رحلة الروح بين بابين

أريد أن أسافر،
لكن إلى أين؟
هل هو السفر إلى مكان بعيد؟
أم السفر إلى أعماق روحي؟
لم أعد أعرف،
كل ما أعرفه أني أتعب.
أحمل فوق كتفيّ سنواتٍ من المسؤولية.
تحمّلت ما لا يطيقه الرجال.
كبرت قبل أواني.
كنتُ حيث يغيب الآخرون.
لم أكن مهزومًا، ولم أكن هاربًا،
بل كنتُ ابن اللحظة حين تتطلب الرجولة،
وابن الصبر حين يشتدّ الخطب.
فلماذا إذًا أريد أن أسافر؟
هل هي غربة داخلي؟
غربة لا يراها أحد، لكنها تنهشني كل يوم.
غربة الروح.
أشعر أني أقيم في جسدي، ولا أسكنه.
أتحدث، ولا يُسمع صوتي في الزحام.
أنا وحيد،
وفي صمتي أجد كلامًا أعمق.
أريد السفر،
لكن... مع من؟
من هو الرفيق الذي يفهمني دون أن أتكلم؟
من يشاركني صمتي لا حديثي؟
من يشعر بي قبل أن أتنهد؟
من لا يرى صورة، بل يرى ذاتي؟
هل هو إنسان؟
أم رباطٌ خفي مع السماء؟
رفيق روحي، يمشي معي في داخلي، لا بجانبي.
أريد السفر، ليس بجسدي فقط، بل بروحي.
أريد أن أغادر هذا العالم،
لا هروبًا منه،
بل توقفًا في عالم آخر...
عالمٍ تنكشف فيه الوجوه،
وتتعرّى النوايا،
لا تُزيّف، ولا تُجامل،
بل شفافية تنطق بالحق، دون أن ترفع صوتها.
لكن... إلى أي عالم؟
عالم البرزخ؟
عالم الغيب؟
ذلك الذي ينتظرنا بعد أن نغادر هذا التعب؟
أنا لا أخشى الموت،
فالموت سفر:
سفر من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة،
من صخب الحياة إلى سكون الأبديّة،
من التكليف إلى الراحة.
أو ربما، كل ما أحتاجه هو استراحة محارب.
لقد تعبت، نعم، تعبت...
لكنني ما زلت واقفًا.
كل فشلٍ زادني إصرارًا،
وكل خيبة عمّقت فيّ فهمي،
وكل لحظة ضعف، أنجبت لحظة وعي.
أريد أن أسافر،
لأختلي بنفسي،
لأسمعها جيدًا،
لأعيد ترتيب خرائط داخلي،
لأتُصالح مع انكساراتي.
أنا لم أكن يومًا رجل هزيمة،
بل رجل يعرف متى يتوقف ليستعيد أنفاسه،
ومتى يسير، ومتى يسجد.
بعد سنوات وتجارب،
أيقنت أن الراحة لا تأتي من تغيير المكان،
بل من تغيير المنظور.
أيقنت أن القرب من الله هو السفر الحقيقي،
وأن الطمأنينة ليست في الرفقة،
بل في الصدق مع النفس.
فيا نفسي،
هذه الرحلة تأخرت،
لأني كنت مشغولًا بواجباتي نحو أهلي، ووطني، ونفسي.
لكنني اليوم، على عتبة وعيٍ جديد،
أراكِ بوضوح،
وأمضي بكِ نحو نورٍ لا يخبو.
أيقنت:
من لم يسافر ببصيرته... ضاع،
ومن سافر بروحه... عاش،
ومن حمل نفسه فوق ما تطيق...
يستحق استراحة لا انسحاب،
ويستحق سلامًا لا شفقة،
ويستحق أن يعرف أن كل أرض تصبح وطنًا إذا كانت الروح فيها آمنة،
وكل خطوة يمكن أن تكون صلاة،
وكل صمت أصدق من ألف خطاب.
وهكذا أسافر،
لا أحمل حقيبة، ولا جواز سفر،
بل أحمل قلبي المتعب،
وروحي التي اشتاقت للسكينة.
أمضي لأعود،
أعود أكثر صدقًا مع نفسي،
أكثر وفاءً لحقّي،
أعود وقد غسلتني المسافات من شوائب الحياة،
فهي دار ابتلاء وامتحان،
دار لها بابان:
ندخل من أحدهما، ونخرج من الآخر.
أريد السفر بروحي،
ليس هروبًا من مسؤوليتي،
ولا إنكارًا لمن أنا،
بل عودة، وفي يدي مصباح صغير اسمه اليقين.
الرحلة لم تكن عبثًا،
وكل وجع فيها كان درسًا،
وكل عثرة... علامة طريق.
كنت على حق حين تعبت،
وهذا لا يُلغي الحقيقة، ولا يُنكر الواقع.
الرحلة لم تنتهِ،
لكنها بدأت من جديد... نعم،
بدأت حين عرفت أن السلام قرار،
وأن الإيمان سفر داخلي،
لا تحدّه خريطة،
ولا يمنعه جدار.
ها أنا ذا،
أسافر من الحياة... إلى الحياة،
بقلبٍ لا يحمل إلا النور،
وروحٍ تُصلّي بصمت،
ونفسٍ عرفت أخيرًا معنى السكينة.
قد يظن البعض أني كنت تائهًا عن الله،
أو أني عدت من غياب،
والحقيقة أني ما كنت غائبًا،
بل كنت أبحث عن المزيد:
عن نورٍ أعمق،
عن بصيرة لا تكتفي بمعرفة الطريق،
بل تسير فيه بقلبٍ مطمئن.
ما كتبته ليس إعلان توبة،
بل كشف ستر عن رحلة داخلية طويلة:
فيها اضطراب، وفيها سكينة،
فيها أسئلة، وفيها تسليم.
لا لأني جاحد،
بل لأني توقفت لأرى... أن الله كان أقرب مما ظننت،
هو في داخلي،
أقرب لي من نفسي،
لكن حجب الدنيا كثيرة.
والسكوت الطويل لا يعني الغياب،
بل ربما يعني: الإصغاء لما هو أعمق.
اليوم، لا أقول إني وصلت،
لكنني عرفت:
أن الدنيا دار ابتلاء،
وأن السلام... ليس هنا، بل هناك،
بعد أن نعبر.
هذه الدار لها بابان،
ندخل من أحدهما ونخرج من الآخر،
وما بين البابين: امتحان،
وبعض الصبر، والتجلّد،
وكثير من الرضا والمثابرة.
وهذا... ليس وداعًا،
بل وعد.
وعد بالسير بثقة،
لأن من كان مع الله، كان الله معه.
وإن ضاقت النفس يومًا،
فهي لا تنسى أن رحمته وسعت كل شيء،
وأن الطريق إليه ليس بالصراخ،
بل بالسكينة والتسليم.
رسالتي لكل قلبٍ متعب:
اهدأ قليلًا.
الدنيا ليست دار قرار،
هي مجرد ممرّ.
اعمل، ازرع، تنفّس،
لكن لا تتعلّق.
كن كمن يعيش للأبد،
ويعمل كأنه سيموت غدًا.
اللهم خذ بأيدينا إليك بالعطاء،
ولا تأخذنا بأيدينا إليك بالبلاء.
اللهم اجعلنا عبيد إحسان،
ولا تجعلنا عبيد امتحان،
وارزقنا العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
اللهم صلّ على سيدنا محمد،
النبي الأمي، الحبيب،
العالي القدر، العظيم الجاه،
وعلى آله وصحبه وسلّم.
بقلمي
أخوكم: أبو عبد الله
ولعل لي من اسمي نصيب،
فالعبد لا خلاص له إلا بالله،
ومن عرفه... فلا خوف عليه، ولا هو يحزن
.
لكن إلى أين؟
هل هو السفر إلى مكان بعيد؟
أم السفر إلى أعماق روحي؟
لم أعد أعرف،
كل ما أعرفه أني أتعب.
أحمل فوق كتفيّ سنواتٍ من المسؤولية.
تحمّلت ما لا يطيقه الرجال.
كبرت قبل أواني.
كنتُ حيث يغيب الآخرون.
لم أكن مهزومًا، ولم أكن هاربًا،
بل كنتُ ابن اللحظة حين تتطلب الرجولة،
وابن الصبر حين يشتدّ الخطب.
فلماذا إذًا أريد أن أسافر؟
هل هي غربة داخلي؟
غربة لا يراها أحد، لكنها تنهشني كل يوم.
غربة الروح.
أشعر أني أقيم في جسدي، ولا أسكنه.
أتحدث، ولا يُسمع صوتي في الزحام.
أنا وحيد،
وفي صمتي أجد كلامًا أعمق.
أريد السفر،
لكن... مع من؟
من هو الرفيق الذي يفهمني دون أن أتكلم؟
من يشاركني صمتي لا حديثي؟
من يشعر بي قبل أن أتنهد؟
من لا يرى صورة، بل يرى ذاتي؟
هل هو إنسان؟
أم رباطٌ خفي مع السماء؟
رفيق روحي، يمشي معي في داخلي، لا بجانبي.
أريد السفر، ليس بجسدي فقط، بل بروحي.
أريد أن أغادر هذا العالم،
لا هروبًا منه،
بل توقفًا في عالم آخر...
عالمٍ تنكشف فيه الوجوه،
وتتعرّى النوايا،
لا تُزيّف، ولا تُجامل،
بل شفافية تنطق بالحق، دون أن ترفع صوتها.
لكن... إلى أي عالم؟
عالم البرزخ؟
عالم الغيب؟
ذلك الذي ينتظرنا بعد أن نغادر هذا التعب؟
أنا لا أخشى الموت،
فالموت سفر:
سفر من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة،
من صخب الحياة إلى سكون الأبديّة،
من التكليف إلى الراحة.
أو ربما، كل ما أحتاجه هو استراحة محارب.
لقد تعبت، نعم، تعبت...
لكنني ما زلت واقفًا.
كل فشلٍ زادني إصرارًا،
وكل خيبة عمّقت فيّ فهمي،
وكل لحظة ضعف، أنجبت لحظة وعي.
أريد أن أسافر،
لأختلي بنفسي،
لأسمعها جيدًا،
لأعيد ترتيب خرائط داخلي،
لأتُصالح مع انكساراتي.
أنا لم أكن يومًا رجل هزيمة،
بل رجل يعرف متى يتوقف ليستعيد أنفاسه،
ومتى يسير، ومتى يسجد.
بعد سنوات وتجارب،
أيقنت أن الراحة لا تأتي من تغيير المكان،
بل من تغيير المنظور.
أيقنت أن القرب من الله هو السفر الحقيقي،
وأن الطمأنينة ليست في الرفقة،
بل في الصدق مع النفس.
فيا نفسي،
هذه الرحلة تأخرت،
لأني كنت مشغولًا بواجباتي نحو أهلي، ووطني، ونفسي.
لكنني اليوم، على عتبة وعيٍ جديد،
أراكِ بوضوح،
وأمضي بكِ نحو نورٍ لا يخبو.
أيقنت:
من لم يسافر ببصيرته... ضاع،
ومن سافر بروحه... عاش،
ومن حمل نفسه فوق ما تطيق...
يستحق استراحة لا انسحاب،
ويستحق سلامًا لا شفقة،
ويستحق أن يعرف أن كل أرض تصبح وطنًا إذا كانت الروح فيها آمنة،
وكل خطوة يمكن أن تكون صلاة،
وكل صمت أصدق من ألف خطاب.
وهكذا أسافر،
لا أحمل حقيبة، ولا جواز سفر،
بل أحمل قلبي المتعب،
وروحي التي اشتاقت للسكينة.
أمضي لأعود،
أعود أكثر صدقًا مع نفسي،
أكثر وفاءً لحقّي،
أعود وقد غسلتني المسافات من شوائب الحياة،
فهي دار ابتلاء وامتحان،
دار لها بابان:
ندخل من أحدهما، ونخرج من الآخر.
أريد السفر بروحي،
ليس هروبًا من مسؤوليتي،
ولا إنكارًا لمن أنا،
بل عودة، وفي يدي مصباح صغير اسمه اليقين.
الرحلة لم تكن عبثًا،
وكل وجع فيها كان درسًا،
وكل عثرة... علامة طريق.
كنت على حق حين تعبت،
وهذا لا يُلغي الحقيقة، ولا يُنكر الواقع.
الرحلة لم تنتهِ،
لكنها بدأت من جديد... نعم،
بدأت حين عرفت أن السلام قرار،
وأن الإيمان سفر داخلي،
لا تحدّه خريطة،
ولا يمنعه جدار.
ها أنا ذا،
أسافر من الحياة... إلى الحياة،
بقلبٍ لا يحمل إلا النور،
وروحٍ تُصلّي بصمت،
ونفسٍ عرفت أخيرًا معنى السكينة.
قد يظن البعض أني كنت تائهًا عن الله،
أو أني عدت من غياب،
والحقيقة أني ما كنت غائبًا،
بل كنت أبحث عن المزيد:
عن نورٍ أعمق،
عن بصيرة لا تكتفي بمعرفة الطريق،
بل تسير فيه بقلبٍ مطمئن.
ما كتبته ليس إعلان توبة،
بل كشف ستر عن رحلة داخلية طويلة:
فيها اضطراب، وفيها سكينة،
فيها أسئلة، وفيها تسليم.
لا لأني جاحد،
بل لأني توقفت لأرى... أن الله كان أقرب مما ظننت،
هو في داخلي،
أقرب لي من نفسي،
لكن حجب الدنيا كثيرة.
والسكوت الطويل لا يعني الغياب،
بل ربما يعني: الإصغاء لما هو أعمق.
اليوم، لا أقول إني وصلت،
لكنني عرفت:
أن الدنيا دار ابتلاء،
وأن السلام... ليس هنا، بل هناك،
بعد أن نعبر.
هذه الدار لها بابان،
ندخل من أحدهما ونخرج من الآخر،
وما بين البابين: امتحان،
وبعض الصبر، والتجلّد،
وكثير من الرضا والمثابرة.
وهذا... ليس وداعًا،
بل وعد.
وعد بالسير بثقة،
لأن من كان مع الله، كان الله معه.
وإن ضاقت النفس يومًا،
فهي لا تنسى أن رحمته وسعت كل شيء،
وأن الطريق إليه ليس بالصراخ،
بل بالسكينة والتسليم.
رسالتي لكل قلبٍ متعب:
اهدأ قليلًا.
الدنيا ليست دار قرار،
هي مجرد ممرّ.
اعمل، ازرع، تنفّس،
لكن لا تتعلّق.
كن كمن يعيش للأبد،
ويعمل كأنه سيموت غدًا.
اللهم خذ بأيدينا إليك بالعطاء،
ولا تأخذنا بأيدينا إليك بالبلاء.
اللهم اجعلنا عبيد إحسان،
ولا تجعلنا عبيد امتحان،
وارزقنا العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
اللهم صلّ على سيدنا محمد،
النبي الأمي، الحبيب،
العالي القدر، العظيم الجاه،
وعلى آله وصحبه وسلّم.
بقلمي
أخوكم: أبو عبد الله
ولعل لي من اسمي نصيب،
فالعبد لا خلاص له إلا بالله،
ومن عرفه... فلا خوف عليه، ولا هو يحزن
.
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : رحلة الروح بين بابين
|
المصدر : خواطر بريشة الاعضاء