-
- إنضم
- 23 فبراير 2023
-
- المشاركات
- 56,416
-
- مستوى التفاعل
- 25,193
- مجموع اﻻوسمة
- 26
بيطاس..... فعالية التأسيس ....الأدب الخيالي
لم تكن تعلم، وهي تختاره من بين حلي قديمة على طاولة في سوق شعبي، أن ذلك السوار النحاسي الغريب الشكل سيغير حياتها. كانت تظنه زينة عابرة، مجرد حلقة تلمع تحت ضوء الغروب، لكنه ما لبث أن التصق بمعصمها كما لو أنه وُلد هناك، كما لو أن معصمها خُلق لينغلق عليه.
الفتاة، طالبة جامعية في سنتها الأخيرة، لم تكن تؤمن بالخرافات. كانت تدرس العلوم، وتعيش في مدينة تعج بالضجيج والامتحانات والحب المتسرّب من بين الأصابع. لكنّ السوار، الذي لم تفهم لماذا شعرت تجاهه بذلك الانجذاب المبهم، بدأ يرافقها كما يرافق الظل صاحبه. لم تكن تعرف أنه روح، لا معدن. ولا كان يخطر لها أن هناك أميرًا مجنّحًا من عالم آخر، مسجونًا داخل هذا الشكل الدائري الذي لا ينكسر.
بيطاس — اسمه ظهر لها في الحلم أولًا، نطقت به شفتاها وهي تغفو على مكتبتها ذات مساء، ولم تدرك أن الاسم محفور في أعماقها كما تُنقش الوصايا.
في الأزمنة القديمة، في عالم يحكمه الهواء والضوء، كان بيطاس أميرًا، قلبه أخطأ حين أحب فتاة من الأرض. خالف قوانين السماء، فحُكم عليه بالتحول إلى سوار، لا يتحرر إلا إذا أحبته فتاة دون أن تعرف حقيقته، ووقفت لحمايته لا بدافع المعرفة، بل من القلب وحده.
لسنوات بقي على معصمها، يشهد أيامها، أحلامها، جروحها الصغيرة التي لا يلاحظها أحد، لكنّ السحر لا يكتمل في صمت.
في يوم لا يشبه الأيام، امتدت يد امرأة حاقدة، تملك من العلم القديم ما يكفي لتعرف قيمة هذا السوار. سرقته منها في لحظة غدر، والفتاة شعرت وكأن أحدًا اقتلع قلبها دون أن يلمسه.
بدأت رحلتها لاستعادته، عبر شوارع خافتة، وممرات لا تعرفها إلا الأرواح التائهة. سقطت، بكت، خافت، لكنها تابعت. حتى وصلت إلى تلك المرأة، ووجدت السوار بين يديها، خامدًا، وكأنه حجر بلا روح.
عندما استرجعته، أغلق على معصمها من جديد — هذه المرة بقوة. لم يكن مجرد زينة بعد الآن، كان يصرخ بالذاكرة والاشتياق. أدركت المرأة الحاقدة أن بيطاس اختار، وأنها لن تأخذه ثانيةً، إلا إن اقتطعت يد الفتاة.
رفعت السكين. لحظة حادة كأنها شقّ في نسيج الزمن. كل شيء تجمّد.
ثم حدث ما لا ترويه الكتب.
تفجّر السوار بضوء ذهبي، كأن فجرًا جديدًا يُولد، وخرج منه رجل — بجناحين واسعين كأنهما امتداد للسماء، بوجه يشبه الحنين. عينا بيطاس كانتا أول ما رآته وهي تغيب في غيبوبة الخوف، لكنه احتواها بذراعيه، ومسح عنها أثر الخطر كما تُمسح دمعة من خدّ نائم.
قال لها بصوته العميق المرهف:
"حين أحببتني، كسرتِ اللعنة. وحين حميتني، منحتني جسدي."
السكين سقطت.
الحاقدة اختفت كما تختفي الظلال في الضوء.
والمدينة تنفّست، كما لو أن شيئًا ثقيلًا زال عنها.
منذ ذلك اليوم، لم تعد الفتاة تلك الفتاة، ولا بيطاس ذاك الأسير. صارا جسدين يشتركان في حكاية واحدة، عاشا في بيت صغير تغزوه النباتات من النوافذ، يكتبان فيها فصول الأيام بهدوء.
وفي كل ليلة، كانت تخلع ساعتها، وتنظر إلى معصمها العاري — لا حزينة، بل ممتنة — لأنّ الذكرى لا تحتاج إلى شكل.
كان يكفيها أن تنظر إلى عينيه، وترى فيهما الضوء الذي أنقذها ذات مرة، حين أحبّت، دون أن تعرف… أنها كانت تحبّ أميرًا مجنّحًا.
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : بيطاس..... فعالية التأسيس ....الأدب الخيالي
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء