الزمن شيء نسبي..
بيختلف من مكان للتاني، لكن الحاجة الحتمية الوحيدة هي الموت.
العُمر شيء معلوم بالنسبة لله سبحانه وتعالى لكنه غير معلوم بالنسبة لنا..
يعني تخيل شيء مرتبط بيك ارتباط وثيق، بس عمرك ما هتدرك إنه انتهى إلا بلحظات قليلة جدًا..
اليوم الأخير ليك في الدنيا..
بسم الله الرحمن الرحيم:
"أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ” (المؤمنون: 115)..
يعني آخر يوم ليك في حياتك، بيحصل إيه؟
شيء مرعب لو فكرت أنا بحالي دلوقتي، وإني ممكن بعد ما أخلص كتابة البوست ده يكون وقتي قد حان..
لأن الإنسان بيمُر بخمس مراحل يوم الوفاة نفسه..
المرحلة الأولى: يومك العادي جدًا..
بتبدأ يومك عادي جدًا، بتمشي في مشاويرك، تروح شغلك، تمارس عاداتك اليومية اللي كونتها على مدار عمرك..
بتصحى، تشرب القهوة مع سيجارة، تلبس هدومك، تنزل تروح تقعد مع صحابك تتكلم معاهم عادي جدًا..
وأنت لا تدري..
إن “الله” أصدر الأمر اليوم لملائكة الموت: “فلان ابن فلان، الساعة كذا تُقبَض روحه”..
فتبدأ الملائكة وقتها تتنزل حواليك عشان تجهزك للحظة دي، والملائكة دول نوعين: “ملائكة رحمة وملائكة عذاب”، فيلتفوا حواليك، يتنازعوا أمرك حتى يأتي ملك الموت في ميعاد وفاتك..
من ناحية تانية، أنت قاعد ولا على بالك.. ممكن تكون في شغلك، ممكن تكوني بتتكلمي في الموبايل عادي..
كل شيء طبيعي، وأنت لا تدرك إن ساعتك قد آنَت، وإن وفاتك بعد ساعات، فتمارس يومك بشكل طبيعي جدًا..
المرحلة الثانية: خروج الروح..
في لحظة، ينزل ملك الموت الموكل بيك، وتبدأ معاه مرحلة خروج الروح تدريجيًا من جسدك..
يبدأ ملك الموت بتنفيذ مهمته، فتبدأ الروح تخرج من جسمك، بداية من القدم، مرورًا بالكعب، للساق، للركبة، للخصر..
الروح في رحلتها للخروج بالشكل ده، وأنت خلاص داخل مرحلة تشبه الغيبوبة..
المرحلة الثالثة: التراقي..
رحلة الروح في الخروج من جسمك مكملة، وبتوصل حد “الترقوة” أعلى الصدر.. وهنا الآية الكريمة بتوصف اللحظة دي بشكل دقيق جدًا:
“كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ” (القيامة: 26)..
وهنا تبدأ الملائكة تتحدث مع بعضها البعض، وبتتساءل “من راق؟” يعني مين اللي هيستلم “الروح” دي ويطلع بيها؟ هل ملائكة العذاب أم الرحمة؟
القرآن بيوصف لنا المجادلة دي في الآية ذاتها:
“وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ” (القيامة: 27)..
والإنسان وقتها يبدأ يظن.. “أنا مش تعبان.. أنا مش دايخ.. ده مش شيء عادي اللي بيحصل..”
فيبدأ الظن بأنه مفارق وميت..
ودي لحظة عاصفة.. صاعقة وعيّ بتبدأ تتسرب لواحد عاش ستين سنة، أكل مليون مرة، شرب مليون مرة، حافظ شكل المياه والشرب، كون فكرة اعتيادية عن الحياة، ودي أول مرة يشعر بهذا الشعور بشكلٍ فعليّ..
“أنا بموت..”
“وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ” (القيامة: 28-30)..
المرحلة الرابعة: الحلقوم..
هنا، يبدأ الإنسان يشوف الملائكة فعلاً.. ويُدرك أنه يفارق الحياة فعليًا خلاص ومفيش رجعة.. إدراكه بيبدأ يكون “فائق” عن العادي..
فجأة، بيشوف حواليه ملائكة عمالة تنزل، ومدى البصر عمال يزيد، يعني يشوف الانسان وقتها عالم جديد واسع جدًا وعينه بترى بامتداد رهيب والناس واقفة حواليه، هو شايفهم، بس هو في عالم تاني خالص..
الملائكة اللي بيشوفها خلاص حسمت أمره وعرفت سكته.. اللي بيظهر للإنسان وقتها إما ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب..
الناس حواليه بقى تسأله: “مالك يا فلان؟ إيه اللي بيحصل؟”
محدش مستوعب.. فاكرين إنهم قادرين ينقذوه..
لكن الله سبحانه وتعالى بيصف لنا المشهد بدقة:
“فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ” (الواقعة: 83-85)..
هنا، البشر اللي حواليه مش مدركين، الإنسان اللي جنبهم شايف حاجة هم مش شايفينها، رغم إنهم واقفين جنبه، وهو قدامهم، وكلنا بنفس الوعي والإدراك..
لكن الله بيقول لنا: رغم قربكم منه في اللحظة دي، إلا أن “الله” وملائكته أقرب إليه منكم.. ولكن أنتم لا تبصرون.
المرحلة الخامسة: النزع..
يعني نزع الروح تمامًا عن الجسد..
القرآن يصف المشهد:
“وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا” (النازعات: 1-5)..
هنا، الآية بتوصف حال الإنسان لحظة خروج الروح:
لو شاف ملائكة “عذاب”: روحه بتُنتزع بشدة، بتغرق لرفضها الخروج، لكنها تُنزع بالقوة..
لو شاف ملائكة “رحمة”: روحه تخرج بسهولة، سعيدة جدًا بالانتقال من الجسد إلى ما بعده..
الحقيقة الحتمية: الموت..
أنا مش عايزك تركز في السرمدية اللي وراء الموضوع، ولكن ركز في الحقيقة اللي ورا كل شيء.. الحقيقة الحتمية..
الموت..
الإنسان بيقضي عمره كله وهو ناسي إنه له آخر..
وده رغم إن كل فيلم له نهاية.. كل كتاب عنده باب بعنوان “النهاية”.. وبعدها الأوراق بتخلص..
الإنسان صناعة موت.. فبيصنع كل شيء ببداية ونهاية..
كل شيء قدامنا في الحياة بكل ثانية بيفكرنا إن الموت موجود.. مستنّينا..
لكن إحنا بنتغافل..
والغفلة دي شيء خطير جدًا..
لأنك بسببها بتعيش الدنيا على هواك، وتنسى إن فيه لحظة نهاية.. وبعدها يبدأ الحساب..
عشان كده دايمًا الناس تقول: “اللهم أحسن خاتمتنا”..
مع إن إحنا في إيدينا كل شيء أهو، ولا ندري بأي أرض نموت، ولا بأي ساعة..
بسم الله الرحمن الرحيم:
"“لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ” (ق: 22)..
بنعيش كأننا مخلدين، كأن الموت مش قريب، كأن اللحظة دي بعيدة عننا.. مع إنها أقرب من رمشة عين..
فالحمد لله على كافة نعمه..