تواصل معنا

لا داعي للمنبّهات، ولا لتطبيق "أذان برو"، ولا حتى لتقنية الـ"سنوز" التي تمنحك مهلة حياة. يكفي أن تسكن حارتنا، حيث فخامة اللواء أبو بطاطا، يحكم المدينة... من...

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
65,010
مستوى التفاعل
26,304
مجموع اﻻوسمة
31
الحاكم العسكري للفجر
Picsart_25-07-21_10-45-30-509.jpg

لا داعي للمنبّهات،
ولا لتطبيق "أذان برو"،
ولا حتى لتقنية الـ"سنوز" التي تمنحك مهلة حياة.
يكفي أن تسكن حارتنا،
حيث فخامة اللواء أبو بطاطا،
يحكم المدينة... من فوق عربة خضار.

الساعة السادسة وخمس عشرة دقيقة،
يخرج من ظلال الأزقّة كما يخرج الحَسَد من قلب الجار،
يحمل مكبّره كأنّه مدفع رشاش،
ويبدأ العرض العسكري:

“بطاطاااااا! بندورةاااا! أرب أرب يا حباااب!”

تسقط البيوت على قفاها من الرعب.
البعض يظن أن حربًا بدأت،
والبعض الآخر يسأل:
هل نحن في ثكنة أم في سوق خضار؟

لا يعرف الإجازات،
لا السبت اليهودي يثنيه،
ولا الأحد المسيحي يوقفه،
ولا حتى الجمعة الإسلامية تؤخره دقيقة واحدة!

لو عطّل العالم كله،
أبو بطاطا لا يعطّل.
قد يغيب رئيس الدولة، يغيب البريد، تغيب الشمس،
لكن "أرب أرب يا حباب"؟
مستحيل أن تتأخر ثانية.

كنا نعيش في مملكة يحكمها رجل واحد…
يرتدي بنطالًا يقطعه الزمان،
وحذاءً صرّافًا،
ومكبّرًا يصرخ فيه كأنّه يخطب في الأمم المتحدة!
في البدء، كنتُ أكرهه.
ثم صرت أخافه.
ثم أصبحت أعتمد عليه أكثر من اعتمادي على أبي!

هو من علّمني ما لم تعلّمه المدرسة:
أن من يملك صوتًا عاليًا، يملك السلطة.
أن الطماطم لا تنضج في السوق، بل تنضج في الرعب.
وأن البندورة لا تُقاس بالحجم، بل بقدرتها على الإيقاظ.

كان بإمكانه قيادة كتيبة،
لكنه اختار أن يقود عربته
ويهزمنا كل صباح… ونحن نائمون.

ويا للمفارقة!
نحن الذين نحمل الشهادات، ونفهم الوقت، ونملك الجداول،
نحن من خسرنا معركة الصباح أمام... بائع خضار!
كبرنا،
وصرنا نكتب نصوصًا مثل هذا،
نحاول أن نفهم كيف يمكن لصوت "بطاطا!"
أن يحفر في ذاكرتنا عُمقًا لا تحققه قصيدة!

ولعلك تسألني الآن:
أين هو؟
أين اختفى الجنرال؟

إن ظننتَ أن حاكمنا العسكري قد اختفى، فأنت لا تعرف شيئًا عن نظام الوراثة في الشرق.
الرجل، الجنرال الكبير، صاحب "أرب أرب يا حباب"، لم يمت، لم يتقاعد، لم يُختطف إلى الثورات أو التحديث.
لا…
بل فعل كما يفعل الطغاة والملوك:
أورث مهامه.

قسم اليوم كما تُقسّم الغنائم،
فمنذ اختفائه الرمزي على عربته المهترئة،
خرج أولاده الواحد تلو الآخر،
كلٌّ بصوته، وكلٌّ بندائه، وكلٌّ بزمنه المخصّص له في دستور العائلة العظيم.

فجرًا، يتسلل الجنرال بطاطا الابن الأول،
لا يحيد عن توقيت أبيه المقدس:
السادسة وخمس عشرة دقيقة.
يهتف، لا بنداء الخضار فقط، بل باسم العائلة أيضاً،
"بطاطاااا! بندورة! تحيا الجمهورية البندورية !"

ثم، في تمام السابعة والنصف،
يأتي ابنُه الثاني: النقيب غاز.
صوته يشبه تسريبًا من أسطوانة فارغة:
"غـــــاز! غاز يا ناس! العبوات فاضية ومفيش طبخ اليوم!"
يكررها، كأنّ نهاية العالم متعلقة بإعادة تعبئة الأسطوانة!

وفي التاسعة،
يندفع ابن آخر..... الملازم فطور
يصرخ بأسماء أدوات المطبخ:
"صواني! صحون! ملاعق ناقصة!"
صوته مزيجٌ من فزعٍ منزلي وعسكريّة أمٍّ انتهى صبرها.

ثم تأتي الظهيرة،
العقيد ....خُبز يمرّ،
يحمل سَلة ويصيح "خبز طازة! من التنّور مباشرة! اللي نام جوعان، يفيئ ليشبع!"

وقبل المغرب بدقائق،
تطل المقدّمة شعيرية،
ابنته الوحيدة، تقود عربتها الوردية الصغيرة،
وتهتف: "شعيرية! رزّ!!"
تنثر البهارات كما ينثر السحَرة الغبار في الحكايات.

ولا أحد منهم يتعدى وقته.
فالقانون الأعلى ما زال محفوظًا:
لا أحد يعلو فوق صوت "أرب أرب يا حباب".
إنه نشيد وطنيّ صغير، هزّ أركان النعاس،
وجعل من حيٍّ بسيط،
دولة يقودها جدولٌ من الصراخ المنتظم.
أجل،
لم يختفِ الجنرال… بل استنسخ نفسه،
أنجب جيشًا كاملاً،
كلّ فرد فيه مختصّ في التنغيص اليومي،
بخطة دقيقة، وبسلاسة تامة،
حتى غدت الحياة أشبه بمارش عسكري تُديره عائلة،
والمطبخ ميدانهم،
والحارة هي ساحة العرض.

ولك أن تتخيل،
أن تُولد، وتكبر، وتشيخ،
وكل يوم من عمرك،
تُوقَظ على يد أحد أفراد هذه العائلة النبيلة!

إنهم لا يحكموننا فقط... بل يضبطون دقات قلب المدينة.
وبين كل نداء ونداء،
نتنفس الحياة... مجزأة،
كما أرادها جنرال الطماطم الأول.
🟣🟣🟣🟣🟣🟣
نهاية المقال شكرا ل يعرُب @يعرُب
لأنه من أوحى لي بهذه الفكرة
🟣🟣🟣
 

روح

💎نجمةالغابة الساطعة(مسؤلة فعاليات والمسابقات)
إنضم
3 سبتمبر 2024
المشاركات
17,905
مستوى التفاعل
5,657
مجموع اﻻوسمة
11
الحاكم العسكري للفجر
ما كتبته ليس مجرد نص…
بل أوبرا صباحية تُعزف فيها أصوات الخضار، ويقودها مايسترو بحذاءٍ صرّاف ومكبّر صوت!

سردكِ جعلنا نُسلِّم أن البطاطا ليست مجرد درنة…
بل رمز، وشعار، ونشيد وطني يُعلن بدء الحياة!

أنتِ لم تكتبي قصة عن بائع متجوّل…
أنتِ رسمتِ جغرافيا كاملة للضجيج المُقدّس
جعلتنا نقرأ ونضحك ونغمض أعيننا ونحن نسمع صوته كأنه يُنادينا من بين السطور

شكراً لكِ لأنكِ منحتِنا لحظة حبّ لشيء كنا نراه مزعجًا
ثم فجأة… صار جزءًا من حكايتنا الكبيرة
أبدعتِ حدّ الصحوة ☕☕
 
1 Comment
الجوري
الجوري commented
شكرا لهذا المرور الأكثر من لطيف
والأشد من جميل
 

هدوء

💎مستشار اداري
نائب المدير العام
إنضم
24 مارس 2022
المشاركات
49,851
مستوى التفاعل
36,292
مجموع اﻻوسمة
20
الحاكم العسكري للفجر
وانت اوحيت لنا بأن هنا عالم مختلف

من الجمال .: بدأته بعناية واوسطته بعناية

وحين شارفت ع الانتهاء اسدلتي ستائر

الوداع بأجمل نهايات البداية ..:


هي الحيآه يآ رفيقه بتقلبها تكاد تخنق أنفآسنآ

نتفرج ع الحياة دون الوقوف
مع أحد ما

حيث لا إنتصار سوى للوقت الذي
يتسلق ع سنين الناس


تاركاً تضاريس في أرواحهم المشوهه




؛
ختم يليق / وتقييم يليق /
 
التعديل الأخير:
2 Comments
الجوري
الجوري commented
تحت القشور عوالم تختلف عن تلك التي نراها من الخارج
مستشارنا انرتني بشدة
 
الجوري
الجوري commented
ممتنه لختمك الالق وتقيمك العبق
 

عابر الأوهام

كبار الشخصيات
عضو مميز
إنضم
18 يونيو 2025
المشاركات
6,531
مستوى التفاعل
3,244
مجموع اﻻوسمة
6
الحاكم العسكري للفجر
سأنحني، ليس مجازًا بل حقيقة و احترامًا،
لقلمٍ استطاع أن يُقيم جمهوريات من البطاطا،
ويصنع من الضوضاء اليومية ملحمة أدبية.
يا لهذا النص!
نصٌّ نَسَج تفاصيلنا اليومية بأدق ما في ذاكرتنا من ضجيج
وحوّل بائع الخضار من "إزعاج صباحي" إلى أسطورة شعبية،
من صُراخٍ مزعج
إلى نشيدٍ وطني يُوقظ الحنين،
ويزرع الابتسامة في وجوهنا.
كم من “أبو بطاطا” في حياتنا مرّ
فلم ننتبه أنه كان يكتب معنا،
دون أن يمسك قلما.
نصّك وثيقة حيّة
لضحكٍ مغطّى بالحكمة،
ووجعٍ مدهون بطماطم الذاكرة.
تحية لك
ولجنرالات الحارات العربية كافة.
 
1 Comment
الجوري
الجوري commented
بالفعل انها جمهورية لا نعرف عنها الا ذلك الصوت الذي ازعج أحيانا واعتدناه اطوارا حتى بات من سلسلة ايامنا لا يمكن أن نستغني عنه
أكرم كريم أنت بردودك علي دام وجودك ممتنة لك جداا
 

ندى الورد

سيَدِة آلُقصرٍ
المدير العام
إنضم
17 مايو 2021
المشاركات
109,261
مستوى التفاعل
96,162
الإقامة
من المدينة المنورة
مجموع اﻻوسمة
34
الحاكم العسكري للفجر
الجوري
مبدعة رأيت
سرد واسلوب
جعلني اعيش
الاحداث وكانني
كل يوم افيق على هذا
الصوت معنى عميق
كيف ان صاحب العربة
يعمل هذه المملكة الخاصه
به روعه عجبتني واسلوبك يعتمد
على فانتازيا منقة ومرتبة في الشرح
دوما مبدعة في كل المجالات دمتي وحفظك الرحمن والشكر ل يعرُب @يعرُب
 
1 Comment
الجوري
الجوري commented
غاليتي سرني أن المقال قد أعجبك
دام حضورك الألق دائما يا سعادتي انت
 

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
65,010
مستوى التفاعل
26,304
مجموع اﻻوسمة
31
الحاكم العسكري للفجر
سيناا @سيناا
تعا يا سينا اكيد مر عليك متل هيك سوالف
 
Comment

وعـــد 🎵

مشرفة قسم الاصدقاء كافيه
الاشراف
إنضم
3 فبراير 2023
المشاركات
32,167
مستوى التفاعل
18,663
الإقامة
بين الغيوم 🤍✨
مجموع اﻻوسمة
12
الحاكم العسكري للفجر
أيّتها المتربّعة على عرش السخرية الراقية،
قد كتبتِ، فما كان النصّ مجرّد حكاية،
بل طقوسًا كاملة لحياة تُروى على لسان الجنرال وأعوانه،

نصّك لوحةٌ نابضة،
تُضحكنا من شدّة الألم، وتُوقظ فينا صباحاتٍ كنّا نظنّها عابرة.

أبو بطاطا في سطورك ليس بائعًا،
بل ذاكرة تسير على عجلات،
وصوتٌ اخترق جدران الطفولة والروتين معًا،
جعل من الخضار أناشيد وطن،
ومن عربته دستورًا للحارة.

ما أبلغكِ حين تُلبسين النثر روحًا،
وحين تنثرين الضحك وفيه ألف نايٍ
من حنين.

دمتِ كما أنتِ…
دهشة تُكتب، وذاكرة تُروى، وحرفٌ لا يُنسى
 
1 Comment
الجوري
الجوري commented
الدهشة تولد حروفا لم نعلم انها موجودة بقواميس حياتنا والمواقف تولد كلمات لم نكن نعلمها سابقا
وبين حرف وكلمة تولد دهشة تخطف قلبا بصرا وتولد بصيرة لننظر للأمور من زوايا غير التي نراها
ممتنه لك يا وعد حضورك ألق
 

Lionheart

شاعر الغابه
شاعر الغابه
إنضم
28 يناير 2022
المشاركات
11,375
مستوى التفاعل
2,657
مجموع اﻻوسمة
8
الحاكم العسكري للفجر
وكأن النص هنا يشير أن
"أبو بطاطا" ليس بائعًا
بل رمز للحاكم المستبد
وصوته ليس مناداة
بل وسيلة للسيطرة على الناس
والنظام الذي أنشأه
هو صورة مصغّرة لأنظمة
الحكم الوراثي في الشرق
حيث الصوت العالي
لا العدالة أو الكفاءة
هو الذي يفرض النظام

نعم احسنتِ
السلطة ليست في المنصب
بل في التكرار والصوت
فمن يوقظك كل يوم
يملك زمام يومك
ولو كان بائع خضار

سيدتي الجوري

لقد رسمتِ بكلماتكِ
لوحةً تُثبت أن العبث اليومي
قد يتحوّل إلى نظام
وأن الفوضى إذا انتظمت
صارت قدَرًا نعيشه ونحبه
من صوت الخضار صنعتِ
سردية عن إرث السلطة
وعن كيف تصنع العادة طغاتها
وتُربّي فينا قابليتنا للاستسلام لهم

فشكرًا لكِ
على نصٍ نابض بالحياة
صاغ الفوضى شعراً
والنظام سخرية
أمتعتِنا بفلسفة يومية عميقة
تختبئ خلف عربة خضار
وصوتٍ يوقظ الذاكرة

دمتِ مبدعة

تحياتي
 
1 Comment
الجوري
الجوري commented
نحن نقبع تحت حكم سيد البطاطا صاحب العربة والصوت الجهوري لا مناص لنا منه
قد يختلف النداء ولكن الشعب لم يختلف
كلها قوانين وبروتوكولات نسير عليها مجبرين كما نحن مجبرين أن نستمع لصوت الباعة كل يوم
انها لعبة سياسية ترويض الشعب قد لا نراها هكذا لكن بعض التأمل نجد أن واقعنا ماهو الا بائع البطاطا ونحن
ممتنه لك ليون دائما تسعدني كلماتك وردودك الجميله التي تلمس القلب
 

نص عقل

شهب الغابة المضيئ 💎
عضو مميز
إنضم
31 ديسمبر 2024
المشاركات
20,557
مستوى التفاعل
5,478
مجموع اﻻوسمة
7
الحاكم العسكري للفجر
نص فيه من التورية لحال الأمة
لكن الرضا بالحال مادامت توفر لك
درجات من الأمن سواء الغذائي أو القومي أفضل من لاشي
ففخامة بائع البطاطا ومن سيأتي بعده
من أحفاده أرحم من بائع البارود
تحيتي وتقديري جوري على روعة طرحك
 
1 Comment
الجوري
الجوري commented
كل الامتنان والتقدير للمداخلة التي لمست قلب النص
 

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى