سانتقم (تكملة لرواية حياة جديدة )
سانتقم تكملة من رواية حياة جديدة
بعد خمس سنوات من تلك الليلة المروعة التي فقد فيها آدم نور، تغيرت حياته بشكل لا رجعة فيه. كان الآن يقيم في مدينة جديدة، مكان مظلم وخطير، حيث القوانين تُصنع من قبل الأقوياء وليس من قبل السلطات. آدم لم يعد ذلك الرجل الذي كان يسعى إلى العيش في هدوء وسلام. تحول إلى شخص آخر، بملامح جامدة وقلب مليء بالغضب والرغبة في الانتقام.
في إحدى الليالي، بينما كانت الشوارع تغرق في الظلام، خرج آدم في مهمة جديدة لعصابة المدينة. كان مكلفًا بتصفية مجموعة من رجال عصابة منافسة تهدد مصالح العصابة التي ينتمي إليها الآن. تحرك آدم بحذر في الأزقة الضيقة، مسدسه جاهز، وعيناه تراقبان كل حركة. لم يكن هذا الرجل بحاجة إلى أي دليل على براعته؛ كان قاتلاً محترفًا، بلا رحمة.
بعد دقائق من الترقب، بدأ هجومه السريع والفعال. أصوات الطلقات اخترقت السكون، وأصوات سقوط الأجساد كانت دليلاً على انتهاء المهمة بنجاح. لم يكن هناك أي مشاعر تظهر على وجهه، فقط التركيز البارد على الهدف. بعد أن أكمل مهمته، مسح يديه الملطختين بالدماء، وعاد إلى سيارته بهدوء.
عندما وصل إلى مقر العصابة، دخل إلى مكتب الزعيم دون أن ينطق بكلمة. كان الجميع يعلم من هو آدم الآن، وكيف وصل إلى هذه المكانة. لقد أصبح واحدًا من أهم أفراد العصابة، محترف في التخلص من التهديدات التي تواجههم. لم يكن الأمر يقتصر على قتل أفراد العصابات المنافسة فحسب، بل كان آدم هو السلاح الذي يلجأون إليه حينما يصبح الوضع خطيرًا للغاية.
جلوسه في المكتب المظلم بجانب الزعيم كان إشارة إلى مكانته العالية في التنظيم. لم يكن لديه وقت للراحة أو للذكريات. كل ما كان يشغل تفكيره هو تنفيذ المهمة التالية، والمضي قدمًا في خطته النهائية للانتقام.
حياة آدم بعد تلك السنوات أصبحت مرآة للعنف والظلام الذي غرق فيه. كل يوم كان يعيشه محملاً بالموت والدماء، وكل مهمة ينفذها كانت تدفعه أكثر نحو هاوية العزلة. لم يكن هناك أصدقاء، ولا أحاديث عابرة. كانت الكلمات التي ينطق بها قليلة وقاسية، تمامًا مثل العالم الذي يعيش فيه.
يخرج آدم في الصباح الباكر، يتلقى أوامر جديدة من قادة العصابة، ثم ينطلق لتنفيذها دون أي تردد أو رحمة. تتطلب منه هذه المهام مواجهة العصابات الأخرى أو تصفية أشخاص قد يكونون تهديدًا لمصالح عصابته. كان يدخل إلى المباني القذرة، يواجه أشخاصًا يملكون نفس البرودة في أعينهم، لكنهم يسقطون أمامه واحدًا تلو الآخر. بالنسبة لآدم، كل تلك اللحظات كانت بلا معنى. ما يفعله لم يكن يتعلق بالقوة أو المال، بل كان مجرد روتين يومي يكرر نفسه.
ورغم أن وجهه كان متحجرًا وصامتًا طوال الوقت، إلا أن الحزن على نور لم يغادره. كانت الذكريات تتسلل إليه في أوقات غير متوقعة، وخاصة عندما يكون وحيدًا. في كل ليلة يعود إلى بيته الصغير، الذي كان باردًا مثل قلبه، يجلس في الظلام يتأمل الفراغ، تتسلل صورة نور في ذهنه. صورتها وهي تبتسم، وصورتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة بين يديه. كان يراها في كل زاوية، في كل لحظة، لكن دون أن يسمح لنفسه بالبكاء.
لم يكن آدم يحتاج إلى كلمات ليتعامل مع من حوله. كان وجوده وحده كافياً لإثارة الرهبة والاحترام. كان الآخرون يعرفون أن هذا الرجل قد فقد كل شيء، وأنه يعيش الآن على حد السكين، حيث لا يوجد مكان للأصدقاء أو الحوارات الطويلة. كلما أكمل مهمة جديدة، يعود إلى بيته بنفس البرود. لا شيء يتغير، لا شيء يجلب السكينة إلى قلبه المكسور.
كانت حياته الصامتة هذه شكلاً من أشكال العقاب الذاتي. فقد اختار العيش في هذا الظلام لأنه شعر بأنه لا يستحق النور بعد ما حدث.
في يوم عادي آخر في حياة آدم القاتمة، توجه إلى مقر العصابة كالمعتاد. كان المكان مألوفًا له، لكنه لم يشعر بأي انتماء له. كل شيء في حياته كان مجرد مهام روتينية تفتقد إلى المعنى. جلس في مقعده المعتاد، يراقب المكان بعينيه الباردتين، منتظرًا المهمة التالية التي قد تمنحه لحظات من الانفصال عن مشاعره المؤلمة.
دخل المدير عليه فجأة، ووجهه يعكس جدية غير معتادة. قال بنبرة حازمة: "آدم، لدينا مشكلة كبيرة. هناك عصابة من مدينتك القديمة تجهز هجومًا كبيرًا علينا. يحتاجون إلى ردع فوري. المهمة هي القضاء عليهم بالكامل."
أخذ آدم نفسًا عميقًا، لكنه لم يظهر أي ردة فعل خارجية. بالنسبة له، كل المهام كانت متشابهة. قتل وتدمير، كالمعتاد. لكنه كان مستعدًا للمزيد من التفاصيل. تابع المدير كلامه قائلاً: "هذه ليست مجرد مهمة عادية، آدم. إذا أكملت هذه المهمة بنجاح... فأنت حر. لن تكون مجبرًا على العمل معنا بعد اليوم."
توقف قلب آدم لوهلة. الحرية، تلك الكلمة التي لم يكن يعتقد أنها ما زالت تحمل أي معنى له. لكنه شعر بشيء يتحرك داخله، رغبة دفينة كان يحاول تجاهلها منذ سنوات. هذه هي اللحظة التي انتظرها. الفرصة للتخلص من هذه الحياة التي غرق فيها منذ تلك الليلة السوداء. كانت هذه فرصته ليبدأ الانتقام الحقيقي.
ببطء، استعاد وعيه الكامل وبدأت الأفكار تدور في رأسه. المهمة كانت تعني العودة إلى مدينته القديمة، إلى المكان الذي فقد فيه كل شيء. ومع ذلك، كانت هناك رغبة خفية بداخله لرؤية النهاية. نهض من مقعده وأومأ برأسه للمدير. "سأقوم بها."
توجهت الكاميرا مجازيًا إلى العصابة الأخرى، حيث نرى الآن مشهدًا غريبًا. عصابة المدينة القديمة التي كانت تهدد العصابة التي يعمل معها آدم، يقودها شخص مألوف. أحمد. نعم، أحمد، ابنه الذي خان كل شيء. كان يجلس في مكتب فاخر، عيناه الباردتان تعكسان القسوة والدهاء.
نعود بالزمن إلى الماضي، حين كان أحمد يتلاعب بآدم ونور. كل اللقاءات التي جمعتهما كانت جزءًا من خطة محكمة. أحمد لم يكن ضحية عالقًا في شبكة العصابات كما جعلهما يعتقدان، بل كان يستغل آدم للحصول على المعلومات التي يحتاجها للسيطرة على العصابة. كانت تلك الملفات التي جمعوها معًا هي المفتاح.
بتلك المعلومات، تمكن أحمد من التخلص من كل قادة العصابة القديمة واحدًا تلو الآخر. وبهدوء، استولى على السلطة ليصبح زعيمها. في حين أن آدم كان غارقًا في حزنه وانتقامه، كان أحمد يبني إمبراطوريته الخاصة على دماء الآخرين، بمن فيهم والده.
والآن، العصابتان على وشك المواجهة، وآدم دون أن يدري، يقف أمام خيار سيغير كل شيء.
في الأيام التالية، تغير شيء ما في آدم. بدلاً من الخروج لتنفيذ المهام بشكل روتيني ودون تخطيط، بدأ يعمل بطريقة غير معتادة على الإطلاق. جلس وحيدًا في غرفة صغيرة داخل مقر العصابة، محاطًا بالخرائط والمعلومات التي جمعها عن العصابة الأخرى، يخطط بدقة لكل خطوة. هذه المهمة لم تكن مجرد تدمير عصابة أخرى، بل كانت تتعلق بالانتقام، بالحرية، وبإغلاق صفحة مليئة بالخيانة.
المدير وأعضاء العصابة كانوا مندهشين. لم يسبق لهم أن رأوا آدم يأخذ زمام المبادرة بهذه الطريقة، ويضع خططًا محكمة بهذا القدر. بالنسبة لهم، آدم كان مجرد أداة فعالة لتنفيذ المهام، رجل ينفذ دون أسئلة. لكن هذه المرة، بدا وكأنه يتحرك بشيء من العزيمة العميقة، وكأنه يريد التأكد من أن هذه المهمة ستكون الأخيرة.
بعد أن انتهى من وضع خطته، دخل المدير إلى الغرفة وسأله بدهشة: "آدم، كم رجل تحتاج لهذه المهمة؟"
نظر إليه آدم ببرود، وكانت عيناه جامدتين كالجليد، وقال بلهجة هادئة: "أحتاج ان اكون ما انا عليه الان ... لا شيء سواه."
هذه الإجابة أثارت الدهشة في نفوس الجميع. كيف يمكن لرجل واحد أن يخطط لتدمير عصابة بأكملها؟ لكن المدير كان يعرف آدم جيدًا، ويعرف أنه إذا قال شيئًا، فإنه يعنيه بجدية.
أصدر المدير أوامره لأعضاء العصابة، بأن يقدموا لآدم كل ما يحتاجه من أسلحة ومعلومات. الجميع في العصابة احترموا آدم لخبرته وسمعته، لذلك لم يعترضوا على قراره الجريء.
بعد أن جمع كل الأسلحة والمعلومات التي احتاجها، حدد آدم يوم الخميس للتنفيذ. كان يعلم أن أفراد عصابة المدينة القديمة، بمن فيهم أحمد، يجتمعون كل خميس في نهاية الأسبوع للاحتفال بما حققوه. كانت فرصة مثالية لضربهم جميعًا في مكان واحد، وإلحاق الهزيمة بهم في لحظة واحدة.
لم يكن هدف آدم مجرد تدمير العصابة، بل مواجهة ابنه وجهاً لوجه. كان يعلم أن أحمد هو الذي خدعه وخان نور، واستخدمه لتحقيق طموحاته الشخصية. الآن حان الوقت لتسوية الحسابات.
الخطة كانت جاهزة، الأسلحة متوفرة، وكل شيء كان ينتظر لحظة الحسم في يوم الخميس.
حلّ يوم الخميس أخيرًا، يوم المواجهة الذي انتظره آدم لسنوات. استيقظ في الصباح الباكر، جهز أسلحته، وحمل خطة الانتقام الأخيرة في عقله. كان يعرف أن هذا اليوم لن يكون كباقي الأيام، ولن يكون هناك رجوع. إنه يوم الحساب، يوم إسدال الستار على الفصل الأخير من حياته المظلمة.
في الوقت نفسه، كان أحمد، زعيم العصابة، يتلقى معلوماته الخاصة. أخبره أحد رجاله أن عصابة "رينروتكاييف" (عصابة آدم) تخطط لشن هجوم على عصابته يوم السبت، معتقدين أنهم كشفوا مخططاته. أحمد لم يهلع. كان يعتقد أن السبت بعيد، وأنه يملك الوقت الكافي للرد. لم يكن يعلم أن من نقل لهم هذه المعلومات كان هو آدم نفسه، وأن يوم حسابه أقرب مما يتوقع.
في تلك الليلة، كانت حفلة ضخمة تقام في مقر عصابة أحمد. الموسيقى الصاخبة والضجيج يملآن المكان، بينما كان الجميع منشغلين بالاحتفال. تسلل آدم إلى المقر متخفيًا في زي خادم، مرتديًا جلدًا اصطناعيًا يغطي ملامحه الحقيقية. بلا أن يُثير أي شكوك، بدأ في تنفيذ خطته. قام بتفخيخ المكان بالكامل بالمتفجرات، واحدة تلو الأخرى، في الزوايا المخفية والغرف التي يعج فيها أفراد العصابة بالرقص والضحك.
بعد أن أكمل زرع المتفجرات، تقدم نحو أحمد مباشرة. أخبره بهدوء أن هناك أشخاصًا ينتظرونه خارج المقر، يحتاجون إلى التحدث معه. كان أحمد مشغولًا بما يكفي ليتبعه دون تفكير. خرج آدم قبله، وغير ملابسه بسرعة، مستعدًا للمرحلة الأخيرة من خطته.
في الخارج، وقف آدم، ظهره نحو المدخل، ومسدسه جاهز، وجهاز التفجير في يده. عندما خرج أحمد من المقر، لم يتعرف على آدم على الفور. كان كل شيء يبدو طبيعيًا حتى اللحظة التي استدار فيها آدم ببطء.
عندما تقابلت عيناهما، أدرك أحمد من يكون أمامه. حاول بسرعة أن يسحب سلاحه ليطلق النار، لكن آدم كان أسرع. بحركة دقيقة، أطلق رصاصتين أصابتا يدي أحمد، ليسقط مسدسه على الأرض. وقف أحمد مذهولًا ومرعوبًا، لا يصدق ما يحدث.
نظر آدم إلى أحمد ببرود، وأخرج جهاز التفجير بيده، ضاغطًا عليه بلا تردد. انفجر المقر خلفهما، ليبتلع النار والدخان كل ما كان يمثله أحمد: عصابته، رجاله، وكل ما بناه من قوة وخداع. انحنت إمبراطوريته وانهارت أمام عينيه.
أدار أحمد عينيه باتجاه آدم، الذي ألقى مسدسه جانبًا. ببطء، أخرج من جيبه السكين التي استُخدمت لطعن نور، تلك السكين التي حملت كل الألم والذكريات التي عاشها آدم. دون كلمة، أمسك آدم أحمد وطعنه طعنة واحدة قوية، طعنة أنهت كل شيء.
تراجع أحمد وسقط على الأرض، يشاهد دمه ينساب منه وهو يدرك أن النهاية قد جاءت.
بعد أن تأكد من موت أحمد، جلس آدم على الأرض، يفتح قلادة صغيرة كان يحتفظ بها طوال هذه السنوات. داخلها كانت صورة نور، تلك الصورة التي حفظها في قلبه. للمرة الأولى منذ سنوات، انهمرت الدموع من عينيه، بكى بصمت، ناظرًا إلى صورتها.
وهكذا، انتهت رحلته.
بعد خمس سنوات من تلك الليلة المروعة التي فقد فيها آدم نور، تغيرت حياته بشكل لا رجعة فيه. كان الآن يقيم في مدينة جديدة، مكان مظلم وخطير، حيث القوانين تُصنع من قبل الأقوياء وليس من قبل السلطات. آدم لم يعد ذلك الرجل الذي كان يسعى إلى العيش في هدوء وسلام. تحول إلى شخص آخر، بملامح جامدة وقلب مليء بالغضب والرغبة في الانتقام.
في إحدى الليالي، بينما كانت الشوارع تغرق في الظلام، خرج آدم في مهمة جديدة لعصابة المدينة. كان مكلفًا بتصفية مجموعة من رجال عصابة منافسة تهدد مصالح العصابة التي ينتمي إليها الآن. تحرك آدم بحذر في الأزقة الضيقة، مسدسه جاهز، وعيناه تراقبان كل حركة. لم يكن هذا الرجل بحاجة إلى أي دليل على براعته؛ كان قاتلاً محترفًا، بلا رحمة.
بعد دقائق من الترقب، بدأ هجومه السريع والفعال. أصوات الطلقات اخترقت السكون، وأصوات سقوط الأجساد كانت دليلاً على انتهاء المهمة بنجاح. لم يكن هناك أي مشاعر تظهر على وجهه، فقط التركيز البارد على الهدف. بعد أن أكمل مهمته، مسح يديه الملطختين بالدماء، وعاد إلى سيارته بهدوء.
عندما وصل إلى مقر العصابة، دخل إلى مكتب الزعيم دون أن ينطق بكلمة. كان الجميع يعلم من هو آدم الآن، وكيف وصل إلى هذه المكانة. لقد أصبح واحدًا من أهم أفراد العصابة، محترف في التخلص من التهديدات التي تواجههم. لم يكن الأمر يقتصر على قتل أفراد العصابات المنافسة فحسب، بل كان آدم هو السلاح الذي يلجأون إليه حينما يصبح الوضع خطيرًا للغاية.
جلوسه في المكتب المظلم بجانب الزعيم كان إشارة إلى مكانته العالية في التنظيم. لم يكن لديه وقت للراحة أو للذكريات. كل ما كان يشغل تفكيره هو تنفيذ المهمة التالية، والمضي قدمًا في خطته النهائية للانتقام.
حياة آدم بعد تلك السنوات أصبحت مرآة للعنف والظلام الذي غرق فيه. كل يوم كان يعيشه محملاً بالموت والدماء، وكل مهمة ينفذها كانت تدفعه أكثر نحو هاوية العزلة. لم يكن هناك أصدقاء، ولا أحاديث عابرة. كانت الكلمات التي ينطق بها قليلة وقاسية، تمامًا مثل العالم الذي يعيش فيه.
يخرج آدم في الصباح الباكر، يتلقى أوامر جديدة من قادة العصابة، ثم ينطلق لتنفيذها دون أي تردد أو رحمة. تتطلب منه هذه المهام مواجهة العصابات الأخرى أو تصفية أشخاص قد يكونون تهديدًا لمصالح عصابته. كان يدخل إلى المباني القذرة، يواجه أشخاصًا يملكون نفس البرودة في أعينهم، لكنهم يسقطون أمامه واحدًا تلو الآخر. بالنسبة لآدم، كل تلك اللحظات كانت بلا معنى. ما يفعله لم يكن يتعلق بالقوة أو المال، بل كان مجرد روتين يومي يكرر نفسه.
ورغم أن وجهه كان متحجرًا وصامتًا طوال الوقت، إلا أن الحزن على نور لم يغادره. كانت الذكريات تتسلل إليه في أوقات غير متوقعة، وخاصة عندما يكون وحيدًا. في كل ليلة يعود إلى بيته الصغير، الذي كان باردًا مثل قلبه، يجلس في الظلام يتأمل الفراغ، تتسلل صورة نور في ذهنه. صورتها وهي تبتسم، وصورتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة بين يديه. كان يراها في كل زاوية، في كل لحظة، لكن دون أن يسمح لنفسه بالبكاء.
لم يكن آدم يحتاج إلى كلمات ليتعامل مع من حوله. كان وجوده وحده كافياً لإثارة الرهبة والاحترام. كان الآخرون يعرفون أن هذا الرجل قد فقد كل شيء، وأنه يعيش الآن على حد السكين، حيث لا يوجد مكان للأصدقاء أو الحوارات الطويلة. كلما أكمل مهمة جديدة، يعود إلى بيته بنفس البرود. لا شيء يتغير، لا شيء يجلب السكينة إلى قلبه المكسور.
كانت حياته الصامتة هذه شكلاً من أشكال العقاب الذاتي. فقد اختار العيش في هذا الظلام لأنه شعر بأنه لا يستحق النور بعد ما حدث.
في يوم عادي آخر في حياة آدم القاتمة، توجه إلى مقر العصابة كالمعتاد. كان المكان مألوفًا له، لكنه لم يشعر بأي انتماء له. كل شيء في حياته كان مجرد مهام روتينية تفتقد إلى المعنى. جلس في مقعده المعتاد، يراقب المكان بعينيه الباردتين، منتظرًا المهمة التالية التي قد تمنحه لحظات من الانفصال عن مشاعره المؤلمة.
دخل المدير عليه فجأة، ووجهه يعكس جدية غير معتادة. قال بنبرة حازمة: "آدم، لدينا مشكلة كبيرة. هناك عصابة من مدينتك القديمة تجهز هجومًا كبيرًا علينا. يحتاجون إلى ردع فوري. المهمة هي القضاء عليهم بالكامل."
أخذ آدم نفسًا عميقًا، لكنه لم يظهر أي ردة فعل خارجية. بالنسبة له، كل المهام كانت متشابهة. قتل وتدمير، كالمعتاد. لكنه كان مستعدًا للمزيد من التفاصيل. تابع المدير كلامه قائلاً: "هذه ليست مجرد مهمة عادية، آدم. إذا أكملت هذه المهمة بنجاح... فأنت حر. لن تكون مجبرًا على العمل معنا بعد اليوم."
توقف قلب آدم لوهلة. الحرية، تلك الكلمة التي لم يكن يعتقد أنها ما زالت تحمل أي معنى له. لكنه شعر بشيء يتحرك داخله، رغبة دفينة كان يحاول تجاهلها منذ سنوات. هذه هي اللحظة التي انتظرها. الفرصة للتخلص من هذه الحياة التي غرق فيها منذ تلك الليلة السوداء. كانت هذه فرصته ليبدأ الانتقام الحقيقي.
ببطء، استعاد وعيه الكامل وبدأت الأفكار تدور في رأسه. المهمة كانت تعني العودة إلى مدينته القديمة، إلى المكان الذي فقد فيه كل شيء. ومع ذلك، كانت هناك رغبة خفية بداخله لرؤية النهاية. نهض من مقعده وأومأ برأسه للمدير. "سأقوم بها."
توجهت الكاميرا مجازيًا إلى العصابة الأخرى، حيث نرى الآن مشهدًا غريبًا. عصابة المدينة القديمة التي كانت تهدد العصابة التي يعمل معها آدم، يقودها شخص مألوف. أحمد. نعم، أحمد، ابنه الذي خان كل شيء. كان يجلس في مكتب فاخر، عيناه الباردتان تعكسان القسوة والدهاء.
نعود بالزمن إلى الماضي، حين كان أحمد يتلاعب بآدم ونور. كل اللقاءات التي جمعتهما كانت جزءًا من خطة محكمة. أحمد لم يكن ضحية عالقًا في شبكة العصابات كما جعلهما يعتقدان، بل كان يستغل آدم للحصول على المعلومات التي يحتاجها للسيطرة على العصابة. كانت تلك الملفات التي جمعوها معًا هي المفتاح.
بتلك المعلومات، تمكن أحمد من التخلص من كل قادة العصابة القديمة واحدًا تلو الآخر. وبهدوء، استولى على السلطة ليصبح زعيمها. في حين أن آدم كان غارقًا في حزنه وانتقامه، كان أحمد يبني إمبراطوريته الخاصة على دماء الآخرين، بمن فيهم والده.
والآن، العصابتان على وشك المواجهة، وآدم دون أن يدري، يقف أمام خيار سيغير كل شيء.
في الأيام التالية، تغير شيء ما في آدم. بدلاً من الخروج لتنفيذ المهام بشكل روتيني ودون تخطيط، بدأ يعمل بطريقة غير معتادة على الإطلاق. جلس وحيدًا في غرفة صغيرة داخل مقر العصابة، محاطًا بالخرائط والمعلومات التي جمعها عن العصابة الأخرى، يخطط بدقة لكل خطوة. هذه المهمة لم تكن مجرد تدمير عصابة أخرى، بل كانت تتعلق بالانتقام، بالحرية، وبإغلاق صفحة مليئة بالخيانة.
المدير وأعضاء العصابة كانوا مندهشين. لم يسبق لهم أن رأوا آدم يأخذ زمام المبادرة بهذه الطريقة، ويضع خططًا محكمة بهذا القدر. بالنسبة لهم، آدم كان مجرد أداة فعالة لتنفيذ المهام، رجل ينفذ دون أسئلة. لكن هذه المرة، بدا وكأنه يتحرك بشيء من العزيمة العميقة، وكأنه يريد التأكد من أن هذه المهمة ستكون الأخيرة.
بعد أن انتهى من وضع خطته، دخل المدير إلى الغرفة وسأله بدهشة: "آدم، كم رجل تحتاج لهذه المهمة؟"
نظر إليه آدم ببرود، وكانت عيناه جامدتين كالجليد، وقال بلهجة هادئة: "أحتاج ان اكون ما انا عليه الان ... لا شيء سواه."
هذه الإجابة أثارت الدهشة في نفوس الجميع. كيف يمكن لرجل واحد أن يخطط لتدمير عصابة بأكملها؟ لكن المدير كان يعرف آدم جيدًا، ويعرف أنه إذا قال شيئًا، فإنه يعنيه بجدية.
أصدر المدير أوامره لأعضاء العصابة، بأن يقدموا لآدم كل ما يحتاجه من أسلحة ومعلومات. الجميع في العصابة احترموا آدم لخبرته وسمعته، لذلك لم يعترضوا على قراره الجريء.
بعد أن جمع كل الأسلحة والمعلومات التي احتاجها، حدد آدم يوم الخميس للتنفيذ. كان يعلم أن أفراد عصابة المدينة القديمة، بمن فيهم أحمد، يجتمعون كل خميس في نهاية الأسبوع للاحتفال بما حققوه. كانت فرصة مثالية لضربهم جميعًا في مكان واحد، وإلحاق الهزيمة بهم في لحظة واحدة.
لم يكن هدف آدم مجرد تدمير العصابة، بل مواجهة ابنه وجهاً لوجه. كان يعلم أن أحمد هو الذي خدعه وخان نور، واستخدمه لتحقيق طموحاته الشخصية. الآن حان الوقت لتسوية الحسابات.
الخطة كانت جاهزة، الأسلحة متوفرة، وكل شيء كان ينتظر لحظة الحسم في يوم الخميس.
حلّ يوم الخميس أخيرًا، يوم المواجهة الذي انتظره آدم لسنوات. استيقظ في الصباح الباكر، جهز أسلحته، وحمل خطة الانتقام الأخيرة في عقله. كان يعرف أن هذا اليوم لن يكون كباقي الأيام، ولن يكون هناك رجوع. إنه يوم الحساب، يوم إسدال الستار على الفصل الأخير من حياته المظلمة.
في الوقت نفسه، كان أحمد، زعيم العصابة، يتلقى معلوماته الخاصة. أخبره أحد رجاله أن عصابة "رينروتكاييف" (عصابة آدم) تخطط لشن هجوم على عصابته يوم السبت، معتقدين أنهم كشفوا مخططاته. أحمد لم يهلع. كان يعتقد أن السبت بعيد، وأنه يملك الوقت الكافي للرد. لم يكن يعلم أن من نقل لهم هذه المعلومات كان هو آدم نفسه، وأن يوم حسابه أقرب مما يتوقع.
في تلك الليلة، كانت حفلة ضخمة تقام في مقر عصابة أحمد. الموسيقى الصاخبة والضجيج يملآن المكان، بينما كان الجميع منشغلين بالاحتفال. تسلل آدم إلى المقر متخفيًا في زي خادم، مرتديًا جلدًا اصطناعيًا يغطي ملامحه الحقيقية. بلا أن يُثير أي شكوك، بدأ في تنفيذ خطته. قام بتفخيخ المكان بالكامل بالمتفجرات، واحدة تلو الأخرى، في الزوايا المخفية والغرف التي يعج فيها أفراد العصابة بالرقص والضحك.
بعد أن أكمل زرع المتفجرات، تقدم نحو أحمد مباشرة. أخبره بهدوء أن هناك أشخاصًا ينتظرونه خارج المقر، يحتاجون إلى التحدث معه. كان أحمد مشغولًا بما يكفي ليتبعه دون تفكير. خرج آدم قبله، وغير ملابسه بسرعة، مستعدًا للمرحلة الأخيرة من خطته.
في الخارج، وقف آدم، ظهره نحو المدخل، ومسدسه جاهز، وجهاز التفجير في يده. عندما خرج أحمد من المقر، لم يتعرف على آدم على الفور. كان كل شيء يبدو طبيعيًا حتى اللحظة التي استدار فيها آدم ببطء.
عندما تقابلت عيناهما، أدرك أحمد من يكون أمامه. حاول بسرعة أن يسحب سلاحه ليطلق النار، لكن آدم كان أسرع. بحركة دقيقة، أطلق رصاصتين أصابتا يدي أحمد، ليسقط مسدسه على الأرض. وقف أحمد مذهولًا ومرعوبًا، لا يصدق ما يحدث.
نظر آدم إلى أحمد ببرود، وأخرج جهاز التفجير بيده، ضاغطًا عليه بلا تردد. انفجر المقر خلفهما، ليبتلع النار والدخان كل ما كان يمثله أحمد: عصابته، رجاله، وكل ما بناه من قوة وخداع. انحنت إمبراطوريته وانهارت أمام عينيه.
أدار أحمد عينيه باتجاه آدم، الذي ألقى مسدسه جانبًا. ببطء، أخرج من جيبه السكين التي استُخدمت لطعن نور، تلك السكين التي حملت كل الألم والذكريات التي عاشها آدم. دون كلمة، أمسك آدم أحمد وطعنه طعنة واحدة قوية، طعنة أنهت كل شيء.
تراجع أحمد وسقط على الأرض، يشاهد دمه ينساب منه وهو يدرك أن النهاية قد جاءت.
بعد أن تأكد من موت أحمد، جلس آدم على الأرض، يفتح قلادة صغيرة كان يحتفظ بها طوال هذه السنوات. داخلها كانت صورة نور، تلك الصورة التي حفظها في قلبه. للمرة الأولى منذ سنوات، انهمرت الدموع من عينيه، بكى بصمت، ناظرًا إلى صورتها.
وهكذا، انتهت رحلته.
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : سانتقم (تكملة لرواية حياة جديدة )
|
المصدر : روايات بريشة الاعضاء