تواصل معنا

كعلبة سردين، صغيرة، مغلقة بإحكام، مغلفة بالبراءة الكاذبة التي تخفي ما تحت السطح من فسادٍ صامت، كنا نظنها ملاذًا، نجاةً مؤقتة من جوعٍ لا علاقة له بالطعام، بل...

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
62,083
مستوى التفاعل
25,580
مجموع اﻻوسمة
26
الفساد يبدأ بالطمأنينة....
كعلبة سردين، صغيرة، مغلقة بإحكام، مغلفة بالبراءة الكاذبة التي تخفي ما تحت السطح من فسادٍ صامت، كنا نظنها ملاذًا، نجاةً مؤقتة من جوعٍ لا علاقة له بالطعام، بل بذلك الفراغ الذي يتكوّر فيه الإنسان كجنينٍ في رحم العدم. كانت العلبة هناك، لامعة، جاهزة، تحمل وعدًا سهلاً في زمنٍ معقّد. أكلناها. وفتحنا بابًا لا رجعة منه.

في الفم، لم تكن كما توقّعنا. لم تكن لذيدة، لم تكن حتى محتملة. كانت مريرة كخيبةٍ لا صوت لها، تشبه الطعم المعدني للندم، تشبه الوطن حين يذوب تحت اللسان، لا لأنك تكرهه، بل لأنك ظننت أنه يُؤكل دون أثر جانبي. كنا نظن أن ما يُغلق بإحكام لا يفسد، أن الغلاف يحمي، أن التوقّعات تكفي لحماية الجسد من صدمة الطعم.

لكن الغثيان لم يكن في الأمعاء. لا، لم يكن كذلك.
الغثيان استقرّ في القلب. في الإدراك. في تلك المنطقة الرمادية حيث تتكدّس البديهيات المتعفّنة، حيث نخزّن أوهامنا في علبٍ محكمة الإغلاق، ونكتب عليها: "صالح للاستعمال الإنساني".

تمامًا كما دخل إيزاناغي إلى أعماق يوميو ليعيد إيزانامي من الموت، وهو يظن أنها ما تزال كما كانت: طاهرة، جميلة، مغلقة على نورها القديم، فإذا به يراها وقد تعفّنت، وقد خرجت منها الأرواح النتنة... كذلك نحن، نفتح ذواتًا حسبناها مأوى، فإذا بها قبور، نضيء شمعة الأمل داخلنا لنرى وجه الحقيقة المتحلّلة.

العلبة ليست مجرد علبة. العلبة هي ذاتنا حين نكتم تناقضاتنا، نضغط على مشكلاتنا، نغلق على أحلامنا المهشّمة، ثم ننسى أن ما يُخزّن طويلاً يفسد، حتى وإن لم يُفتح. الفساد لا يحتاج إلى هواء، أحيانًا يكفيه الوقت.

وحين فُتح الغطاء، لم يخرج منه مجرد دخان فاسد. خرجت رائحة عمر بأكمله:
العلاقات التي بقينا فيها لأننا خفنا، الأفكار التي آمنّا بها لأن التصديق أيسر من التفكير، الانتماءات التي حملناها كأعلام، ثم اكتشفنا أنها كانت أكفانًا.

هل الفساد كان في العلبة؟
أم فينا، نحن الذين اخترنا ألا نشم؟ الذين صدّقنا الغلاف؟ الذين قالوا لأنفسهم: "هذا الطعم السيئ... طبيعي"؟

العلبة كانت فاسدة، نعم، لكننا نحن من أكلناها بكامل إرادتنا.
وهنا، في منتصف الغثيان، في صمت ما بعد الطعمة الأولى، تكتشف أن العطب لا يكمن في الفعل، بل في الثقة. في غياب الحذر. في الاعتياد.

وهكذا هو الإنسان: كعلبة سردين. مغلق في ذاته، يظن نفسه صالحًا لمجرّد أن أحدًا لم يفتح غطاءه بعد. لكن الداخل شيء آخر. الداخل مزيج من الملح والخوف، من الأمل الذي تخمّر بصمت حتى فسد. والاختبار لا يكون في الفساد، بل في الاعتراف به. في مواجهته. في أن تفتح غطاءك ذات يوم، وتشمّ، وتقول: "كفى."

في النهاية، لم نأكل سردينًا مفسدًا فحسب.
أكلنا أنفسنا ونحن نكذب أننا لا نعرف الطعم.
أكلنا الوعد المعلّب، الذاكرة المغلّفة، والأمل المؤجل على رفّ المعنى.
والآن، وقد انفتح الغطاء، لم يبقَ سوى سؤال واحد يطفو على سطح الزيت:
كم من العلب ما زلنا نخزّنها فينا، ونسمّيها: نجاة؟
 

رااشد

الصبر طيب شهب الغابة المضيئ 💎
مستشار الادارة
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
83,919
مستوى التفاعل
15,112
مجموع اﻻوسمة
12
الفساد يبدأ بالطمأنينة....
كلام جميييل جوربه
سلمت يدااااك
لاخلا ولاعدم
 
التعديل الأخير:
Comment

العميد

العميد
عضو مميز
إنضم
14 فبراير 2022
المشاركات
6,188
مستوى التفاعل
479
الإقامة
يمن الشموخ
مجموع اﻻوسمة
1
الفساد يبدأ بالطمأنينة....
كلام عميق ومليان صدق يوجع فعلا الفساد ما يجي فجأه هو يبدأ لحظه نطمن فيها ونكذب على انفسنا ونقول عادي الطعم كذا تعودنا عليه الصدق اننا خسرنا كثير لاننا ما فتحنا الغطاء من بدري بس يمكن الوقت الان مناسب نقول كفى ونبدأ نواجه وننظف دواخلنا قبل لا نتحول لعُلب ثانيه نخبّي فيها اوجاعنا باسم النجاة
 
Comment

وعـــد 🎵

مشرفة قسم الاصدقاء كافيه والخواطر
الاشراف
إنضم
3 فبراير 2023
المشاركات
28,006
مستوى التفاعل
17,813
الإقامة
بين الغيوم 🤍✨
مجموع اﻻوسمة
7
الفساد يبدأ بالطمأنينة....
يا لها من علبة صغيرة،
ويا لها من كتابة عظيمة.

كل سطر في خاطرتك كان كأنه سكين
تفتح به ما اعتقدناه “مغلقًا بإحكام”،

لكن ي له من خراب حين نعيه،
وما أقسى الصدق حين يُلبس الكلمات جلد الحقيقة.


الاستعارة ما كانت فقط ذكية،
كانت شُجاعة، جريئة، مؤلمة بطريقتها الجميلة،


كأنك قلت لنا: “أنتم تعرفون الطعم… فقط اخترتم أن تبتلعوه بصمت.”



أحببت كيف تحول السردين من مجرد مادة إلى كائن رمزي،
عن النفس، والعلاقات، والوهم، والأمل المتعفن،
كلها كانت مطويّة في العلبة، لكنك فتحتها بشجاعة القارئ الذي لا يخاف الرائحة.



أما ذكر إيزانامي وإيزاناغي،
فكان مثل ضوء كشاف داخل قبر،
لحظة الانكشاف كانت خرافية…
ورمزية جدًا، مدهشة جدًا، من النوع اللي يرسخ في ذهن القارئ.


في النهاية…
لم تكن خاطرة، كانت عملية تشريح هادئة لذات بشرية خافت أن تواجه نفسها.
وأنا… قرأتها كما تقرأ امرأة تاريخها على ورقة تحليل

نصّك ليس مجرد كتابة، بل صفعة ناعمة توقظنا من وهم العلب المغلقة. دمتِ بهذا العمق، وهذا النقاء الحاد 🤍🤍
 
Comment

Lionheart

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
28 يناير 2022
المشاركات
8,348
مستوى التفاعل
2,101
مجموع اﻻوسمة
5
الفساد يبدأ بالطمأنينة....
Picsart_25-06-27_13-02-27-883.png


ظننتُ أنّ الغِلاف يحمي الجوهر
فإذا التناقضُ في العُمقِ اختبأْ
وحفظتُ الوجه عن عيونِ ألناس
لكنَّ القلب بالمرارةِ قد امتلأْ
وان فتحت العلبة ستدرك حتما
أن الاكل وهْمٌ وفي برودتِهِ هدأ

سيدتي الجوري

نصُّكِ ليس مجرد قطعة أدبية
بل كشفٌ وجوديّ مكتوب بزيت الحقيقة وسكّين الإدراك
كل سطرٍ فيه يشبه فتحَ علبةٍ من الذات .....
مليئةٍ بالوهم
بالأمل المعلّب
بالسكوت الذي تعفّن
وبمرارة الطَعم
حين نتذوّق أنفسنا
بعد طول إنكار ...

سيدتي

كلماتكِ لا تُقرأ
بل تُشمّ
أو تُذاق
وتترك الغثيان الجميل
ذاك الغثيان الذي
لا يحدث في البطن
بل في الوعي

جمعتِ في سطوركِ
فلسفة إيزاناغي ويوميو
وخذلان الغلاف
وعتمة الداخل
وسؤال الإنسان الأزلي؟؟؟؟؟
هل المشكلة في العلبة أم في الجائع؟

لو كنتِ أمامي لقلت
أنتِ لا تكتبين
أنتِ تفتحين
العُلب المغلقة داخلنا
ولا شيء أكثر شجاعة من ذلك ....


دمتِ متالقة

تحياتي
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
1 Comment
الجوري
الجوري commented
رد رائع
يختم ولك عظيم الامتنان
 

اسكادا

ملكة الأسطبل - مشرف الاقسام الادبية-المقهى الأدبي
الاشراف
إنضم
19 مارس 2025
المشاركات
11,292
مستوى التفاعل
1,690
الإقامة
Riyadh
مجموع اﻻوسمة
6
الفساد يبدأ بالطمأنينة....
مرور اول..
لي عودة بالليل يا الجوري @الجوري 🌹
 
Comment

المســــافررر

نــزاري الحــرف
إنضم
15 يونيو 2021
المشاركات
3,245
مستوى التفاعل
2,947
الإقامة
القاهرة
مجموع اﻻوسمة
8
الفساد يبدأ بالطمأنينة....
كعلبة سردين، صغيرة، مغلقة بإحكام، مغلفة بالبراءة الكاذبة التي تخفي ما تحت السطح من فسادٍ صامت، كنا نظنها ملاذًا، نجاةً مؤقتة من جوعٍ لا علاقة له بالطعام، بل بذلك الفراغ الذي يتكوّر فيه الإنسان كجنينٍ في رحم العدم. كانت العلبة هناك، لامعة، جاهزة، تحمل وعدًا سهلاً في زمنٍ معقّد. أكلناها. وفتحنا بابًا لا رجعة منه.

في الفم، لم تكن كما توقّعنا. لم تكن لذيدة، لم تكن حتى محتملة. كانت مريرة كخيبةٍ لا صوت لها، تشبه الطعم المعدني للندم، تشبه الوطن حين يذوب تحت اللسان، لا لأنك تكرهه، بل لأنك ظننت أنه يُؤكل دون أثر جانبي. كنا نظن أن ما يُغلق بإحكام لا يفسد، أن الغلاف يحمي، أن التوقّعات تكفي لحماية الجسد من صدمة الطعم.

لكن الغثيان لم يكن في الأمعاء. لا، لم يكن كذلك.
الغثيان استقرّ في القلب. في الإدراك. في تلك المنطقة الرمادية حيث تتكدّس البديهيات المتعفّنة، حيث نخزّن أوهامنا في علبٍ محكمة الإغلاق، ونكتب عليها: "صالح للاستعمال الإنساني".

تمامًا كما دخل إيزاناغي إلى أعماق يوميو ليعيد إيزانامي من الموت، وهو يظن أنها ما تزال كما كانت: طاهرة، جميلة، مغلقة على نورها القديم، فإذا به يراها وقد تعفّنت، وقد خرجت منها الأرواح النتنة... كذلك نحن، نفتح ذواتًا حسبناها مأوى، فإذا بها قبور، نضيء شمعة الأمل داخلنا لنرى وجه الحقيقة المتحلّلة.

العلبة ليست مجرد علبة. العلبة هي ذاتنا حين نكتم تناقضاتنا، نضغط على مشكلاتنا، نغلق على أحلامنا المهشّمة، ثم ننسى أن ما يُخزّن طويلاً يفسد، حتى وإن لم يُفتح. الفساد لا يحتاج إلى هواء، أحيانًا يكفيه الوقت.

وحين فُتح الغطاء، لم يخرج منه مجرد دخان فاسد. خرجت رائحة عمر بأكمله:
العلاقات التي بقينا فيها لأننا خفنا، الأفكار التي آمنّا بها لأن التصديق أيسر من التفكير، الانتماءات التي حملناها كأعلام، ثم اكتشفنا أنها كانت أكفانًا.

هل الفساد كان في العلبة؟
أم فينا، نحن الذين اخترنا ألا نشم؟ الذين صدّقنا الغلاف؟ الذين قالوا لأنفسهم: "هذا الطعم السيئ... طبيعي"؟

العلبة كانت فاسدة، نعم، لكننا نحن من أكلناها بكامل إرادتنا.
وهنا، في منتصف الغثيان، في صمت ما بعد الطعمة الأولى، تكتشف أن العطب لا يكمن في الفعل، بل في الثقة. في غياب الحذر. في الاعتياد.

وهكذا هو الإنسان: كعلبة سردين. مغلق في ذاته، يظن نفسه صالحًا لمجرّد أن أحدًا لم يفتح غطاءه بعد. لكن الداخل شيء آخر. الداخل مزيج من الملح والخوف، من الأمل الذي تخمّر بصمت حتى فسد. والاختبار لا يكون في الفساد، بل في الاعتراف به. في مواجهته. في أن تفتح غطاءك ذات يوم، وتشمّ، وتقول: "كفى."

في النهاية، لم نأكل سردينًا مفسدًا فحسب.
أكلنا أنفسنا ونحن نكذب أننا لا نعرف الطعم.
أكلنا الوعد المعلّب، الذاكرة المغلّفة، والأمل المؤجل على رفّ المعنى.
والآن، وقد انفتح الغطاء، لم يبقَ سوى سؤال واحد يطفو على سطح الزيت:
كم من العلب ما زلنا نخزّنها فينا، ونسمّيها: نجاة؟
Picsart_25-06-27_13-00-48-913.png


البشر والحياة ....

تجاربنا وما استفدناه منها

الحياة ليست الا فتره اقصر مما نتخيل ...

وأطول مما ندرك ..............

والابتلاءات قد تكون في صورة مادية وقد تكون في صوره معنويه

وقد تكون في صورة بشرية وهي الاعنف والاكثر تدميرا لأن تأثيرها ممتد ...


ولكن لي وقفة ....استدرك فيها تفكيرة لأعيدة الي الرشد

وهو اقتناعي ان لي ولك ولنا رب ...واحد احد فرض صمد

عند لحظات ضعفنا هو فقط من سيحمينا

وعند اللجوء اليه ..لن يخذلنا ابدااا


فلم لا نجرب اللجوء اليه مرات ومرات ومرات

ولم لا نقول بيننا وبين انفسنا أن الاستقامة هي خير الامور في الحياة

اختي الغالية جوري


افكارنا ..وتشتتات وشطحات أفكارنا ...قد نعتبرها بلحظة عبقريه ..والهام ...

ولكن قد نعتبرها بلحظات اخري خروج عن الاستقامة ..؟؟

وفي نظري افضل ما في الحياه صديق صدوق... واخ فاضل ...

اؤكد لك بوجودة رغم كل هذة الاحباطات في الدنيا


فما زال فيها الخير موجود



ساميـــــ


 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
Comment

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
62,083
مستوى التفاعل
25,580
مجموع اﻻوسمة
26
الفساد يبدأ بالطمأنينة....
كلام عميق ومليان صدق يوجع فعلا الفساد ما يجي فجأه هو يبدأ لحظه نطمن فيها ونكذب على انفسنا ونقول عادي الطعم كذا تعودنا عليه الصدق اننا خسرنا كثير لاننا ما فتحنا الغطاء من بدري بس يمكن الوقت الان مناسب نقول كفى ونبدأ نواجه وننظف دواخلنا قبل لا نتحول لعُلب ثانيه نخبّي فيها اوجاعنا باسم النجاة
شكرًا لك...
ليس فقط لأنك كتبت،
بل لأنك كشفتَ الغطاء عن جُرحٍ كنا نظنه شفاء،
وجعلتنا نسمع صوت الحقيقة
التي لطالما كمّمناها بعبارة: "تعودنا".

ردي عليك ليس حبرًا، بل انعكاس،
لأن كل حرفٍ منك ارتطم بشيء نائمٍ فينا،
شيءٌ كنا نعرفه،
لكننا نخجل من تسميته:
هزيمتنا الصامتة.

نعم، صدقتَ…
الفساد لا يجيء فجأة،
هو يبدأ حين نصافح الخطأ، ثم نؤثث له مقعدًا داخل قناعتنا،
حين نغلق الأبواب ونقول: هكذا الدنيا.

لكن ما كتبته ليس عتابًا…
بل جرس،
دعوة لننهض من داخلنا أولًا،
وننظف أرفف الصمت التي خزنّا فيها أكاذيب بحجم النجاة.

فشكرًا لك،
لأنك كتبت لا لتُرضي،
بل لتوقظ،
لا لتجمّل، بل لتُسمّي الأشياء بأسمائها،
ونحن بحاجة لهذا…
أكثر من حاجتنا لأي عزاءٍ مُعقّم.
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى