قد كنت. قس بن ساعدة

[جاروط]

قَد كُنتُ أَسمَعُ بِالزَمانِ وَلا أَرى
أَنَّ الزَمانَ يُطيقُ نَتفَ جَناحي

فَأَراهُ أَسرَعَ فِيَّ حَتّى أَصبَحَت
بيضاً مُتونُ عَوارِضي مِن أَراحي

وَأَنا الكَبيرُ لِنِسبَةٍ في قَومِهِ
هَيهاتَ كَم ناسَمتُ مِن أَرواحي

صافَحتُ ذا جَدَنٍ وَأَدرَكَ مَولِدي
شَمِرُ بنُ عَمرٍو يُتَّقى بِالراحِ

وَالقَيلُ ذو يَزَنٍ رَأَيتُ مَحَلَّهُ
بِالقَهرِ بَنيَ جَنادِلٍ وَصِفاحِ

فَتَكَ الزَمانُ بِمُلكِ حِميَرَ فَتكَةً
تَسعى بِكُلِّ عَشِيَّةٍ وَصَباحِ

أَودى أَبو كَرِبٍ وَعَمرٌو قَبلَهُ
وَأَبادَ مُلكَ أُذَينَةَ الوَضّاحِ

وَأَبادَ أَفريقيسَ بَعدَ مَقامِهِ
في المُلكِ بِالمُستَغرِقِ المُجتاحِ

وَالصَعبُ ذو القَرنَينِ أَصبَحَ ثاوِياً
بِالحِنوِ بَينَ تَلاعُبِ الأَرواحِ

وَغَدا بِأَبرَهَةَ المَنار فَأَصبَحَت
أَيّامُهُ مَسلوبَةَ الإِصباحِ

أَخنى عَلى صَيفي بِحادِثِ صَرفِهِ
مُستَأثِراً بِجَذيمَةَ الوَضّاحِ

آفآيْنَ عَلكَدَةُ الهُمامُ وَمُلكُهُ
أَم أَينَ عِزُّ عَبادَةَ الفَتّاحِ

لا تُمسِ في شَكِّ المُنونِ أَما تَرى
أَيّامُهُ مَشهورَةَ الإيضاحِ

لا تَأمَنَن مَكرَ الزَمانِ فَإِنَّهُ
أَردى الزَمانُ بِشَمَّرَ الوَضّاحِ

بَرَكَ الزَمانُ عَلى اِبنِ هاتِكِ عَرشِهِ
وَعَلى أُذَينَةَ سالِبِ الأَنواحِ

وَعَلى الَّذي كانَت بِموكَلِ دارِهِ
نُهبُ القِيانِ وَكُلِّ أَجرِ وِشاحِ

مِن بَعدِ مُلكِ الصينِ أَصبَحَ هالِكاً
أَكرِم بِهِ مِن هالِكٍ مُجتاحِ

إِنَّ الَّذينَ تَمَلَّكوا وَقَد أُهلِكوا
وَعَلى المُقَنَّعِ حَلَّ بِالأَبراحِ

شَخَصَت عَلى بُعدِ النَوى أَشخاصُهُم
فَراتَهُم الأَوهامُ كَالأَشباحِ

أَفَبَعدَ أَملاكٍ مَضَوا مِن حِميَرِ
يُرجى الفَلاحُ وَلاتَ حينَ فَلاحِ

مَن ذا تَصافَقَ كَفُّهُ كَفَّ الرَدى
يَشري التُقى عَن بَيعَةِ الأَرواحِ

قس بن ساعدة

 

[جاروط]

الزمن والشيخوخة

*قد كنت أسمع بالزمان ولا أرى

أن الزمان يطيق نتف جناحي*

- يبدأ قس بن ساعدة بالتعبير عن دهشته من سرعة مرور الزمن، فقد كان يسمع عنه دون أن يشعر بتأثيره، حتى بدأ الزمن "ينتف جناحيه"، أي يسلبه قوته وشبابه.

*فأراه أسرع فيّ حتى أصبحت

بيضًا متون عوارضي من أراحي*

- يصف كيف غزاه الشيب، فصارت جوانب لحيته بيضاء، دلالة على تقدم العمر، وهو تصوير شعري مؤثر لتحول الجسد بفعل الزمن.

---

الفخر بالنسب والمكانة

*وأنا الكبير لنسبةٍ في قومه

هيهات كم ناسمتُ من أرواحي*

- يفتخر بمكانته بين قومه، ويشير إلى تجاربه الكثيرة، وكأنه عاش أرواحًا متعددة، أي مرّ بتجارب لا تُحصى.

*صافحتُ ذا جدنٍ وأدرك مولدي

شمر بن عمرو يُتقى بالراحِ*

- يذكر أنه عاصر ملوكًا كبارًا مثل "ذا جدن" و"شمر بن عمرو"، مما يدل على طول عمره ومكانته الرفيعة.

---

تقلب الملك وزوال العروش

*والقيل ذو يزنٍ رأيت محله

بالقهر بني جنادلٍ وصفاحِ*

- يتحدث عن سقوط ملك "ذو يزن"، الذي كان عظيمًا، لكنه هُزم بالقوة، مما يرمز إلى أن الملك لا يدوم.

*فتك الزمان بملك حمير فتكةً

تسعى بكل عشيةٍ وصباحِ*

- الزمن لا يرحم، فقد أطاح بملوك حمير، وأصبح الفتك بهم أمرًا يوميًا، صباحًا ومساءً.

*أودى أبو كربٍ وعمرو قبله

وأباد ملك أذينة الوضاحِ*

- يعدد أسماء ملوك زال ملكهم، ليؤكد أن الزمان لا يُبقي أحدًا مهما علا شأنه.

---

الزوال العالمي

*وأباد أفريقيس بعد مقامه

في الملك بالمستغرق المجتاحِ*

- حتى "أفريقيس"، الذي ملك بلادًا واسعة، لم يسلم من الفناء.

*والصعب ذو القرنين أصبح ثاوياً

بالحِنو بين تلاعب الأرواحِ*

- حتى "ذو القرنين"، الذي يُضرب به المثل في القوة، انتهى إلى القبر، حيث تتلاعب الأرواح.

*وغدا بأبرهة المنار فأصبحت

أيامه مسلوبة الإصباحِ*

- يشير إلى "أبرهة"، الذي حاول هدم الكعبة، وكيف انتهى ملكه فجأة.

---

العبرة والتحذير

*لا تأمنن مكر الزمان فإنه

أردى الزمان بشمر الوضاحِ*

- يحذر من غدر الزمان، فهو لا يفرق بين قوي وضعيف، وقد أطاح بـ"شمر الوضاح" رغم قوته.

*أفبعد أملاكٍ مضوا من حمير

يرجى الفلاح ولات حين فلاحِ*

- يتساءل: هل بعد كل هؤلاء الملوك الذين زالوا، يُرجى النجاح؟ وكأنه يقول إن الفلاح الحقيقي ليس في الملك، بل في التقوى.

*من ذا تصافق كفه كف الردى

يشري التقى عن بيعة الأرواحِ*

- يختم بحكمة عظيمة: من يواجه الموت، فليكن زاده التقوى، فهي التجارة الرابحة حين تُباع الأرواح.

---

الرسالة العامة
القصيدة ليست مجرد رثاء للملوك، بل هي دعوة للتأمل في مصير الإنسان، وزوال الدنيا، وضرورة التزود بالتقوى. قس بن ساعدة يضعنا أمام مرآة الحقيقة: لا خلود، لا أمان، لا فلاح إلا في طاعة الله.

 

[نسيم الأيام.~]

مَن ذا تَصافَقَ كَفُّهُ كَفَّ الرَدى
يَشري التُقى عَن بَيعَةِ الأَرواحِ
------
كمل الجمال من البحور الكامل .

قصيدة عالية الكعب ،جزلة الألفاظ،وفيها عظة وعبرة ،لكل من أراد أن بعتبر..!
بارك الله فيك أستاذنا الفاضل @جاروط
لجميل الإنتقاء ،وطيب القصد ،والمقصد.
تحياااتي وكل التقدير ..

 

[جاروط]

مَن ذا تَصافَقَ كَفُّهُ كَفَّ الرَدى
يَشري التُقى عَن بَيعَةِ الأَرواحِ
------
كمل الجمال من البحور الكامل .

قصيدة عالية الكعب ،جزلة الألفاظ،وفيها عظة وعبرة ،لكل من أراد أن بعتبر..!
بارك الله فيك أستاذنا الفاضل @جاروط
لجميل الإنتقاء ،وطيب القصد ،والمقصد.
تحياااتي وكل التقدير ..

تسلم ياغالي
هي كما قلت من عيون الحكمة، وقد اعجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشعره كما قال بعض الرواة

اسعدك الله وحفظك