-
- إنضم
- 23 فبراير 2023
-
- المشاركات
- 50,272
-
- مستوى التفاعل
- 23,973
- مجموع اﻻوسمة
- 25
بين الظلال والأصوات ...الجوري

كان الصباح ينساب ببطء من بين الظلال، متسللاً إلى الغرف المعتمة من خلال الشقوق الرفيعة في الجدران، السماء في الخارج تذوب في بحر رمادي، لا يستطيع أن يقرر إن كان يومًا جديدًا أو استمرارًا للأمس.
في الزاوية، كان هناك صوت غير مرئي، لا يُسمع إلا كأثر يطوف بين الأذان، يردد الكلمات الحائرة التي مرَّت عبر تفكير مرهق.
هناك، في تلك اللحظة الغريبة، كان فقط يراقب العالم في صمت،ذكريات تسحبه إليها ،ذكرى قفزت من بين الجميع،وتشكلت مشهدا،سقوط عن الأرجوحة المعقودة الى شجرة الصفصاف في حديقة جدة،أرجوحة هو عقدها بسن مبكر لم يتجاوز العاشرة ،كسر بذراعه ،ونواحه جعل جده،يكسر كل قوانينه، ليمسك منشاره ويجتث ساعد الصفصافة،ليعم الهدوء والجد يهمس انها تبك الآن لأني أخذت يدها بدل كسر يدك،ليذهب الألم ويحس بالإنتصار،ويبتعد ليذهب جده ويربت على السنديانة، ويهمس لها ويمسح عليها، لم يسمع ولكن يظن أنه كان يحاول إسكات دموعها،غابت الذكرى ليعم الصمت من جديد .
كم مرَّ من الوقت؟ لحظة أم ساعة؟ ليس هناك ما يقوله الآن، فقط الحروف تتراقص أمامه كأطياف معقَّدة، دوخان سيجارته يتطاير أمام عينيه،وذلك الصوت ينبعث من المطبخ، يتسرب من الجدار، أصوات عابرة... أو هي صرخات متواصلة لأشياء لا يمكن أن تُحكى. لا لا، فقط الأصوات العميقة التي تمتص الحياة وتلتهم الكلمات مثل أسنان الليل الحادّة، تلك التي تجعل ذهنه يتعثر بين الضوء والظلام، بين الأسئلة بلا إجابة.
إنه يسير، هو أيضًا، في متاهة تلك الأفكار المبعثرة، لا يمكنه تمييز وجهه بين الوجوه،يخيل اليه أن فنانا قام بطمس الوجوه فما عادت تفسر أو تعرف، يظن أن كل شيء يدور حوله في حلقة لا نهاية لها. ترى... هل سيكون اليوم أفضل؟ هل سيكون هو نفسه؟نفس السؤال والوقفة والدوخان المتطاير كالجنيات حوله.
لكن لا، كان هناك شيء آخر. شيئًا غير ملموس يلتف حول حواف الذاكرة، كما لو كان الظل الذي يرفض الانزياح. كان يسير في الغرفة كما لو كان يستعرض أحداثًا ضبابية، أو ربما يستعرض نفسه في مرآة مشوشة. كانت الكلمات تتساقط من عقله كالقطع المكسورة من مرآة قديمة ،كتلك التي حطمها عند غضبه من والدته عندما قررت الزواج بعد رحيل والده، ثار وحطم ماوصلت له يده وكانت المرآة، لتنطلق الولاويل، وينتهي الأمر بوسم منحوس لسنوات وسنوات، وهذا حسب معتقد ثابت ،تنهيدة طويلة أعادته الى دوامة سؤاله و لكن كيف وكل كلمة تكاد تبتعد عن السياق، كما لو أن الزمن نفسه يرفض أن يبقى ثابتًا. الساعة كانت تتأرجح بين الثواني، لكن عقله، العقل الذي أرهقه الفراغ، لم يكن يستطيع أن يمسك بتلك اللحظات.
حرك يديه، في محاولة لتحريك شيء ما في الفراغ، ربما كي يثبت وجوده.،كان يعرف، في أعماقه، أنه لا شيء سيتغير. فقط تلك الفكرة الغامضة التي تتنقل عبر الزمن، كقطار يسير في عتمة الليل، يعبر محطات دون أن يوقفه أحد.
كان يراقب ذلك، يراقب نفسه وهو يسير في الدائرة التي أوقعها فيه الزمن. "متى، إذًا؟ متى كان الأمر كما يجب أن يكون؟" تساءل، لكن الرد كان دائمًا هو نفسه: "لا وقت هنا، لا شيء يتغير."
وأين كانت هي؟ هل هي هناك، وراء الباب الموارب؟ أم كانت قد ابتلعتها الأيام، أو حتى المسافات بين الكلمات؟ ظل يتساءل وهو يمشي عبر تلك الغرفة الضيقة، التي بدت كما لو أنها تكبر مع كل خطوة. كانت الجدران تتقارب أكثر، وكان الهواء أكثر كثافة، كأن الأثقال التي لم تُحمل من قبل كانت تجثم على صدره.
كانت هناك لحظة قصيرة، ربما فقط جزء من ثانية، حيث شعر بشيء يلمس قلبه. هل هو الأمل؟ أم هو مجرد وهْم آخر، ينبثق كفقاعة في بحر من الشكوك؟
فجأة، كما لو أن الزمن نفسه قد تحطم، تدفق شعور غريب في داخله، هو الآن يعلم، بطريقة ما، أنه لا وجود للخطوط المستقيمة في هذا العالم.
لا شيء يسير حسب الخطة، لا شيء يُرى كما هو، ولا حتى هو نفسه،إدراك مفاجئ أقعده على كرسيه وجعل رأسه ينحني بين كفيه، تمسيدة لجبينه فالإدراك كان أكبر من استيعابه خلال دقائق.
وفي تلك اللحظة، كانت الأصوات تتداخل كأنها شظايا معركة قديمة، كان يجلس يمسد ويغمض عينيه ويفتحها ،لكن جسده بلا حراك، أمام النافذة التي تقبع خلفها العتمة، تلك العتمة التي تلتهم كل شيء وتعيد تشكيله في صورة غريبة. كان يشعر، بشكل لا يصدق، أنه يقترب من شيء ما، شيئًا ما يعجز عن تسميته، لكنه في الوقت ذاته كالضوء، نفس شعوره حين فارق جده الحياة ووضع بالكنيسة ليودعه الأصدقاء والأهل ،كلمات كثيرة عنه كانت تتبعثر كقطع الدينامو أمامه بلا فهم وعندما تكلم كانت عيناه جامدة بلا دمع فقط إن جدي يريد أن يرتاح ضوضاؤكم تؤرقة،هدوء عم المكان بلحظتها وإحساس بالإنتصار لجده.
آه، كان يجب أن يفهم، كل شيء هنا كان مجرد تكرار لا نهائي، كان كل شيء يتكرر كما تتكرر الحروف في الجملة التي لا نهاية لها، كما تتكرر الوجوه في الحشد الذي يمر أمامه دون أن يترك أثرًا،ادراك متأخر.
كان يرى نفسه في مرآة زائفة، كان يرى الحياة كما لو أنها مجموعة من الصور المتناقضة، لا تكتمل أبدًا ولا تتحقق. "هل هذا هو الوقت الذي كنت أنتظره؟" تساءل بصوت غير مسموع، وابتسم بحزن. كان يعتقد أنه قادر على فهم اللحظة، ولكنها أفلتت، كما يفلت الحلم عندما يستفيق منه المرء في لحظة عابرة،كانت لديه أمنية أن يعيش دقائق تالية للدقيقة التي هو بها.
خطوات خلفه كأنه سمعها ، همسات تنساب في المكان، كان يعرف أنها هناك، لكنه لم يكن يراها، كانت هي مثل ظل، تتسلل عبر الغرف، تتنقل بين الزمان والمكان، وكانت تعيش أيضًا في قلبه، في أعماق أفكاره. كانت هي تلك المسافة التي تتسع بين الكلمات، بين الأحلام، بين الذكريات التي لا تموت، ولكنها تتغير كل يوم.
هل هو معلق بين لحظتين؟ بين الآن الذي يفر منه، والماضي الذي لا يتركه؟ "أليس هذا هو المسار الذي اخترته؟" كانت الأصوات تتداخل في ذهنه، تتساقط مثل المطر الذي لا يتوقف، يغرق الأرض ويتركها رطبة لكنها جافة في ذات الوقت. ثم جاء الصوت الآخر، الصوت الذي لا يمكن تجاهله، الصوت الذي لا يفهمه ولكنه يشعر به. "نعم، هنا... هنا ستجد نفسك."لينهض يرتب ثيابه يحمل علبة سجائره ويغادر الغرفة التي يتحصن بها كلما أحس بالضياع.
بقلمي ....الجوري
في الزاوية، كان هناك صوت غير مرئي، لا يُسمع إلا كأثر يطوف بين الأذان، يردد الكلمات الحائرة التي مرَّت عبر تفكير مرهق.
هناك، في تلك اللحظة الغريبة، كان فقط يراقب العالم في صمت،ذكريات تسحبه إليها ،ذكرى قفزت من بين الجميع،وتشكلت مشهدا،سقوط عن الأرجوحة المعقودة الى شجرة الصفصاف في حديقة جدة،أرجوحة هو عقدها بسن مبكر لم يتجاوز العاشرة ،كسر بذراعه ،ونواحه جعل جده،يكسر كل قوانينه، ليمسك منشاره ويجتث ساعد الصفصافة،ليعم الهدوء والجد يهمس انها تبك الآن لأني أخذت يدها بدل كسر يدك،ليذهب الألم ويحس بالإنتصار،ويبتعد ليذهب جده ويربت على السنديانة، ويهمس لها ويمسح عليها، لم يسمع ولكن يظن أنه كان يحاول إسكات دموعها،غابت الذكرى ليعم الصمت من جديد .
كم مرَّ من الوقت؟ لحظة أم ساعة؟ ليس هناك ما يقوله الآن، فقط الحروف تتراقص أمامه كأطياف معقَّدة، دوخان سيجارته يتطاير أمام عينيه،وذلك الصوت ينبعث من المطبخ، يتسرب من الجدار، أصوات عابرة... أو هي صرخات متواصلة لأشياء لا يمكن أن تُحكى. لا لا، فقط الأصوات العميقة التي تمتص الحياة وتلتهم الكلمات مثل أسنان الليل الحادّة، تلك التي تجعل ذهنه يتعثر بين الضوء والظلام، بين الأسئلة بلا إجابة.
إنه يسير، هو أيضًا، في متاهة تلك الأفكار المبعثرة، لا يمكنه تمييز وجهه بين الوجوه،يخيل اليه أن فنانا قام بطمس الوجوه فما عادت تفسر أو تعرف، يظن أن كل شيء يدور حوله في حلقة لا نهاية لها. ترى... هل سيكون اليوم أفضل؟ هل سيكون هو نفسه؟نفس السؤال والوقفة والدوخان المتطاير كالجنيات حوله.
لكن لا، كان هناك شيء آخر. شيئًا غير ملموس يلتف حول حواف الذاكرة، كما لو كان الظل الذي يرفض الانزياح. كان يسير في الغرفة كما لو كان يستعرض أحداثًا ضبابية، أو ربما يستعرض نفسه في مرآة مشوشة. كانت الكلمات تتساقط من عقله كالقطع المكسورة من مرآة قديمة ،كتلك التي حطمها عند غضبه من والدته عندما قررت الزواج بعد رحيل والده، ثار وحطم ماوصلت له يده وكانت المرآة، لتنطلق الولاويل، وينتهي الأمر بوسم منحوس لسنوات وسنوات، وهذا حسب معتقد ثابت ،تنهيدة طويلة أعادته الى دوامة سؤاله و لكن كيف وكل كلمة تكاد تبتعد عن السياق، كما لو أن الزمن نفسه يرفض أن يبقى ثابتًا. الساعة كانت تتأرجح بين الثواني، لكن عقله، العقل الذي أرهقه الفراغ، لم يكن يستطيع أن يمسك بتلك اللحظات.
حرك يديه، في محاولة لتحريك شيء ما في الفراغ، ربما كي يثبت وجوده.،كان يعرف، في أعماقه، أنه لا شيء سيتغير. فقط تلك الفكرة الغامضة التي تتنقل عبر الزمن، كقطار يسير في عتمة الليل، يعبر محطات دون أن يوقفه أحد.
كان يراقب ذلك، يراقب نفسه وهو يسير في الدائرة التي أوقعها فيه الزمن. "متى، إذًا؟ متى كان الأمر كما يجب أن يكون؟" تساءل، لكن الرد كان دائمًا هو نفسه: "لا وقت هنا، لا شيء يتغير."
وأين كانت هي؟ هل هي هناك، وراء الباب الموارب؟ أم كانت قد ابتلعتها الأيام، أو حتى المسافات بين الكلمات؟ ظل يتساءل وهو يمشي عبر تلك الغرفة الضيقة، التي بدت كما لو أنها تكبر مع كل خطوة. كانت الجدران تتقارب أكثر، وكان الهواء أكثر كثافة، كأن الأثقال التي لم تُحمل من قبل كانت تجثم على صدره.
كانت هناك لحظة قصيرة، ربما فقط جزء من ثانية، حيث شعر بشيء يلمس قلبه. هل هو الأمل؟ أم هو مجرد وهْم آخر، ينبثق كفقاعة في بحر من الشكوك؟
فجأة، كما لو أن الزمن نفسه قد تحطم، تدفق شعور غريب في داخله، هو الآن يعلم، بطريقة ما، أنه لا وجود للخطوط المستقيمة في هذا العالم.
لا شيء يسير حسب الخطة، لا شيء يُرى كما هو، ولا حتى هو نفسه،إدراك مفاجئ أقعده على كرسيه وجعل رأسه ينحني بين كفيه، تمسيدة لجبينه فالإدراك كان أكبر من استيعابه خلال دقائق.
وفي تلك اللحظة، كانت الأصوات تتداخل كأنها شظايا معركة قديمة، كان يجلس يمسد ويغمض عينيه ويفتحها ،لكن جسده بلا حراك، أمام النافذة التي تقبع خلفها العتمة، تلك العتمة التي تلتهم كل شيء وتعيد تشكيله في صورة غريبة. كان يشعر، بشكل لا يصدق، أنه يقترب من شيء ما، شيئًا ما يعجز عن تسميته، لكنه في الوقت ذاته كالضوء، نفس شعوره حين فارق جده الحياة ووضع بالكنيسة ليودعه الأصدقاء والأهل ،كلمات كثيرة عنه كانت تتبعثر كقطع الدينامو أمامه بلا فهم وعندما تكلم كانت عيناه جامدة بلا دمع فقط إن جدي يريد أن يرتاح ضوضاؤكم تؤرقة،هدوء عم المكان بلحظتها وإحساس بالإنتصار لجده.
آه، كان يجب أن يفهم، كل شيء هنا كان مجرد تكرار لا نهائي، كان كل شيء يتكرر كما تتكرر الحروف في الجملة التي لا نهاية لها، كما تتكرر الوجوه في الحشد الذي يمر أمامه دون أن يترك أثرًا،ادراك متأخر.
كان يرى نفسه في مرآة زائفة، كان يرى الحياة كما لو أنها مجموعة من الصور المتناقضة، لا تكتمل أبدًا ولا تتحقق. "هل هذا هو الوقت الذي كنت أنتظره؟" تساءل بصوت غير مسموع، وابتسم بحزن. كان يعتقد أنه قادر على فهم اللحظة، ولكنها أفلتت، كما يفلت الحلم عندما يستفيق منه المرء في لحظة عابرة،كانت لديه أمنية أن يعيش دقائق تالية للدقيقة التي هو بها.
خطوات خلفه كأنه سمعها ، همسات تنساب في المكان، كان يعرف أنها هناك، لكنه لم يكن يراها، كانت هي مثل ظل، تتسلل عبر الغرف، تتنقل بين الزمان والمكان، وكانت تعيش أيضًا في قلبه، في أعماق أفكاره. كانت هي تلك المسافة التي تتسع بين الكلمات، بين الأحلام، بين الذكريات التي لا تموت، ولكنها تتغير كل يوم.
هل هو معلق بين لحظتين؟ بين الآن الذي يفر منه، والماضي الذي لا يتركه؟ "أليس هذا هو المسار الذي اخترته؟" كانت الأصوات تتداخل في ذهنه، تتساقط مثل المطر الذي لا يتوقف، يغرق الأرض ويتركها رطبة لكنها جافة في ذات الوقت. ثم جاء الصوت الآخر، الصوت الذي لا يمكن تجاهله، الصوت الذي لا يفهمه ولكنه يشعر به. "نعم، هنا... هنا ستجد نفسك."لينهض يرتب ثيابه يحمل علبة سجائره ويغادر الغرفة التي يتحصن بها كلما أحس بالضياع.
بقلمي ....الجوري
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : بين الظلال والأصوات ...الجوري
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء