسوبي مبرمج على أوامر وحيثيات سابقه، حقيرة هيا الأشياء التي تهتك صمت مشاعرنا كعاصفة نارية ما جلست إلا أحثت ماضينا ومستقبلنا تعصف بنا كأننا لا شي ونحن بالنسبة للحياة مجرد سؤال كاذب نريد أن نصدقه والحقيقة أننا لا شي فلماذا لا نصنع تمردا لماذا لا نتمرد على خسارتنا وبؤسنا لماذا نواصل المسير لماذا لا نريد أن نخلق عالما متوازيا ونستمر في إقناع العبد أنه عبد عليك جمع شتات أمرك للخروج وصنع تاجا خاصا لك وليس للسلطان لماذا لا نتمرد بفعل كل شيء دون أي شي عندها على الأقل سيتسنى لنا أن نموت لمرة واحدة لا مرات، أشعر كما جحيم يعتصر خوالج صدري من الداخل طالما أصبحت التجربة المصدر الحقيقي والمحرك القيادي لحياة الفرد كما هي الخسارة في كل مرة بعد تجربه خاسرة تشعر بعدها كأنما أحدهم قام بخيانتك، كمْ من الممتع أن تخلق لنفسك آمالا وتطلعات وأحلاما دون لا شي تستمتع دون العمل لفعل شي.

لذلك لا أريد هذا العالم أو البشر أريد أن أبدأ من العدد صفر أريد أن أعطي لروحي الحياه الحقيقيه التي أستحقها دون الرجوع للبشر


بعد 30 سنه من العزله
 
التعديل الأخير:

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
59,716
مستوى التفاعل
66,267
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
26
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
هذه للمسابقة بس مو اليوم تنشرها😆
 
A.M.A.H
A.M.A.H commented

سأحاول وضع عنوان أفضل
أسعدني مرورك
 
A.M.A.H
A.M.A.H commented

ليس عندي مشكله في ذلك أغلق أم لم يغلق ما تريده إدارة المسابقه من إجراء فالتفعله
 
A.M.A.H
A.M.A.H commented

لا داعي للإعتذار سأنتظر رد القائمين على المسابقه
 

نورهان الشاعر

عضوة
نجوم المنتدي
إنضم
10 مارس 2023
المشاركات
1,079
مستوى التفاعل
720
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
مساء الورد...
شكرا كاتبنا على مشاركتك في المسابقة...
أسلوبك من البداية سلس و جميل...
و هذه المشاركة القيمة ستتري المنتدى...
سعداء جدا بها...
لكن استلام الأعمال يبتدئ بإذن الله من شهر ثمانية...
كنها تنهي الرواية على راحتك....

كل ودي
 
3 Comments
A.M.A.H
A.M.A.H commented
أسعدني مرورك وقرائتك أتمنى أن أذهب بهذه الروايه لمكان يستحق القراءه في نهاية الروايه ولا تكون روايه عابره
 
A.M.A.H
A.M.A.H commented
أقصد بالتعليق في نهاية الروايه أتمني أن تنول على إستحسان القارئ وأن أذهب في كتابة الروايه بشكل يليق بأسم روايه

نظرت للتعليق مره أخرى فوجدت أنه يعني أنني لا أحب الكتابه هنا لم أقصد ذلك قصدت المعنى ☝️☝️

وأعتذر إن فهم كلامي بشكل خاطئ
 
نورهان الشاعر
نورهان الشاعر commented
مرحبا بك كاتبنا البداية مبشرة جدا و ان شاء تأخذ حقها من القراءة و التدبر.. و تكون بداية جميلة لك في عالم الكتابة..
 

روفي

عضو مميز
عضو مميز
إنضم
16 يونيو 2021
المشاركات
31,778
مستوى التفاعل
35,832
مجموع اﻻوسمة
11
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
تم فتح الموضوع

اخي الكريم A.M.A.H @A.M.A.H
لك المساحة لتكمل ابداعك
بالتوفيق
 
Comment

روفي

عضو مميز
عضو مميز
إنضم
16 يونيو 2021
المشاركات
31,778
مستوى التفاعل
35,832
مجموع اﻻوسمة
11
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
يجب علينا أن نتمرد أحياناً ونحرر أنفسنا
من السجن الذي وضعنا فيه .. نحتاج
أن نحلق كما الطير في السماء
لنرى العالم ونستنشق رائحة حريتنا

A.M.A.H @A.M.A.H
لا شيء أفضل من الحرية
والعيش كما نريد دون تسلط
و دون خوف من البشر

في انتظار جديدك لنرى
كيف ستكون الحياة
حين نتحرر من القفص
الذي حبسنا فيه
منذ زمنٍ بعيد


دمتَ بود 🌷
 
Comment

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
63,756
مستوى التفاعل
25,941
مجموع اﻻوسمة
29
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
بانتظار الجزءالجديد لتتوضح الرؤية للرواية
سلمت الانامل
 
Comment

A.M.A.H

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
2,065
مستوى التفاعل
652
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
أعتذر للجميع ولأصحاب المسابقه خاصه لم أتواجد لظروف خاصه

سيتم إكمال الروايه في الأيام المقبله

وأعتذر للجميع🌹
 
Comment

A.M.A.H

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
2,065
مستوى التفاعل
652
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
1

النجمه التي تسطع وحيدة في ظلمات الليل القامت وحيده كما لا صداقات تقشع هذا الليل إلى نهار ، يعيش الإنسان على أمل كلمة تائه يصفوا بها قلب صديق أو إبن أو أخ ، نفهم ذلك في دواخلنا وحواسنا المتناثره في كل مكان من أجسادنا ، دائما ما يكون الأب هو المنجا الأول لولده وتطبيق قاعدة الجريمه والعقاب دائما ما تجدي في نضوج العقل البشري والتمييز بين ما ينجيك وما يبقيك على قيد الحياة بلا هوية صافٍ كما البحر فلا جريمة بلا عقاب يهتك حجاب جريمة قام جانٍ بها بسبق الإصرار والترصد ولكن لكل كلمة عواقب تأتي من رحمها النواتج فعقاب القاتل هو القتل لدى بعض المجتمعات والسجن لدى البعض ، يتشكل العقل البشري ويختلف زمانًا ومكانًا فلا القتل كما السجن ولا السجن كما القتل ، أنت أيها القارئ المحلحل لعلك لم تمتحن بالشكل الذي يستخرج ذاتك الحقيقيه ، دائما ما أمقت ذاتية الزمان والمكان التي تعممها تلك الشخصيه بتجربة الفرد على جماعة أخرى سادية المنشئ خالية من العواطف الإنسانيه ، في ليلة الخميس والقمر مكتمل الأركان ، وكما العاده كان ناظري إلى تلك النجوم التي تقبع وحيده في الفضاء الشاسع ، فما كان لي إلا الإبتسام حتى جاء ساري وهو يحمل عصاه التي أعتاد جلدي في كل يوم أن يزورها وكأن الحياة تبتسم لي كلما أقترب مني قائلا أيها اللقيط عليك أن تفهم أنك أبن حرام وحياتك ليست بتلك الأهمية ، موتك وحياتك سيان ، كنت في العاشره من عمري حين أحسست بأول ضربه من عمي ساري عفوا أبي ساري ، أتذكر في يوم السبت الواحد والعشرين من يونيو من عام 1999 ميلادي كان يوم شديد المطر ، لم أنسى عندما أبرحني بالعصا على جسدي العاري كان غاضبا جدا لأني لم أستطيع بيع أخر وردة في يدي ، حتى أغمي عليّ ، أستيقظ الجميع في اليوم التالي كما أي يوم ، أستيقظت ملمًا جراح الأمس بورد اليوم ، أقترب مني صديقي جاد وقال لماذا لا نهرب يا ظل؟ والدمع يسقط من عينيه كما الثلج البارد ، في ظني أن مشاعر الإنسان عندما يتألم من الداخل يبدأ الجسم في إفراز هذه الدموع .

قلت له يموت الإنسان يا أخي جاد ويرتاح ويعيش ليتألم ، أجهش جاد بالبكاء حينها واكملت قائلا لماذا نهرب من أبي ساري ، فلم أجد منه إلا الغضب من كلماتي وقال : لأنك ستبقى عبدا للأبد أما أنا يا ظل لست عبدا .


بعد العزله من الحرب بثلاثين عاما وتحرر الدولة من الإستعمار

يتبع....
 
Comment

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
59,716
مستوى التفاعل
66,267
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
26
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
_


سأكون هنا من المتابعين
بإنتظار ما يسكبه قلمك هنا🌷
 
Comment

امولـ

اعضاء الغابة
نجوم المنتدي
إنضم
19 مايو 2021
المشاركات
623
مستوى التفاعل
473
الإقامة
الرياض
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
عادي خذ راحتك وباذن ﷲ تجي برواية حلوه ❤️❤️
 
Comment

A.M.A.H

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
2,065
مستوى التفاعل
652
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
2

بعد العزلة التي طوقت حياتنا لثلاثين عامًا، وبعد أن رفرفت رايات التحرر على مبانٍ مهدمة وقلوب أكثر تهدمًا، اكتشفتُ أن الحرية ليست نهاية المطاف بل بدايته الموجعة. إذ كيف يعيش حرٌّ في جسدٍ تعلم طيلة عمره أن يكون عبدًا؟ وكيف تنبعثُ الروح في صدرٍ أنهكته السلاسل حتى صارت جزءًا من نبضه؟

كنتُ قد أحببتها في زمنٍ كان الحب فيه جريمة، والابتسامة سرًّا خطيرًا. أحببتها كمن يشتهي الحياة وهو يعلم أن الموت أقربُ إليه من حبل الوريد. كان اسمها «ميّا»، ولها من عينيّ الليل هدوءه ومن القلب جراحه. كانت تهمس لي كل مساء: «ظلّ، لا نملك إلا أن نحب حتى ونحن مكسورون». وكنتُ أكتفي بالصمت، أخاف أن تنكشف هشاشتي فيصيبها بعض وجعي.

لكن الحرية جاءت متأخرة، أو ربما جاءت حين صار اللقاء مستحيلًا. رحلت ميّا قبل أن نكبر معًا، رحلت حين اشتعلت النار الأخيرة في الحرب، وكانت تلك النار تأخذ كل ما تبقى لي من أمل. تركت لي كلمات قصيرة في ورقة بالية: «ظلّ، عشْ وإن لم يكن لي، فأنت تستحق الحياة أكثر مما علموك».

أذكر أني قرأت كلماتها آلاف المرات. لا أدري إن كان ذلك نوعًا من الوفاء أم ضربًا من الجنون، لكني كل مرة كنت أسمع صوتها يتردد في رأسي كأغنية حزينة.

اخترت العزلة، لا هربًا من العالم بل رغبةً في مصالحة نفسي التي ظلت تهرب مني. سكنت كوخًا خشبيًا على حافة قرية نسيها الزمن، كان البحر صديقي الوحيد، يزورني كل صباح ويهمس لي بأسرار لا يفهمها غير من عاش طويلًا مع الألم.

صرت أكتب إليها رسائل لم أرسلها، أكتب عن الحب الذي ما زال حيًا في قلبي رغم موته في واقعنا. عن ذلك الفراق الذي جعل روحي عجوزًا قبل أوانها. كتبتُ عن عزلةٍ صارت لي وطنًا، وعن حلمٍ يتجدد كل ليلة أن أراها ولو في المنام.

الفلسفة علمتني أن الفراق لا يُنسى، بل يُعاش. وأن العزلة ليست جريمة ولا عيبًا بل حالة ضرورية حين يغدو العالم أكثر ضجيجًا من أن يُحتمل.

وفي ليالٍ كثيرة، كنتُ أتأمل النجوم البعيدة فأشعر أن ميّا نجمة بينها، تراقبني بصمتٍ وحنين. كان يؤلمني أنني لا أستطيع لمسها، لكن كان يعزّيني أنها هناك، تضيء حتى بعد الرحيل.

أدركتُ أن الحب الحقيقي ليس ما نملكه بل ما لا يمكن لأحد أن يسلبه منا: ذلك الذي يعيش في القلب وحده، حتى لو رحل الجسد واختفى الصوت.

في النهاية، صرت أؤمن أن العزلة ليست موتًا، بل حياةٌ أكثر صدقًا، وأن الفراق لا يُلغي الحب بل يُعيد تعريفه، وأن الحرية الحقيقية تبدأ حين لا نحتاج إلى أحدٍ أن يمنحنا قيمة.
 
Comment

A.M.A.H

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
2,065
مستوى التفاعل
652
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
3

في صباحٍ غائمٍ تهاطلت فيه الأمواج على الشاطئ كأنها تستحضر ذكرياتٍ غارقة، جلستُ قرب كوخي الخشبي أراقب الأفق الرمادي. بدا البحر ذلك اليوم أكثر وحشةً من المعتاد، كأنه مرآة لروحي.

لم أكن أنتظر شيئًا، لكن جاء هو؛ رجل غريب الملامح، عيناه عميقتان كسفرٍ طويلٍ بين مدنٍ أكلها الحنين. جلس بصمتٍ قرب صخرةٍ عجوز تشهد على انكسارات المدّ والجزر منذ ألف عام.

قال لي بنبرة هادئة، كمن يلقي بحجرٍ في بئرٍ راكد:
– هل ما زلت تكتب إليها؟

انتفضت، التفت نحوه وقد شردت الكلمات من فمي:
– من تكون؟ وكيف تعرف عن ميّا؟

لم يجبني مباشرةً، بل تنهد كمن يخلع حملًا ثقيلًا من قلبه، ثم قال:
– أنت من قتلتها يا ظلّ، وإن لم تحمل سكينًا.

شعرتُ أن البحر توقف فجأة عن التنفس، وأن روحي انفصلت عن جسدي لوهلة. ارتعشت يدي، لكن لساني لم ينطق سوى:
– هذا عبث… مستحيل… ميّا ماتت في الحرب.

هزّ رأسه كمن يواسي نفسه قبل أن يواسي الآخرين:
– نعم، ماتت في الحرب… لكن حربك أنتَ، يا ظلّ. كانت تحبك أكثر مما تحب الحياة، لكنك حبستها في ظلال انتظارك. خوفك من الحرية قتل قلبها قبل أن تقتلها نيران الآخرين.

سكتَ قليلًا، ثم أكمل بصوتٍ متهدّج:
– أتعلم؟ ليست الحرب وحدها تقتل، بل الحب أيضًا حين يُصبح سجنًا، وحين تتحول الذاكرة إلى قيدٍ أشد قسوةً من القيود الحديدية.

أردت أن أصرخ: «أنت تكذب!» لكن الصوت انحشر في صدري. بدا كلامه كريحٍ تعصفُ بأركان قلعةٍ بنيتها داخلي منذ زمن، قلعةٍ أوهمتُ نفسي أنها تحمي حبّ ميّا من النسيان.

قلتُ له مترددًا، كمن يسأل نفسه أكثر مما يسأله:
– وهل يمكن للحب أن يكون جريمة؟

ابتسم بحزنٍ غريب:
– كل ما يُحبَس يصبح جريمة يا ظلّ، حتى الحبّ نفسه.

أطرق نظري إلى الرمال، رأيت خطاي القديمة تمتد خلفي في صمتٍ طويل، كأنها تسخر منّي. حاولتُ أن أجد تبريرًا، شيئًا يقنعني أنني بريء، لكن وجداني ظلّ يكرر همسًا موجعًا: «لعلّك حقًا قتلتها، بخوفك… بصمتك… بانتظارك الذي لم يكن حياة».

رفعتُ بصري إليه:
– ولماذا جئتَ تخبرني بهذا الآن؟

قال بنبرة هادئة كأنه يحدّث الليل:
– لأن الحقيقة لا تموت، حتى لو حاولنا خنقها بالأمل أو العزلة. جئتُ كي تتصالح مع نفسك، لا لتكرهها. كي تدرك أن موت ميّا ليس نهاية قصتكما… بل بدايتها الحقيقية.

سكتنا طويلًا. البحر ظلّ يهدر، والرياح نثرت ملحًا على جراحٍ لم تلتئم أبدًا. شعرتُ أني وحيدٌ أكثر من أي وقت مضى، لكن في تلك الوحدة طيفٌ من الصدق لم أعرفه من قبل.

قبل أن يرحل، وضع يده على كتفي وقال:
– اغفر لنفسك يا ظلّ، فالندم سجنٌ آخر، وميّا لم تُحبّ فيك سوى روحك الحرة… تلك التي قتلتها بخوفك.

رحل الغريب كما أتى، تاركًا وراءه صمتًا أثقل من الكلام. بقيتُ أرقب البحر طويلًا، وفي قلبي بركانٌ من أسئلةٍ لا جواب لها.

تساءلت: هل حقًا نحن قتلة من نحبّ بخوفنا؟ وهل نحبّ حقًا إذا خفنا من خسارتهم أكثر مما أحببنا حريتهم؟

وفي تلك الليلة، كتبت لها رسالةً أخيرة:

«ميّا… سامحيني. لم أقتلكِ بيدي، لكن ربما قتلتُ حلمك بحياتي. أحببتكِ حبًّا ناقصًا، حبًّا أرهقته الظنون والخوف. اليوم فقط فهمتُ أن الحبّ الحقيقي لا يملك أحدًا ولا يسجن أحدًا… بل يحررنا جميعًا».

وأحرقتها في نارٍ صغيرة عند الشاطئ، عسى أن يصل رمادها إلى النجمة التي أحببتها يومًا، وما زلت.

وأردفت قائلًا: "بعد حرق الورقة كأنني حرقت نفسي السابقة."

في ذِمَّةِ الليلِ ما ألقى وما أجِدُ
وهلْ يُجاري لَظى الأشواقِ مُعْتقدُ؟

أُخفي حديث الهوى والعينُ تفْضحُني
وأسْتكينُ وجرْحُ القلبِ يرْتعِدُ

يا قلبُ هل فيكَ إلَّا الهمُّ والْكَمَدُ
وهلْ لجرْحِ الأسى غير الدموعِ مدُ؟

وليلُ حزني طويلٌ لا صباحَ لهُ
يمْضي بِثِقْلٍ، كأنِّي في الهوى أقَدُ

أسري وحولي صدى الآهاتِ يحْرِقُني
والحلمُ ضاعَ، ولمْ يْراعِنِي الْأمَدُ

هل لي سوى الصّبرِ جُنْحًا أرْتجي بهِهِ
أو لي سوى طيفِها في القلبِ ما أجِدُ؟

آهٍ على قلبِ صبٍّ زادَ مُعْتَكِفًا
في خلْوةِ الشوقِ والأشجانِ يعْتبِدُ

قد كانَ بالأمسِ حلمًا باسِمًا رغَدًا
واليومَ أضحى سرابًا ساخرًا صلِدُ

يا سائلي: هل ترى الأيامُ تُنْصِفُنا؟
هيهاتَ! فالدهرُ في أطوارهِ جَحَدُ

أبكي وأبْسمُ كي لا يُبْصروا وجَعِي
وفي ابتسامِ الأسى أسرارُنا تلِدُ

وأسْتعينُ بأحْلامي على زمَنِي
فَحُلْمُ قلبي على الآهاتِ مُعْتَمِدُ

كم بتُّ أسقي ليالي العمرِ من شجَني
وكم رجوتُ بقايا العطرِ مخْتَلَدُ

لكنَّ روحي طَموحٌ، لا يذلُّ لها
دهرٌ، ولا تُطفِئُ الأشواقَ ما أجِدُ

يا طيفها عد، ففي الأضلاعِ متَّسِعٌ
والشوقُ في القلبِ، لا يُطفيهِ مُرتَعِدُ

يا قلب لا تنْكرنَّ الوجْدَ في دمِنا
فالحبُّ سرٌّ بهِ الأرواحُ تَقْتبِدُ

كم زارَ طيفُ الهوى ليلاً أُؤانسُهُ
حتى إذا لاحَ فجرُ البعدِ يرْتحِدُ

آهٍ لجرحٍ كساني ثوبَ غرْبَتِهِ
وعانقَ الصبرَ في خدِّي دمٍ يجِدُ

فإن تباعدت عن عيني مسافتُنا
روحي على شُرُفَاتِ الشوقِ تتّقِدُ

A.M.A.H
 
Comment

A.M.A.H

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
2,065
مستوى التفاعل
652
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
4

بعد أن أحرقت الرسالة عند الشاطئ، شعرتُ كأنني أحرقتُ ظلًا قديمًا كان يعيش في صدري… كأنني انتزعتُ جلدي القديم ورميته للنار. لوهلةٍ قصيرة، شعرتُ بالخفة. لم يدم ذلك طويلًا.

عدتُ إلى كوخي الخشبي وصدى القصيدة التي همستُ بها لنفسي ما زال يدور بين الجدران العارية. كان الليل ثقيلاً كجدارٍ من صمت، والبحر يحرس وحدتي كعادته. لكن في الداخل… في أعمق الأعماق، بقي البركان يغلي.

في صباحٍ آخر، دفعتني قدماي بلا وعيٍ إلى المدينة القريبة؛ مدينة لا تعرفني ولا أعرفها. شارعٌ ضبابي، أضواءٌ نيون ملونة، وواجهات تلمع بدعواتٍ للخسارة أكثر مما تدعو للربح. كان ثمة نادٍ للقمار على جانب الطريق، بابه نصف مفتوح كأنه يرحّب بي بسخرية العالم القاسي.

دخلت.

رائحة التبغ والمال والخسارات القديمة ملأت رئتي. الموسيقى منخفضة، ضحكاتٌ مقهورة، وصدى رقائق معدنية تهوي على طاولاتٍ لامعةٍ باردة. شعرتُ أنني في قلب قلبِ العدم، حيث لا شيء يُسأل فيه عن معنى، ولا أحد يهتم بماضٍ أو مستقبل.

اقتربتُ من طاولة البوكر. جلس حولها رجالٌ بوجوهٍ غامضة، ملامحهم شاحبة كأشباحٍ أرهقها الأمل. جلستُ بينهم، ولم أسأل حتى عن القواعد؛ لم يكن الأمر يتعلق بالربح أو الخسارة. كنتُ أراهن على شيءٍ أعمق… على محوِ ذاكرةٍ لا تمحى.

وضعت أول رهان، ثم الثاني، والثالث… وكأن كل شريحةٍ ألقيها كانت قصاصةً من حياتي الماضية. وجه ميّا، القصائد، كوخي الخشبي، حتى البحر الذي علّمني الصبر… كلّها تلاشت مع ضجيج النقود والورق.

عالم المقامرة له سحره الملعون؛ يُعطيك وهماً بأنك تتحكم في مصيرك، بينما الحقيقة أنك عبدٌ لنزوةٍ أو رقمٍ عابر. في تلك اللحظات شعرتُ كأني أكتب فصلاً جديدًا من حياتي… فصلًا بلا بطل، بلا قيمة، فصلًا عن إنسانٍ فقد كل شيء إلا شغفه بالفراغ.

بعد ساعاتٍ من اللعب، ربحتُ جولةً كبيرة. نظر إليّ الرجل الجالس أمامي، بعينين خاويتين من كل دهشة، وقال بهمسٍ بارد: – المال لا يملأ الفراغ يا صديقي، لكنه يتركك منشغلًا قليلًا.

ابتسمتُ بسخريةٍ موجعة: – أو ربما يُعطينا وهمًا أننا أحياء.

عندما خرجتُ من النادي، كان الفجر يطلّ برأسه الخجول خلف الأبنية. سرتُ في شوارع المدينة والحقيبة في يدي ثقيلةٌ بما ربحتُه من مال، وأثقل بما خسرته من نفسي.

تساءلت: هل أنا الآن أكثر تحررًا أم أكثر عبوديةً؟ هل أحرقت نفسي القديمة حقًا أم أنني فقط نقلت رمادها إلى مكانٍ آخر؟

وفي مرآة واجهة متجرٍ مهجور، لم أرَ سوى رجلٍ يشبهني بالكاد؛ عيناه متعبتان، قلبه مثقوبٌ من الانتظار، ويداه ترتعشان من بردٍ لا يدفئه مال ولا مقامرة.

مشيتُ دون هدف، وبين كل خطوةٍ وأخرى، همستُ لنفسي: – كم يحتاج الإنسان ليقتل ذاكرته؟ وكم من الأرواح يجب أن يموت فينا حتى نشعر أننا أحياء؟

لكن في داخلي، بقي سؤالٌ يلسعني كجمرٍ لا ينطفئ: «هل تحررتُ من ميّا… أم من ظلّي أنا؟».

في ذلك الصباح الرمادي، أدركتُ أن الخسارة لا تكون دائمًا على طاولة القمار… بل في القلب الذي نتركه مرهونًا للذكريات.
 
Comment

A.M.A.H

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
2,065
مستوى التفاعل
652
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
5

مرّت سنواتٌ أخرى، كأنها لم تكن. صرتُ أعيش في صمتٍ أعمق من البحر الذي طالما حرس وحدتي. أصبحت روحي كالغرفة المهجورة؛ تحتفظ برائحةٍ قديمةٍ فقط لتذكّر نفسها بأنها كانت مأهولةً يومًا ما.

في إحدى الليالي الرمادية، خرجتُ أمشي بين الأزقة الخالية، أراقب ظلال الأبنية التي بدت لي وكأنها أطياف أرواحٍ نُفيت من أجسادها. كان الهواء باردًا، يحمل في طياته تعب السنوات الماضية.

عند حافة المدينة، رأيتُ رجلاً عجوزًا يجلس على مقعدٍ خشبيٍّ متهالك. كان يبدو غريبًا، كأنه لم يُخلق هنا، أو كأنه لم يغادر هذا المكان منذ قرون. اقتربتُ منه وجلسنا معًا في صمتٍ طويلٍ؛ صمتٍ يفهمه فقط من عاش عمرًا كاملًا مع روحه دون أن يكتشفها.

التفت إليّ وقال بصوتٍ متهدّجٍ كريحٍ عتيقة:
– أراك تحمل روحًا ثقيلة يا صديقي… لماذا؟

تأملتُ وجهه الذي يشبه خرائطَ قديمةً رسمتها التجاعيد، وقلت:
– ربما لأنني قضيتُ عمري أبحث عن روحي، وفي كل مرةٍ أظن أنني وجدتها… أكتشف أنني وجدت ظلًا آخر فقط.

ابتسم ابتسامةً خفيفةً تشبه دمعةً لم تسقط، ثم سألني:
– وما الروح في ظنّك؟

سكتُّ قليلًا. ثم تمتمت:
– الروح… هي الشيء الوحيد الذي لا نراه إلا حين ينكسر، ولا نسمعه إلا في الصمت، ولا نحسّه إلا حين نخسره. هي جرحٌ يسير معنا… لا يلتئم ولا ينزف تمامًا.

هزّ رأسه وقال:
– كثيرون يظنون أن الروح شيءٌ خفيفٌ كالنَفَس… لكنها في الحقيقة أثقل ما نحمله. الإنسان لا ينكسر من قسوة الحياة فقط، بل من ثقل روحه التي لم يعرف كيف يحملها.

قلتُ له:
– لهذا يخاف البشر الوحدة… لأن في الوحدة يسمعون أصوات أرواحهم لأول مرة، فيدركون أن داخلهم مقبرةٌ مزدحمةٌ بما ظنّوا أنهم نسوه.

نظر بعيدًا نحو المدينة المظلمة وقال:
– الروح لا تموت… لكنها تنسى نفسها أحيانًا. وحين ينسى الإنسان روحه، يصبح مثل مدينةٍ بلا قلب: فيها ضجيجٌ وضوء، لكن لا أحد يسكنها حقًا.

سكتنا معًا، وكأننا نستمع لشيءٍ أعمق من الكلمات. ثم همس:
– هل تعرف ما المشكلة الحقيقية يا صديقي؟

سألته:
– ما هي؟

قال:
– أن البشر يبحثون عن أرواحهم في الخارج: في المال، في الحب، في الانتصارات… لكن الروح لا تعيش هناك. الروح تسكن الداخل… في ذلك الركن المظلم الذي نخاف النظر إليه.

شعرتُ أن كلماته تخترقني كخنجرٍ هادئ. فقلتُ:
– لكن الداخل مظلمٌ ومؤلم… أحيانًا لا نحتمل النظر إليه.

قال وهو ينظر في عينيّ:
– لهذا نحتاج إلى الشجاعة… لا شجاعة قتل العدو، بل شجاعة مواجهة الروح. لأن أكبر عدوٍّ للإنسان هو نفسه حين يخاف أن يعرف من يكون حقًا.

ثم نظر إلى السماء الملبدة بالغيوم وقال:
– الروح ليست ملاكًا ولا شيطانًا… هي كتابٌ يكتبه الإنسان كل يوم. بعضهم يملأه بالخوف، وبعضهم بالأمل، وبعضهم يترك صفحاته بيضاء… خوفًا من الحقيقة.

سألته:
– وأنت… ماذا كتبتَ في كتاب روحك؟

تنهد بعمقٍ كأنه يسحب من صدره دخانَ عمرٍ كامل، وقال:
– كتبتُ أني كنتُ إنسانًا… حاول أن يفهم نفسه. لم أنجح تمامًا، لكن المحاولة نفسها كانت هي الحياة.

سكت. ثم نهض ببطء، كمن يودّع مكانًا اعتاد الجلوس فيه ألف عام. قال قبل أن يرحل:
– لا تخف من روحك… فالخوف منها هو الذي يحوّل الإنسان إلى ظلٍّ.

وبقيتُ وحدي في العتمة، أستمع لصدى كلماته يدور في صدري. شعرتُ أني لم أعد أخاف روحي كما في السابق… لكنني أيضًا لم أعرفها بعد.

وفي تلك الليلة، فهمتُ شيئًا بسيطًا:
نحن لا نجد أرواحنا كاملةً يومًا… بل نلمحها في كلمات الغرباء، في الصمت الطويل، وفي الدموع التي لا نبكيها أمام أحد.
 
Comment

A.M.A.H

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
2,065
مستوى التفاعل
652
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
6

بعد تلك الليلة، لم أعد كما كنت. كلمات الرجل العجوز بقيت تدور في صدري كريحٍ لا تهدأ. شعرتُ للمرة الأولى أنني لم أخرج في هذه الرحلة لأهرب من ذاكرتي فقط… بل لأجد شيئًا أعمق، شيئًا يشبه المعنى.

سرتُ في صباحٍ باهتٍ بين طرقٍ ترابيةٍ تؤدي إلى قريةٍ بالكاد تُرى على الخرائط. كانت شوارعها صامتةً، كأنها تنتظر من يوقظها من سباتها.

في ساحةٍ قديمةٍ مهجورة، رأيتُ شابًا يجلس على حجرٍ مكسور. ملامحه غريبة: فيها تعب الشيوخ وحدّة العارفين. كان يكتب شيئًا على ورقٍ أصفر، وعيناه لا تريان إلا ما في داخله.

اقتربتُ وجلستُ بقربه. لم يلتفت في البداية، ثم قال دون أن ينظر إليّ:
– تبحث عن روحك أيضًا؟

سألته بدهشة:
– كيف عرفت؟

أجاب:
– لأن كل من يصل إلى هذا المكان لا يجيء إلا بدافعٍ واحد: أن يرى ما في داخله بعيدًا عن صخب العالم.

سكتُّ قليلًا، ثم قلتُ:
– أظنّ أنني التقيت بروحي مراتٍ كثيرة، لكنني لم أجرؤ على النظر في عينيها طويلًا.

نظر إليّ أخيرًا، بعينين عميقتين كهاوية، وقال:
– الروح لا تُرى إلا حين نتجرّد من كل شيءٍ ليس نحن: الخوف، الأسماء، الذاكرة، حتى الكبرياء. هل تجرؤ على أن تفقد كل ذلك؟

قلتُ:
– أخشى أن أفقد نفسي بالكامل إن فعلت.

قال:
– الحقيقة أن نفسك الحقيقية لا تُفقد… بل تُكشف فقط عندما تذوب الأقنعة. وما تخسره هو ما لم يكن أنت أصلاً.

ثم صمتَ قليلًا كأنه ينصت لنبض الأرض. قلت له:
– لكن… ما جدوى أن نعرف أرواحنا، إن كان العالم لا يعترف إلا بما نُظهره لا بما نحن؟

ضحك بهدوء، وقال:
– البشر اخترعوا الدول، والمال، والمجد، ليخبئوا ضعف أرواحهم. لكن روح الإنسان أقدم من كلّ الدول، وأصدق من كلّ الشعارات. نحن لا نعرف قيمتنا في نظر الناس… بل نعرف قيمتنا حين ننظر في مرآةٍ لا يرى انعكاسها سوانا.

قلتُ:
– أحيانًا أشعر أنني مجرد ظلّ يمشي بين الناس، أحمل فلسفةً سوداء لا تنقذ أحدًا.

قال:
– ربما لأن فلسفتك كانت للهدم فقط… لكن الروح لا تكتمل إلا إذا صارت تبني أيضًا. الإنسان الذي يعيش لينقض فقط يترك خلفه فراغًا أكبر من الذي وجده.

سكتُّ طويلًا. ثم سألته:
– وهل الروح في النهاية نورٌ أم ظلمة؟

أجاب:
– الروح هي مرآة، تعكس ما في داخلنا. إذا نظرنا إليها بصدق، نرى نورنا وظلمتنا معًا… ونتعلم أن نقبل بهما معًا. النور وحده كذبة، والظلمة وحدها لعنة… لكن صدق الإنسان أن يعترف أنه يحمل الاثنين.

في تلك اللحظة شعرتُ أن كلماته أصابت شيئًا لم أعرف اسمه في داخلي.

قلت له:
– وهل تعتقد أن الإنسان يستطيع أن يغفر لنفسه أخطاءه؟

قال:
– لا توجد روحٌ كاملة بلا شقوق. لكن الشقوق لا تقتلها… بل تجعلها تنبض بالحياة. المغفرة ليست نسيان الماضي… بل أن نتعلم كيف نحمله دون أن يقتل حاضرنا.

ثم تنهد وأغلق دفتره وقال:
– كلنا مسافرون في متاهة أنفسنا. بعضنا يضل الطريق، وبعضنا يجد فيه نفسه الحقيقية. لكن لا أحد يخرج كما دخل.

نهض ومشى مبتعدًا، تاركًا وراءه صدى كلماته في رأسي كصدى خطواتٍ في ممرٍّ طويل.

وبقيتُ وحدي هناك، أنظر إلى الورق الذي تركه خلفه، فوجدت فيه جملةً واحدةً فقط:

"الروح لا تحتاج من يُنقذها… الروح تحتاج من يفهم أنها هي التي تُنقذنا."

في ذلك الصباح أدركتُ: ربما لم أكن أبحث عن روحي… بل كانت هي التي تبحث عني، حتى تذكّرني أني ما زلتُ حيًّا.
 
Comment

A.M.A.H

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
2,065
مستوى التفاعل
652
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
7


بعد تلك الليلة، بقي صدى الكلمات يدور في داخلي: «الروح هي التي تُنقذنا».
لكن شيئًا آخر بدأ يتملكني: فكرة الفضيلة. كنت أسير في طرقٍ موحلةٍ بين المدن والقرى، وفي كل مكانٍ أرى الناس يتحدثون عن الشرف والصدق والرحمة… بينما في عيونهم ظلٌّ آخر؛ ظلّ الخوف، والأنانية، والرياء.

سألتُ نفسي طويلًا: ما الفضيلة حقًا؟ وهل هي شيء يولد فينا، أم قناعٌ نتعلم ارتداءه كي نبدو أجمل أمام الآخرين؟

كنتُ أمشي في شارعٍ قديمٍ تتدلى فيه مصابيح خافتة، حتى وقعت عيناي على رجلٍ واقفٍ قرب جدارٍ متهالك. كان يراقب الناس بنظرةٍ حادةٍ كأنها تكشف ضمائرهم. شعره أبيض، وعيناه فيهما حزنٌ عميقٌ لا يشبه ندم الخاسرين… بل يشبه حكمة من ذاق كل شيء.

اقتربتُ منه دون وعي، وقال لي بهدوءٍ كأنه يقرأ أفكاري:
– تفكر في الفضيلة؟

قلتُ بدهشة:
– نعم… وكيف عرفتَ؟

قال:
– لأن الفضيلة هي آخر ما نفكر فيه قبل أن نكمل سقوطنا… أو أول ما نحلم به إذا أردنا النهوض.

سكتُّ لحظة، ثم سألته:
– وهل الفضيلة حقيقية؟ أم مجرد وهم صنعه البشر ليغفروا لأنفسهم؟

ابتسم بمرارة، وقال:
– الفضيلة مثل النجمة البعيدة: نعرف أننا لا نصلها، لكن وجودها هو الذي يدلّنا على الطريق في الليل.

قلتُ له:
– لكن أغلب الناس يرفعون راية الفضيلة وهم يعيشون على عكسها تمامًا.

قال:
– نعم… لأن الحديث عنها أسهل من ممارستها. الفضيلة ليست كلماتٍ ولا أناشيد… الفضيلة فعلٌ لا يحتاج شهودًا.

تأملتُ كلامه، ثم قلت:
– لكن ماذا عن الذين يختارون أن يكونوا فضلاء في عالمٍ لا يكترث؟ أليسوا أغبياء في نظر الناس؟

ضحك بهدوء وقال:
– وربما لهذا هم حكماء في نظر الله… أو في نظر أرواحهم فقط. الفضيلة لا تحتاج تصفيقًا. هي تُشبه بذرةً تُزرع في تربةٍ جافةٍ دون يقينٍ بأنها ستنبت… لكن تُزرع مع ذلك.

سكتّنا قليلًا، والريح تعبث بأصوات المدينة. ثم قلت:
– وهل الفضيلة في أن نؤذي أنفسنا من أجل الآخرين؟ أم في أن نحمي أنفسنا أولًا؟

أجاب وهو ينظر بعيدًا:
– الفضيلة ليست انتحارًا من أجل الناس، ولا أنانيةً تخنق القلب. هي أن تعرف أين تقف: أن تساعد دون أن تُذلّ نفسك، أن تقول الحقّ دون أن تُحوّل نفسك إلى قاضٍ على العالم.

قلتُ:
– إذًا الفضيلة ليست مطلقة؟

قال:
– الفضيلة حيةٌ كروحك… تتغير مع وعيك، تكبر مع جراحك، وتنضج مع ندمك. لكنها لا تموت إلا عندما تكذب على نفسك وتصدق كذبتك.

كانت كلماته ثقيلةً، لكنها صادقةٌ كصدى قلبٍ تعب من المراوغة.

قلتُ له:
– هل تظنّ أن الفضيلة تجعل الإنسان سعيدًا؟

قال:
– لا… الفضيلة لا تُعطي السعادة دائمًا. أحيانًا تُعطي راحةً مرةً، أو سكينةً حزينة. لكنها تعطي ما هو أهم: تمنحنا مرآةً نجرؤ أن ننظر فيها آخر الليل دون أن نخجل من وجوهنا.

ثم نظر في عينيّ، وقال:
– أن تكون فاضلًا لا يعني أن تكون نقيًّا كالملائكة… بل أن تظلّ تُحارب ظلك، حتى لو لم تنتصر عليه أبدًا.


نهض لينصرف، وقبل أن يبتعد، همس لي:
– الفضيلة ليست تاجًا نضعه على رؤوسنا… هي ندبةٌ نحملها لنذكّر أنفسنا من نكون.

وبقيتُ وحدي في الشارع، أراقب ظلي يرتعش تحت ضوءٍ شاحب. وفي تلك اللحظة فهمتُ: الفضيلة ليست أن نكون أفضل من الآخرين… بل أن نكون أصدق مع أرواحنا، مهما كانت معوجّةً ومثقلةً بالخطيئة.
 
Comment

A.M.A.H

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
2,065
مستوى التفاعل
652
مجموع اﻻوسمة
2
النهاية والبداية// خاص بالمسابقه
8


في تلك الليلة، عدتُ إلى كوخي الخشبي كمن يعود إلى قبره الذي اختار أن ينام فيه. جلستُ صامتًا أمام مرآةٍ قديمةٍ مشروخة، أراقب انعكاسًا لم يعد يشبهني. كان الليل ثقيلًا، والبحر يضرب الشاطئ بضجرٍ يشبه ضجري من نفسي.

أغلقتُ عينيّ، وربما نمت… أو ربما غرقتُ في يقظةٍ أعمق من النوم. وجدتُ نفسي في مكانٍ لا يشبه أي مكانٍ عرفته: فضاءٌ لا نهائيّ، لا جدران له ولا سقف، ضبابٌ شاحب، وصمتٌ أثقل من أي صمتٍ عرفته في حياتي.

وفجأة… رأيته.

رجلٌ يقف أمامي، يشبهني تمامًا… لكن في ملامحه شيءٌ لم أعرفه قط. في عينيه حزنٌ أقدم من عمري، وغضبٌ أعمق من البحر، ودهشةٌ طفوليةٌ مؤلمة.

سألته بصوتٍ مرتعش:
– من أنت؟

أجابني دون تردد:
– أنا روحك… التي تهرب منها منذ عرفت نفسك.

شعرتُ بخوفٍ عارٍ كمن يقف أمام مرآةٍ لا تكذب. قلتُ:
– لماذا أنت غاضب؟

قال:
– لأنك أنفقت عمرك تهرب مني… هجرتني في كل لحظة خفتَ أن ترى حقيقتك.

قلتُ:
– لكني بحثتُ عنك في الطرقات، في القصائد، في المدن والغرباء…

قال:
– بحثتَ عني في كل مكانٍ إلا داخلك. فتّشتَ في ظلال الآخرين ولم تجرؤ أن تغوص في ظلك.

تلعثمتُ، ثم سألته:
– وكيف كان ينبغي لي أن أراك؟

أجاب:
– كان يكفي أن تصمت أمام خوفك بدلًا من أن تهرب. كان يكفي أن تعترف أنك ضعيف، أنك تخطئ، أنك تخاف… دون أن تلوّن خوفك بفلسفةٍ سوداء.

سكتُّ، وشعرتُ بدمعٍ ساخنٍ في عينيّ. قلتُ:
– لكنني لستُ فاضلًا… فيّ غضبٌ وحقدٌ وكبرياءٌ لم أستطع قتله.

قال:
– الفضيلة ليست أن تقتل ظلك… بل أن تعرفه، أن تتحمله، أن تُذكّر نفسك دومًا بوجوده كي لا يحكمك.

نظرتُ في عينيه، فرأيتُ وجهي الحقيقي: وجهٌ أنهكته الخيبات، لكن ما زال فيه رجاءٌ صغيرٌ كجمرةٍ لا تنطفئ.

سألته بصوتٍ خافت:
– هل تسامحني؟

قال:
– لستُ قاضيًا لأحكم عليك. أنا أنت. الغفران يبدأ منك… أن تغفر لنفسك ضعفها دون أن تبرّره، وأن تعترف بخطيئتك دون أن تتحول إليها.

قلتُ:
– أخاف أن أعيش بقية عمري ظلًّا فقط…

قال:
– الظلُّ لا يُخلق من العدم… بل من نورٍ غاب. ابحث عن نورك مجددًا، حتى لو كان ضوءًا ضئيلًا في قلبك.

ثم اقترب مني، حتى شعرتُ بأنفاسه كأنها أنفاسي، وقال:
– أنا لستُ ملاكًا… ولا شيطانًا. أنا روحك: كل ما أخفيته، وكل ما حلمتَ به، وكل ما خفتَ أن تكونه. إن أردتَ أن تعرف من أنت… انظر إليّ دون خوف.

فتحتُ عينيّ فجأة… كنتُ ما زلتُ في كوخي الخشبي، والليل لم ينتهِ. لكن قلبي كان يقرع في صدري كجرسٍ في معبدٍ مهجور.

نهضتُ ووقفتُ أمام المرآة المشروخة… ولم أرَ وجهي فقط، بل رأيتُ للمرة الأولى ظلًّا خلف ملامحي يشبهني تمامًا… لا يخيفني، بل يُذكّرني أني ما زلتُ حيًّا.

وفي تلك الليلة عرفتُ: روح الإنسان ليست وعدًا بالنقاء… بل اعترافٌ بالشقوق التي تُكسبها ملامحها. وأن أقسى مواجهة في الحياة… هي أن ترى نفسك وجهًا لوجه، دون أقنعة، وتجرؤ أن تقول لها: «أنا أراك… وأقبل أن نعيش معًا.»
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى