حضارة المسلمين في الأندلس سبب نهضة أوروبا
حضارة المسلمين في الأندلس سبب نهضة أوروبا :
لاشك ان الحضارة العربية الإسلامية هي جزء حي في كتلة الحضارة العالمية التي أثرت فيها وتأثرت بها ، فقد امتدت دولة الإسلام من حدود الصين الى جنوب فرنسا ،
ورافق حركة الفتوحات الإسلامية استفادة العرب من فلسفة اليونان ، ومن ثقافة الصين والهند ، مع ما عندهم من ملامح فكرية عربية أصيلة ؛
فهضموا هذه الحضارات المختلفة وتولوها بالرعاية والبحث والتصحيح والتهذيب ، وأضافوا إليها الكثير من أفكارهم وابتكاراتهم ، حتى بلغت غاية نضجها واكتمالها ، وتميزت بملامح جديدة ،
و يكفي الحضارة العربية الإسلامية فخراً بأنها لم تكن مقلدة أو تابعة للحضارات التي سبقتها ، بل ان رجالها بحثوا واجتهدوا وابتكروا ، فأضافوا واوجدوا عناصر جديدة دفعت عجلة التطور الحضاري إلى الأمام.
وقد عبر احد المؤرخين المحدثين عن ذلك بقوله :
(عندما أصبحت الحضارتان البابلية والمصرية ، اللتان بدأتا الخطوات الأولى في حاجة إلى قوة ابتكاريه جديدة وجدتاه في عبقرية اليونان ،
وعندما انحدر اليونان وتخلفوا وكادت تطمس حضارتهم وتضيع ، وجدت الحضارة العربية ؛
تلك القوة الخلاقة الدافعة التي تناولت المشعل الذي كاد ينطفئ وتخبو ناره ، فأشعلوه من جديد وخطوا به نحو غايات جديدة وأسلموه بدورهم إلى أوربا وهو في أوج اشتعاله وفي قمة نوره).
-------------------
أما المؤرخون و الكتاب في الغرب فإنهم رغم كونهم يحاولون طمس كل المعالم التي تدل على تلقف الغرب لحضارة المسلمين إلا أنهم تفلت منهم بعض العبارات التي تفضح دعاواهم .
▪︎تقول د. زينب عبد العزيز : بينما كان الغرب يغط في غياهب الظلمات والتعتيم ، كانت الحضارة الإسلامية في أوج ذروتها وتحمل في خلفياتها أصداء الحضارات السابقة . وراح الغرب ينهل من علماء المسلمين وعلومهم دون أن يغفل طمس معالم هذا الفيض الإسلامي ، فطمس حتی معالم الأسماء ليصبح أبن رشد : أفيرويس ، وابن سينا : أفيسين ، وابن باجة : أفمياس ، والفارابی : فرابيوس ... حتی اسم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام طمسوه إلى : " ماأوميه"،
وهم أول من يعلم أن الأسماء لا تترجم ولا تحرف وإنما تكتب كما هي . (*مئتا عام على حملة المنافقين الفرنسيس ص٢٦ )
▪︎ و يقول الدكتور محمد عبد الله عنان عن المستشرق الأسباني المتعصب سيمونيت بعد بعد أن اتهم زورا مسلمي الأندلس بالتعصب والبربرية ؛ في عهد عبد الرحمن الأوسط (بن الحكم) في القرن التاسع ذاكرا مما قاله سيمونيت :
{ بلغ تزمت البربر (*يقصد المسلمين الوافدين) الوحشي ، وتزمت الإسبان المسلمين (العرب المولدين) الذين اتخذوا الإرتداد عن دينهم سبيلا إلى بلوغ الرخاء وكانوا لكي يمحوا ذكرى أصولهم المسيحية ، أشد تعصباً ضد النصارى من المسلمين أنفسهم . كان هؤلاء وهؤلاء يمعنون في إهانة النصارى و اضطهادهم بشتى المظاهر ،... إلخ .
هكذا يتحدث سيمونيت عن « تعصب » المسلمين ضد رعاياهم وإخوانهم النصاري المعاهدين . ومع ذلك فإن سيمونيت يعترف بأن كثيراً من نصارى قرطبة ، كانوا يخدمون في الجيش الإسلامي جنداً أو ضباطاً ، وأن كثيراً منهم وصل إلى وظائف هامة في البلاط والقصر الملكي ، وفي قصور أكابر المسلمين .
ويصف سيمونيت تأثير المجتمع الإسلامي ، وعظمته ولغته وتقاليده ، في نفوس النصارى في قوله :
و هذا ، وقد كان يأسر الشباب النصراني منظر العظمة المادية والحضارية ، التي تفوقت بها قرطبة المسلمة على قرطبة النصرانية ، وما كانت تقترن به هذه العظمة من المظاهر الأدبية والفنية ، التي بثها عبد الرحمن بحبه للشعر والفلسفة
والموسيقى وكان من مظاهر تأثر الشباب النصراني أنهم كانوا يكتبون ويتكلمون العربية ، محتقرين دراسة اللغة والآداب اللاتينية ، وهو أمر كان شديد الخطر على وطنيتهم ودينهم .
وفى النصف الأول من القرن التاسع ، لم تكن اللغة والآداب العربية فقط ، بل وكذلك الأفكار والتقاليد الإسلامية ، قد انتشرت بين المستعربين الإسبان .
وهذا ما تشير إليه وثيقة هامة كتبها نصراني قرطبی معاصر هو ألبرو القرطبي Alvaro Cordubense في سنة 854 م عنوانها Indicalo Luminoso ، وفيهايصف بقوة وبلاغة ، الذعر الذي أصاب « الأشراف الكرماء البواسل الذين
كانوا يحتفظون بالعاطفة المسيحية والوطنية الإسبانية » * وكيف أن شباناً من النصاري ممتلئون حياة وقوة وفصاحة ، يتقنون اللغة العربية ، ويبحثون بشغف عن الكتب العربية ويدرسونها بعناية ، ويمتدحونها بحماسة ، هذا في حين أنهم
يجهلون جمال الآداب الكنسية ، ثم يبدى ألمه من أن النصارى يجهلون شريعتهم ولغتهم اللاتينية ، وينسون لغتهم القومية .
وهذه التفاصيل التي يقدمها إلينا العلامة سيمونيت عن أحوال المجتمع النصراني في قرطبة ، هي تفاصيل مفيدة قيمة ، ولكنها تنم عن كثير من التحامل ، وتصوروجهة نظر الكنيسة بأسلوب مغرق متزمت . وهي تغضى عن تلك الحقيقة الهامة ، وهي أن النصارى المستعربين وهم من رعايا الحكومة الإسلامية ، ويتمتعون تقريباً بكامل حقوق إخوانهم المسلمين ، يدينون لهذه الحكومة بالطاعة ، واحترام القانون والنظام .
ولئن كانت ثمة بعض قيود لحقوقهم ، فإن سن هذه القيود
لا يرجع إلى عدم التسامح ، ولكنه يرجع إلى روح العصر ذاته .
بيد أن العوامل الدينية لم تكن وحدها مبعث هذا التحامل ، الذي يضطرم به نصارى قرطبة نحو الحكومة الإسلامية ، بل كان للعوامل الاجتماعية أيضاً أثرها في إذكائه .
ذلك أن القسس والمتعصبين كان يحفظهم ويثيرهم ، ما يحيط بالحكم الإسلامي من مظاهر الإعزاز والسؤدد ، وما تبديه الهيئة الحاكمة من مظاهر الأبهة والفخامة ، وماينعم به المجتمع الإسلامي ، من حياة رغدة رفيعة - وهكذا بلغ تعصب النصارى أقصاه في عهد عبد الرحمن الأوسط ، وبدا منذراً بشر العواقب .
ولكن الثورة في قرطبة كانت أمراً عسيراً ، فحاولوا عندئذ أن يبثوا بذور الفتنة الطائفية والفوضى الدينية والاجتماعية ، وأن يحاولوا الاستشهاد بطريق الاشتباك والتحدى .
وعمد القسس والمتعصبون إلى تحقيق غايتهم بوسيلة بسيطة وخطيرة معاً هي : المجاهرة بسب النبي العربي ودينه }
(*عنان . دولة الإسلام في الأندلس العهد الأول ص٢٦٨-٢٧٠)
------------------------------------------------------------------
لقد انتشرت اللغة العربية انتشاراً واسعاً بين الأسبان المعايشين للعرب ، ولم يكن قد مضى على الفتح العربي نصف قرن من الزمن ،
وكانت هناك ازدواجية لغوية عربية ورومانية بين عامة الشعب الأندلسي ، وأصبحت العربية الفصحى لغة الثقافة للاسبانيين ، والى جانبها اللاتينية الفصحى ، وكان مجال استعمالها ضيقاً. وبقيت اللغة العربية الاسبانية حتى القرن السادس عشر الميلادي في اسبانيا.
أي بعد إنهاء الحكم العربي الإسلامي في الأندلس بعد سقوط غرناطة سنة 897 هـ / 1492مـ.
وشيئاً فشيئاً ومن خلال الاحتكاك والتعايش بين مختلف شرائح المجتمع الأندلسي* ، طيلة حكم ثمانية قرون ، توفرّ للأسبان وغيرهم سبل الأخذ عن المسلمين ، بشكل مباشر وغير مباشر.
-------------------
دام حـكـم العـرب المسلميـن لـلأنـدلس مـا يقــارب الثمـانيـة قــرون (92 - 197 هـ /710- 1492مـ) أعطى خلالها الإسلام ثماراً عظيمة في بلاد الأندلس التي شهـدت أهم اندمـاج عرقـي بين الشـرق والغرب ،
وكانت الحضارة يومهـا تشـع من حواضـر الأندلـس ، من قرطبـة واشبيلية وغرناطة وطليطلة وبلنسية وسرقسطة .... الخ ،...
وكانـت قرطبـة فـي عصـر الخـلافـة الأمـويـة (316 – 422 هـ / 928 - 1030مـ) عاصمة الإسلام السياسية الأكثر سطوعاً في ذلك الوقت والأكثر تحضراً في أوربا كما يشير المؤرخ المشهور (رامون منندث بيدال) .
فقد انتشر التعليم في الأندلس انتشاراً عظيماً وظهر العلماء والعباقرة في كل ميدان ، وكثرت المدارس والجامعات وزاد الوعي الثقافي ،
حتى إنه ليروى انه كان في الأندلس أيام الخليفة الحكم المستنصر (350 – 366 هـ /960-976م) سبعون مكتبة عامة تحوي مئات الآلاف من الكتب في مختلف حقول المعرفة الإنسانية ، بالإضافة إلى المكتبات الخاصة ، هذا فضلاً عن مكتبة قرطبة المركزية.
وأصبحت قرطبة يومها قبلة العلماء والطلاب في المشرق والمغرب ،..
وقد كان من أسباب الازدهار العلمي في الأندلس إنها لم تكن في أي وقت من الأوقات بمعزل عما يجري في حواضر العلم العربية الإسلامية الأخرى ، ...
كبغداد ودمشق والقاهرة وفاس ، فقد كانت الصلات الفكرية والعلمية مستمرة بين مختلف اقطار العالم الإسلامي يتنقل بين ربوعها العلماء والطلاب والمؤلفات والمذاهب الفكرية .
--------------------
وبعد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس في العام 422 هـ/ 1030م ، عمت حالة الضعف والتجزئة والانقسام السياسي بقيام دويلات الطوائف ، إلا ان هذا الأمر لم يؤثر سلباً على النشاط العلمي ،
بل على العكس كان موقف العديد من ملوك الطوائف الذين تميزوا بحبهم للعلم ، أن دفعهم إلى التنافس فيما بينهم في رعاية وتنشيط الحركة العلمية واستقطاب العلماء ، وإغداق العطايا عليهم ، حتى غدت بلاطاتهم الملكية عبارة عن منتديات علمية وأدبية ، وكان على رأسهم ملك دولة بني عباد ، المعتمد بن عباد .
وبعد زوال حكم دويلات الطوائف سنة 483 هـ/ 1090 م ، وسيطرة دولة المرابطين ، ومن بعدهم الموحدين سنة 541هـ/1146م على الأندلس لم تتأثر الحركة العلمية بتلك التقلبات السياسية ، بل ازدادت سعة ونشاطاً ،
لاسيما في عصر الدولة الموحديه الذي اتسم بحرية الفكر ، حيث وجه حكام هذه الدولة اهتماماً كبيراً للعلم والثقافة ، فقد كانوا من محبي أهل العلم مقدرين مكانتهم ، وحريصين على جمعهم في بلاطاتهم ، وإكرامهم ،
ولا عجب من ذلك فقد كان البعض من هؤلاء الحكام ، علماء كما وصفتهم كتب التاريخ والتراجم ، ..
كالخليفة عبد المؤمن بن علي الموحدي الذي قيل فيه انه :
( كان عالماً بالجدل فقيهاً في علم الأصول ... مشاركاً في كثير من العلوم الدينية والدنيوية ، إماماً في النحو واللغة ....) .
و المنصور أبو يعقوب يوسف الموحدي الذي وصفه عبد الواحد المراكشي بقوله :
(كان ذا إيثار للعلم شديد التعطش إليه مفرط ... وكان له مشاركة في علم الأدب ، واتساع في حفظ اللغة ، وتبحر في علم النحو ...
ثم طمع به شرف نفسه وعلو همته إلى تعلم الفلسفة ... وبدأ من ذلك بعلم الطب ...
ثم تخطى ذلك إلى ما هو اشرف منه من أنواع الفلسفة ، وأمر بجمع كتبها ، فاجتمع له منها قريب مما اجتمع للحكم المستنصر بالله الأموي) .
---------------------'
وفي ظل هذا الجو نشطت الحركة العلمية في جميع فروع العلوم النقلية منها و العقلية ، وبرز خلال هذا العصر عدد من العلماء ، ذاع صيتهم في أوربا ، وما زال إلى الوقت الحاضر ، كابن طفيل ، وابن رشد ، وابن البيطار .... الخ .
وبعد ان دبّ الضعف في دولة الموحدين في الأندلس لاسيما بعد خسارتها في معركة العقاب سنة 609 هـ/ 1212 م أمام مملكة قشتالة ، التي عدت بداية النهاية لحكم الموحدين في الأندلس ، الذي انتهى سنة 635 هـ /1237مـ ،
وبعد خسارة وسقوط الكثير من حواضر الأندلس بيد الممالك الاسبانية الشمالية ، وانحسار الحكم العربي الإسلامي ، في الجزء الجنوبي الشرقي في ظل حكم دولة بني الأحمر التي قامت على أنقاض دولة الموحدين (635 -897 هـ / 1237-1491م) واتخذت من غرناطة عاصمة لها ،
نشطت الحركة العلمية في غرناطة ، ومدن أخرى كمالقة والميرية ، بسبب هجرة العديد من علماء المعاهد العلمية التي كانت منتشرة في المدن التي سقطت بيد الاسبان ،
هذا فضلاً عن رعاية حكام بني الأحمر للعلم والعلماء ، فقد كان الطب والرياضيات والفلك من العلوم الأساسية التي كانت تدرس في الجامع الأعظم في غرناطة ، وفي مدارس المدن الأخرى.
---------------------
كانت طرق التواصل بين الأندلس وأوربا سهلة ، وتمثلت بصور وأشكال متعددة ، مباشرة وغير مباشرة ، وهي :
أولاً : البعثات الأوربية الشخصية والرسمية :
التي توافدت على مراكز الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس ، فقد حمل العرب المسلمون طيلة فترة مكوثهم في اسبانيا مشعل العلم والحضارة ،
واعتمدت جميع مراكز التعليم في أوربا على قرطبة واشبيلية وطليطلة وغرناطة .. حيث كان الطلاب يشدون الرحال إليها ويقضون السنوات الطوال في الدراسة والتتبع ، والاطلاع على مؤلفات العرب فيها ،
وكان في مقدمة هؤلاء الراهب الفرنسي (جربرت دي اورياك) الذي وفد إلى الأندلس في عصر الخليفة الحكم المستنصر (350-366 هـ / 961 – 976مـ) ، ودرس على أيدي العلماء المسلمين الرياضيات والفلك والكيمياء ،
وحينما عاد إلى وطنه بعد ان بلغ من العلم مبلغا خيّل لعامة فرنسا إذ ذاك انه ساحر .
فقد كان من أوائل المهتمين بالثقافة العربية ، والمضمون التجريبي للعلم ، وقد تمكن فيما بعد بفضل مواهبه العقلية ان يتربع على عرش البابوية في روما تحت اسم سيلفستر الثاني (390 – 394 هـ / 999 – 1003 مـ)
وكان له الدور البارز في نشر علوم العرب في أوربا وهو أول من ادخل التعليم الدنيوي ودافع عنه على أسس تقدمية.
كما وجدت نسخة لاتينية من حكم ابقراط كانت تستخدم في التدريس في مدينة شارتر بفرنسا عام 382 هـ / 991 مـ فعللت هذه الظاهرة بوجود نفوذ عربي مبكر في فرنسا ، لان هذه النسخة كانت عن أصل عربي ، ذلك لان الغرب اللاتيني كان يجهل في هذا العصر جهلاً تاماً كل شيء عن الأصول اليونانية لأعمال اليونان القدماء .
وقد استنتج من قبل بعض المؤرخين المحدثين أن هرمان الكسيح (1013-1054مـ) وهو ابن أمير دالماسيا من أصل سويسري :
قد كتب في الرياضيات والتنجيم عن تأثير الحضارة العربية الأندلسية ، فهذا الأمير لظروفه المرضية لم يزر الأندلس ، إلا انه استفاد من ترجمات لأعمال عربية كالتي وجدت في شارتر أو التي عملت لجربرت ،
واستفاد ثانياً من الطلاب الأوربيين العائدين من الأندلس إلى أوطانهم ، بعد ان انهوا دراستهم في الجامعات العربية ، والذين كانوا يمرون بدير(ريختاو) الذي يقيم به هرمان ويقضون فيه فترة قبل رجوعهم إلى بلادهم ، وعن هؤلاء نقل هرمان كل ما جلبوه من الآلات الفلكية العربية وفي مقدمتها الإسطرلاب .
كما أرسلت إلى الأندلس بعثات ذات طابع رسمي من قبل حكومات بعض الدول الأوربية ، وأخذت هذه البعثات تتوالى على الأندلس بأعداد متزايدة سنة بعد أخرى ، حتى بلغت سنة 312 هـ / 924 مـ ، في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر زهاء سبعمائة طالب وطالبة.
وكانت إحدى هذه البعثات من ألمانيا ، ففي سنة 313 هـ / 925 مـ أرسل ملك ألمانيا اوتو الكبير ، الراهب (جون) إلى قرطبة مبعوثاً إلى الخليفة عبد الرحمن الناصر وأثناء مكوثه فيها لمدة ثلاث سنوات تعلم العلوم والثقافة العربية ، وحمل معه المخطوطات العلمية العربية.
وتوجهت بعثه من فرنسا برئاسة الأميرة (إليزابيث) ابنة خال الملك لويس السادس ملك فرنسا. وبعث فيليب ملك بافاريا إلى الخليفة هشام المؤيد (976-1009 مـ) بكتاب يطلب منه ان يأذن له بإرسال بعثة من بلاده إلى الأندلس للاطلاع على مظاهر التقدم الحضاري فيها والاستفادة منها ، فوافق الخليفة هشام ، وجاءت بعثة هذه الملك برئاسة وزيره المدعو (ويلميين) الذي يسميه العرب وليم الأمين .
وقد تألفت هذه البعثة من (215) طالباً وطالبة وزعوا على جميع معاهد الأندلس لينهلوا من مواردها الثقافية ،
وتذكر الروايات بان ثمانية من أفراد هذه البعثة اعتنقوا الدين الإسلامي ومكثوا في الأندلس ورفضوا العودة إلى بلادهم ، ومن ضمن هؤلاء الثمانية ثلاث فتيات تزوجن بمشاهير من رجال الأندلس في ذلك الوقت ، وأنجبن عدداً من العلماء كان منهم عباس بن مرداس الفلكي .
وسار ملوك آخرون من أوربا على هذا النهج ، فقد أوفد ملك ويلز بعثة برئاسة ابنة اخيه كانت تضم ثمانية عشرة فتاة من بنات الأشراف والأعيان ،
وقد وصلت هذه البعثة مدينة اشبيلية برفقة النبيل (سفيلك) رئيس موظفي القصرفي ويلز الذي حمل رسالة من ملكه إلى الخليفة هشام المعتد بالله الذي خلع عام 422 هـ/ 1030مـ وكان هدف هذه البعثة كما تقول الرسالة:
(فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا ولأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان ...).
وقد استقبل خليفة الأندلس تلك البعثة أحسن استقبال ، ورد على رسالة ملك ويلز ، وقد حظيت هذه البعثة باهتمام رجال الدولة الذين قرروا ان يتم الإنفاق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين .
وفي الوقت نفسه قام بعض ملوك أوربا باستقدام علماء الأندلس لتأسيس المدارس ونشر ألوية العلم والعمران في أوربا ،
ففي خلال القرن الثالث الهجري ، التاسع الميلادي وما بعده وّقعت حكومات هولندة وسكسونيا وانكلترا على عقود مع حوالي تسعين من الأساتذة العرب في الأندلس بمختلف العلوم ،
وقد اختير هؤلاء من بين أشهر العلماء الذين كانوا يحسنون اللغتين الاسبانية واللاتينية إلى جانب اللغة العربية .
ووقعت تلك الحكومات عقوداً أخرى مع حوالي مائتي خبير عربي في مختلف الصناعات ولاسيما إنشاء السفن ، وصناعة النسيج والزجاج والبناء وفنون الزراعة .
ولقد أقام بعض المهندسين العرب اكبر جسر على نهر التايمس في انكلترا عرف باسم (جسر هليشم Helichem) وهذه الكلمة تحريف لكلمة هشام خليفة الأندلس الذي أطلق الانكليز اسمه على هذا الجسر عرفاناً بفضله لأنه أرسل إليهم أولئك المهندسين العرب.
وكذلك كان المهندسون العرب هم الذين شيدوا قباب الكنائس في بافاريا ، ولا تزال توجد بإحدى المدن الألمانية (شتوتغارت) حتى اليوم سقاية ماء تدعى (أميديو Amedeo) وهو تحريف لكلمة (أحمد) المهندس العربي الذي بناها

ورافق حركة الفتوحات الإسلامية استفادة العرب من فلسفة اليونان ، ومن ثقافة الصين والهند ، مع ما عندهم من ملامح فكرية عربية أصيلة ؛
فهضموا هذه الحضارات المختلفة وتولوها بالرعاية والبحث والتصحيح والتهذيب ، وأضافوا إليها الكثير من أفكارهم وابتكاراتهم ، حتى بلغت غاية نضجها واكتمالها ، وتميزت بملامح جديدة ،
و يكفي الحضارة العربية الإسلامية فخراً بأنها لم تكن مقلدة أو تابعة للحضارات التي سبقتها ، بل ان رجالها بحثوا واجتهدوا وابتكروا ، فأضافوا واوجدوا عناصر جديدة دفعت عجلة التطور الحضاري إلى الأمام.

(عندما أصبحت الحضارتان البابلية والمصرية ، اللتان بدأتا الخطوات الأولى في حاجة إلى قوة ابتكاريه جديدة وجدتاه في عبقرية اليونان ،
وعندما انحدر اليونان وتخلفوا وكادت تطمس حضارتهم وتضيع ، وجدت الحضارة العربية ؛
تلك القوة الخلاقة الدافعة التي تناولت المشعل الذي كاد ينطفئ وتخبو ناره ، فأشعلوه من جديد وخطوا به نحو غايات جديدة وأسلموه بدورهم إلى أوربا وهو في أوج اشتعاله وفي قمة نوره).
-------------------
أما المؤرخون و الكتاب في الغرب فإنهم رغم كونهم يحاولون طمس كل المعالم التي تدل على تلقف الغرب لحضارة المسلمين إلا أنهم تفلت منهم بعض العبارات التي تفضح دعاواهم .
▪︎تقول د. زينب عبد العزيز : بينما كان الغرب يغط في غياهب الظلمات والتعتيم ، كانت الحضارة الإسلامية في أوج ذروتها وتحمل في خلفياتها أصداء الحضارات السابقة . وراح الغرب ينهل من علماء المسلمين وعلومهم دون أن يغفل طمس معالم هذا الفيض الإسلامي ، فطمس حتی معالم الأسماء ليصبح أبن رشد : أفيرويس ، وابن سينا : أفيسين ، وابن باجة : أفمياس ، والفارابی : فرابيوس ... حتی اسم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام طمسوه إلى : " ماأوميه"،

▪︎ و يقول الدكتور محمد عبد الله عنان عن المستشرق الأسباني المتعصب سيمونيت بعد بعد أن اتهم زورا مسلمي الأندلس بالتعصب والبربرية ؛ في عهد عبد الرحمن الأوسط (بن الحكم) في القرن التاسع ذاكرا مما قاله سيمونيت :
{ بلغ تزمت البربر (*يقصد المسلمين الوافدين) الوحشي ، وتزمت الإسبان المسلمين (العرب المولدين) الذين اتخذوا الإرتداد عن دينهم سبيلا إلى بلوغ الرخاء وكانوا لكي يمحوا ذكرى أصولهم المسيحية ، أشد تعصباً ضد النصارى من المسلمين أنفسهم . كان هؤلاء وهؤلاء يمعنون في إهانة النصارى و اضطهادهم بشتى المظاهر ،... إلخ .
هكذا يتحدث سيمونيت عن « تعصب » المسلمين ضد رعاياهم وإخوانهم النصاري المعاهدين . ومع ذلك فإن سيمونيت يعترف بأن كثيراً من نصارى قرطبة ، كانوا يخدمون في الجيش الإسلامي جنداً أو ضباطاً ، وأن كثيراً منهم وصل إلى وظائف هامة في البلاط والقصر الملكي ، وفي قصور أكابر المسلمين .
ويصف سيمونيت تأثير المجتمع الإسلامي ، وعظمته ولغته وتقاليده ، في نفوس النصارى في قوله :
و هذا ، وقد كان يأسر الشباب النصراني منظر العظمة المادية والحضارية ، التي تفوقت بها قرطبة المسلمة على قرطبة النصرانية ، وما كانت تقترن به هذه العظمة من المظاهر الأدبية والفنية ، التي بثها عبد الرحمن بحبه للشعر والفلسفة
والموسيقى وكان من مظاهر تأثر الشباب النصراني أنهم كانوا يكتبون ويتكلمون العربية ، محتقرين دراسة اللغة والآداب اللاتينية ، وهو أمر كان شديد الخطر على وطنيتهم ودينهم .
وفى النصف الأول من القرن التاسع ، لم تكن اللغة والآداب العربية فقط ، بل وكذلك الأفكار والتقاليد الإسلامية ، قد انتشرت بين المستعربين الإسبان .
وهذا ما تشير إليه وثيقة هامة كتبها نصراني قرطبی معاصر هو ألبرو القرطبي Alvaro Cordubense في سنة 854 م عنوانها Indicalo Luminoso ، وفيهايصف بقوة وبلاغة ، الذعر الذي أصاب « الأشراف الكرماء البواسل الذين
كانوا يحتفظون بالعاطفة المسيحية والوطنية الإسبانية » * وكيف أن شباناً من النصاري ممتلئون حياة وقوة وفصاحة ، يتقنون اللغة العربية ، ويبحثون بشغف عن الكتب العربية ويدرسونها بعناية ، ويمتدحونها بحماسة ، هذا في حين أنهم
يجهلون جمال الآداب الكنسية ، ثم يبدى ألمه من أن النصارى يجهلون شريعتهم ولغتهم اللاتينية ، وينسون لغتهم القومية .
وهذه التفاصيل التي يقدمها إلينا العلامة سيمونيت عن أحوال المجتمع النصراني في قرطبة ، هي تفاصيل مفيدة قيمة ، ولكنها تنم عن كثير من التحامل ، وتصوروجهة نظر الكنيسة بأسلوب مغرق متزمت . وهي تغضى عن تلك الحقيقة الهامة ، وهي أن النصارى المستعربين وهم من رعايا الحكومة الإسلامية ، ويتمتعون تقريباً بكامل حقوق إخوانهم المسلمين ، يدينون لهذه الحكومة بالطاعة ، واحترام القانون والنظام .
ولئن كانت ثمة بعض قيود لحقوقهم ، فإن سن هذه القيود
لا يرجع إلى عدم التسامح ، ولكنه يرجع إلى روح العصر ذاته .
بيد أن العوامل الدينية لم تكن وحدها مبعث هذا التحامل ، الذي يضطرم به نصارى قرطبة نحو الحكومة الإسلامية ، بل كان للعوامل الاجتماعية أيضاً أثرها في إذكائه .
ذلك أن القسس والمتعصبين كان يحفظهم ويثيرهم ، ما يحيط بالحكم الإسلامي من مظاهر الإعزاز والسؤدد ، وما تبديه الهيئة الحاكمة من مظاهر الأبهة والفخامة ، وماينعم به المجتمع الإسلامي ، من حياة رغدة رفيعة - وهكذا بلغ تعصب النصارى أقصاه في عهد عبد الرحمن الأوسط ، وبدا منذراً بشر العواقب .
ولكن الثورة في قرطبة كانت أمراً عسيراً ، فحاولوا عندئذ أن يبثوا بذور الفتنة الطائفية والفوضى الدينية والاجتماعية ، وأن يحاولوا الاستشهاد بطريق الاشتباك والتحدى .
وعمد القسس والمتعصبون إلى تحقيق غايتهم بوسيلة بسيطة وخطيرة معاً هي : المجاهرة بسب النبي العربي ودينه }
(*عنان . دولة الإسلام في الأندلس العهد الأول ص٢٦٨-٢٧٠)
------------------------------------------------------------------

وكانت هناك ازدواجية لغوية عربية ورومانية بين عامة الشعب الأندلسي ، وأصبحت العربية الفصحى لغة الثقافة للاسبانيين ، والى جانبها اللاتينية الفصحى ، وكان مجال استعمالها ضيقاً. وبقيت اللغة العربية الاسبانية حتى القرن السادس عشر الميلادي في اسبانيا.
أي بعد إنهاء الحكم العربي الإسلامي في الأندلس بعد سقوط غرناطة سنة 897 هـ / 1492مـ.
وشيئاً فشيئاً ومن خلال الاحتكاك والتعايش بين مختلف شرائح المجتمع الأندلسي* ، طيلة حكم ثمانية قرون ، توفرّ للأسبان وغيرهم سبل الأخذ عن المسلمين ، بشكل مباشر وغير مباشر.
-------------------

وكانت الحضارة يومهـا تشـع من حواضـر الأندلـس ، من قرطبـة واشبيلية وغرناطة وطليطلة وبلنسية وسرقسطة .... الخ ،...
وكانـت قرطبـة فـي عصـر الخـلافـة الأمـويـة (316 – 422 هـ / 928 - 1030مـ) عاصمة الإسلام السياسية الأكثر سطوعاً في ذلك الوقت والأكثر تحضراً في أوربا كما يشير المؤرخ المشهور (رامون منندث بيدال) .

حتى إنه ليروى انه كان في الأندلس أيام الخليفة الحكم المستنصر (350 – 366 هـ /960-976م) سبعون مكتبة عامة تحوي مئات الآلاف من الكتب في مختلف حقول المعرفة الإنسانية ، بالإضافة إلى المكتبات الخاصة ، هذا فضلاً عن مكتبة قرطبة المركزية.
وأصبحت قرطبة يومها قبلة العلماء والطلاب في المشرق والمغرب ،..

كبغداد ودمشق والقاهرة وفاس ، فقد كانت الصلات الفكرية والعلمية مستمرة بين مختلف اقطار العالم الإسلامي يتنقل بين ربوعها العلماء والطلاب والمؤلفات والمذاهب الفكرية .
--------------------

بل على العكس كان موقف العديد من ملوك الطوائف الذين تميزوا بحبهم للعلم ، أن دفعهم إلى التنافس فيما بينهم في رعاية وتنشيط الحركة العلمية واستقطاب العلماء ، وإغداق العطايا عليهم ، حتى غدت بلاطاتهم الملكية عبارة عن منتديات علمية وأدبية ، وكان على رأسهم ملك دولة بني عباد ، المعتمد بن عباد .

لاسيما في عصر الدولة الموحديه الذي اتسم بحرية الفكر ، حيث وجه حكام هذه الدولة اهتماماً كبيراً للعلم والثقافة ، فقد كانوا من محبي أهل العلم مقدرين مكانتهم ، وحريصين على جمعهم في بلاطاتهم ، وإكرامهم ،

كالخليفة عبد المؤمن بن علي الموحدي الذي قيل فيه انه :
( كان عالماً بالجدل فقيهاً في علم الأصول ... مشاركاً في كثير من العلوم الدينية والدنيوية ، إماماً في النحو واللغة ....) .
و المنصور أبو يعقوب يوسف الموحدي الذي وصفه عبد الواحد المراكشي بقوله :
(كان ذا إيثار للعلم شديد التعطش إليه مفرط ... وكان له مشاركة في علم الأدب ، واتساع في حفظ اللغة ، وتبحر في علم النحو ...
ثم طمع به شرف نفسه وعلو همته إلى تعلم الفلسفة ... وبدأ من ذلك بعلم الطب ...
ثم تخطى ذلك إلى ما هو اشرف منه من أنواع الفلسفة ، وأمر بجمع كتبها ، فاجتمع له منها قريب مما اجتمع للحكم المستنصر بالله الأموي) .
---------------------'

وبعد ان دبّ الضعف في دولة الموحدين في الأندلس لاسيما بعد خسارتها في معركة العقاب سنة 609 هـ/ 1212 م أمام مملكة قشتالة ، التي عدت بداية النهاية لحكم الموحدين في الأندلس ، الذي انتهى سنة 635 هـ /1237مـ ،
وبعد خسارة وسقوط الكثير من حواضر الأندلس بيد الممالك الاسبانية الشمالية ، وانحسار الحكم العربي الإسلامي ، في الجزء الجنوبي الشرقي في ظل حكم دولة بني الأحمر التي قامت على أنقاض دولة الموحدين (635 -897 هـ / 1237-1491م) واتخذت من غرناطة عاصمة لها ،
نشطت الحركة العلمية في غرناطة ، ومدن أخرى كمالقة والميرية ، بسبب هجرة العديد من علماء المعاهد العلمية التي كانت منتشرة في المدن التي سقطت بيد الاسبان ،
هذا فضلاً عن رعاية حكام بني الأحمر للعلم والعلماء ، فقد كان الطب والرياضيات والفلك من العلوم الأساسية التي كانت تدرس في الجامع الأعظم في غرناطة ، وفي مدارس المدن الأخرى.
---------------------


التي توافدت على مراكز الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس ، فقد حمل العرب المسلمون طيلة فترة مكوثهم في اسبانيا مشعل العلم والحضارة ،
واعتمدت جميع مراكز التعليم في أوربا على قرطبة واشبيلية وطليطلة وغرناطة .. حيث كان الطلاب يشدون الرحال إليها ويقضون السنوات الطوال في الدراسة والتتبع ، والاطلاع على مؤلفات العرب فيها ،

وحينما عاد إلى وطنه بعد ان بلغ من العلم مبلغا خيّل لعامة فرنسا إذ ذاك انه ساحر .
فقد كان من أوائل المهتمين بالثقافة العربية ، والمضمون التجريبي للعلم ، وقد تمكن فيما بعد بفضل مواهبه العقلية ان يتربع على عرش البابوية في روما تحت اسم سيلفستر الثاني (390 – 394 هـ / 999 – 1003 مـ)
وكان له الدور البارز في نشر علوم العرب في أوربا وهو أول من ادخل التعليم الدنيوي ودافع عنه على أسس تقدمية.


قد كتب في الرياضيات والتنجيم عن تأثير الحضارة العربية الأندلسية ، فهذا الأمير لظروفه المرضية لم يزر الأندلس ، إلا انه استفاد من ترجمات لأعمال عربية كالتي وجدت في شارتر أو التي عملت لجربرت ،
واستفاد ثانياً من الطلاب الأوربيين العائدين من الأندلس إلى أوطانهم ، بعد ان انهوا دراستهم في الجامعات العربية ، والذين كانوا يمرون بدير(ريختاو) الذي يقيم به هرمان ويقضون فيه فترة قبل رجوعهم إلى بلادهم ، وعن هؤلاء نقل هرمان كل ما جلبوه من الآلات الفلكية العربية وفي مقدمتها الإسطرلاب .

وكانت إحدى هذه البعثات من ألمانيا ، ففي سنة 313 هـ / 925 مـ أرسل ملك ألمانيا اوتو الكبير ، الراهب (جون) إلى قرطبة مبعوثاً إلى الخليفة عبد الرحمن الناصر وأثناء مكوثه فيها لمدة ثلاث سنوات تعلم العلوم والثقافة العربية ، وحمل معه المخطوطات العلمية العربية.

وقد تألفت هذه البعثة من (215) طالباً وطالبة وزعوا على جميع معاهد الأندلس لينهلوا من مواردها الثقافية ،


وقد وصلت هذه البعثة مدينة اشبيلية برفقة النبيل (سفيلك) رئيس موظفي القصرفي ويلز الذي حمل رسالة من ملكه إلى الخليفة هشام المعتد بالله الذي خلع عام 422 هـ/ 1030مـ وكان هدف هذه البعثة كما تقول الرسالة:
(فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا ولأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان ...).


ففي خلال القرن الثالث الهجري ، التاسع الميلادي وما بعده وّقعت حكومات هولندة وسكسونيا وانكلترا على عقود مع حوالي تسعين من الأساتذة العرب في الأندلس بمختلف العلوم ،
وقد اختير هؤلاء من بين أشهر العلماء الذين كانوا يحسنون اللغتين الاسبانية واللاتينية إلى جانب اللغة العربية .


وكذلك كان المهندسون العرب هم الذين شيدوا قباب الكنائس في بافاريا ، ولا تزال توجد بإحدى المدن الألمانية (شتوتغارت) حتى اليوم سقاية ماء تدعى (أميديو Amedeo) وهو تحريف لكلمة (أحمد) المهندس العربي الذي بناها
اسم الموضوع : حضارة المسلمين في الأندلس سبب نهضة أوروبا
|
المصدر : الحضارة العربية و الاسلامية